||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 292- الفوائد الأصولية (الحكومة (2))

 92- بحث اصولي: المعاني العشرة للحجة

  147- (الورع عن محارم الله) و (محاسن الاخلاق) من اعظم حقوق الامام صاحب العصر والزمان (عجل الله فرجه)

 245- الاستشارية شعاع من اشعة الرحمة الالهية وضوابط وحدود الاستشارة

 دراسة في كتاب "نسبية النصوص والمعرفة ... الممكن والممتنع" (16)

 312- الفوائد الأصولية: القصد (3)

 338-(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (13) مؤشرات الفقر والهجرة وسوء توزيع الثروة

 433- فائدة صحية: تقوية حافظة الإنسان

 138- (قصد بيت الله) و (قصد خليفة الله) هما المقوّمان الاساسيان للحج

 446- فائدة عقائدية: حقيقة الوحي وعلم النبي (صلى الله عليه وآله) به



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23951370

  • التاريخ : 18/04/2024 - 18:03

 
 
  • القسم : الفوائد والبحوث .

        • الموضوع : 170- مباحث الأصول : (مبحث المفاهيم) .

170- مباحث الأصول : (مبحث المفاهيم)
12 رمضان 1438هـ

مباحث الاصول : ( مبحث المفاهيم)*
جمع واعداد: الشيخ عطاء شاهين
          
الفائدة الأولى: هل دلالة المفهوم  مستفادة من الوضع أو من العقل؟.
إن الظواهر قائمة باللفظ ، كما في ظهور (العلماء) في العموم و(العالم) في الإطلاق، وأما المفاهيم[1] ففيها خلاف، فقد ذهب القدماء [2]إلى أن دلالة اللفظ على المفهوم عقلي[3]، فإنه استناداً إلى أن المتكلم حكيم[4] استقرّ بناء العقلاء على أن هذا القيد ـ كالشرط والوصف ـ لم يذكر إلا لغاية الانتفاء عند الانتفاء، أي لإفادة كونه هو العلة المنحصرة للحكم فيرتفع برفعه، وذهب المتأخرون[5] إلى أن دلالة الجملة ـ إما بالوضع أو بالإطلاق ـ على كون الشرط أو الوصف علة منحصرة للحكم فيرتفع برفعه[6].

