112- المسألة التاسعة: الرشوة تشمل مايبذل للوصول الى الحكم العرفي المسألة العاشرة: الرشوة شاملة للخصومات الخاصة والنوعية الحادية عشرة: الرشوة تشمل مايبذل لاجل (الارشاد والدلالة) الثانية عشرة: الرشوة تشمل مايبذل لاجل(دفع الشر)
السبت 21 رجب 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث حول مسائل الرشوة المتفرعة على المباحث الاستدلالية السابقة، ووصلنا إلى المسألة التاسعة.
المسألة التاسعة: هل الرشوة تشمل الحكم العرفي إضافة الى الحكم الشرعي (حكم القاضي ونحوه) ؟
المسألة التاسعة هي: هل إن الرشوة إضافة إلى شمولها ما يبذل من المال للتوصل به إلى حكم القاضي أو الحاكم الشرعي، تشمل ما يبذل من المال للوصول إلى الحكم العرفي؟ وقد أشار إليها صاحب الجواهر وقال: لم أجد في كتب الأصحاب تحريرا لها وعبارته: "إن المحرم الرشا في خصوص الحكم او يعمه وغيره؟ وعلى الأول فهو خصوص الحكم الشرعي؟ او يعمه والعرفي من حكام العرف بل وغيرهم؟ إلى أن يقول: لم أجد تحريرا لشيء من ذلك في كلام احد من الأصحاب) انتهى
ونمثل لذلك بمن بذل مالا كي تعطيه الجهة الدولية المعروفة شهادة تميز الإنتاج[1] ذلك ان هذه الشهادة تنفع في تسويق مبيعاته وإقبال الناس عليها، فهل هذه رشوة وهل هي محرمة؟ ولنفرض ان الضوابط منطبقة على الشخص المعطي وانه قد استكمل الشروط الموضوعية فلا غش في المقام ولا تدليس.
مثال آخر: الشخص الذي يدفع مبلغا من المال للجهة المخوّلة – في بعض البلاد - لتميز وتشخيص مدى صلاحية المرشحين للانتخابات، وكذلك من يبذل مبلغا لجهة أوشخص مخوّل كي يعترف او يقرّ او يشهد له بصلاحيته لإدارة شركة معينة أو كي يكون نائبا من نواب مدراء الشركة، فهل هذه محرمة او لا؟
والإجابة عن ذلك واضحة من خلال ملاحظة ما ذكر من أدلة وبحوث حيث نقول:
أولا: صدق الرشوة عرفا
من الناحية الموضوعية، الظاهر انه ينطبق على هذه الموارد عنوان الرشوة عرفا فهي محرمة، صح نعم تارة فتارة المال يبذل في قبال جهد يبذله الشخص أو الجهة للتحقيق عن مدى استجماع المنتج للمواصفات المطلوبة عالميا من غير ان يكون الشخص أو الجهة موظفاً مسؤوليته ذلك ويتقاضى عليه راتباً وهذا بحث آخر وقد يستظهر عدم حرمته، ولكن تارة أخرى يكون البذل هو من اجل احقاق الباطل فهي رشوة محرمة وثالثة يكون من اجل احقاق الحق فقط من قبل من نصب لذلك فهذا المورد رشوة ومحرمة إذا لم يكن محتاجاً، واما لو كان محتاجاً ففيه كلام ولعل الأظهر الحرمة. وسيأتي ما ينقح ذلك أكثر.
ثانيا: الآيات و الأدلة العامة تدل على الحرمة
ثم إننا حتى لو قلنا إنها ليست برشوة موضوعا بان لم نجد فرضاً انطباق العنوان عليها، فالظاهر ان بعض الآيات والأدلة العامة الأخرى تشمل المقام كقوله تعالى: (لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِل) فان أكل الآخذ للمال هو أكل بالباطل؛ فيما لو كانت وظيفة الشخص او الجهة إعطاء علامة التميز او الحكم بصلاحية المرشح للمستجمع للشرائط - في الأمثلة السابقة – فأخذ المال من قبل الثاني هو أكل بالباطل،
وكذلك الآية الأخرى وهي قوله تعالى: (لَوْلا يَنْهَاهُمْ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمْ الإِثْمَ وَأَكْلِهِمْ السُّحْتَ) فان آكل المال بهذه الطريقة هو مصداق لأكل السحت عرفا.
ثالثاً: الارتكاز والسيرة العقلائية والمتشرعية تدل على ذلك
ويدل على الحرمة الارتكاز العقلائي والمتشرعي أيضا وكذلك سيرتهما الكاشفة عن ذلك الارتكاز[2]، أي استقباح اخذ المال في هذه الموارد.
بل قد يقال: ان المورد هو من المستقلات العقلية، (أي قبح الرشوة وحرمتها)، ولكن هذا الادعاء يحتاج إلى مزيد تأمل؛ اذ قد يفصل بين البذل لو كان من اجل الحكم بالباطل فانه قبيح ومن المستقلات العقلية بلا شك، ولكن لو كان بذل المال من اجل الحكم بالحق فان هذا المورد يحتاج الى تأمل أكثر كون قبحه من المستقلات العقلية.
ولا شك ان سيرة المتشرعة وسيرة العقلاء بما هم هي على الاستقباح - في الجملة –، بل وعلى الإنكار فلا يرد ان الاستقباح أعم من الحرمة. فتأمل[3]
فائدة:
الفرق بين السيرتين هو ان سيرة العقلاء تحتاج الى إمضاء وإقرار من الشارع، اما سيرة المتدينين بما هم كذلك فلا تحتاج الى الإمضاء ؛ لأنها كاشفة بنفسها وبالبرهان الإني عن ان منشأ السيرة هو قول الشارع، أي إنها كاشفة عن وجود حكم شرعي في رتبة سابقة على تحققها فلا تحتاج الى الإمضاء الذي هو في الرتبة اللاحقة عن وجودها.
هذه هي المسألة التاسعة.
المسالة العاشرة: هل (البذل) يصدق عليه انه رشوة في الخصومات النوعية أيضا؟
المسألة العاشرة هي:
إن الرشوة كما تشمل الخصومات الخاصة كما هو المتداول في البحث عنها، كذلك تشمل – ظاهراً - الخصومات النوعية كالخصومة بين عشيرة وأخرى، وبين حزب وآخر، وبين شركة وأخرى، ويوجد الآن مصداق واضح وهو الخصومة بين الدولة والشعب, وفي كل ذلك فان الظاهر ان دفع المال للقاضي الشرعي او العرفي كي يحكم بالحق او الباطل هي رشوة ومحرمة.
المسالة الحادية عشرة: (البذل) على الإرشاد الى كيفية الترافع
المسالة الحادي عشرة هي:
هل ان الرشوة تشمل ما يبذل للإرشاد؟، كما فيمن يبذل المال للقاضي ليرشده إلى كيفية المرافعة الناجعة التي تؤثر في الحكم له او عليه، ومثلنا لذلك سابقا بما لو ادعى شخص – كزيد – على آخر – كعمرو - بأنه أودع عنده مالا، وكان الثاني قد ارجع المال فعلا إلى الأول، فلو أقرّ عمرو بالوديعة وقال انه أرجعها، فسيحكم عليه لأن إقراره بأخذ الوديعة مقبول لأن إقرار العقلاء على أنفسهم حجة، واما قوله بإرجاعها فانها دعوى لا بد له من بينة عليها فلو لم تكن له بينة لحكم عليه، فيقوم القاضي لقاء مبلغ من المال بتعليم الثاني أن يقول فقط انه لا مال للأول عندي، وان لا يذكر تسلسل ومجريات الأحداث كي يتخلص من ادعاء الاول الكاذب، فأخذ القاضي المال مقابل هذا الارشاد[4] رشوة ومحرمة، فتأمل، واما لو كان بذل المال لإرشاده إلى إبطال الحق فلا كلام في انه رشوة محرمة.
وقال في المستند[5]:
"لا كلام في أن الرشوة للقاضي هي المال المأخوذ من احد الخصمين او منهما[6] او من غيرهما للحكم على الآخر وإهدائه وإرشاده في الجملة " انتهى، فهداية وإرشاد الطرف الآخر هي مصداق للرشوة لو كان لإحقاق الباطل والصدق العرفي حاكم بذلك، وكذلك هو أكل للمال بالسحت، بل قد يقال: ليس للقاضي ان يأخذ المال بأي حال من الأحوال؛ وذلك إن الإرشاد لو كان من واجبه فلا حق له في الأخذ، ولو كان ممنوعاً ومحظوراً عليه فهو كذلك، نعم لو قيل بإباحته[7] له وأخذ المال على إرشاده لحقه، فالأمر بحاجة إلى تأمل. فتأمل[8].
المسألة الثانية عشرة: هل المال المبذول لدفع الشرهو رشوة محرمة ايضا؟
هل ان بذل المال ونظائره للشخص الشرير لدفع شره هو مصداق للرشوة المحرمة؟ فمثلا لو ان سارقا أراد ان يعتدي على آخر فيرشوه الأخير بمبلغ من المال كي يمتنع عنه ولا يتعرض له او لماله او لأهله؟، الظاهر انه رشوة – على تفصيل سيأتي –،
وقال في المستند: " والحاصل ان كل مال مبذول لشخص للتوصل به إلى فعل صادر منه ولو مجرد الكف عن شره لسانا او يدا او نحوهما فهو رشوة " انتهى،
وذلك مثل شخص بذيء اللسان يسب آخر او يتطاول على العلماء، فيدفع له المال كي ينتهي عن ذلك، فهذه مصداق للرشوة، محرّم أخذها، وان كان الآخر لو اضطر لذلك فانه جائز وحلال - بعنوان ثانوي كما أوضحنا -، واما الوالد فهو يذكر صورة الاستثناء المثبت للأصل فيقول[9]:
"لو أراد أن يتزوج امرأة او يزوج ابنته لرجل ونازعه مبطل[10] حتى لا يقع، فانه يصح أن يرشو الجائر حتى يسمح له بما يريد" انتهى.
إذن: الدفع لمنع شر شرير او دفع باطل هي رشوة ومحرمة إلا للمضطر، والأدلة هي الأدلة.
تفصيل في المسألة:
وخطر بالبال تفصيل في مسألة وهو ان يقال: انه يوجد فرق بين صورتين:
الأولى: هو ان يدفع له المال كي لا يسرق ناويا أي ذلك السارق بإقدامه على السرقة ان يأخذ منه الرشوة كي لا يفعل، فان المورد هو مورد للرشوة وهي محرمة
الثانية: ان يدفع المال للسارق الذي ديدنه بطبعه السرقة كي لا يسرق، ولم يكن همّه بها كي يأخذ شيئاً. وللحديث تتمة.
وصلى الله على محمد وله الطاهرين
[1] - المسماة بـ( ايزو) وهي شهادة تعطى للإنتاج المتميز.
[2] - بل والسيرة على الإنكار
[3] - وهناك بعض النقاش في هذا الكلام ولا داعي للإطالة ويظهر بعضه مما مضى في بحث السيرة في كلام السيد الوالد، وبعضه الآخر يظهر بالتأمل وعلى اي فالمبحث بحاجة للتأمل الاكثر
[4] - والكلام ليس بصورة الاستثناء والعنوان الثانوي، وإنما كلامنا في العنوان الأولي
[5] - مستند الشيعة مج 17 ص 71
[6] - ونحن نخالفه الرأي في هذه الفقرة والمسالة
[7] - أي الإرشاد.
[8] - لوجوه، منها ما سيأتي في كلام السيد الوالد والسيد الخوئي قدس سرهما.
[9] - الفقه – المكاسب المحرمة ص 191
[10] - مقابل ما لو دفعه لمنافسه بالحق كي يستبعد عن المنافسة فلا إشكال.
السبت 21 رجب 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |