كثير من الأحداث التي ينقلها الخطباء عن واقعة الطف ليس لها سند روائي، وعلى هذا فلا يُعلم هل أن هذه الأحداث حصلت في الواقع أم لا - كما هو الحال في الحوار الذي دار بين زينب عليها السلام وحبيب بن مظاهر رضوان الله عليه - فهل يجوز نقل هكذا أحداث على المنابر؟
22 جمادى الأولى 1438هـ
السؤال: كثير من الأحداث التي ينقلها الخطباء عن واقعة الطف ليس لها سند روائي، وعلى هذا فلا يُعلم هل أن هذه الأحداث حصلت في الواقع أم لا - كما هو الحال في الحوار الذي دار بين زينب عليها السلام وحبيب بن مظاهر رضوان الله عليه - فهل يجوز نقل هكذا أحداث على المنابر؟
الجواب: هناك جوابان لهذه المسألة، الأول مبنائي والآخر بنائي، أما الأول فهو ما قرره السيد الأخ الأكبر قدس سره في إحدى كتبه ومحاضراته كما فصلته في بعض المحاضرات أيضاً. بما ملخصه ومضمونه: أن لكل علم ضوابط ومقاييس وقد يشترط في بعض العلوم أمر لا يشترط في علم آخر ومن ذلك أن بعض ضوابط علم الرجال لا تجري في علم التاريخ؛ لأن كل علم من العلوم له خصوصياته وحيثياته وأدواته المعرفية والمنهجية؛ ففي علم الهندسة والرياضيات تكون الضوابط والخصوصيات دقيقة جداً؛ لأنه علم يعتمد على القطعيات ؛وأما في علمي الفقه والأصول فإنه يمكن أن تجري بعض تلك الضوابط والخصوصيات ولا يجري بعضها الآخر لابتنائه على الظواهر؛ وأما في علم التاريخ فالأمر فيه أهون إذ تجري بعض تلك الضوابط والخصوصيات بنحو لا يكون بذلك التشديد الذي تقدم في علوم الهندسة والرياضيات والفقه والأصول[1]؛ وذلك لأن بناء العقلاء في القضايا التاريخية ليس بذلك التشديد الرجالي والدرائي الذي يكون في علمي الفقه والأصول؛ كما لو نقل مؤرخ ثقة حادثة ولم تكن شواهد على كذبه كفى في صحة الاعتماد عليه لدى العقلاء في كل الأمم ولا نجري ضوابط الارسال والمجهولية .
والحاصل: انه إن كانت تلك الحادثة مذكورة في أحد كتب التاريخ وكان الراوي لها من الأشخاص المعتبرين في هذا المجال فلا بأس بنقلها ويمكن الاعتماد عليها وإن كانت مرسلة[2]، وكذا لو اعتمد عليها ثقة وإن رواها عمن لا يوثق به شرط أن لا يخالف مضمونها القاعدة، وذلك اعتماداً عليه إن كان من أهل الخبرة، وأما إذا كانت مذكورة في أحد الكتب المجهولة المؤلف أو المعلوم كونه غير ثقة فلا يجوز نقلها بعنوان الخبر عن حادثة تاريخية لها واقع حقيقي[3] فانه من مصاديق الكذب، نعم إذا لم يكن مضمونها مخالفاً للقواعد فانه يمكن أن يقال: إنه نُقل في بعض الكتب أو جدنا في بعض الكتب هكذا حادثة[4]، ولكن مع ذلك فإن البعض يستشكل في ذلك أيضاً؛ لأن الناس سوف يتلقون نقلك لتلك الحادثة أو ذلك الخبر من ذلك الكتاب على أنك تتبناه؛ لأنك وإن كنت تنقل ذلك الخبر بتلك الصيغة بغرض الهروب من الكذب ولكن الناس لا يعرفون تلك المعادلة، حيث إنهم يرون المحكي منك على أنه حكاية لها واقع صحيح[5].
وبعبارة أخرى إذا كان الإخبار عن تلك الحادثة من كتاب ضعيف مجهول المؤلف من غير أن يعتمد عليه ثقة من أهل الخبرة[6] فيكون الإخبار عنه حينئذ مشكلاً[7].
نعم، إذا أحاط المتكلم كلامه بقرينة مقالية تبين الحقيقة - كما لو قال: إنه مذكور بالكتاب الفلاني وأني ناقل لا متبني، أو أن عهدة ذلك الخبر على كاتبه لم يترتب محذور آخر - فلا إشكال في ذلك[8].
السائل: وهل النقل بلسان الحال يكون من الكذب؟
الجواب: الوالد (قدس سره) قد أخرج الإخبار بلسان الحال عن دائرة الكذب[9]، لأن لسان الحال قرينته معه على عدم إرادة المعنى الحقيقي، كما هو الحال في المجاز، حيث إن المتكلم كأنه يقول في لسان الحال: إني أتصور وأتخيل هكذا حدث وهكذا حصل، لا أنه هكذا حدث وهكذا حصل بالواقع[10] وقد فصلنا الكلام عن ذلك في كتاب (الكذب ومستثنياته) فليراجع.
----------------------------------------------------
22 جمادى الأولى 1438هـ