الفائدة الثانية: إن المرجع في تحديد المفاهيم هو العرف، وأما المرجع في تحديد المصداق والانطباق فهو العقل، ويمكن أن يكون العرف مرجعاً في تحديد الأمرين.
بحث تطبيقي:
هل أن رفع المنكر هو واجب فقط، أم أن الدفع عنه واجب أيضاً؟ فلو أراد شخص أن ينظر إلى امرأة أجنبية فهل يجب نهيه عن المنكر وعن النظر قبل أن يحصل منه ذلك، بمعنى أن نحول دون ذلك دفعاً؟
ذهب السيد الخوئي قدس سره - وجمع من الفقهاء ولعله المشهور  - بعدم وجوب نهيه[7]؛ لأن الواجب هو رفع المنكر بعد وجوده لا دفعه، وهذا على خلاف مثل رأي السيد الوالد، الذي يرى بأن الدفع كالرفع واجب وبلا فرق بينهما.
كما لو كان لدينا رجل فاسق يشرب الخمر جرعة جرعة، فهل يجب نهيه عن المنكر أو لا؟ بحسب مسلك أن الدفع ليس بواجب: لا يجب ذلك أبداً؛ وذلك لأن هذا الفاسق عندما يوجه إليه الخطاب ويقال له: لا تشرب الخمر، فهل هذا النهي موجّه للجرعة السابقة، لكنها قد مضت وانتهت، والماضي لا ينقلب عما وقع عليه فالنهي عنها بالمحال، أو أن النهي موجه للجرعة التي لم يشربها بعد؟ لكن هذا دفع وليس برفع؛ لأنه لم يحصل منه الشرب لحد الآن، وحاصل ذلك أن النهي عن هذا المنكر ليس بواجب مطلقاً، والأمر كذلك في كل المحرمات الأخرى، حيث إن كل محرم مبتلٍ بحدين: زمن المضي والمستقبل، وكل منهما فيه ما فيه من الإشكال[8].
  وقد أجاب السيد الخوئي على هذا الكلام بقوله : بأن مرجع الرفع وإن كان إلى الدفع بالتحليل والتدقيق[9]، إلا أن الأحكام الشرعية وموضوعاتها لا تبتني على التدقيقات العقلية، ولا شبهة في صدق رفع المنكر في العرف والشرع على منع العاصي عن إتمام المعصية التي ارتكبها بخلاف الدفع[10].
وهذه الكبرى[11] التي ذكرها السيد الخوئي - من أن المدار هو العرف -  صحيحة، وعليها نبني مناقشتنا الرابعة معه فنقول: لا شبهة في صدق التعاون على الإعانة عرفاً؛ لأن المرجع في ذلك هو العرف أيضاً لا التدقيقات الصرفية؛ والعرف يرى في إعانة زيد عمرو أو بكرٍ خالداً وهكذا، مصداقاً للتعاون، وأنهم بذلك قد امتثلوا قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى}[12].
 بل نقول: إنه بقطع النظر عن الحالة المجموعية، فإن شخصاً لو أراد أن يبني مسجداً وطلب من شخص أن يعطيه لبنة (طابوقة) فناوله إياها، كانت تلك الإعانة من الأخير تعاوناً منه مع الأول.
ولكن قد يورد على قوله قدس سره [13]: أن ما ذكره خلاف مبناه العام في مورد مرجعية العرف، ويتضح ذلك بطرح سؤالين والجواب عنهما بحسب مسلكه وهما:
أولاً: ما هو المرجع في تحديد المفاهيم؟
وثانياً: وما هو المرجع في تحديد المصاديق؟
والجواب: إن المرجع  لديه ولدى المشهور  في تحديد المفاهيم هو العرف، وأما المرجع في تحديد المصاديق فهو العقل وليس العرف.
ومثال ذلك : مفهوم الغناء أو الوطن أو الآنية أو غيرها، فإن الذي يحدد أبعاد هذه المفاهيم المختلفة وحدودها هو العرف لا غير، وهذا مما لا كلام فيه، إذ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ}[14].
 وأما مصداقية المصداق والصدق والانطباق فالمرجع فيه هو العقل، بل الدقة العقلية.
ومثال ذلك: لو سألنا العرف ما هو الفرسخ؟
وأجاب بأنه خمسة ونصف كيلو متراً ، فعلى هذا فإن مرجعيته تنتهي إلى هذا الحد  من تشخيص المعنى والمفهوم .
وأما تطبيقه مفهوم الفرسخ على ما نقص بسانتي متر واحد مثلاً فقط يكون مسامحةً، فلا حجية ولا مرجعية له فيه، ولذا لو قطع أحدهم المسافة المذكورة ولكنها نقصت بسنتمتر واحد فإن العنوان ـ وهو الفرسخ ـ لم يتحقق بحكم العقل، فإنه من خلال دقته يحكم بأن ذلك الشخص لم يقطع حد الفرسخ.
وأما تسامح العرف في الفرسخ فلا حجية له، والكلام هو الكلام في الرطل، فلو ذكر الشرع أن الكر يساوي (1200) رطلاً عراقياً، وهنا فإن مفهوم الرطل يحدده العرف، لكنه بعد تحديده له فإن التطبيق والتمصدق يترك للعقل، هذا هو رأي المشهور، لكنه لدينا غير منصور بما ذكرناه في بعض المباحث.
وموطن الإشكال هو أن ما ذكره هنا هو خلاف مبناه، فإن مدار جوابه هنا هو صدق الكلي على أفراده[15]ليست للعرف، بل للعقل، وهذا الإشكال وارد على مبناه ومَنْ تبنى رأيه، لكنه بحسب ما نستقربه لا إشكال فيه؛ حيث نرى أن العرف مرجع في تشخيص المفهوم، كما نراه مرجعاً في تشخيص المصداق أيضاً [16].

الفائدة الثالثة: التعريفات المخترعة لا تصلح أن تكون ضابطة لتحديد المفهوم.
ولابد من الإشارة إلى أمر هام جداً، وهو أن كثيراً من الناس والأفاضل يقعون في منشأ خطأ كبير، وهو تعريفِ مفهومِ موضوعٍ قد ورد في رواية من الروايات، ثم الدوران حول هذا التعريف المبتدع سعة وضيقاً، وهذا خطأ منهجي؛ لأن حدود التعريف قد لا تطابق المعرَّف، أي: ما هو في عالم الثبوت وعند الله تعالى قد أخذ موضوعاً.
بحث تطبيقي:
 في قوله تعالى: {وأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}[17] نجد أن بضعهم عرّف البيع: بمبادلة مال بمال[18]، ثم بعد ذلك جعل المدار في البحث على (مالٍ بمال) أو على مالية الشيء، وهذا خطأ منهجي وعلمي؛ لأن هذا التعريف لم يرد في الآية ولا في الرواية، حيث ذكرت البيع فقط، وهو مفهوم عرفي يؤخذ من العرف، سواء انطبق على ما له مالية أم لا، بأن انطبق على ما لا مالية له، فإنه والحال هذه ـ فرضاً ـ بيع.
والأوضح من ذلك أنه لو رأى العرف كون (مبادلة حق بحق) بيعاً فإنه مشمول للآية، وهذه مسألة ابتلائية، فإن بعض الفقهاء يرون شمول البيع لمبادلة حق بمال أو بحق، كما في بيع حق الطبع والاختراع، أو بيع حق الاختصاص، أو ما أشبه من الحقوق القابلة للنقل صلحاً وبيعاً وغيرهما، فلو جمد بعض الفقهاء على التعريف وقالوا: إنه مبادلة مال بمال، نجيبهم بأن الأمر متروك للعرف، وهو المرجع في سعة أو ضيق مصطلح البيع، وأنه يشمل ـ مفهوماً ـ بيع الحق بالمال أو بالحق أو لا.
والخلاصة: إن هناك كبرى كلية، وهي أن المدار في شمول الحكم للموضوع هو صدق هذا الموضوع بنظر العرف بما هو هو على المصداق، لا صدق تلك التعريفات المخترعة[19].

الفائدة الرابعة: لا حجية لمفهومي اللقب الوصف .
 إن مفهوم اللقب يراد به أحد أمرين :
الأمر الأول : الاسم الجامد غير الموصوف بوصف ، فلو علق الحكم عليه لما كان هناك مفهوم بانتفاء طبيعي الحكم بانتفاء الموضوع .
والأمر الثاني: ما كان وصفاً غير معتمد على موصوف مذكور ،وهذا اصطلاحاً يعد من مصاديق اللقب ، وأما إذا كان الموصوف مذكوراً فحينئذ يكون من قبيل مفهوم الوصف [20].
إذن لا يشترط في مفهوم اللقب أن يكون اسماً جامداً ، بل يصح أن يكون وصفاً غير معتمد على موصوف مذكور ، ومثاله كما إذا ورد : في الغنم السائمة زكاة ؛ فهذا مفهوم وصف ؛ لأنه أعتمد على موصوف موجود ، لكن لو ورد : في السائمة زكاة ؛ فإنه يكون مفهوم لقب ؛ ومفهوم اللقب أضعف المفاهيم ، هذه هي الكبرى الكلية[21].
بحث تطبقي:
في  الروايات الدالة على طريقية الاجتهاد والتقليد كما في قوله عليه السلام :(خذ من زكريا بن أدم ) [22] فهو مفهوم لقب ، واللقب لا مفهوم له، وكذا في قوله عليه السلام :( انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا )[23]، فالمفهوم هنا مفهوم الوصف ، ف(يعلم شيئاً)  أي رجل موصوف بأنه يعلم شيئاً من قضايانا ، ولا حجية لمفهوم الوصف ، وكذلك قوله عليه السلام : (ينظران إلى من كان منكم ممن روى حديثنا )[24]، ولكن هنا نقطة دقيقة ؛ وهي أنه حتى في هاتين الروايتين فالمفهوم[25] هو اللقب وليس الوصف وإن كان ظاهرهما الوصف ؛ لأننا لا نستطيع أن ننفي طريقية الاحتياط بمفهوم الوصف ؛ لأن الذي ينفي طريقية الاحتياط في الروايتين هو مفهوم اللقب لا مفهوم الوصف، كما في قوله عليه السلام : (انظروا إلى رجل منكم) ، فمفهومه لا تنظروا إلى رجل من المخالفين ، وهذا لا يضر بطريقية الاحتياط ، إنما الذي يقابل ما نحن فيه وينفي طريقية الاحتياط هو متعلق (انظروا) بنفسه فما يقابلها هو ، مثلاً : لا تنظروا إلى الاحتياط وانظروا الى رجل منكم فتمسكوا به ، وعليه فالذي ينفي حجية الاحتياط وطريقيته -على فرضه-هو مفهوم اللقب وليس مفهوم الوصف ، وإن كان موجوداً لكن لا أضرار له في المقام ، وبناءً على هذا فجميع الموارد المذكورة ترجع إلى مفهوم اللقب [26].

الفائدة الخامسة: مفهوم الحصر  وإن كان حجة ، إلا أنه في الحصر الإضافي لا حجية له.
بحث تطبيقي:
في قوله عليه السلام (من كان من الفقهاء ... فللعوام أن يقلدوه) (5)،فنحن هنا لا نتمسك بمفهوم الوصف لنفي حجية الاحتياط، فمن كان من الفقهاء في مقابل من كان من الجهال ومن كان غير صائن لنفسه، وليس هذا هو النافي لحجية الاحتياط ، وإنما النافي له - على فرضه-هو نفس مفهوم المخالفة لكلمة (من) في قوله : (من كان من الفقهاء)، فالذي يقابل (من) كطريق عقلائي هو الاحتياط .

الفائدة السادسة: أن وجود المفهوم للّقب وعدمه يدور مدار المصبّ، فالطبيعي يدل على الانتفاء عند الانتفاء؛ والفرد  لا يدل إلا على انتفاء شخصه  دون طبيعيِّه.
إن وجود المفهوم للّقب وعدمه يدور مدار المصبّ، فلو كان مصبَّ الأمر أو النهي الطبيعي ـ أي: طبيعي المادة التي وردت عليها الهيئة وصيغت في قالب الأمر مثلاً، كأكرم ـ لدل على الانتفاء؛ عند الانتفاء؛ إذ الفرض أنه أُثبت الطبيعي لِلّقب، فبانتفاء اللقب ينتفي الطبيعي، وإلا لكان إثبات الطبيعي للقب لغواً عرفاً.
وأما لو كان مصبَّ الأمر أو النهي الفردُ من الحكم والمصداقُ لما دل إلا على انتفاء شخص هذا الفرد عند انتفاء اللقب دون طبيعيِّه، وهو ما قالوه من أن مفهوم اللقب أو الوصف يدل على انتفاء شخص الحكم الثابت لذي اللقب دون طبيعيّه، فإنه خاص بهذه الصورة.
بحث تطبيقي:
 في الفرق بين قولك: (قلّد المجتهد) وبين قولك: (أكرم المجتهد) فإن أكرم مصبّه شخص هذا الحكم بالإكرام، فلا يدل على عدم وجوب إكرام غير المجتهد، بل هو ساكت عنه، وأما قلد المجتهد فإن مصبه هو طبيعي التقليد، فيدل على انتفاء طلبه أو صحته ـ أي صحة التقليد ـ بانتفاء كونه مجتهداً.
اللهم إلا أن يقال: إن ذلك بمناسبات الحكم والموضوع وشبه ذلك، فهو الاستثناء الذي يؤكد الأصل من أن اللقب لا مفهوم له.
والتحقيق: إن كلا القسمين ـ التعلق بالطبيعي وبالشخص ـ ممكن في عالم الثبوت، وأما في عالم الإثبات فإن الأمر بكلا طرفيه منوط بالظهور العرفي، فلا أصل ثمة ثم استثناء، نظير ما قاله الآخوند في آخر الكفاية من تصوير تعارض الإطلاق مع العموم؛ لمرجعية العرف فيهما؛ وإنه قد يقدم المطلق لذلك على العام، خلافاً للمشهور الذين ذهبوا إلى تقدم العام على المطلق بالورود؛ لتقوّم المطلق في مرحلة المقتضي بعدم وجود قرينة على الخلاف والعام قرينة، فتأمل [27].

الفائدة السابعة: أن بعض المفاهيم التي بها نوع خفاء يمكن أن تعد من معاريض الفقه.
إن مفهوم الموافقة قد [28] يعد من المعاريض ـ من قسم ما قصد معناه الظاهر والموازي له معاً[29]ـ وذلك فيما إذا قصده منه وفيما إذا كان به نوع خفاء ذاتي أو عرضي نوعي أو شخصي لا مطلقاً[30]، فإنه ليس موضوعاً له للفظ، ولا مستعملاً فيه، بل هو معنى موازٍ مناظِر ويُنتقل من اللفظ إليه دون استعمال له فيه. وهذا كله بناء على عدم تخصيص مفهوم الموافقة بالمفهوم الموافق المستفاد بالأولوية، أو إن خصصناه[31] لكن عممنا المعاريض لغير ما كان به نوع خفاء، فتدبر.
بحث تطبيقي:
في قوله تعالى: {فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ}[32]، فإن المفهوم المستفاد بالأولوية هو: ولا تبكِ عليهم، لكن (لا تذهب.. حسرات) لم تستعمل في (لا تبك عليهم)، بل انّتقل منها إليها للأولوية العقلية، وأما مفهومه غير الأولوي فهو (ولا تفكر فيهم) فلا يستفاد؛ إذ لا أولوية، وكذلك (لا تضربهما) و(لا تعتب عليهما نفسياً) فإن الأول مستفاد بالأولوية من {فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍ}[33]، أما الثاني فلا، وعلى أي، فإنّ (أفٍ) لم تستعمل في الضرب أو العتب مجازاً ليقال إنّه استفيد منه بالاستعمال المجازي، بل بالانتقال نظراً للأولوية في الأول، ولدعوى فهم الجامع في الثاني.
وغير خفي أن مفهوم الموافقة الأولوي حجة، أما غير الأولوي[34]، فإنه ليس حجة في الشرعيات، فإنه قياس؛ إذ لا يعدو كونه تنقيح مناط ظني.
نعم، في غير الشرعيات هو حجة في الجملة.
والحاصل: إنه إذا قصد المتكلم من مثل (لا تقل لهما اُف) ردع الطرف عن أي قولٍ أو فعل سلبي تجاه الأبوين، إذ كان قاصداً ذلك، كان من المعاريض، وكذا لو قصد المنطوق والمعراض، فإنه من المعاريض باللحاظ الثاني[35] .
 
الفائدة الثامنة: لا حجية لمفهوم الوصف  في الجملة لا بالجملة ؛ لأنه قد يكون حجة بالإطلاق المقامي، أو بمناسبات الحكم والموضوع .
إلى أن قولهم ((مفهوم الوصف ليس بحجة))[36] لا يعني النفي المطلق، بل نفي الإطلاق، وهذه مسألة دقيقة، فإن الأصولي يريد أن ينفي دلالة الوصف بنفسه على نفي ثبوت كلي الحكم لموضوعه الفاقد، ولا يريد نفي ثبوته له ولو بالإطلاق المقامي، أو مناسبات الحكم والموضوع أو شبه ذلك, فتدبر جيداً.
وهذا مبحوث في محله, على أنه يكتفى بالشك، فإن الشك في الحجية موضوع عدم الحجية، وقد ثبت أن رؤيا الأنبياء رؤياهم حجة، ومن عداهم مشكوك فيه فليس بحجة[37].
بحث تطبيقي:
جاء في مجالس ابن الشيخ، عن والده إلى آخر السند, يقول: عن الرضاعليه السلام   عن أبيه، عن جده، عن آبائه، عن علي عليهم السلام  قال:((رؤيا الأنبياء وحي))[38].
وعلى ذلك فإن الضابط العام هو أن رؤيا الأنبياء وحي،  وأما رؤيا غيرهم فليست بوحي، ولا منشأ لحجيتها من آية أو رواية[39].
وبعبارة أخرى: الروايات واضحة في أن الحجية هي لرؤى الأنبياء، وأما ما عدا ذلك فمشكوك في حجيته، والشك في الحجية موضوع عدم الحجية.
ثم إننا لا نستدل بمفهوم الوصف أو اللقب كي يقال اللقب والوصف لا مفهوم لها؛ بل إننا نستدل بالظهور العرفي؛ فإنه عندما تعطى هذه الجملة (( رؤيا الأنبياء وحي)) للعرف فما الذي يفهمه؟ مثلاً: لو كانت هناك طوائف من الناس وقلنا: (قول الطبيب حجة في مسائل الطب) فإن هذه الجملة ظاهرة بقرينة المقام وبمناسبات الحكم والموضوع بنفي ما عداها، فلا يصح الإشكال بأن الوصف[40] أو اللقب لا مفهوم له[41].

الفائدة التاسعة: لو تعارض المفهوم والمنطوق فإيهما يقدم؟ .
 عند تعارض المفهوم والمنطوق يقدم المنطوق بشهادة العرف[42]؛ بل يمكن إلتزام عدم انعقاد مفهوم أصلاً مع وجود العام، كما التزم الشيخ قدس سره بنظيره في بحث خبر الواحد في آية النبأ من عدم انعقاد مفهوم للجملة الشرطية (إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) مع عموم التعليل؛  إذ يدور الأمر بين تخصيصه وبين رفع اليد عن المفهوم ، ولا شك أن الثاني أولى عرفاً، فتأمل[43].
---------------------------------------------

 

* هذه المباحث الاصولية تجميع لما طرحه سماحة السيد في مختلف كتبه وبحوثه، قام باعدادها وجمعها و ترتيبها فضيلة الشيخ عطاء شاهين.
[1] الظاهر أن المفاهيم متأخرة رتبة عن لحن الخطاب، فلاحظ.
[2] حسب نقل السيد البروجردي ، انظر: نهاية الأصول: ج1 ص295.
[3] قال في هداية المسترشدين:ج3ص85 : إن دلالة المفهوم في المقام هل هي من قبيل التضمن أو الالتزام أو أنها دلالة عقلية غير مندرجة في الدلالة اللفظية أقوال أوسطها أوسطها، والمختار عند بعض أفاضل المحققين هو الأول، والمعزى إلى أكثر اصحابنا المتأخرين هو الثالث، لنا أن مفاد الاشتراط تعليق الحكم بالشرط واناطته به بحيث يفيد توقفه عليه ؛ ومن البين أن توقف الشيء لا يعقل إلا معه انتفائه ، فمدلول المنطوق هو الحكم بالوجود عند الوجود على سبيل توقف الثاني على الأول، والانتفاء بالانتفاء من اللوازم البينة للتوقف وليس جزءً من مفهومه كما لا يخفى .
[4] إذ هو مفروض الكلام في المفاهيم، بل حتى في الظواهر.
[5] انظر: بحوث في علم الأصول 3: 147، بداية الوصول في شرح كفاية الأصول 4: 33، 44، مجمع الأفكار 3: 158، محاضرات في أصول الفقه 5: 55.
[6] تقليد الأعلم : ص 208.
[7] انظر: مصباح الفقاهة : ج1:ص 294.
[8]  انظر: حاشية المكاسب : ج1ص 16 للمحقق الإيرواني حيث قال: الرفع هنا ليس إلا الدفع، فمن شرع بشرب الخمر فبالنسبة إلى جرعة شرب لا معنى للنهي عنه، وبالنسبة إلى ما لم يشرب كان النهي دفعاً عنه.
[9]  فإن من يريد أن يشرب جرعة جديدة من الخمر فنهيه دفع وليس رفعاً.
[10] مصباح الفقاهة :ج1ص294.
[11] كلامه يدل على ما اخترناه.
[12] سورة المائدة:2.
[13] وهو قوله قدس سره :( لا شبهة في صدق رفع المنكر في العرف والشرع على منع العاصي...).
[14] سورة إبراهيم: 4.
[15] أي: صدق الرفع على الدفع كما ذكره.
[16] حفظ كتب الضلال: 173.
[17] سورة البقرة: 275.
[18] انظر: جواهر الكلام: ج22ص208، كتاب المكاسب : ج3:  ص7،63.
[19] حفظ كتب الضلال: ص191.
[20] عرف المحقق القمي مفهوم الوصف بـ (تعليق الحكم بالصفة هل يدل على انتفائه لدى انتفائها أو لا) وعرفه الشيخ بـ (إثبات الحكم لذات مأخوذة مع بعض صفاتها، يدل على انتفاء ذلك الحكم عند انتفاء تلك الصفة)، وعرفه الآمدي بـ (الخطاب الدال على حكم مرتبط باسم عام مقيد بصفة خاصة). انظر: مطارح الانظار: 180 ـ 182.
[21] الاجتهاد والتقليد: ص 343.
[22]  اختيار معرفة الرجال : ج2 ص 858 .
[23] تهذيب الأحكام : ج 2 ص 219 .
[24] الكافي : ج1 ص 67.
[25] أي المفهوم التي يمكن أن يستند إليه المستشكل .
[26] الاجتهاد والتقليد: ص341.
[27] تقليد الأعلم: ص 514.
[28] وقد عرف بـ (دلالة مدلول الدليل التزاماً على ثبوت حكم الموضوع المذكور في الدليل لموضوع آخر غير مذكور) وبتعاريف أخرى، ليس المجال مجال تحقيقها.
[29] إذ عممنا المعاريض للأقسام الأربعة، فلا يقال: إنها ما قصد به المعنى العرضي دون الأصلي.
[30] وللإطلاق في كليهما وجهٌ على بعض إطلاقات المعاريض.
[31] كما قالوا بذلك، لكن وقوعه في مقابل مفهوم المخالفة يقتضي الأعم ولغير ذلك وليس هذا مجال تحقيق ذلك.
[32] سورة فاطر: 8.
[33] سورة الإسراء: 23.
[34] بناءً على تعميم مفهوم الموافقة له.
[35] فقه المعاريض والتورية:ص93.
[36] مفاتيح الأصول: 559، تعليقة على معالم الأصول : ج4ص 226، وسيلة الوصول إلى حقائق الأصول: 506.
[37] فقه الروى: ص103.
[38] بحار الأنوار: ج 11 ص 64.
[39] وهناك روايات اخرى نكتفى بهذا المقدار فراجع ان شئت البحار وغيره.
[40] في (الإنسان الطبيب قوله حجة ...)
[41] فقه الروى:ص103.
[42] قال في زبدة الأصول: ج2ص357 :لو تعارض العام مع المفهوم ، فهل يقدم المفهوم على العموم ، أو العكس ، أولا هذا ولا ذاك ، أم هناك تفصيل،  وجوه وأقوال .

[43] شورى الفقهاء: 35.
 
 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 12 رمضان 1438هـ  ||  القرّاء : 11943



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net