447- الدفاع عن الشيخ بان مرجع المسألة الى الشك في مقام الجعل وهو معارض بل متقدم على الشك في مقام المجعول فلا يجري استصحاب التخيير بعد التخيّر ، والجواب عنه
الاحد 3 ذو الحجة 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(18)
الاستدلال لدعوى مانعية التخير بوجه آخر
سبق ان الشيخ قال: (واستصحاب التخيير غير جار، لأن الثابت سابقا ثبوت الاختيار لمن لم يتخير، فإثباته لمن اختار والتزم إثبات للحكم في غير موضوعه الأول)([1])
وقد أجبنا عنه بوجوه، ولكن يمكن ان نقوي دعوى الشيخ هذه بوجه مبنائي، سواءاً أقلنا ان كلام الشيخ ههنا مبنيٌ على هذا الوجه أم لا.
الشك في ثبوت التخيير لمن تخيّر شك في الشبهة الحكمية
والوجه المبنائي هو ان الشك في ثبوت التخيير لمن تخيّر إحدى الروايتين أو أحد القولين، هو شك في سعة الحكم المجعول وضيقه فالأصل عدمه إذ الضيَّق من الحكم هو القدر المتيقن والأكثر مشكوك فالأصل عدم وجوده([2]) أو الأصل عدم جعل الحكم بالتخيير حتى لما بعد التخيّر([3]).
الفرق بين الشبهة الحكمية والموضوعية
بيان ذلك: ان الشبهة تارة تكون حكمية وأخرى موضوعية، والموضوعية هي ما نشأ الشك فيها من اشتباه الأمور الخارجية، والحكمية ما كان منشأ الشك فيها الشك في حدود جعل الشارع وانه ما الذي جعله؟
وبعبارة أخرى: الشك في بقاء الحكم وهو المجعول اما ان يكون ناشئاً من الشك في مقام الجعل واما ان يكون ناشئاً من الشك في مقام المجعول من حيث الشك في سعة المجعول وضيقه واما ان يكون ناشئاً من الشك في مقام المجعول نظراً لاشتباه الأمور الخارجية.
أمثلة للشبهة الموضوعية والحكمية
ولنمثل لكل منهما ليتضح الحال ووجه انطباقه على محل الكلام:
أما الأول وهو الشبهة الموضوعية فكما لو خرج عنه سائل مردد بين كونه منياً أو وذياً فان له ان يستصحب الطهارة إذ لا شك في الحكم الشرعي وحدوده سعة وضيقاً([4]) لوضوح ان الطاهر من الحدث هو من لم يخرج منه المني وإن خرج منه الوذي أو المذي أو الودي، إنما الشك في الموضوع الخارجي وهو ان هذا الخارج منه ما هو؟ وعليه فالشك ليس في الجعل ولا في المجعول أي الحكم من ناحية الشك في سعته وضيقه بل في المجعول([5]) أي الحكم من جهة اشتباه الأمور الخارجية.
واما الثاني وهو الشبهة الحكمية فكما لو شك في وجوب صلاة الجمعة زمن الغيبة فان الشك في وجوبها زمن الغيبة شك في الجعل أي شك في ان الشارع جعل – حين إذ جعل – وجوب صلاة الجمعة مطلقاً أو جعله في خصوص زمن الغيبة كما هو شك في حدود المجعول سعة وضيقاً.
وكذلك لو شك في طهارة الماء القليل المتمم كراً بطاهرٍ، فان الشبهة حكمية؛ إذ يشك في مقام الجعل وفي حدود ما جعله الشارع سعةً وضيقاً، فهل جعل النجاسة على مطلق الماء القليل الملاقي للنجاسة سواءاً أتمم بكرّ أم لا، أم جعله على خصوص ما لم يتمم بكرّ([6]) والمتيقن هو انه جَعَل النجاسة على القليل غير المتمم بكرّ – إذ انه على كلا التقديرين نجس، اما الكر المتمم فلا يعلم جعل النجاسة له؛ إذ الجعل حادث والأصل عدمه، كما انه قبله لم تكن نجاسة للماء الملاقي للنجس وحيث شك في جعل (أو ثبوت) النجاسة على الكر المتم استصحب عدمه أي عدم جعل النجاسة (أو عدم ثبوت النجاسة بنحو العدم الأزلي)([7]).
المقام من قبيل الشبهة الحكمية لرجوع الشك إلى مقام الجعل أو سعة المجعول
والمقام من قبيل الثاني أي الشبهة الحكمية إذ يشك في مقام الجعل وان الشارع هل جعل التخيير لمطلق من واجهه دليلان أو فتويان متعارضتان ابتداءاً أو استمراراً أي سواء تخير أحد الطرفين أم لم يتخير أم جعله فقط ابتداء لمن واجهه المتعارضان قبل ان يتخير احدهما دون ما لو تخير أي جعله له ابتداء لا استمراراً والأصل عدم الجعل إذ المتيقن هو جعل التخيير لمن لم يتخيّر أي التخيير الابتدائي، دون من تخيّر.
أو يقال: يشك في بقاء العدم الأزلي للتخيير فيستصحب، وإنما يرفع اليد عنه بمقدار ما تيقن نقضه به وهو حالة ما قبل التخير فيبقى الباقي على الأصل.
رأي النراقي مع تتميمنا ورأي الشيخ
وحينئذٍ نقول: ذهب النراقي في المستند إلى عدم جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية مطلقاً وذلك لأن استصحاب وجود المجعول معارض باستصحاب العدم الأزلي للحكم (أقول: ومعارض بل محكوم باستصحاب عدم الجعل)([8]) فلا يجري استصحاب المجعول فوجوب صلاة الجمعة إنما يصار إلى استصحابه نظراً للشك فيه زمن الغيبة بعد التيقن به زمن الحضور لو لم يعارضه استصحاب العدم الأزلي للوجوب أو استصحاب عدم الجعل([9])، لكنه قد عارضه إذ يجري استصحاب العدم الأزلي لوجوبها كما يجري استصحاب عدم جعل وجوب صلاة الجمعة – حين إذ جعلت – بنحو مطلق إذ قبل تشريعها لم يكن وجوب لا عام وطويل ولا خاص وقصير([10])، (أي لا وجوب صلاة الجمعة زمن الحضور فقط ولا وجوبها زمن الحضور والغيبة) ثم انها قد شرعت قطعاً لكن تشريعها لزمن الحضور متيقن وتشريعها للأعم أي لزمن الغيبة أيضاً مشكوك فالاصل عدمه.
والحاصل: ان استصحاب بقاء المجعول (كوجوب صلاة الجمعة، ونجاسة الماء القليل المتمم كراً، والتخيير لمن تخيّر) معارض بل محكوم باستصحاب عدم الجعل (عدم جعل وجوب صلاة الجمعة لما بعد الغيبة وعدم جعل نجاسة الماء القليل المتمم كراً، وعدم جعل التخيير لمن تخيّر أي عدم جعل التخيير الاستمراري)، كما هو معارض باستصحاب عدم الوجوب الأزلي وعدم النجاسة الأزلية وعدم التخيير الأزلي.
فلا يجري استصحاب عدم المجعول نظراً للمعارضة في الصورة الثانية ونظراً لحكومة استصحاب عدم الجعل في الصورة الأولى.
هذا([11]) ما ذهب إليه النراقي، ولكن حيث ان الشيخ قد رفض هذا المبنى فان هذا لا يصح ان يكون مستنداً له، نعم مَن قَبِل هذا المبنى صح له عَضْد المانعين بهذا الوجه، وقد أجاب الشيخ والآخوند وغيرهما عن هذا المبنى([12]) بوجوه ليس هذا مورد طرحها والأخذ فيها والرد بل ينبغي ان يراجعها الطالب ويتدبر فيها تنمية لملكته([13]). وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) فرائد الأصول ج4 ص44.
([2]) وهو العدم الأزلي.
([3]) قولنا (أو) للإشارة إلى مبنيين في المقام واستصحابي عدمٍ.
([4]) كما لا شك في الجعل.
([5]) أو فقل متعلق المجعول أو مصداقه ومن انطبق عليه.
([6]) والحاصل: ان الكر معتصم إذا كان كراً ثم ألقيت فيه نجاسة، أم انه معتصم حتى لو القيت فيه نجاسة ولم يكن كراً ثم صار كراً؟ خلاف والنزاع مبنى على الاستظهار من لفظ الرواية.
([7]) الترديد ليس للتردد بل لانهما وجهان واستصحابان فانتبه.
([8]) لا يخفى ان عامة كلام النراقي والذي نقله الشيخ في الرسائل هو عن استصحاب عدم الحكم الأزلي، لكنه في مطاوي كلامه ذكر استصحاب عدم الجعل ولعله – والله العالم - لم يلتفت إلى كونهما أمرين واستصحابين فتدبر جيداً.
([9]) يلاحظ اننا ذكرنا كلا الاستصحابين العدميين وهو تتميم لكلام النراقي وإن لم يقصده أو غفل فخلط بينهما.
([10]) أي الأمر يدور بين الكثير والقليل.
([11]) أي الصورة الثانية (المعارضة باستصحاب العدم الأزلي).
([12]) وظاهر كلامهم الصورة الثانية لا الأولى فانتبه.
([13]) مثلاً قد يجاب بان استصحاب وجود المجعول عرفي اما استصحاب العدم الأزلي فليس بعرفي كما ان استصحاب عدم الجعل فدقي عقلي، وأدلة الاستصحاب تخاطب العرف لا الذهن الدقي.
وقد أجاب الآخوند بان المرجع في وحدة الموضوع وتعدده هو العرف والعرف يرى الموضوع في الشبهة الحكمية واحداً وان الكثرة والقلة هي من الحالات فلا مجال لانكار استصحاب المجعول. فتأمل
الاحد 3 ذو الحجة 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |