||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 194- الظلم التكويني والتشريعي على مستوى علم الكلام وعلم الاجتماع

 239- فائدة روائية ـ ثلاثة محتملات لقوله صلى الله عليه وآله : (كل مولود يولد على الفطرة)

 136- كيف ننصر رسول الله (ص) ؟

 20- بحث فقهي اصولي: بيان اقسام المكلف

 451- فائدة فقهية: التمييز المعتبر في معاملات الصبي

 368- فوائد فقهية: المقصود بالرشد

 كونوا قِمَماً واصنعوا القِمَم

 484- فائدة رجالية: (عدم تواطؤ المخبرين على الكذب ركيزة التواتر)

 234- مقام التسليم والانقياد لولاة الأمر وأَبطال حول أمير المؤمنين (عليه السلام) (قيس بن سعد بن عبادة)

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23957564

  • التاريخ : 19/04/2024 - 03:48

 
 
  • القسم : الفوائد والبحوث .

        • الموضوع : 294- الفوائد الأصولية (الحكومة (4)) .

294- الفوائد الأصولية (الحكومة (4))
7 صفر 1440هـ

الفوائد الأصولية (الحكومة (4))

جمع و اعداد الشيخ عطاء شاهين

الفائدة الخامسة: وعرّفت الحكومة : بأن يتعرض أحد الدليلين بمدلوله لبعض جهات الدليل الآخر على أن لا تكون تلك الجهة مما تعرض لها الدليل الآخر؛ وإن كان تعرضاً  على نحو الدلالة الالتزامية العقلية أو العرفية .
ثم إن الحاكم بلحاظ أنواع تعرضه لحيثيات المحكوم على أقسام ؛ فهو تارة : يتعرض لموضوعه بأن يُدخل فرداً فيه أو يخرجه منه، وأخرى : لمحموله بإدخال أو إخراج أيضاَ، وثالثة: يتعرض لمتعلّقه  بإدخال أو إخراج أيضاً؛ ورابعة : يتعرض لأجزاء الموضوع أو المحمول بإدخال أو إخراج أيضاً ؛ وخامسة: أن يتعرض لجهات سابقة على الحكم من إرادة أو جعل أو إنشاء أو غير ذلك؛ وسادسة : أن يتعرض لبعض الجهات اللاحقة للحكم كإجزاء امتثال الأمر الاضطراري والظاهري وقاعدتي الفراغ ولا تعاد؛ وسابعة أن يتعرض أحد الدليلين لبعض خصوصيات الحكم الذي دل عليه الدليل الآخر؛ كدلالته  على الفور أو التراخي أو المرة أو التكرار وغير ذلك ؛ وثامنة: أن يتعرض للمبادئ التصورية  والتصديقية للدليل الآخر ؛ فالأولى ما يفيد تصور الموضوع أو المحمول أو النسبة الحكمية ؛ فإن الدليل إذا تعرض لتعريف بعض مفردات الدليل الآخر ليفيد تصوره  كان حسب هذا التعريف حاكماً عليه؛ والثانية كما يفيد وجود الموضوع وعدمه أو التصديق بموضوعية الموضوع؛ وتاسعة: أن يتعرض  لبعض خصوصيات الأمر ككونه إرشادياً أو مولوياً ؛ إذ لو دلّ دليل على أحدهما كان حاكماً حسب هذا التعريف.
ولكن هذا التعريف يرد عليه عدة إشكالات؛  أولها وثانيها : أنه ليس جامعاً ولا مانعاً؛ لأنه لا يشمل  العناوين الثانوية بالنسبة للعناوين الأولية؛ ويشمل ما ليس بحاكم اصطلاحاً ؛ فإنه ينطبق على علم الرجال؛ لأن زرارة ثقة مثلاً يعد من حيثيات الدليل وهي قد تعرضت لما لم يتعرض له الدليل المحكوم ، بل يدخل فيه علم المنطق وغيره ؛ لأنه يلزم أن تكون كافة المسائل المنطقية لو أخذت في دليلٍ بالنسبة لدليل الآخر داخلة في علم الأصول   ؛ وثالثها: أن الشواهد والأمثلة التي ذكرها صاحب التعريف على تنطبق على تعريفه ؛ إذ ليست من التعرض لما لم يتعرض له الآخر ؛ ورابعها:  أن كل ما ذكر من أقسام تعرض الحاكم لحيثيات المحكوم هي خارجة عن الحكومة ؛ إما لكونها لا ظهور فيها للدليل الآخر المدعى أنه المحكوم أو لكونها عنواناً إضافياً، أو لكون ظهور المحكوم عليه أضعف؛ وخامسها: يلزم أن تكون كافة مصاديق الورود من الحكومة نظراً لتعرّض الدليل الوارد لما لا يتعرض له الدليل المورود؛ وسادسها: أن الملاك في  الحكومة هذا التعريف هو التعرض لما لم يتعرض له الدليل الآخر في حين أن الملاك في الحكومة المصطلحة هو إما النظر أو الأظهرية أو التصرف ؛ وهذا إشكال مبنوي.

تفصيل الفائدة:
وعرّف بعض الأصوليين الحكومة بقوله [1]: إن الضابط في الحكومة هو أن يتعرض أحد الدليلين بمدلوله لبعض جهات الدليل الآخر، بنحوٍ من التعرض ولو بالدلالة الالتزامية العقلية أو العرفية، على أن لا تكون تلك الجهة والحيثية مما تعرض لها الدليل الآخر [2].
وعلى ذلك فالحاكم بلحاظ أنواع تعرضه لحيثيات المحكوم على أقسام:

التعرض لمصاديق الموضوع
الأول: ما يتعرض لحال مصاديق موضوعه بأن يُدخل فرداً في دائرة موضوعه أو يخرجه منه، وذلك لوضوح أن القضية الحملية [3] بما فيها من النسبة الحكمية لا تتعرض إلا لثبوت الحكم للموضوع، وأما أن مصاديق هذا الموضوع ما هي فذلك خارج عن حقيقتها.
 نعم،  هو حيثية من حيثياتها وجهة من جهاتها؛ إذ يقال هذا الموضوع من مصاديقه كذا أو لا.

التعرض لمصاديق المحمول
الثاني: أن يتعرض لحال مصاديق محموله، كذلك بإدخال أو إخراج، وذلك نظير ما مضى أن القضية لا تتكفل بحال الأفراد وأنها مصاديق لهذا المحمول أو لا.
وذلك كقوله: (أكرم العلماء) فإنه لا يتعرض إلى من هو العالم ومن هو غير العالم ولا ما هو الإكرام وما هي أفراده الداخلة والخارج عنه، فلو دلّ دليل على أن زيداً عالم أو ليس بعالم أو أن القيام للزائر أو تقبيل أنفه مثلاً إكرام أو لا فإنه متعرض لما لم يتعرض له (أكرم العلماء) فهو حاكم عليه.

التعرض لحال المتعلَّق
الثالث: أن يتعرض لحال متعلّقه كقوله في المثال السابق: (أكرم العلماء بالشريعة) فلو جاء دليل وأخرج العالم بالطريقة أو الفلسفة- مثلاً-  عن كونه عالماً بالشريعة، أو أدخل العالم ببعض الفقه أو العالم بالأخلاق فقط فيه.

التعرض للأجزاء
الرابع والخامس [4]: أن يتعرض لأجزاء الموضوع أو المحمول إذا كان من المركبات، والفرق بين الجزء والمصداق واضح ؛ فإن المصداق جزئي في مقابل الكلي والجزء يقع في مقابل الكل وليس مصداقاً له.
وكذلك: كقوله: إن جلسة الاستراحة جزء من الصلاة أو ليست بجزء أو المادة الكذائية جزء من الدواء المعين أو لا.

التعرض للجهات السابقة على الحكم
السادس: أن يتعرض لحال الجهات السابقة على الحكم، سواء أكانت مقتضيات أو عللاً معدة أو غير ذلك، وذلك كالإرادة والجعل والإنشاء والحب والبغض.
كما لو قال: (أكرم العلماء) ثم قال: ما أردت أو ما أريد إكرام الفساق أو ما حكمت أو ما أحكم بإكرام الفساق، أو ما أحب أو غير ذلك، فإن نسبة الفساق للعلماء هي من وجه ومع ذلك يتقدم ما أريد إكرام الفساق على أكرم العلماء ؛ لكونه متعرضاً بمدلوله لما يتقدم عليه - من الإرادة والطلب وغيرهما - مما لم يتعرض له ( أكرم العلماء ) بمدلوله وإن تعرض له بحكم العقل لإدراكه أن كل حكم فإن له مراتب متقدمة عليه من الطلب والإرادة والإنشاء وشبهها.
قال: (وكذا قوله: *وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [5] حاكم على أدلة الأحكام؛ لتعرّضه بمدلوله للجعل الذي لا تتعرّض له الأدلة وإن كانت مجعولة بالضرورة؛ لأنّها لـمّا لم تتعرّض لمجعوليتها فإذا تعرّض دليل بأنّ الجعل لم يتعلّق بأمرٍ حرجي يقدم عرفاً على تلك الأدلة، لا لأقوائية ظهوره، بل هذا نحو آخر من التقدّم في مقابل التقدّم الظهوري، ولهذا لا تلاحظ النسبة بين الدليلين، فيقدّم العامّ من وجه على معارضه، فأدنى الظواهر يقدّم على أقواها) [6].
وقال: (وليس هذا إلا لتعرّض الحاكم لما لا يتعرّض له الآخر؛ فإنّ الدليل المحكوم ليس بمدلوله متعرّضاً لكون إكرامهم مراداً أو مجعولاً أو محكوماً به، فإنّها معلومة من الخارج، أو لأجل الأصل العقلائي) [7].

التعرض للجهات اللاحقة للحكم
السابع: أن يتعرض لحال بعض الجهات اللاحقة للحكم.
أقول: من الجهات اللاحقة: إجزاء المأمور به بالأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي.
منها: قاعدة الفراغ والتجاوز.
ومنها: إجزاء المأمور به بالأمر الظاهري عن الأمر الواقعي، ومنه ما لو قلد من أفتى بأمر ثم ظهر له بتقليد آخر عدل إليه لوفاة الأول أو لكونه أعلم مثلاً، كونه غير مطابق للواقع، في مثل ما لو ذبح الشاة غير مستجمعة لشروط التذكية بنظر الثاني وقد بقي من لحمها شيء أو باع أو أشترى معاطاة مما يراه الفقيه المتأخر باطلاً ، وهكذا.
ومنها: ما ذكره بقوله: (ومن هذا القبيل تقديم (لا تعاد) على أدلة الأجزاء والشرائط؛ لأنها لا تتعرّض للحيثيات اللاحقة -أي الإعادة واللاإعادة - وإنما يحكم العقل بأنّ التارك للجزء أو الشرط يعيد) [8].
لا يقال: أدلة الأجزاء بإطلاقها تتعرض للإعادة إذ مفاد: (القراءة جزء) مثلاً بلحاظ إطلاقها أنها جزء سواء أنسي وغفل وسهى أم لا، فكيف لو تعمد، فإذا نسيها – مثلاً-  فأتى بالصلاة بدونها، فإنه لم يمتثل أمر الصلاة إذ لم يطابق المأتي به مع المأمور به فعليه الامتثال انبعاثاً من الأمر الذي لا يزال قائماً، ولا يكون إلا بالإعادة، فقد تعرض دليل الجزئية للإعادة بما يضاد مفاد حديث لا تعاد؟
إذ يقال: ذلك وإن صح إلا أن دليل الجزئية لم يتعرض بمدلوله للإعادة، بل كان ذلك هو المستفاد من إطلاقه  بواسطة أو وسائط، أو فقل بحكم العقل بملاحظة ذلك كله، وقد سبق أن الحاكم هو ما يتعرض بمدلوله وليس مطلقاً.
لكنه سيأتي أن هذا الإشكال وارد على حسب بيان ذلك الأصولي وإن اندفع مع تغييرنا للتعريف قليلاً بإضافة قيد بمدلوله، وإن كان قد ذكره لاحقاً في مطاوي كلامه وكان الحق أن يدرجه في التعريف.     

التعرض لبعض خصوصيات الحكم
الثامن [9]: أن يتعرض أحد الدليلين لبعض خصوصيات الحكم الذي دل عليه الدليل الآخر من غير أن يدل [10] عليه بمدلوله، ويمكن التمثيل له بأمثلة:
منها: دلالة الدليل على أن الحكم المأمور به في الدليل الآخر كان على الفور أو التراخي ؛ فإنهما من حيثيات الحكم التي لا يدل عليها دليله بمدلوله، على المشهور.
ومنها: دلالته على المرة أو التكرار فيه [11].
ومنها: دلالته على أن الحكم في الدليل الآخر منسوخ أو لا.
ومنها: دلالته على كونه بنحو القضية الخارجية أو الحقيقية؛ فإن كون الحكم من أحدهما مما لا يدل عليه دليله بما هو هو وبمدلوله ؛ بل إنما يفهم من الخارج أو من دليل عام أو خاص آخر ؛ فالدال – مثلاً-  على أن نهي الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) عن أكل الحمر الأهلية كان بنحو القضية الخارجية وأن الحكم مختص بظروف المعركة تلك، حاكم عليه-  حسب هذا التعريف للحكومة- لأنه تعرض لما لا ، أو لم يتعرض له دليله.
ومنها: دلالته على كون الحكم متعلقاً بالمجموع أو الجميع .
وبعبارة أخرى:هل المتعلق هو الآحاد بشرط شيء -وهو الاجتماع - أو لا بشرط؟ كما فصلنا إحدى نماذجه في آية (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ) [12] في كتاب (معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي) [13] ويمكن عدّ هذا من خصوصيات متعلق الحكم.

التعرض لخصوصيات الحاكم
التاسع: أن يتعرض أحدهما لبعض خصوصيات الآخر، ككونه جاداً أو هازلاً أو مورّياً، فإن كون صدور الحكم منه على نحوٍ منها هو من حيثيات وجهات الدليل الآخر الساكت عنها، فالناطق بها حاكم عليه لأنه متعرض لما لم يتعرض له حسب هذا التعريف، أو لأنه شارح له وناظر إليه حسب تعريف الشيخ، أو لأنه أظهر حسب رأي ثالث،  وسيأتي بحث هذه الوجوه وغيرها وكون المقام منها أو لا.

التعرض لخصوصيات الأمر
العاشر: التعرض لبعض خصوصيات الأمر، ولذلك أمثلة ونماذج:
منها: أن الأمر إرشادي أو مولوي، فإن الدليل بنفسه ساكت عنه عادة وإنما يفهم من الأصل العام أو القرائن، فلو دلّ دليل على أحدهما كان حاكماً، حسب هذا التعريف.
ومنها: كونه من فرض الله أو من سنة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) لاختلافهما في الأثر في الجملة، وإن وجبت إطاعتهما دون شك، كإبطال الشك إذ دخل فيما فرضه الله من الركعات كالأوليين وعدم إبطاله لما سنّه النبي (صلى الله عليه واله وسلم) منها كالأخريين [14].
ومنها: كونه صادراً على وجه التقية أو الامتحان أو لا.
ويمكن إرجاع بعض الأمثلة الداخلة في قسم إلى قسم آخر، لكونها ذات جهتين، والمرجع المصبّ على أنه لا ينفي الآخر نظراً للطولية ، فتدبر.

التعرض للمبادئ التصورية
الحادي عشر: التعرض للمبادئ التصورية للدليل الآخر وهي سبعة كما فصلناها في كتاب رسالة في مبادئ العلوم وأجزائها [15]، ونشير إلى بعضها هنا إشارة:
وذلك مثل ما يفيد تصور الموضوع أو المحمول أو النسبة الحكمية، فإن الدليل إذا تعرض لتعريف بعض مفردات الدليل الآخر ليفيد تصوره كان حسب هذا التعريف حاكماً عليه؛ لانطباق ضابط التعريف عليه ؛ إذ لا تتطرق الأدلة لتعريفات مفرداتها.
وكأنّ ذلك الأصولي اقتصر من جهات الدليل الآخر على بعض مبادئه التصديقية وغفل عن شمول التعريف للمبادئ التصورية أيضاً.

التعرض لبعض المبادئ التصديقية الأخرى
الثاني عشر: وما يتعرض أحد الدليلين لبعض حيثيات الدليل الآخر من المبادئ التصديقية غير ما مضى:
فمنها: ما يفيد وجود الموضوع وعدمه، وفرق هذا عن الأول واضح ؛ فإن ذلك يتحدث عن دخول فرد في الموضوع أو خروجه عنه مع قطع النظر عن وجوده – أي الموضوع – وعدمه ؛ فإنه إدخال ماهوي، وأما هذا فيشير إلى تحقق الموضوع خارجاً وعدمه من غير أن يتكفل دخول هذا الفرد فيه أو خروجه عنه ماهوياً.
ومنها: ما يفيد التصديق بموضوعية الموضوع.
ومنها: ما يفيد التصديق بغاية العلم أو المسألة [16].
ومنها: ما يفيد استحالة الموضوع أو إمكانه أو وجوبه، كما لو قال أحد الدليلين: (الدور غير التسلسل) وأفاد دليل آخر استحالتهما، أو قال دليل: (الله خالق الكون) وأفاد دليل آخر وجوب وجوده.

المناقشات:
ولكن التعريف يعاني من  عدة إشكالات يمكن أن نوصلها إلى سبعة:

إنه أخص من الحكومة، وطارد لمثل (لا ضرر ولا حرج)
الإشكال الأول: أنه أخص من الحكومة؛ إذ لا يشمل بعض أقسام الحكومة؛ فإنه لا يشمل كافة العناوين الثانوية بالنسبة للعناوين الأولية كقاعدتي (لا ضرر ولا حرج) وغيرهما فإنها حاكمة على الأدلة الأولية [17] مع أن ضابطه لا يشمله؛ إذ الضابط هو (أن يتعرض الدليل لبعض جهات الدليل الآخر مما لا يتعرض له الدليل الآخر ) مع أن العناوين الأولية تتعرض لحكم صورة الضرر والحرج بإطلاقها ؛ فقد دل دليلها عليه بمدلوله لا بحكم العقل؛ وذلك لوضوح أن (أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) [18] وغيرها يشمل الصيام الضرري وغيره، كما يشمل مختلف أنواع الصوم: كالصوم صيفاً وشتاءً وصوم الرجال والنساء وهكذا، وأما لا ضرر فيخرج حالة الضرر فلم يتعرض إلى ما لم يتعرض له الآخر بل تعرض لما تعرض له الآخر وخالفه.
الحاصل: أن هذا التعريف للحكومة يلزم منه طرد بعض أفرادها.
وقد أشكل بعض الأعلام بهذا الإشكال على هذا التعريف ببيان آخر، ولكنه مقارب له فلاحظ.

إنه أعم من الحكومة، ويشمل علم الرجال
الإشكال الثاني: أن هذا التعريف للحكومة يشمل ما ليس بحاكم بالمعنى المصطلح المرتكز في الأذهان للحكومة في علم الأصول حتى مع قطع النظر عن الضابط المختار، وذلك لشموله لعلم الرجال بأكمله إذ ينطبق عليه تعريفه فيلزم دخول علم الرجال [19] بأكمله في علم الأصول بل في أحد أبوابه بل في إحدى مسائل إحدى أبوابه، وهي مسألة الحكومة.
بيانه: أن التعريف هو ( أن يتعرض أحد الدليلين لما لا يدل عليه الدليل الآخر من حيثياته ) أي أن يدل على أمر زائد على ما دل عليه الدليل الآخر، وذلك منطبق على علم الرجال كله ؛ فمثلاً كون زرارة ثقة أو ابن الخطاب غالياً أو الفطحية واقفية وغير ذلك تعد من حيثيات الدليل؛ إذ بدونه لا يكون الدليل حجة أو أرجح [20]، فالدليل عليه – أي على كونه ثقة – قد تعرض لما لم يتعرض له الدليل المحكوم.
وبعبارة أخرى: كما أن الدليل على كون هذا الفرد مصداقاً لموضوع الحكم - كما لو قال: زيد عالم أو ليس بعالم-  عُدّ حسب التعريف من حيثيات الدليل الساكت هو عنها، كذلك كون راويه ثقةً من حيثيات الدليل الساكت هو عنها ؛ إذ كما لا ينطق الدليل بأن هذا أو ذاك مصداق لي أو لا؟ كذلك لا ينطق بأن راويه ثقة أو لا، وكما أن للأول نحوَ تعلُّق بالدليل؛ فإنه مصداقه، كذلك للثاني نوع تعلق به؛ فإنه دليله.
وبعبارة أخرى: علم الرجال من الحيثيات السابقة على الحكم في مرحلة إثباته وكون هذا مصداقاً لموضوعه من الحيثيات اللاحقة له، وكلاهما مما لم يتعرض له الدليل وقد تعرض له غيره ، فتأمل [21].

ملاك الحكومة التصرف لا التعرض
الإشكال الثالث: أن الملاك هو (التصرف) [22] لا التعرض لما لم يتعرض له الآخر ؛ فإنه إذا تعرض دليل إلى حيثيةٍ ترتبط بدليل آخر ولم يكن الدليل الآخر دالاً عليها ولا تصرَّفَ فيه الدليل الأول فكيف يعد حاكماً عليه؟ بل لا تطلق عليه حتى الحكومة اللغوية فكيف بالاصطلاحية.

الخلط بين المكمّل والمتصرف
وبعبارة أخرى: حصل خلط في الضابط بين (المتصرِّف) في الدليل الآخر وبين المكمّل له أو المتمم؛ فإن كان الملاك في الحكومة أمراً فهو التصرف مع الغلبة [23]، أما المتمّم من غير تصرف - بأي نحوٍ من الأنحاء - فإنه لا يعارضه حتى تعارضاً غير مستقر فكيف يتوهم كونه حاكماً عليه؟
ويتضح ذلك أكثر بملاحظة التكوينيّات التي تكون الاعتباريات على وزانها، فإن البنّاء لو ألحق غرفة بالدار فإنه متمم لها ومكمل ولا وجه لتوهم حكومةٍ لما أنجزه على ما كان منجزاً، نعم لو تصرف في نفس البناء السابق بهدم أو تغيير كان حاكماً.
وفي المقام: إذا كانت الحيثية مما لم يتعرض لها الدليل المحكوم [24] بوجه - على ما هو ظاهر كلامه [25] - فهي في مرحلة الدلالة أو الدليلية أجنبية عنه [26] ؛ فلو دلّ دليل آخر على حال هذه الحيثية لدلّ على أمر أجنبي عن الدليل الأول بما هو دال على مضمونه، فكيف يُتوّهم أن يكون حاكماً عليه  [27]؟
وبعبارة أخرى: إذا لم يكن تصرف من الدليل الأول في الدليل الآخر فالحكومة سالبة بانتفاء الموضوع، فالملاك هو التصرف لا التعرض بدون التصرف بوجهٍ.

صغروياً: غالب الشواهد تُقدَّم لكونها نصاً أو أظهر لا لصرف التعرض
الإشكال الرابع: وهو إشكال صغروي: إن أكثر - بل جميع - الشواهد والأمثلة التي ذكرها كأقسام ومصاديق وأمثلة لانطباق تعريفه عليها هي من المغالطة أو الخطأ؛  إذ ليست من التعرض لما لم يتعرض له الآخر؛ بل هي أولاً : من التعرض لما تعرض له الآخر ، وثانياً: مع كون ما ارتآى المعرِّف أنه الحاكم  نصاً أو شبه نص ، وكون ما ارتآى أنه المحكوم ظاهراً أو ظاهراً ظهوراً ضعيفاً ؛ لذا تقدم عليه ؛ لا لمجرد تعرضه له.
فمثلاً (لا تعاد) نص أو شبه نص بالنسبة لأدلة الأجزاء والشرائط؛ إذ سبق أن دليل الجزئية يفيد لزوم الإعادة بوسائط [28] وظهوره فيها خفي يحتاج إلفات ، أما (لا تعاد) فنص.
وكذلك قوله: (فلو قال: (أكرم العلماء) ثم قال: ما أردت أو ما أريد إكرام الفساق أو ما حكمت أو ما أحكم بإكرام الفساق، أو ما أحب أو غير ذلك، فإن نسبة الفساق للعلماء هي من وجه ومع ذلك يتقدم ما أريد إكرام الفساق على أكرم العلماء من غير ملاحظة النسبة أو الظهور؛ لكونه متعرضاً بمدلوله لما يتقدم عليه من الإرادة والطلب وغيرهما مما لم يتعرض له أكرم العلماء بمدلوله وإن تعرض له بحكم العقل لإدراكه أن كل حكم فإن له مراتب متقدمة عليه من الطلب والإرادة والإنشاء وشبهها) [29] ؛ وذلك لأن (ما أريد) نص وكذا (ما جعلت) و(ما حكمت) [30] أما (أكرم العلماء) فظاهر في أنه يريده ؛ إذ هو في سلسلة علله مع احتمال الخلاف ؛ إذ قد لا يريد ويأمر به تقية أو امتحاناً أو هزلاً أو غير ذلك، وكذلك فإنه ظاهر في أنه يحكم به وقد جعله.
والحاصل: أن دلالة ما أريد وما حكمت على مداليلها بالنص ودلالة أكرم العلماء على ذلك بالظهور فالتقدم إنما هو للاظهرية لا لمجرد التعرض.
هذا، إضافة إلى أنه تعرَّض لما تعرض له الآخر بدلالته الالتزامية [31].
نعم ، لو قيدنا بـ(تعرض له بمدلوله اللفظي) كما سبق لَـمَا ورد الشق الثاني من الإشكال لكن يبقى الشق الأول [32]، وأين هذا كله من دعوى أن (المتعرض) يتقدم على (ما لم يتعرض) بالحكومة وإن كان أضعف ظهوراً كما أدعاه؟ فلاحظ قوله: (فإذا تعرّض دليل بأنّ الجعل لم يتعلّق بأمرٍ حرجي يقدم عرفاً على تلك الأدلة، لا لأقوائية ظهوره بل هذا نحو آخر من التقدّم في مقابل التقدّم الظهوري، ولهذا لا تلاحظ النسبة بين الدليلين، فيقدّم العامّ من وجه على معارضه، فأدنى الظواهر يقدّم على أقواها) [33] .

الخلط بين ما لا ظهور له بالمرة وما كان ظهوره أضعف
الإشكال الخامس: أن كافة الأقسام الخمسة التي ذكرها والسبعة التي ألحقناها بها هي خارجة [34] عن الحكومة، إما لكونها لا ظهور فيها للدليل الآخر - المدعى أنه المحكوم - أبدا في تلك الحيثية؛  فلا تعقل حكومة الدليل الأول عليه لعدم الموضوع للحكومة لتقوّمها بالمحكوم عليه لكونها عنواناً إضافياً، والمحكوم عليه هو الدلالة والظهور، ومع عدم وجود دلالة ولا ظهور للدليل الآخر تنتفي الحكومة من باب السالبة بانتفاء الموضوع كما سبق بيانه، إذ لا دلالة له بالمرة ليكون غيره حاكماً عليه ومهيمناً ولا مخالفة ولا تعارض حتى بدوياً فلا يصدق أي عنوان - كالحكومة أو الورود أو التخصيص - بل هو أشبه بالتخصص إن لم يكن منه، وإما لكون ظهوره – أي المحكوم عليه - أضعف.
والشق الأول من الإشكال كبروي وأما الشق الثاني فصغروي في كافة أمثلته، والظاهر أن كل ما عداه مندرج فيه ، أي لا نجد حتى صورة واحدة يكون تقدم أحد الدليلين فيه لا للاظهرية [35] بل لمجرد التعرض، وهو ما سنفرد له وجهاً خاصاً.

وتفصيل الصور الاثني عشر:
الأولى والثانية: كما أن الحكم لا يتكفل موضوعه، كذلك فإن الموضوع لا يتكفل مصاديقه؛ إذ لا لسان للموضوع بالنسبة لمصاديقه أبداً، بل الظاهر أنه بما هو هو يستحيل أن يتطرق لمصاديقه ، وكذا المحمول لمصاديقه؛ لبداهة أجنبية دلالة (العالم يكرم) على أن هذا الفرد والمصداق عالم أو لا، فالدال على أن هذا مصداق أو لا دال على ما لا ظهور للدليل -المدعى أنه محكوم عليه - فيه أصلاً ؛ فكيف يعقل حكومته عليه؟
بعبارة أخرى: إذ الموضوع من دائرة الماهية والمصداق من دائرة الوجود ؛  ولا يعقل تعرض أحدهما بما هو هو للآخر بما هو هو.
الثالثة والرابعة والخامسة: وكذا الأمر في حال المتعلَّق ، وأجزاء الموضوع والمحمول في المركبات المخترعة بل مطلقا، فتأمل.
نعم يعلم ذلك كله من دليل آخر.
السادسة: أما الجهات السابقة على الحكم كالحكم والإرادة والجعل: فإن قيل بأن الدليل [36] ظاهر في الدلالة عليها بدعوى أن قوله (أكرم العلماء) ظاهر في إرادته له وجعله له [37]- وإن احتمل عدم إرادته لكونه متّقِياً أو ممازِحاً أو ممتحِناً أو هازلاً- فالأمر كما سبق لكون ما جعلت وحكمت نصاً ، وهذا ظاهراً كما سبق بيانه.
وإن قيل بان الدليل - أي الكلام بما هو هو-  أجنبي عن الدلالة على ذلك ، بل الدال عليه هو ظاهر حال المتكلم؛ فلا معنى لحكومة (ما جعلت) وشبهه على هذا الدليل ؛ لكونه- وكما سبق-  من السالبة بانتفاء الموضوع والواسطة واسطة في العروض، اللهم إلا بإعادته له ولو بدعوى كونه واسطة في الثبوت فيكون من -أو نظير -الوصف بحال المتعلق، وعلى أي فلو عاد إليه كان-  كما سبق أيضاً-  من حكومة النص على الأظهر.
السابعة: ويعلم حال الجهات اللاحقة مما سبق.
الثامنة :وأما خصوصيات الحكم فمختلفة ؛ فمثل المرة أو التكرار والفور أو التراخي، مما لا يدل الدليل عليها بنفسه -على المشهور - لا بهيئته ولا بمادته فهو من القسم الأول [38] ؛ وإن قيل بدلالته عليه فهو من القسم الثاني [39].
وإن قيل بدلالة حال اللافظ عليه فهو من القسم الثالث [40] ؛ إذ ظهر من مطاوي البحث أن الأقسام ثلاثة كما أوضحناها بالهامش أيضاً.
وأما كونه بنحو الحقيقة أو الخارجية ؛ فقد يقال : إن الظاهر في القضايا كونها بنحو القضية الحقيقية؛ للظن النوعي الناشئ من الغلبة أو من بناء العقلاء في الحكم الصادر من المولى في مقام التشريع، فلو دل دليل على كونه بنحو الخارجية كان من القسم الثاني.
التاسعة: وأما خصوصيات الحاكم [41]؛ فالظاهر أن الدالَّ عليها حالُه لا اللفظ، وعلى أي فالتقسيم الثلاثي السابق بأحكامه جارٍ فيه.
العاشرة:  وأما خصوصيات الأمر-  فكونه مولوياً هو الأصل والظاهر ظهور حال المولى في كلامه عن أي أمر تشريعي هو ذلك-  فحاله كما سبق، ولو قيل إنه من القسمين الآخرين فكما سبق.
الحادية عشر: وأما حال المبادئ التصورية - كتفسير اللفظ وشرحه - فسيأتي مستقلاً.
الثانية عشر: وحال ما دل على وجود الموضوع أو عدمه ؛ كحال الصورتين الأوليين.
تنبيه: خلط الدليل الثالث بالحاكم والمحكوم [42]
منشأ الخلط في توهم حكومة ما دل على أن زيداً عالم أو ليس بعالم هو أن هنا في الواقع كواشف ثلاثاً ؛ وحيث غفل عن الثالث توهم أن الثاني حاكم على الأول مع أنه في الحقيقة حاكم على الثالث، بيانه:
الدليل الأول: العالم يكرم.
الدليل الثاني: زيد ليس بعالم.
الدليل الثالث: علمنا خارجاً -أو قيام علمي لدينا-  بان زيداً عالم.
فالثاني حاكم على الثالث في باب الرفع التنزيلي لا على الأول؛ لما سبق من أن القضية الحملية لا تتكفل موضوعها.
هذا كله إذا كان الثاني نفياً تنزيلياً أو جعلاً تنزيلياً (كـ: زيد عالم).
وأما لو كان إخباراً عن واقع الحال، فخروج الثاني من الأول تخصّصي أو دخوله فيه تكويني، والثالث مجرد كاشف في عالم الإثبات فيكون الثاني مُخطِّئاً له، فلا مجال للحكومة على الأول أو لغيرها من قسائمها أبداً.
والكلام كله يجري في (حرم الربا) مع (لا ربا بين الوالد وولده) مع علمنا بأن الربا – أي الزيادة – متحققة بينهما، وحيث كان الإخراج تشريعياً حكم الثاني على الثالث بتضييق دائرته تنزيلاً بالرفع، وليست الحكومة صفة للثاني منسوباً للأول إلا من باب الوصف بحال المتعلق أو دعوى أن الثالث حيثية تعليلية للأول ، فتأمل.

دخول الورود في الحكومة
الإشكال السادس: لزوم أن تكون كافة مصاديق الورود من الحكومة نظراً لتعرّض الدليل الوارد لما لا يتعرض له الدليل المورود؛ إذ الدليل المورود – كغيره من الأدلة – لا يتعرض لحال موضوعه [43]، والوارد ينفي وجود الموضوع حقيقةً لكن بعناية التعبد، فكان متعرضاً لحيثية لم يتعرض لها الآخر فكان حاكماً عليه، مع أن كون الورود قسيماً للحكومة من بديهيات الأصول إلا أن يدعى هدم الفاصل بينهما كما أدعاه، لكنه مستند إلى مجرد تأسيس أساس لا سند له وهو حاكمية المتعرِّض، وقد أتضح بوجوه خمسة سابقة وبوجوه آتية بطلانه ، فتدبر جيداً.

الملاك النظر أو الأظهرية، لا التعرض
الإشكال السابع والثامن: وهما مبنوِيَّان وعلى سبيل البدل: بأن يقال بأن ملاك الحكومة إما النظر أو الأظهرية، وليس التعرض لما لم يتعرض له الآخر.
والفرق بين النظر والأظهرية: أن لسان الناظر هو لسان التسالم، وأما لسان الأظهر فهو لسان التصادم؛ إذ الناظر شارح ومفسر للمراد من الدليل الآخر فيكون بمنزلة قوله: أعني وهو لا ينفي دلالة المحكوم بل يشرحه ويفسره مما يستبطن أنه يؤكده، على عكس الأظهر فإنه في المتصل يزيح ظهور الظاهر المعارض له في مرحلة الإرادة الاستعمالية وفي المنفصل يزيحه في مرحلة الإرادة الجدية، بينما الحاكم لا يزيح الظهور بل يشرحه ويقول: إن معناه هو كذا، فكأنه يسايره ليحوّل اتجاهه دون أن يصطدم به.

الدليل على أن الملاك ليس التعرض: الانفكاك
والدليل على أن الملاك أحدهما - دون التعرض-  هو الانفكاك [44] من الطرفين [45]؛ فإن الحكومة قد تكون ثابتة رغم أن الحاكم يتعرض لما تعرض له الدليل الآخر ، لا لما لم يتعرض له ، كما سبق من مثال لا ضرر ولا حرج .
كما أنها قد تكون منتفية رغم أن الدليل الأول قد تعرض لما لم يتعرض له الآخر، وذلك كما في شرح موضوع الدليل –المحكوم- أو محمولة أو سائر مفرداته وتفسيرها ، فإن تعريف المفردات يعدّ من المبادئ التصورية -والتصديقية بوجهٍ-  للدليل وليس مما يتعارض معه حتى تعارضاً بدوياً [46] ليكون مقسم جريان الحكومة أو الورود أو التخصيص وغيرها.
والحاصل: أن تفسير الرواية -مثلاً - للقرء في الآية: (وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُو) [47] بالأطهار [48] ليس من الحكومة المصطلحة في شيء رغم انطباق التعريف الخامس عليها، إذ أن المعرّف اللغوي قد تعرض لما لم يتعرض له الدليل من حالاته ؛ إذ شرح مفرداته وبيان المراد بها هو من حالاته وليس كون هذا من مصاديق الموضوع وعدمه أولى بكونه من حالات الدليل من شرح المراد به وتحديد معناه.
كما أن كافة ما سنذكره من النقوض في الإشكال التاسع تصلح دليلاً على الانفكاك من هذه الجهة أيضاً.

استلزامه  دخول المنطق والنحو وغيرهما في الأصول
الإشكال التاسع [49]: استلزامه دخول علم المنطق والكلام - بل والنحو وغيرها-  في الأصول؛  ووجهه واضح ؛ فإن علم المنطق يتطرق إلى أن القضية حملية أو شرطية، والقياس اقتراني أو استثنائي متصل أو منفصل، وأن الدليل من الشكل الأول أو الرابع أو هو من العكس المستوي أو النقيض ، وهكذا.
وعليه: فلو تطرق دليل لحال الدليل الآخر وأن القياس فيه بنحو الشكل الثاني مثلاً-  أو أنه من القضية الشرطية أو غيرها-  كان متعرضاً لما لم يتعرض له من الحالات ؛ إذ كون الدليل من القضية الشرطية أو الحملية أو الشكل الأول أو الثاني مما لا يتعرض له الدليل بنفسه، فكان المتعرض له- على هذا التعريف- حاكماً عليه ؛ فيلزم أن تكون كافة المسائل المنطقية - لو أخذت في دليلٍ بالنسبة لدليل الآخر - داخلة في علم الأصول من باب مبحث الحكومة، وهو غريب جداً بل غير صحيح لما سبق من أنه من السالبة بانتفاء الموضوع ؛ إذ لا محل قابل للحكومة مع عدم تعرض المحكوم لما تعرض له الحاكم ، فراجع ما سبق.
وكذا تدخل مسائل علم الأصول في باب الحكومة؛  إذ قوله مثلاً: (خبر الثقة حجة) يلزم أن يكون حاكماً على خبر زرارة بأن جلسة الاستراحة واجبة مثلاً ؛ لأن الخبر -ككل خبر- لا يتعرض لكونه حجة أو لا، فالدليل الدال على حجيته دال على ما لا يدل عليه من حيثياته فكان حاكماً عليه!.
بل وكذا دلالة دليل على ان الدليل الآخر ظاهر أو نص فإن كل دليل لا يتعرض لحال نفسه من جهة كونه نصاً أو ظاهراً أو أظهر ، فتأمل.
كما يلزم - من الذهاب إلى هذا التعريف - دخول علم اللغة في علم الأصول كما سبق بيانه.
كما يلزم دخول مسائل علم النحو والصرف في الأصول إذا تطرق دليل لكون الكلمة [50] في الدليل الآخر حالاً أو تمييزاً أو فاعلاً أو مفعولاً، لأن كل ذلك من حالاته الساكت هو عنها.

واستلزامه كون الأدلة حواكم على الأحكام [51]
بل يلزم أن تكون الأدلة على الأحكام حواكم عليها؛ إذ الحكم- أي الدليل المتضمن لحكم- إذا خلا من الاستدلال فإنه ساكت عن دليله ؛ فإذا جاء في خبر آخر دليلُه -بل إذا اقترن به-  لزم أن يكون حاكماً عليه؛ لتعرضه لما لا يتعرض هو له ؛ إذ الحكم لا يتكفل دليله، فسواء اقترن الدليل بالحكم أم أنفصل عنه كان حاكماً عليه؛ فمثلاً يلزم أن يكون ما قوله (عليه السلام) : ( يُعْرَفُ هَذَا وَ أَشْبَاهُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَل..)حاكماً على قوله (عليه السلام): (امْسَحْ عَلَيْه ) في رواية: عَبْدِ الْأَعْلَى مَوْلَى آلِ سَامٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ (عليه السلام) عَثَرْتُ فَانْقَطَعَ ظُفُرِي فَجَعَلْتُ عَلَى إِصْبَعِي مَرَارَةً فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِالْوُضُوءِ قَالَ يُعْرَفُ هَذَا وَأَشْبَاهُهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) امْسَحْ عَلَيْهِ" [52]
وكذا قوله (صلى الله عليه واله وسلم) : في قضية سمرة بن جندب "عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ (عليه السلام) قَالَ: إِنَّ سَمُرَةَ بْنَ جُنْدَبٍ كَانَ لَهُ عَذْقٌ فِي حَائِطٍ لِرَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَانَ مَنْزِلُ الْأَنْصَارِيِّ بِبَابِ الْبُسْتَانِ وَكَانَ يَمُرُّ بِهِ إِلَى نَخْلَتِهِ وَلَا يَسْتَأْذِنُ فَكَلَّمَهُ الْأَنْصَارِيُّ أَنْ يَسْتَأْذِنَ إِذَا جَاءَ فَأَبَى سَمُرَةُ فَلَمَّا تَأَبَّى جَاءَ الْأَنْصَارِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) فَشَكَا إِلَيْهِ وَخَبَّرَهُ الْخَبَرَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) وَخَبَّرَهُ بِقَوْلِ الْأَنْصَارِيِّ وَمَا شَكَا وَقَالَ إِنْ أَرَدْتَ الدُّخُولَ فَاسْتَأْذِنْ فَأَبَى فَلَمَّا أَبَى سَاوَمَهُ حَتَّى بَلَغَ بِهِ مِنَ الثَّمَنِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَأَبَى أَنْ يَبِيعَ فَقَالَ لَكَ بِهَا عَذْقٌ يُمَدُّ لَكَ فِي الْجَنَّةِ فَأَبَى أَنْ يَقْبَلَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه واله وسلم) لِلْأَنْصَارِيِ اذْهَبْ فَاقْلَعْهَا وَارْمِ بِهَا إِلَيْهِ فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَار" [53] إذ استدل (صلى الله عليه واله وسلم) على "اذْهَبْ فَاقْلَعْهَا وَارْمِ بِهَا إِلَيْهِ" بـ: فَإِنَّهُ لَا ضَرَرَ وَ لَا ضِرَار.
مع وضوح أن الدليل على الحكم المتضمَّن في دليل آخر لا يكون حاكماً عليه- مقابل الوارد والمخصص- بل هو دليل عليه فقط؛ لما سبق من أن الحكومة تتوقف على ثبوت تخالف بدوي، ولا تخالف ولو بدوي بين المستدل عليه ودليله.
ولا يخفى أن بعض هذه الأجوبة يمكن إرجاعها لبعضها الآخر أو دمجها فيها، فتدبر [54].
بحث تطبيقي:

من المرجعيات: قاعدة (لكل ذي حق إسقاط حقه)
سبق أن هناك مرجعيات عشر [55]يرجع إليها لدى الشك في أن هذا الأمر حقّ أو حكم؟ أو أنه- بعد الفراغ عن كونه حقاً- هل هو حقّ لازم أو منفك قابل للإسقاط؟ وهنا نقول : إن قاعدة ( لكل ذي حق إسقاط حقه ) تصلح مرجعية في المسألة الثانية.

استدلال الشيخ بالقاعدة واستناده فيها إلى (الناس مسلطون على أموالهم)
وقد استدل بها الشيخ (قدس سره) في مبحث خيار المجلس بأن من مسقطاته : إسقاطه في المجلس بعد العقد ؛ بل عدّه المسقط الحقيقي ؛ واستدل عليه بقوله: (ولا خلاف ظاهراً في سقوطه بالإسقاط، ويدلّ عليه بعد الإجماع، فحوى ما سيجيء من النّص الدّال على سقوط الخيار بالتّصرف، معلّلاً بأنه رضاء بالبيع، مضافاً إلى القاعدة المسلّمة من أن لكلّ ذي حقّ إسقاط حقّه، ولعلّه لفحوى تسلّط الناس على أموالهم فهم أولى بالتّسلّط على حقوقهم المتعلّقة بالأموال، ولا معنى لتسلّطهم على مثل هذه الحقوق الغير القابلة للنقل إلا نفوذ تصرفهم فيها بما يشمل الإسقاط) [56] .
فقد استدل (قدس سره) بالإجماع وفحوى سقوط الخيار بالتصرف وبالقاعدة المسلّمة،  ومورد البحث هو الأخير [57].

إشكالات على الشيخ
ولكن أشكل على الشيخ (قدس سره) في العقد النضيد بعدة إشكالات :
لازم استدلال الطرف، وقوع التعارض بين أدلة المحرمات وبين (الناس مسلطون)
منها [58]:قوله   : ( لازم كلام المستدلّ وقوع التعارض بين هذه العمومات وأدلّة حرمة المحرّمات، ومن المعلوم أنّ النسبة بينهما عموم من وجه، فإنّ مقتضى دليل الحرمة عدم جواز التصرّف، ومقتضى إطلاق دليل السلطنة جواز التصرّف، ويتعارض عنوانا الجواز وعدمه في مال الشخص إذا كان محرّم الأكل، ويقتضي إجراء قواعد التعارض الحكم بالبراءة، وهو خلاف الضرورة والإجماع) [59] ؛ إذ لازمه حِلّية لحم الأرنب بل والفأر والهرة بل والكلب والخنزير مما يخالف الضرورة والإجماع.

الأجوبة
ولكن يمكن أن يُرد عن الإشكال بعدة أجوبة:
كلام المستدل عن صحة النقل لا عن الجواز
الجواب الأول: ما سبق من أن الكلام عن الحكم الوضعي لا التكليفي والمدعى-  للشيخ والطرف الآخر - هو جواز الإسقاط وجواز النقل بمعنى الصحة والنفوذ استناداً إلى الرواية، لا الجواز بمعنى الإباحة المقابل للحرمة، ليرد أنه (يلزم منه جواز التمسك بعمومها عند الشك في الحكم التكليفي من الحلّية والحرمة).

معنى (النَّاسَ مُسَلَّطُونَ)
الجواب الثاني [60]: ويتضح وجه عدم تمامية الإشكال بلزوم تعارض (إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِم ) [61] مع آيات وروايات المحرمات، بتحقيق المراد بالرواية ثم بيان نسبتها مع أدلة المحرمات ؛ فنقول إن الأقوال في معنى الرواية أربعة يضاف لها محتملان ؛ وهي:

السلطنة على التصرفات غير الناقلة
القول الأول : أن ( النَّاسَ مُسَلَّطُونَ )  يفيد أن لهم السلطنة على التصرفات غير الناقلة، أي أنهم مسلطون على أموالهم بالأكل والشرب أو بالسكن وهدم جدار وبناء آخر أو نصب شيء أو تحريكه أو زحزحته أو شبه ذلك، ولا ربط للرواية بالتصرفات الناقلة من بيع وشراء وهبة وإجارة وصلح وغير ذلك،  وهذا القول ما ذهب إليه المحقق الايرواني في حاشيته على المكاسب.
وعلى هذا المبنى فلا تفيد الرواية صحة إسقاط الحق أو نقله أو غيرهما ؛ بل هي أجنبية تماماً عن ذلك ونظائره؛  فينتفي مبنى النقاش بين الشيخ القائل بصحة الإسقاط استناداً للرواية والطرف الآخر القائل بصحة النقل استناداً للرواية من جهة وبين الشيخ الوحيد (دام ظله) [62] - المستشكل على ذلك باستلزامه تعارض الرواية مع أدلة المحرمات- من جهة أخرى.

السلطنة على كل التقلبات من ناقلة وغيرها
القول الثاني :أن (النَّاسَ مُسَلَّطُونَ) يفيد السلطنة على كل التقلبات والتصرفات الناقلة وغيرها، بمختلف تفاصيل الناقلة وحيثياتها [63]، وهذا ما نسب إلى صاحب الجواهر.
فعلى هذا قد يتوهم لزوم إشكال التعارض الذي أورده العقد النضيد، لكنه غير وارد ؛ إذ لا يظهر من هذا القول تعميم السلطنة للأحكام بل ظاهره الأفعال؛ إذ لم يقل إن المفاد الناس مسلطون على أحكام أموالهم بل على الثلاثة الآنفة فقط.

السلطنة حتى على الأحكام
القول الثالث: اللهم إلا أن يتمسك بإطلاق الكلام وأن مسلطون على أموالهم مطلقاً ، أي على أموالهم بأحكامها ، فتكون ( الناس مسلطون ) على هذا مشرّعة للجواز التكليفي ،  ولكن من البعيد أن يقول بهذا فقيه لكنه احتمال ثالث على أي تقدير، ويلزم عليه إشكال المعارضة لولا الجواب الآتي في بحث النسبة.

السلطنة على التقلبات إجمالاً
القول الرابع : وهو القول الثاني بعينه لكن بدون دعوى الإطلاق لمختلف التفاصيل والحيثيات.

السلطنة على الناقلة إجمالاً
القول الخامس: وهو القول الثاني أيضاً لكن مع الاختصاص بالتصرفات الناقلة فلا يشمل مثل صحة الأكل والسكن من غير الناقلة ولا يشمل أحوال وتفاصيل الناقلة.
والشيخ (قدس سره) قد ذهب إلى عدم الشمول للتفاصيل ، وأما الشمول لغير الناقلة ليكون من الرابع أو عدمه ليكون من الخامس، فبحاجة إلى تثبت ومراجعة.
وعلى أي تقدير فالظاهر أن الشيخ في هذا المقام لا يرى الشمول للأحكام، ولا كلامه عن حكم الإسقاط والنقل؛ فلا يَرِد عليه إشكال التعارض.

نفي الحَجْر عن التصرفات المشروعة
القول السادس: ما ذهب إليه الآخوند من أن مفادّ (الناس مسلطون) هو نفي الحجر عن كل تصرف مشروع، أي كل أمر مشروع في حد نفسه وفي مرتبة سابقة على مرتبة حديث السلطنة، فإنه لا سلطة لأحد [64]عليك ؛ فلك التصرف في أموالك دون حاجة لاستئذان من أحد وليس لأحد سلطة منعك عنه، فكأنه (قدس سره) ارتأى- بمناسبات الحكم والموضوع أو غيرها- أن مفاد حديث السلطنة سلبي وهو نفي الحجر، وليس إيجابياً ابتداءً كما هو مبنى الأقوال السابقة، أي أنه يفيد نفي ولاية الغير ولا يفيد – ابتداءً مطابقةً [65]– نفوذ التصرفات، فتأمل.
وعليه: فلا يمكن الاستدلال بحديث السلطنة على جواز ولا على صحة الإسقاط؛ إذ مفاده حينئذٍ هو مجرد أنه إذا ثبت جوازه – تكليفاً بل ووضعاً - من أدلته فلا أحد مسلط عليك بمنعك منه ؛ وعليه - أيضاً- لا يتعارض مفاده على مفاد أدلة المحرمات.

النسبة بين حديث السلطنة وأدلة المحرمات
ثم إن النسبة بين حديث السلطنة وأدلة المحرمات هي إحدى الوجوه التالية:

موضوعاهما مختلفان فلا تعارض
الوجه الأول: أن موضوعاهما مختلفين فلا تضاد لا تنافي ولا تعارض بينهما؛ استناداً إلى أن حديث السلطنة منصرف عن الحكم التكليفي من الجواز أو الحرمة؛ بل أن مصبّه غيره ؛ وروايات تحريم المحرمات محمولها الحرمة؛ فأحدهما أجنبي عن الآخر فلا تعارض.
وبعبارة أخرى: أن جواز التصرفات يؤخذ من دليل آخر ولو من أصالة الجواز والإباحة، ثم بعد ذلك-  أي بعد الفراغ عن كونه جائزاً - يقع الكلام عن:
أ- كونه مسلطاً عليه أم غيره له الولاية؛ وهو ما قاله الآخوند وخصّه به.
ب- وعن كون تصرفاته صحيحة نافذة أم لا ؛ فيفيد الناس مسلطون كليهما معاً، وهذا [66] هو المختار.

شهادة لسان روايات السلطنة
أقول: ويدل عليه أيضاً لسان الروايات الأخرى الدالة على السلطنة على الأموال - والتي عليها المعوّل من حيث الاعتبار لمن لم يتم لديه اعتبار (الناس مسلطون)- فانها مستفيضة، وهذه بعضها:
منها : عن سماعة قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): الرجل يكون له الولد أيسعه أن يجعله ماله لقرابته؟ قال: هو ماله يصنع ما شاء به إلى أن يأتيه الموت [67].
وظاهر الرواية هو أن له (أن يصنع) ؛ فالكلام عن الصنع والعمل وليس عن الحكم الناشئ من كونه مالاً له، فتدبر [68].
وبعبارة أخرى: قوله: (هو ماله يصنع به ما يشاء) لا يفيد أبداً أنه إذا كان حراماً حلّله أو إذا شك في حِلّه حلله.
ومنها: وعن أبي بصير، عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله، وزاد: ( إنَّ لصاحب المال أن يعمل بماله ما شاء مادام حياً إن شاء وهبه، وإن شاء تصدق به، وإن شاء تركه إلى أن يأتيه الموت، فإن أوصى به فليس له إلا الثلث، إلا أنّ الفضل في أن لا يضيع من يعوله ولا يضر بورثته" [69].
وهذه الرواية أوضح من سابقتها لظهور (أن يعمل بماله ما يشاء) في أن المراد هبته والتصدق به وما أشبه مما كان حلالاً لا أنه يحلل المحرمات.
ومنها: وعن سماعة أيضاً قال: "سالت أبا عبد الله (عليه السلام) عن عطية الوالد لولده؟ فقال: أما إذا كان صحيحاً فهو ماله يصنع به ما شاء، وأما في مرضه فلا" [70].
فالظاهر: أن الكلام عن مرحلة المانع دون المقتضي،  أي هل الولد مانع عما كان جائزاً في حد ذاته وهو بذل المال لقرابته ، فتأمل.

أدلة المحرمات حاكمة
الوجه الثاني [71]: أن أدلة المحرمات حاكمة على ( النَّاسَ مُسَلَّطُونَ) على فرض عدم قبول المبنى الأول ودعوى شمول ( الناس مسلطون) بإطلاقها لأحكام الأموال ودلالتها على الجواز التكليفي أيضاً ؛ إلا أن مثل (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) [72] حاكم عليه لأنه ناظر له؛ فكأنها تقول كل شيء تملكه مما جاز لك التصرف فيه مطلقاً قد خرج منه هذا، فتأمل.

ليست أدلة المحرمات ناظرة بلفظها لدليل السلطنة
ووجه التأمل هو أنه قد يناقش فيه: بأن المقياس في الحكومة والضابط والتعريف إن كان هو (أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي ناظراً إلى الدليل الآخر) كما ذهب إليه الشيخ، فإنه لا شك في أن أدلة المحرمات ليست ناظرة بلفظها إلى دليل السلطنة؛ لوضوح أنها لا تفيد تنزيلاً لا توسعةً ولا تضييقاً ، فهل ترى أن ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) [73] ناظرة بلفظها إلى (الناس مسلطون على أموالهم)؟ فإذا اشتبه عليك الأمر فقارنه بـ ( الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ ) [74] و (لَيْسَ بَيْنَ الرَّجُلِ وَ وَلَدِهِ رِباً ) [75].

المناقشة: ليست أدلة المحرمات ناظرة بلفظها لدليل السلطنة
نعم، قد يقال بأن مقياس الحكومة لو كان هو ما ذكره الشيخ لكن مع حذف قيد (بمدلوله اللفظي) لكانت أدلة المحرمات حاكمة على دليل السلطنة.
وفيه: أن أدلتها ليست بناظرة لدليل السلطنة بأي وجهٍ وإن كان مفادها يضادها وإلا لكان كل واحد من متضادي المفاد ناظراً أحدهما للآخر وحاكماً عليه!.

أدلة المحرمات ناظرة لأصالة الإباحة لا لدليل السلطنة
ويوضحه: أن دليل المحرمات ناظر لأدلة الإباحة والجواز كأصل أولي ورافعة له عن مواردها، فإذا كان الأصل إباحة كل شيء وحليته كان مثل قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) [76] ناظراً إليه رافعاً للجواز عن هذا المورد الخاص فكأنه يقول: كل شيء كان لكم جائزاً ولكني حرمت عليكم كذا وكذا، لكن أي نظر لـ(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ...) إلى "النَّاسَ مُسَلَّطُونَ..."؟ بل لا يخطر ذلك بالبال أصلاً لولا تكلّف ذكره في المقام، وصلاحية النظر شأناً لا تجدي لإثبات الحكومة بل لو قيل بها للزم حكومة ما ليس بحاكم قطعاً، بل حتى على ملاك الشأنية فإنه لا تعد أدلة المحرمات ناظرة شأناً لمثل الناس مسلطون، فتأمل.

أدلة المحرمات متقدمة على دليل السلطنة، لأظهريتها
الجواب الثالث [77]: بأن أدلة المحرمات كالنص بالنسبة إلى دليل السلطنة وأنه أضعف ظهوراً منها لجهتين:
الأولى: أنه على فرض شموله للسلطنة على الأحكام – وهو المحتمل الثالث السابق [78] - إلا أنه ظهوره ضعيف بل ضعيف جداً؛ لذا لم يذهب إليه الأكثر إن لم يكن هو المجمع عليه بين العلماء.

موهونية دليل السلطنة لكثرة تخصيصاته
الثانية: أن ظهوره موهون بكثرة تخصيصاته -أو تخصصاته- عكس أدلة المحرمات. توضيحه: أن ( الناس مسلطون) مخصص – أو متخصص- من جهات عديدة:
الجهة الأولى : أنه مخصص حيث المصدر والمنشأ بقوله تعالى: (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ) [79] ؛ فإنه - إضافة إلى حرمته – لا يملك ما كان من ربا أو من مطلق الحرام كـ"وَثَمَنُ الْمُغَنِّيَةِ" [80] فإنه (سحت) و (حَرَامٌ )  كما في الخبر: ( إِنَّ ثَمَنَ الْكَلْبِ وَالْمُغَنِّيَةِ سُحْتٌ ) [81].
الجهة الثانية : أنه مخصص من حيث ثبوت الملكية ؛ فهو لا يملك الخمس لقوله تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) [82] ولا الزكاة لقوله: (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [83] واللام للملك أو هي حق متعلق بالعين.
وغير خفي أن الخروج موضوعي فهو تخصُّص، لكنه عرفاً مال وملك في كل الصور فقد تصرف فيه الشارع بإخراجه تخصصاً فـ(إِنَّ النَّاسَ مُسَلَّطُونَ عَلَى أَمْوَالِهِمْ ) [84] خرج منها ما كان مالاً لهم لكن الشارع اعتبره غير مال.
الجهة الثالثة: أنه مخصص من حيث المصرف ؛ فهو يحرم عليه ولا سلطة له على صرف ماله في الإسراف والتبذير أو في الإضرار بالآخرين في الجملة، بل لا سلطة له فيما لشريكه فيه الشفعة ، وهكذا.
الجهة الرابعة : أنه مخصص من حيث الغاية ؛ إذ أنه ليس له أن يبيع الخشب ليُعمل صنماً أو صليباً ولا أن يبيع العنب ليعمل خمراً وشبه ذلك وإن جاز بيعه ممن يعمله كذلك.
الجهة الخامسة : أنه مخصص من حيث المتعلَّق ؛ إذ ليس له بيع أو شراء الخمر والخنزير أو كتب الضلال أو آلات اللهو أو شبه ذلك ؛ وعليه فإنه حتى إذا تعارض (الناس مسلطون) مع دليل حرمة الخمر أو الميتة أو غيرهما فإن أدلة المحرمات تتقدم عليه؛ لوضوح تقدم النص أو ما هو كالنص وكذا الأظهر على الظاهر، وذلك هو الوجه في تقدم الخاص على العام فإنه أظهر منه، وهذا على المبنى المنصور تبعاً للشيخ من أن تقدم الخاص على العام للاظهرية [85] ؛ وعليه فإذا كان أحد العامين من وجه أظهر من الآخر في مورد الاجتماع تقدم عليه.

تقدم أدلة المحرمات على (النَّاسَ مُسَلَّطُونَ) للأظهرية
ولكن أن عموم  (النَّاسَ مُسَلَّطُونَ) - حتى على فرض شموله للأحكام موهون بالإعراض عنه وبكثرة تخصيصاته فتتقدم عليه أدلة المحرمات وإن كانت نسبتها معه هي العموم من وجه – إنما يتم على مبنى أن تقدم الخاص على العام إنما هو للاظهرية وعلى بعض المباني الآخر [86] دون سائر المباني؛ وإن كنا نرى أن أكثر المباني الأخرى تعود  في جوهرها إلى مبنى الأظهرية حسبما يقود إليه التحقيق.

المباني السبعة في وجه تقدم الخاص على العام
توضيحه:  أن المباني في وجه تقدّم الخاص على العام هي سبعة:
الأول: الأظهرية-  وهو المختار تبعاً للشيخ وقد سبق- وعليه يتقدم أحد العامين من وجه على الآخر لو كان أظهر عرفاً منه.
الثاني: الحكومة، أي حكومة الخاص على العام أي على حجية العام [87]، ومن الواضح أن الحاكم يتقدم على المحكوم وإن كانت النسبة بينهما من وجه، لكن تقرير حكومة الخاص على العام بالنحو الذي ذكروه لا يجري في أحد العامين من وجه بالنسبة للآخر وسيأتي تقريره.
الثالث: الورود، وتوضيحه مع سابقه: أنه قيل إن موضوع حجية ظهور العام [88] مركب من أمرين: الظهور في العموم وعدم العلم بالخلاف، وقيل أنه مركب من الأول ومن عدم الدليل أو الحجة على الخلاف.
فعلى الأول: فالخاص حاكم لأنه ليس بعلم على الخلاف ، بل هو علمي نُزِّل منزلة العلم.
وعلى الثاني: فالخاص وارد لأنه حجة ودليل حقيقةً ، وإن كان بعناية التعبد.
وكما هو واضح فإن هذا التقرير للحكومة لا يجري في أحد العامين من وجه للتعارض؛  إذ كما يصلح هذا حجة ودليلاً -أو علماً تنزيلياً - على الآخر  يصلح العام الآخر دليلاً وحجة عليه، عكس الخاص والعام فإن صلاحية الدليلية على خلاف الآخر إنما هي من طرف واحد عرفاً وإن أمكن العكس عقلاً  كما قالوا، ونقول إن ذلك ما هو إلا للاظهرية.
الرابع: القرينية، بدعوى أن تقدم الخاص على العام إنما هو لأنه قرينة عليه عرفاً، أما أحد العامين من وجه فليس قرينة على الآخر.
وفيه: أن القرينية ليست إلا للاظهرية.
نعم ، مقام القرينية يقوي الظهور ، لكن الكلام أنه لو كان مع ضميمة مقام قرينيته إليه أضعف ظهوراً أو مساوياً في الظهور لذي القرينة تعارضا في الثاني وتقدم ذو القرينة عليها في الأول.
الخامس: التوفيق العرفي - نظير ما قاله الآخوند عن وجه تقدم أدلة العناوين الثانوية على الأولية- مما يعني أن العرف يتدخل تعبداً أو لنكتة ارتكازية، فيتصرف في أحدهما بمعونة الآخر، فتأمل.
ولكن هذا لا يجري في العامين من وجه، إلا أن يدعى تدخل العرف أيضاً إذا كان ظهور أحدهما شديد الوهن بكثرة تخصيصاته.
السادس: كون أداة العموم في طول مقدمات الحكمة والإطلاق كما قاله الميرزا النائيني ؛ فإن (أكرم كل عالم) مثلاً إنما يكون عموم الأداة بعموم المدخول ؛ فكلما توسعت أو تضيقت دائرة (العالم) توسعت – حدوثاً – أو تضيقت دائرة (كل) ؛ وحينئذٍ فالعموم دائر مدار انعقاد مقدمات الحكمة في (عالم) ؛ فإذا وجد مخصص له كان (عالم) قد انعقد ضيقاً وقد وردت (كل) عليه فأفادت معنى ضيقاً بتبع ضيق المدخول.
فقد ظهر أن هذا بيان آخر للورود ،  لكنه لا يجري في العامين من وجه لو كان أحدهما أضعف ظهوراً إلا بتكلف، فتأمل.
السابع: أن الخاص لا يتقدم على العام أبداً ولا العكس، بل أن أحدهما يندكّ في الآخر فيفيدان مجموعاً الصورة النهائية الجديدة وهي العام المقتطَع منه.
وكما ترى ؛ فإن هذا لا يجري في العامين من وجه حتى إذا كان أحدهما أقوى ظهوراً إلا بتكلف أيضاً.

عدم حكومة أدلة المحرمات على دليل السلطنة على كل تعريفاتها الست
سبق أن أدلة المحرمات ليست جهة تقدمها على دليل السلطنة-  بناءً على شموله للأحكام التكليفية - هي حكومتها عليها، وذلك على مختلف المباني في الحكومة والتعريفات لها:
أولاً : على تعريف الشيخ (قدس سره) للحكومة.
ثانياً: على تعريف الشيخ الآخر مع حذف قيد :بمدلوله اللفظي ، وقد سبق الكلام عنهما.
ثالثاً: على تعريف المحقق اليزدي للحكومة، وحاله حال تعريف الشيخ ؛  لأخذه قيد بمدلوله اللفظي فيه وإن قيّد :بأن لا يكون اللسان لسان التفسير الصريح بل التفسير الضمني.
رابعاً : على التعريف الرابع للحكومة ،  وهو: (كل دليل كان تعقّله في الذهن مستلزماً لتعقل دليل آخر ينافيه، سواء كانت المنافاة بلحاظ نفسه أو بلحاظ دليل اعتباره، ولم يكن تعقل الآخر مستلزماً لتعقل الأول، فهو حاكم عليه، من غير فرقٍ بين أن تكون المنافاة بينهما بالمباينة أو بالعموم المطلق أو من وجه) [89] .
فمن الواضح أنه حتى لو صح هذا التعريف- وقد مضت الإشكالات عليه- فإن تعقل أدلة المحرمات كـ(حَرَّمَ الرِّبَا) و(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ...) لا يتوقف على تعقل (الناس مسلطون بوجه).
خامساً: على التعريف الخامس للحكومة وهو: (أن يتعرض أحدهما لبعض خصوصيات الآخر ككونه جاداً أو هازلاً أو مورّياً؛ فإن كون صدور الحكم منه على نحوٍ منها هو من حيثيات وجهات الدليل الآخر الساكت عنها...) [90] .
فمن الواضح أن دليل (حَرَّمَ الرِّبَا) وشبهه يتعرض لحيثيةٍ تعرّضَ لها دليل السلطنة بناء على شموله للأحكام التكليفية، فهذا التعريف شاهد معاكس.
نعم ، لو قلنا كالمشهور بانصراف دليل السلطنة عن إفادة الجواز التكليفي لكان وجه لانطباق الحكومة -حكومة أدلة المحرمات عليه - على المقام ؛ لأنه يفيد حيثيةً لا يفيدها دليل السلطنة؛ وهي حرمة خصوص هذا النحو من التصرف.
سادساً: أن يكون أحدهما متصرفاً في الآخر لكن بلسان المسالمة لا المصادمة.
وهذا أيضاً دليل على العكس؛  لوضوح مصادمة لسان (حَرَّمَ الرِّبَا...) لدليل السلطنة على فرض إطلاقه وشموله للجواز التكليفي.

وجه جديد لعلاقة أدلة المحرمات مع دليل السلطنة: التوفيق العرفي
نعم ، يمكن الذهاب إلى تخريج آخر في علاقة أدلة المحرمات بدليل السلطنة [91] ؛ وهو : التوفيق العرفي.
وهذا ما ذهب إليه الآخوند في علاقة الأدلة الثانوية مع الأولية ؛ إذ رأى أن العرف عندما يرى مثل (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [92] فإنه يوفق بينه وبين مثل (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [93] بالتصرف في الأخير بحمله على غير صورة الحرج لا لنظر للأول إليه كما هو مبنى الحكومة بل للفهم العرفي ؛ إذ يرون أن الدليلين في مرتبتين فيحمل العرف كلاً منهما على مرتبةٍ ويصرفه إلى مرتبته.
فهذا تقرير لكلام الآخوند هناك يمكن القول بمثله في المقام ؛ وذلك بأن يقال: إن العرف عند ضمّه دليل (حَرَّمَ الرِّبَا) إلى (النَّاسَ مُسَلَّطُونَ) يوفّق بينهما بحمل الثاني على غير ما نُصَّ على تحريمه، فتأمل.

إشكال آخر: دليل السلطنة لا يفيد السلطنة على الحقوق غير المالية
ثم إنه يمكن الإشكال على التمسك بقاعدتي (لكل ذي حق إسقاط حقه ولكل ذي حق نقل حقه) إذا كان مستندهما (النَّاسَ مُسَلَّطُونَ) : بأن الرواية لو سلم تمامية سندها ودلالتها على مسلطية الناس على حقوقهم - لأولوية سلطنتهم عليها من تسلطهم على أموالهم ، إذ الملكية سلطنة قوية والحق سلطنة ضعيفة ، فإذا كان مسلطاً على ماله وملكه بأن يفعل به ما يشاء كالاعراض المسقط عن الملكية أو نقله بمختلف الصور كان مسلطاً على حقه بالإسقاط أو النقل - لكن ذلك لا يفيد السلطنة على الحقوق غير المالية ؛ إذ أن مفاد دليل الفحوى والأولوية لو تمّ هو السلطنة على الحقوق المالية خاصة دون غيرها.

نماذج من الحقوق المالية وغير المالية
توضيحه: أن الحقوق على قسمين ؛ مالية أي متعلقه بالأموال وغير مالية كالمتعلقة بالأشخاص:
فالمالية: كحق الشفعة وحق الخيار وحق الحيازة، وحق النفقة، وحق المطالبة بالقرض أو الوديعة، وحق الفسخ في العقود الجائزة كالشركة والمضاربة وغيرها.
وغير المالية: كحق القصاص، وحق السبق في المسجد أو المدرسة أو إمامة الجماعة، وحق الرجوع في العدة الرجعية وحق الفسخ في عيوب النكاح السبعة وحق العزل في الوكالة وشبهها [94].
فـ(الناس مسلطون على أموالهم) غايته أنه يفيد السلطنة على حقوقهم المالية لا حقوقهم غير المالية، ولا فحوى؛ إذ أية أولوية للسلطنة على الحقوق غير المالية من السلطنة على الحقوق المالية؟ أو أية أولوية للسلطنة عليها – غير المالية – من السلطنة على الأموال؟ فاللازم بناء على كون مستند (لكل ذي حق إسقاط ونقل حقه) هو رواية السلطنة، التفصيل.
لا يقال: لا أولوية حتى في الحقوق المالية، ولا ينفع التقرير السابق [95] ؛ إذ لا شك في أننا نجهل ملاكات الأحكام؟
إذ يقال: ليس الاستدلال بالملاك ليقال بجهلنا له، بل بالأولوية حسب الفهم العرفي؛ والعرف يرى أن سلطة الإنسان على حقه بإسقاطه أو نقله أولى من سلطته على ماله وملكه؛ فإذا كان له هذا كان له ذاك، فتأمل [96].

هذه المباحث الاصولية تجميع لما طرحه سماحة السيد في مختلف كتبه وبحوثه، قام باعدادها وجمعها و ترتيبها مشكوراً فضيلة الشيخ عطاء شاهين وفقه الله تعالى

-------------------
[1] بتصرف وإضافات عديدة.
[2]  وهو المحكوم .
[3] والشرطية بشكل أولى.
[4]  وهما مما أضفناه، وستأتي إضافات أخرى.
[5] سورة الحج: آية 78.                  
[6]  كتاب الاستصحاب: ص270.
[7] نفس المصدر.
[8]  كتاب الاستصحاب: ص270.
[9]  وهذا القسم كلواحقه – وكبعض ما سبقه - مما أضفناه على أقسام الحكومة، بناء على صحة ذلك التعريف.
[10]  أي الدليل الآخر.
[11]  أي في الدليل الآخر.
[12]  سورة التوبة: آية 71.
[13]  راجع كتاب  معالم المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي : ص15
[14]  بشروطه.
[15]  مخطوط، ويراجع البحث في كتاب  المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول  ص42.
[16]  للتفاصيل يراجع كتاب  المبادئ التصورية والتصديقية للفقه والأصول  ص48-50.
[17]  ولا يخفى تعدد الأقوال في نسبتها إليها، إلا أن الكلام الآن على مبنى المشهور، والمنصور، والظاهر إذعانه به، فإن رفضه كان إشكالاً مبنائياً.
[18]  سورة البقرة: آية 187.
[19]  أي مما وقع طريقاً لإثبات حجية الخبر الدال على حكم من الأحكام.
[20]  أي على معارضه لو كان، وفي ذكره دفع دخل مقدر فتدبر.
[21]  سيأتي وجهه.
[22]  وسيأتي أن الملاك سنخُ تصرفٍ خاص، إلا ان هذا الجامع مسلّم.
[23] أي غلبته على المتصرف فيه.
[24]  أي المفروض أنه عدّه محكوماً.
[25]  وإن عدّه متعرضاً لها بوجهٍ، فسيأتي جوابه.
[26]  وإن كانت في عالم الثبوت متعلقةً به بوجهٍ.
[27]   أو أي شيء آخر ككونه وارداً أو مخصصاً أو مزاحماً أو غير ذلك؟..
[28]  إذ سبق أن قوله مثلاً  هذا جزء ،  يعني – فلاحظ الظهور بوسائط إن لم يكن الخفي – أنه جزء حتى في صورة النسيان مثلاً فإذا نسيه وصلى فإن المأتي به لم يطابق المأمور به ؛ وإذا كان كذلك لم يسقط الأمر، إذ لا يسقط إلا بالامتثال، والامتثال لا يكون بالناقص في الارتباطيات، فإذا بقي الأمر وجب الامتثال مجدداً وهو ما يطلق عليه عرفاً الإعادة.
[29] كتاب الاستصحاب: ص270.
[30]  وعلى التنزل، فإنها أظهر.
[31]  والأدق: بدلالة الاقتضاء ؛ لأن تلك ملزومات ،فتأمل.
[32]  من أنه نص لذا يغلب ذلك الظهور.
[33]  كتاب الاستصحاب: ص270.
[34]  أي حسب تعريفه، هذا للشق الثاني وأما للشق الأول فخارجة مطلقاً.
[35]  أو الناظرية.
[36]  المدعى أنه محكوم، بل ومطلق الدليل.
[37]  لا بالوضع بل التلازم العقلي أو العرفي.
[38]  ما لا ظهور له بالمرة.
[39]  ما له ظهور أضعف.
[40]  إعادة ظهور الحال إلى ظهور المقال.
[41]  من كونه جاداً أو هازلاً الخ.
[42] أي المدعى انه حاكم ومحكوم.
[43] كما سبق.
[44]  انفكاك الحكومة عن التعرض.
[45]  إيجاباً وسلباً.
[46]  فكيف بالمستقر.
[47]  سورة البقرة: آية 228.
[48]  فائدة: ذهب جمع كبير من الأعلام إلى أن المراد بالقرء في طلاق الدائم هو الطهر فثلاثة قروء أي ثلاثة أطهار، والمراد به في طلاق المتمتع بها هو الحيض  أو الحيضتان .
[49]  الوارد على هذا التعريف,
[50]  موضوعاً أو محمولاً أو متعلقاً أو غيرها.
[51]  يمكن أن يعدّ هذا إشكالاً عاشراً.
[52] الكافي : ج3 ص33.
[53]  الكافي : ج5 ص292.
[54]  مباحث التعارض: الدرس 126، 127، 128، 129، 130.
[55]وهي : لسان الأدلة، إطلاق الأدلة، كون العنوان تمام الموضوع، وجود الخصوصية في الشخص أو الجهة، قاعدة لكل ذي حق إسقاط حقه، كونه لرعاية حاله أو رعاية حال غيره، كون الحيثية تعليلية أو تقييدية أو اقتضائية، كون الموضوع أو كون النكتة فيه أو المصلحة والمفسدة عِلة أو حكمة، مطلق مناسبات الحكم والموضوع، والأصول العملية.
[56] كتاب المكاسب: ج2 ص232.
[57] أي القاعدة.
[58] هذا الإشكال الثالث ، هو ما من نقتصر في هذا البحث التطبيقي.
[59] العقد النضيد: ج1 ص145.
[60] وهو جواب هام يعتمد على تحليل معنى (الناس مسلطون) والأقوال فيه.
[61] عوالي اللئالي: ج1 ص222.
[62] حسب التقريرات المنسوبة إليه.
[63] فتفيد: 1- صحة الأكل والشرب والسكن.. الخ، 2- صحة البيع والإجارة والرهن.. الخ، 3- صحة تلك العقود بمختلف تفاصيلها ككون البيع بصيغة الماضي أو المضارع، بالعربية أو الفارسية، منجِّزاً أو معلقاً، من البالغ أو المميز.. الخ فيخرج منه ما دل الدليل على عدمه كالمعلق ويبقى الباقي،
[64] من أب أو زوج أو حكومة أو حاكم شرع.
[65] أي: بل هو ملزومه.
[66] المذكور في (بعبارة أخرى) مع الشمول للأمرين معاً.
[67] الوسائل : الباب 17، من أبواب أحكام الوصايا: ح1.
[68] كي لا يقال: انه بمعنى (يجوز له أن يصنع به ما شاء) فإنه وإن صح لكنه أجنبي عن مورد الكلام.
[69] الوسائل: الباب 17، من أبواب أحكام الوصايا: ح2.
[70] الوسائل: الباب 17، من أبواب أحكام الوصايا: ح11.
[71] من الوجوه  في النسبة بين حديث السلطنة وأدلة المحرمات.
[72] سورة المائدة: آية 3.
[73] سورة المائدة: آية 3.
[74] عوالي اللئالي: ج1 ص214
[75] الكافي: ج5 ص147.
[76] سورة المائدة: آية 3.
[77]  عن دعوى التعارض بين دليل السلطنة وأدلة المحرمات، فهو جواب ثالث للنسبة بينها.
[78] سبق: (ج – السلطنة حتى على الأحكام).
[79] سورة البقرة: آية 188.
[80] وسائل ‏الشيعة: ج17 ص123.
[81] وسائل ‏الشيعة: ج17 ص123.
[82] سورة الأنفال: آية 41.
[83] سورة التوبة: آية 60.
[84] عوالي اللئالي: ج1 ص222.
[85] وستأتي الإشارة إلى الحال على سائر المباني.
[86] كالحكومة.
[87] أو دليل حجيته.
[88] أو موضوع حجية العام في شموله للأفراد.
[89] كتاب التعارض (لليزدي) ص60-61.
[90] مضى في درس (التعادل والترجيح) رقم (127).
[91] أي غير الوجوه الثلاثة الآنفة وهي: الانصراف والحكومة والتخصيص.
[92] سورة الحج: آية 78.
[93] سورة البقرة: آية 187.
[94] وبعض المذكورات أحكام كما لا يخفى وتسميتها بالحق من باب الإطلاق الأعم للحق.
[95] من أنه سلطنة ضعيفة والملك سلطنة قوية...
[96] مباحث التعارض: الدرس 144 ، 145 ، 146 ، 147 مع بعض التصرف والاختصار.

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 7 صفر 1440هـ  ||  القرّاء : 6693



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net