377- 5ــ ان مبادئ الاستنباط ليست من وظائف المجتهد ، بل ليس المرجع فيها الشارع 6ــ ان دليل حجية رأي المجتهد اما بناء العقلاء او الانسداد وكلاهما لاينهض بحجية رأية في مبادئ الاستنباط
الاحد30 ربيع الآخر 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيَّما خليفة الله في الأرضيين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
الدليل الخامس: ليست مبادئ الاستنباط من وظائف الفقيه
قال السيد الوالد: (إن الموضوع لما كان مما لم يعينه الشارع ، كان الفقيه وغيره بالنسبة إليه على حد سواء ، فلا يقلد فيه كما لا تقليد في سائر الموضوعات المبينة ، وإنما الرجوع إليه لو كان ، فهو من باب الرجوع إلى أهل الخبرة)[1].
من بيده الوضع والرفع، بيده جعل الحجج
أقول: ويمكن أن نعبر عما ذكره بوجه آخر وهو أن ما كان وضعه ورفعه بيد الشارع فان جعل الحجج عليه هو أيضا بعهدته ، وما لم يكن كذلك فلا.
توضيحه: ان الأحكام مما وضعها كرفعها بيد الشارع بما هو شارع، سواء أكانت وضعية أم تكليفيه ، ولذا يكون جعل الحجج عليها بيده بما هو شارع ، كجعله رأي المجتهد فيها حجة على العامي ، أما الموضوعات فليس أمر وضعها ورفعها (أي إيجادها وإعدامها أو جعلها متصفة بكذا أو عدمه )بيد الشارع بما هو شارع ، وان كانت بيده بما هو مكوِّن فلا يكون جعل الحجج عليها مما هو شأنه بما هو شارع .
وعليه: فان مثل تحديد القبلة، أو الوقت ، أو أول الشهر، أو القراءة الصحيحة، أو ما هو المسكر، أو أن هذا السمك له فلس أم لا، أو ما هي حقيقة الخز (وأنه الحرير أم لا).. الخ لا يُرجع فيها إلى الشارع ، ولا إلى الفقهاء بالتبع ، بل المرجع هو أهل الخبرة فقط، والمجتهد والعامي في ذلك على حد سواء
ثم إن هذا الوجه يفيد التعميم لسائر مبادئ الاستنباط ولا يختص بموضوعات الأحكام إذ يقال أن علم المنطق ليس مما يرجع فيه إلى الشارع ، وكذلك العلوم الأدبية كاللغة والبلاغة والنحو والصرف ، وكذلك علم الفلك والحساب ، وكذلك علم الرجال وشبه ذلك ، فإنها أمور خارجية تؤخذ إما من العقل كالأول ، أو من العرف كالثاني أو من العلم والتجربة كالثالث أو من الحس كالرابع
على احد القولين كما يمكن أن نعبر عما ذكره الوالدu بوجه آخر أيضا وهذا ما ذكره السيد الخوئي في التنقيح قال: (لان تطبيق الكبريات على صغرياتها خارج عن وظائف المجتهد حتى يتبع فيها رأيه ونظره ، فإن التطبيقات أمور حسية والمجتهد والمقلّد فيها سواء ، بل قد يكون العامي اعرف في التطبيقات من المجتهد فلا يجب على المقلّد ان يتابع المجتهد في مثلها )[2]
حدود وظائف المجتهد
أقول: إن هذا البحث بحث عام سيال يشمل أبوابا كثيرة إذ أنه يتعلّق بتحديد وظيفة المجتهد وأنه ما الذي يجب عليه يتحمل وما الذي لا يصحّ ان نحمِّله؟ فهل التصدي للشؤون السياسية للأمة من وظائفه أم لا ؟ وهكذا ، إلا أن موطن الكلام ليس ذلك فانه بحاجة إلى عقد مسألة خاصة ، بل الكلام في ضمن دائرة مبادئ الاستنباط ، فهل من وظيفة الفقيه بما هو فقيه الاجتهاد في العلوم الأدبية ، أو في العلوم العقلية : كالكلام والمنطق ، أو الأمور الحسية أو التجريبية كالرجال وما أشبه ؟ فقد يقال: لا.
والجامع: ان كل ما كان المجتهد والمقلد فيه على حد سواء فلا يرجع فيه العامي إلى المجتهد إذ لا وجه له إذ لا رجحان.
أمور أربعة ليست من دائرة وظائف المجتهد
وما هما فيه سواء أمور:
منها : الأمور الحسية ، ومنها علم الرجال وعلم اللغة – على رأي - وكذا علم النحو والصرف اذ أن قواعدها غالبا سماعيات
ومنها : الامور العقلية ، ومنها : علم الكلام والمنطق والحكمة
ومنها: الأمور العرفية، ومنها: الموضوعات الصرفة والمستنبطة العرفية.
ومنها: الأمور العلمية، ومنها: علم الحساب والرياضيات
الدليل السادس: لا اطلاق لبناء العقلاء ولا لنتيجة دليل الانسداد
مقتضى دليل بناء العقلاء على الانفتاح: حجية رأي الفقيه في الفقه فقط
وقد يقال : ان عمدة الادلة على حجية رأي الفقيه هو بناء العقلاء ، لو قلنا بالانفتاح ، وبناء العقلاء دليل لبي لا اطلاق له ليشمل حُجية رأيه في مبادئ الاستنباط ، بل اقول : ان التقليد هو امر فطري ، اذ في فطرة كل انسان بل كل حيوان ان يتبع الجاهل العالم ، كما انه من المستقلات العقلية ، ثم ان عليه بناء العقلاء
وهذه الادلة الثلاثة لامعقد اطلاق لها ، فهي لبّية يتمسك فيها بالقدر المتيقن وهو حجية رأي الفقيه في الفقه خاصة فإنه تخصّصه[3]
مقتضى دليل الانسداد عدم حجية رأي الفقيه الا في الفقه
واما لو قلنا بالانسداد كما ذهب اليه المحقق القمي ، بأن قلنا بأن باب العلم والعلمي كلاهما منسدّ في الاحكام وبأن الرجوع الى اصالة البراءة في الشبهات الحكمية موجب للخروج من الدين ، وان الرجوع للاستصحاب كذلك اذ اغلب الواجبات والمحرمات مسبوقة بعدم التشريع ، او بعدم العلم به في شريعتنا او الشرائع السابقة ، واما التخيير فإنه اضافة الى كونه موجباً للهرج والمرج فإنه موجب للخروج من الدين غالباً، واما الاحتياط فإنه مستلزم للعسر والحرج الشديدين مما يقطع بعدم ارادة الشارع لهما ، واما القرعة فلا دليل عليها الافي موارده خاصة اضافة الى استلزامها الهرج ايضاً، فلم يبق الا العمل بالظنون المطلقة ومنها قول الفقيه ، لكونه الراجح على عدم العمل به (المرجوح) وترجيح المرجوح قبيح.
اقول: مقتضى هذا الدليل حجية رأي الفقيه على العامي في الفقه، لا في مبادئ الاستنباط
اولاً: لإنفتاح باب العلم في بعضها وثانياً: انه حتى في المنسد منها فإن مقتضى القاعدة حجية الظن الناشئ من رأي اهل الخبرة في كل علم ومبدأ ، لا الفقيه بما هو فقيه ، ولذا وجب على الفقيه الرجوع الى سائر الخبراء في تلك العلوم والمبادئ لو لم يكن خبيراً ، كما لا يصح للخبير فيها الرجوع للفقيه غير الخبير فيها
دوائر حجية رأي الفقيه على الانفتاح والانسداد
نعم، على الانفتاح وكذا الانسداد ، فإن رأيه حجة في كل ما هو خبير فيه
أ ـ كبعض مسائل الأصول دون قسم كبير من مباحث الالفاظ لكون المرجع فيها العرف، ودون قسم من مباحث الاستلزامات لكون المرجع فيها العقل
ب ـ وكأكثر مسائل مقاصد الشريعة
ج ـ وكقسم من مسائل المعاريض
ولذلك كله قال في ( النور الساطع ): (( ودليل الانسداد والارتكاز لا يجري في الموضوعات لانفتاح باب العلم فيها ))
وقد اضفنا بانهما لا يجريان في قسم كبير من المبادئ ايضاً اما لانفتاح باب العلم فيها – على الانفتاح – او لان غيرها هو القدر المتيقن من شمول دليل الارتكاز او الانسداد له ، او لان غير الفقيه هو اهل الخبرة فيها فتدبر. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
[1] - الفقه : الاجتهاد والتقليد ص469
[2] - التنقيح : التقليد ص349
[3] - واما سائر العلوم – ومنها المبادئ- فلو تخصص فيها فإنه سيكون المرجع فيها بما هو اهل خبرة ، لا بما هو فقيه فعنوان كونه فقيهاً اجنبي عن حجية رأيه في سائر العلوم
الاحد30 ربيع الآخر 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |