255- مسائل اخرى : 1ـ هل ورد مصطلح (اصول الدين) في الروايات ؟ 2ـ وعلى فرضه فهل هو موضوع مستنبط ؟ 3ـ ما هي مفردات ومصاديق (اصول الدين ) 4ـ ما هو ضروري الدين وما مصاديقه 5ـ ما هو ضروري المذهب وما مصاديقه الجواب عن الاوًّلين : لقد ورد مصطلح اصول الدين في روايات متعددة ، ولعل الشيخ في الرسائل لم يعثر عليها فذكر روايات بها مصطلحات اخرى كـ(دعائم الدين) ـ رواية الامام الصادق (عليه السلام) عن مصاديق اصول الدين وتفسيرها
السبت 24 جمادى الأولى 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
البحث حول الاجتهاد والتفقه في أصول الدين، وقد مضى شطر من الحديث حول الاجتهاد والتفقه وانه موضوع مستنبط فيؤخذ بماهيته وحدوده وطرقه ومؤدَّياته من الشارع، وبقيت هناك بحوث أخرى نتركها لتحقيقكم.
مسائل أخرى
أما مبحث اليوم فهو حول المتعلَّق أي أصول الدين، لأن عنوان المسألة هو (الاجتهاد في اصول الدين)، وقد تحدثنا عن الاجتهاد، لكن يبقى الكلام عن أصول الدين وهنا مباحث خمسة:
1- هل ورد مصطلح (أصول الدين) في الروايات؟
المبحث الأول: هل وردت كلمة أو مصطلح أصول الدين في لسان الشارع أم لا؟ وهذا البحث مهم جدا لأنه من المعهود تقسيم الدين إلى أصول وفروع وسنن وأخلاقيات وما أشبه، والآثار المترتبة على كل منها مختلفة ومهمة؛ فهل وردت كلمة ومصطلح أصول الدين في لسان الشارع أو لا؟ ولم أجد – في استقراء ناقص - من حقق ذلك، بل لعله يبدو من الشيخ في الرسائل أنه لم يعثر على رواية فيها هذا المصطلح، وسيأتي بيانه.
2- وعلى فرض ورود المصطلح في الروايات فهل هو موضوع مستنبط ؟
المبحث الثاني: هل أصول الدين على فرض وروده على لسان الشارع، موضوع مستنبط أم لا؟
3- ما هي مفردات ومصاديق (أصول الدين)؟
البحث الثالث: تحديد أصول الدين والمصاديق وانه ما هي أصول الدين وما هي فروع الدين؟, لأن هناك من الحقائق ما هي من أصول الدين بدون كلام كوجود الله ووحدانيته ونبوة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) واصل المعاد وما أشبه، فهذه من أصول الدين بالإجماع بين الفريقين وبعضها ليست من أصول الدين بدون كلام مثل تفاصيل البرزخ والصراط والحشر والنشر وما أشبه، وهناك أمور مختلف فيها أو تحتاج إلى بحث، وهل انها من أصول الدين كالإمامة، فمن أنكر الإمامة هل هو خارج عن الدين أم لا؟ وكالبداء والتجسيم وما أشبه,وهذا البحث الثالث لا نتوقف عنده لأنه بحث كلامي فينبغي أن يحقق بالتفصيل في علم الكلام، ولعله يستدعي سنة من البحث في تشخيص الصغريات والمصاديق فليس كلامنا عن الأمر الثالث نعم سنشير له إشارة في ضمن رواية ستأتي بإذن الله تعالى, وهناك أمر رابع موضع بحثه هو علم الكلام وهو:
4- ضروريات الدين
المبحث الرابع: وهو مبحث ضروريات الدين, إذ ههنا عنوانان: أصول الدين وضروريات الدين، وما هو الفارق بينهما؟ وما هي ضروريات الدين؟وهذا بحث أيضا لم ينقح كاملا، نعم بحث في بعض كتب الكلام والعقائد، مثل حق اليقين والبعض كصاحب القوانين طرحه، لكنه يحتاج إلى بحث مستوعب أكثر.
5- ضروريات المذهب
المبحث الخامس: وهو أيضا مما لا نبحثه هنا، ونوكله إلى علم الكلام، وهو ضروريات المذهب وما هو فرق ضروريات المذهب عن ضروريات الدين.
والحاصل: ان المباحث الثلاثة الأخيرة موكولة إلى محالّها من علم الكلام كما انها تشكل مادة جيدة لمن أراد منكم أن يحقق ويبحث ويتأمل.
فلنتوقف قليلاً عند البحث الأول والثاني وبايجاز لأنه لو أردنا ان نتوقف عندهما فقد يستدعي شهراً أو شهرين من البحث لكن سنذكر مفاتيح البحث، ونترك التفصيل لتحقيقكم ان شاء الله.
المبحث الاول: هل ورد مصطلح (أصول الدين) في الروايات؟
هل ورد مصطلح أصول الدين في لسان الشارع؟ وهل هو حقيقة شرعية أو حقيقة شارعية[1] أو حقيقة ومصطلح مخترع في لسان الفقهاء؟, فهذا هو موضوع بحثنا.
الشيخ الأنصاري ومصطلحات أخرى في روايات عديدة
الشيخ يبدو من استعراضه الروايات أنه لم يعثر على رواية فيها هذا المصطلح، مع أن عنوان البحث في الرسائل أول الأمر الخامس: (في اعتبار الظن في اصول الدين) فكان ينبغي أن يحقق عن ان (أصول الدين) واردة في لسان الشارع أم لا؟ ثم ما هو مراد الشارع منها لو وردت, والروايات التي يستعرضها الشيخ بعد ذلك بصفحات، تضمنت مصطلحات أخرى، لكن هذا المصطلح ليس من ضمنها، ومن تلك المصطلحات التي وردت في الروايات التي ذكرها الشيخ: مصطلح (دعائم الدين) و(ان ادنى ما يكون به العبد مؤمن) وغيرها كما سيأتي.
ثم ان الشيخ ينقل أولاً رواية سليم بن قيس عن أمير المؤمنين (عليه السلام) وفيها (ان أدنى ما يكون به العبد مؤمنا) فهذا مصطلح ورد في الروايات، ثم عليكم ان تحققوا نسبة هذا المصطلح و سائر المصطلحات مع معقد المسألة وهو (أصول الدين)، (ان يعرّفه الله تبارك وتعالى اياه فيقر له بالطاعة، فيعرّفه نبيه فيقر له بالطاعة ويعرّفه امامه وحجته في أرضه وشاهده على خلقه فيقر له بالطاعة)
الرواية الأخرى التي ينقلها عن ابي بصير عن ابي عبد الله (عليه السلام) قال (جعلت فداك أخبرني عن الدين الذي افترضه الله على العباد ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره، ما هو) اذن هذا مصطلح ثان ورد في الروايات[2] وهو (الدين الذي افترضه الله على العباد ما لا يسعهم جهله ولا يقبل منهم غيره), فهل هذا المصطلح يرادف او يساوي اصول الدين او لا؟.
الرواية الاخرى :عيسى بن السيري (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): حدثني عما بنيت عليه دعائم الإسلام التي اذا اخذت بها زكى عملي ولم يضرني جهل ما جهلت بعده...) والإمام يجيب فلتراجع الرواية.
وفي صحيحة ابي اليسع (قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخبرني عن دعائم الإسلام التي لا يسع أحداً التقصير عن معرفة شيء منها، التي من قصّر عن معرفة شيء منها فسد عليه دينه ولم يُقبل منه عمله...)،
الرواية الاخرى رواية اسماعيل (قال: سألت ابا جعفر (عليه السلام) عن الدين الذي لا يسع العباد جهله...) وبحث هذه الروايات وبحث فقه حديثها يستدعي وقتاً طويلاً وفي تصوري فان نفس هذه الروايات التي أشار إليها الشيخ، تحتاج إلى شهرين من الكلام في سندها ومتنها، لكن وللأسف فان هذا البحث ككثير من البحوث الاخرى لم يوف حقه، فينبغي لمن استطاع وكان بالمستوى ان يشمّر عن ساعد الجد وان يحقق في هذا البحث.
التحقيق: ورود هذا المصطلح في روايات عديدة
لكن نقول: ان تتبع الشيخ كان بهذا المقدار، وله الحق لقلة المصادر لديه وعدم توفر الاجهزة الحديثة آنذاك وخاصة ان الشيخ كان يعاني من ضائقه وكتبه ومصادره كانت على العموم قليلة، لكن التحقيق يقود إلى ورود هذا المصطلح (اصول الدين) في الروايات، ومن خلال تتبع سريع وجدت حوالي عشر روايات ورد فيها مصطلح أصول الدين، ولعل المتتبع أكثر يعثر على روايات اكثر، اذن ورد مصطلح اصول الدين في روايات عديدة، وهناك بحوث وملاحظات سنشير إلى عناوينها فقط ونترك تفصيلها عليكم, وسنقرأ ثلاث روايات فقط مع بعض التعليق السريع عليها.
أصول الدين كما في رواية الإمام الصادق (عليه السلام) مع تعليقات موجزة
الرواية الأولى وسنوردها بكمالها لأن فيها إضاءة للمسألة الثالثة أيضا, ينقلها العلامة المجلسي في البحار[3] يروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) قوله (فالزم ما اجمع عليه أهل الصفاء والنقاء من اصول الدين وحقائق اليقين... وقد اجتمعت الامة المختارة) فليست الأمة الإسلامية هي التي أجمعت، بل الأمة التي أختارها الله أي أمة رسول الله حقا وهم الأئمة عليهم السلام ومن تبعهم (بأن الله واحد ليس كمثله شيء) وهو أصل من أصول الدين (وانه عدل في حكمه لا يجور) وهذا أصل ثاني (ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد) هذا اصل ثالث وانه تعالى ليست يده مغلولة بالغل اليهودي (وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ )ولا بالاغلال الفلسفية بقاعدة (الواحد) وشبهها، (ولا يقال له في شيء من صفته لِمَ) فاننا[4] يقال في صفاتنا (لِمَ) لأن صفاتنا غير ذاتنا وهي حادثة والحادث يستدعي العلة ف(لِمَ) سؤال عن العلة:
أسُّ المطالبِ ثلاثة عُلِممطلب ما, مطلب هل، مطلب لم
فـ(لم) للسؤال عن العلية اما الله فلا يقال له في شيء من صفته لم، لأن صفاته عين ذاته فلا تعلل بأمر من الأمور، كما ان ذاته لا تعلل بأمر من الأمور لأنه مبدأ العلل وعلة العلل، وبتعبير اخر الذاتي [5] لا يعلل، ثم تقول الرواية (ولا كان ولا يكون شيء إلا بمشيئته) وهذا أيضا أصل من الأصول، وهذا الأصل على خلاف ما يقوله بعض العرفاء من (الترشح) وان الوجود رشح من وجود الله كالماء لو ترشح من الحائط، فهذا الماء رشح لذلك الماء، فهو امتداد حقيقي بحسب كلامهم لوجود الله، فإذا كان رشحا من ذاته فانه لازم لذاته فلا تشمله المشيئة, إذ انه سواء أشاء أم أبى فان الرشح الذاتي لازم لوجوده (ولا كان ولا يكون شيء الا بمشيئته) وأيضا على عكس كلام الفلاسفة الذين يقولون بدوام الفيض وقدم العالم إذ يقولون إن العالم من الله تعالى كنور الشمس من الشمس فكما ان نور الشمس لازم للشمس فحيث كانت الشمس كان نورُها، فحيث كان الله تعالى كان عالمه, أي عالم الممكنات الموجودة وهذا يعني ان الأمر ليس بمشيئة الله سبحانه وتعالى، إذ كان الله وكان العالم قديما معه وليس بالممكن، حسب كلامهم، ان يكون غير ذلك اي لا يمكن لله ان يفك العالم عن نفسه لأن الفيض ذاتي له، وتفصيله يترك لمحله, ولبعض الفلاسفة مغالطة في الجواب عن هذا الإشكال وقد أجاب عنها بعض كبار المتكلمين ولا نتوقف عند ذلك الآن، إذ ليس ذلك محور بحثنا ونعود للرواية (وانه قادر على ما يشاء) وهذا أيضا أصل.
وهذه المفردات مذكورة في القرآن الكريم وفي الروايات المتواترة، لذا لم نبحث سند الرواية، وهي مرسلة,لأن مضامينها كلها مطابقة للقرآن الكريم ومتواتر الروايات والعقل، وقد جمعتها الرواية في عبارات موجزة (وانه قادر على ما يشاء) وهذا أصل على عكس قاعدة الواحد التي تتحدث عن بسيط الحقيقة فتقول ان (الواحد لا يصدر منه الا الواحد) وبناءاً عليها فانه ليس لله تكوينا ان يصدر منه إلا العقل الأول! ويستحيل غير ذلك، وهذه هي الصيغة العلمية المطورة لقول اليهود (وَقَالَتْ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ )بل اسبق منها رتبة
(صادق في وعده ووعيده) أيضا هذا على عكس ما يقوله بعض السفهاء من القدامى والجدد إذ يقولون بان الله سبحانه وتعالى في وعيده بالنار كاذب[6] لأن الله سوف لا يعذب احداً في النار، إذ لا نار ولا خبر، وانما اراد الله ان يسوق عباده للصلاح وهذا هو السيف التخويفي ما هو إلا لسوقهم للصلاح والا فلا نار ولا غيرها من ألوان العذاب، بل الوعيد بالنار وغيرها وعيد لمجرد سياسة العبيد والحاصل ان من أصول الدين ( ان الله صادق في وعده ووعيده) ويضيف الإمام (عليه السلام) (ان القرآن كلامه، وانه كان قبل الكون والمكان والزمان) أما الزمان والمكان فواضح أمرهما اما الكون فالمراد به الوجود اي كان قبل الوجود أي قبل وجود كافة الممكنات، وهذا الكلام يشير إلى انه لا مجرد قديم مع الله[7] على عكس ما يقوله الفلاسفة حيث يقولون بمجرد قديم، والمجرد لا زمان ولا مكان له فهناك كون أي وجود ازلي بزعمهم وكذا المثل النورية عندهم، لكن الإمام عليه السلام يقول (كان قبل الكون) أي الوجود الأعم من الوجود المادي ذي الزمان والمكان ومن الوجود المجرد.
والأصل الأخر من أصول الدين هو (وان احداثه وافنائه غيره سواء) وتوضيحه اننا – وكل ممكن - بالنسبة لنا ليس الأمران سواء، فان الإحداث غير مقدور أو صعب اما الإفناء فأيسر إذ أين بناء الدار من هدمها؟ فالتفاوت كبير اما الله تعالى فالإيجاد والإفناء لديه على حد سواء[8] وهذا يعني عمومية قدرة الله وشموليته وانه (وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا )
ثم تقول الرواية (ما ازداد هو باحداثه علما) فانه عندما احدث الأشياء لم يزدد علما لأن علمه ازلي بكل المستجدات والحوادث، والا لو ازداد بالمستجدات علما للزم ان يكون محلا للحوادث، وما هو محل الحوادث ليس بواجب الوجود. وتفصيله يترك لمحله, اذن (ما ازداد هو باحداثه علما) أيضا على عكس بعض النظريات المطروحة (ولا ينقص بفنائِه ملكُه)هذا أيضا أصل من اصول الدين وان ملك الله لا ينقص بفناء العالم، والمثال المقرب للذهن هو ما نصنعه نحن في المتخيلة إذ تصنع في قوتك المتخيلة قصرا ثم تفنيه فلا ينقصك هذا الإفناء من ملكك شيئاً لأنك انت القادر الخالق فتستطيع ان تخلق متى ما يحلو لك فذلك في حيطة قدرتك – والمثال للتقريب فقط -, فاذا كان الواقع الخارجي – بالنسبة للصور الذهنية - بالنسبة لنا كذلك كان الأمر في الله تعالى أوضح، ولو فرض أن أحدنا كان يستطيع ان يخلق أطناناً من الذهب بمجرد ان يتصورها او بمجرد أن يقول كلمة (كن) فسواءاً خلقها ام لم يخلقها فان ملكه لا ينقص منه شيء، وسواء اعدمها ام لم يعدمها (عز سلطانه وجل سبحانه، فمن أورد عليك ما ينقض هذا الاصل فلا تقبله) وللحديث صلة بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
[1] - نقصد بالشرعية ما وضع ولو بالوضع التعيني في زمان النبي (صلى الله عليه آله وسلم) وبالشارعية: ما كان في زمن المعصومين عليهم السلام من بعده (صلى الله عليه آله وسلم).
[2] - بلحاظ تقرير الإمام (عليه السلام) بل انه (عليه السلام) بنى جوابه على هذا السؤال.
- [3] البحار ج54 ص103
[4] - ككلِّ ممكنٍ.
[5]- والمراد به هنا عين الشيء، وليس المصطلح في باب البرهان وباب الكليات.
[6]- نعم لا يصرحون بهذه الكلمة، لكن حاصل كلامهم هو ذلك.
[7] - كما دلت الأدلة القرآنية والروائية المختلفة على ذلك، بل لعله من ضروريات الدين بل من ضروريات الأديان المعهودة.
[8] - وللتقريب للذهن نمثل بقدرتنا على صنع الصور الوهمية في مخيلتنا فإن إيجادها وإعدامها بالنسبة لنا على حد سواء. والمثال للتقريب فقط
السبت 24 جمادى الأولى 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |