75- هل الاحتياط في طول الاجتهاد و التقليد او العكس - الوجوه الثلاثة للطولية
السبت 25 ربيع الاول 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
كان البحث يدور حول الاحتياط وحول مسوغاته وما اورد عليه وما يمكن ان يورد عليه مع الاجابة عنها وقد تعرضنا لما هو العمدة من الاشكالات واجوبتها وتوجد اشكالات اخرى يتضح الجواب عنها بملاحظة ما تقدم او لا يصعب الجواب عنها ولذا ننتقل الى عنوان اخر من مباحث الاحتياط .
هل ان الاحتياط في طول الاجتهاد والتقليد ام العكس هو الصحيح؟ ام انها كلها في عرض واحد؟ ذهب الى كل علم من الاعلام , توضيح ذلك:
الرأي الاول : ان الاحتياط في طول الاجتهاد والتقليد وليس في عرضهما وقبل الاستدلال نقول ان تصوير ذلك يمكن ان يتم بصور اربعة :
الاولى: انه مع امكان الاجتهاد او التقليد فلا موضوع للاحتياط.
الثانية : انه مع فعلية الاجتهاد او التقليد لا موضوع للاحتياط فعلى القولين يكون الاحتياط من باب السالبة بانتفاء الموضوع .
الثالثة: انه مع امكان الاجتهاد او التقليد ينتفي حسن الاحتياط لا موضوعه.
الرابعة: انه مع فعلية الاجتهاد او التقليد ينتفي حسن الاحتياط.
هذه هي الصور الاربع المحتملة, وبعبارة اوضح هل الاولى ان يجتهد او يقلد فان عجز يحتاط او الاولى ان يحتاط وان اجتهد او قلد , والصور الاربعة هي الجامعة , واستدل على الرأي الاول بوجوه:
الاول: ان الاحتياط من الاصول العملية فهو متأخر رتبة عن الادلة الاجتهادية , كالبراءة فان موضوع البراءة العقلية والنقلية ينتفي مع وجود الادلة الاجتهادية (مع وجود العلم او العلمي) فخبر الواحد الثقة علمي نزله الشارع منزلة العلم وألغى احتمال الخلاف وكذلك الظواهر فهي جميعا واردة على البراءة , فكما ان اصل البراءة موضوعه يتحقق حيث لا دليل ومع الدليل لا موضوع له , فكذلك الاحتياط , اذن الاحتياط متأخر رتبة عن الاجتهاد او التقليد بمعنى ان موضوعه منتفٍ مع وجودهما او امكانهما .
وبتعبير اخر ان الاحتياط مقيد بعدم التمكن من الاجتهاد او التقليد ,وبعبارة اخرى : عند لحاظ الغاية من الاحتياط نجد ان الاحتياط جعل لأجل تحصيل الحجة على الاطاعة (اطاعة العبد اوامر المولى) حيث امتثل كلا الامرين و اذا كان هناك اجتهاد او تقليد فالحجة على الاطاعة موجودة فيكون الاحتياط تحصيلا للحاصل فكما ان الامر يسقط بأمتثاله فلا يمكن ان يمتثل من جديد فكذلك الاحتياط اذا كانت الغاية منه تحصيل الحجة على الاطاعه , فان الاجتهاد والتقليد هما بلا شك حجة على الاطاعة فمع وجودهما لا موضوع للاحتياط لأنه يلزم من القول به تحصيل الحاصل .
الميرزا النائيني عبر في اجود التقريرات عن هذا الوجه بتعبير اخر حيث رأى :ان التحرك(الانبعاث)عن الامر الجزمي وان الامتثال التفصيلي للاوامر المولوية هذان الامران متقدمان رتبة على التحرك عن الامر الاحتمالي (الاحتياط) وعلى الامتثال الاجمالي (في الاحتياط) وهذا وجه اخر لبيان الطولية هذا كله اذا كنا نعلم الطولية , ثم يكمل الميرزا : لكن لو شككنا ان الاحتياط في طول الاجتهاد والتقليد ام في عرضهما فما هو المرجع؟ مع العلم انه ليس هناك مرجع سببي أي في مقام الجعل لا اصل , اذ لا نعلم ان المولى ماذا جعل فهل جعلهما في رتبة واحدة او جعل احدهما متقدما على الاخر , فايهما المتقدم؟ لا اصل لأن كليهما مسبوق بالعدم , فيتعارض الاستصحابان هذا اضافة الى كون الاصل مثبتا , وحينئذ نرجع الى الاصل المسببي( ). فيقول الميرزا النائيني:الاشتغال اليقيني يستدعى البراءة اليقينية, والاجتهاد والتقليد على أي تقدير ,هما مبرءان للذمة سواء اكانا في الطول(اي سابقين رتبة) ام في العرض ففي الطول يتعين الاخذ باحدهما وفي العرض يتخير المكلف بينهما وبين الاحتياط , اما الاحتياط فهو مشكوك فيه لأنه ان كان في العرض فمبرء اما ان كان في الطول فليس بمبرء , اذن الاشتغال اليقيني يستدعي البراءة اليقينية وهو غير متحقق بالاحتياط , هذا هو الوجه الاول لبيان الطولية ولو ثبت فان كثيرا من البحوث السابقة تنتفي لأنه حينئذ يصار الى الاحتياط بعد العجز عن الاجتهاد والتقليد وما اقل موارد العجز نسبيا .
الوجه الثاني : للقول بالطولية هو ان الاحتياط مختلف فيه , اما الاجتهاد والتقليد فلا خلاف فيهما . ولماذا الاحتياط مختلف فيه؟ والجواب لما تقدم من الكلام من ان الاحتياط في العبادات فاقد لقصد الوجه والتمييز ومستلزم للعبث باوامر لمولى , وفي المعاملات فاقد لقصد الجزم فلا انشاء فلا تأثير ,اذن في الاحتياط خلافٌ لما تقدم وان ناقشنا فيها اما الاجتهاد والتقليد فليس بمختلف فيهما بل هما طريقان عقلائيان ممضيان شرعا لابراء الذمة , هذا هو الوجه الثاني .
الوجه الثالث :الاحتياط يعتمد في اصله(في مشروعيته وجوازه) وفصله(تشخيص موارده)على الاجتهاد والتقليد فلا يكون قسيما ثالثا بل قسما وتابع لهما ومتفرعا عليهما .
بيان ذلك: الاحتياط في اصل مشروعيته منوط بالاجتهاد والتقليد اذ يشك العبد انه لو اتى بهذا العمل احتياطا فهل هو مبرء للذمة او عليه ان يتعرف على امر المولى تفصيلا فعليه ان يجتهد ليصل الي ان الامتثال الاحتمالي ايضا بمنزلة الامتثال الجزمي وهذا اجتهاد .
وهناك كلام وهو ان الاجتهاد الساذج هل يكفي ام لا؟ وذلك كما في المستقلات العقلية فهل يكفي الاجتهاد الساذج أي الفطري ام لا؟بأن يستند الى استقلال عقله بأن الاحتياط حسن على كل حال , فهل يكفي هذا ام لابد من الاجتهاد التفصيلي بأن يكون قادرا على الاجابة بل بان يجيب بالفعل على الشبهات الواردة على الاجتهاد والتي كانت محلا للنقض والابرام ؟
اذن فبحث ان الاجتهاد الساذج في المستقلات العقلية كاف ام لابد من الاجتهاد التفصيلي فيهما , بحث مهم خاصة في علم الكلام لأنه يرتبط بالعقائد مثلا هل يجوز ان يكتفي المكلف بأثبات وجود الله بالادلة الفطرية ام لابد ان يعرف الشبهات والاجابة عنها (لا اقل من الشبهات المهمة او كثيرة الابتلاء او ما كان منهما محلا الابتلاء) وهذا بحث مهم لكن سواءا اقلنا ان الاجتهاد الساذج كاف ام لا فأن الاحتياط يحتاج الى الاجتهاد سواء في مشروعيته ام في تشخيص موارده , اذ لا يمكن تشخيص موارده بلا اجتهاد او تقليد , والوجوه الست عشرة المذمومة المتقدمة توضح ذلك,وللحديث صلة وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين...
السبت 25 ربيع الاول 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |