452- تحقيق حول المطلق والمباني الخمسة فيه ، وانه موضوعي وحكمي ، وبيان عدم الحاجة لمقدمة الحكمة الاولى على كل المباني
الاثنين 16 محرم الحرام 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(23)
سبق ان تحقيق الحال في عدم حاجة الإطلاق إلى المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة، يتم في ضمن بيان مطالب:
الأول: الأقوال في حقيقة المطلق:
1- انه ما دل على شائع في جنسه. وقد سبق
2- ان الإطلاق عدم لحاظ القيود والتقييد لحاظها، والتقابل بينها تقابل التناقض.
3- ان الإطلاق عدم لحاظ القيود لكن عن المحل القابل، فالتقابل تقابل الملكة وعدمها.
ولو دار الأمر بين هذين القولين لكان الثاني متعيناً لوضوح اشتراط قابلية المحل في صدق عنوان الإطلاق والتقييد ولذا لا يصح وصف الاعلام الشخصية بالإطلاق الافرادي ولا بالتقييد إذ لا تقبلهما.
ويؤيد كون الإطلاق عدم لحاظ القيود الفهم العرفي فمطلق أي لم يقيد أو لم يلحظ معه القيد، إضافة إلى ان الإطلاق يعني الإرسال فناقة مطلقة أي مرسلة اي لا قيد عليها، فيتوافق المعنى الأصولي للإطلاق مع المعنى اللغوي ولا دليل على التخالف والوضع لمعنى جديد إضافة إلى ان به([1]) يتحقق غرض الأصولي ثم الفقيه.
وعلى الرأيين فان الإطلاق يكون على مقتضى الأصل لأنه عدمي والتقييد يكون هو المحتاج للدليل، فعليهما لا حاجة للمقدمة الأولى من مقدمات الحكمة وذلك لإحراز الإطلاق دوماً بالأصل فتأمل([2])، نعم يجب ان لا تكون قرينة على الخلاف – وهي المقدمة الثالثة.
4- ان الإطلاق هو لحاظ عدم القيود والتقييد هو لحاظ وجودها، وعليه فهما ضدان لكونهما وجوديين، فيحتاج كل منهما إلى إحراز، وهنا قد تتوهم الحاجة إلى المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة، لكن سيأتي وجه وجيه لعدم الحاجة حتى على هذا القول.
5- الإطلاق هو رفض القيود والتقييد هو جمعها، وفرقه عن الرابع ان الرفض أمر زائد على اللحاظ لاحق به متأخر عنه([3])، نعم يمكن إرجاع احدهما للآخر لو ادعي ان نظر القائل بهذا لذاك والاختلاف في التعبير فقط، فتأمل
الثاني: أنواع الإطلاق:
ينقسم الإطلاق إلى إطلاق موضوعي وإطلاق حكمي:
أما الموضوعي فنقصد به ما كان قائماً بالموضوع والعنوان أي ما كان صفة للمفرد التصوري والإرادة الاستعمالية.
واما الحكمي فنريد به ما كان قائماً بنسبة الحكم إلى الموضوع أو المحمول للموضوع فهو قائم بالنسبة التصديقية والإرادة الجدية.
وذلك لأن (العالم) كمفرد تصوري قابل لأن يقيد بنفسه – مع قطع النظر عن أية نسبة تصديقية – بالعادل أو المتقي أو غير ذلك فتقول (العالم العادل) مثلاً، كما يقبل ان يطلق من حيث مختلف القيود المتصورة.
ثم انه إذ وقع هذا العنوان (المفرد التصوري) موضوعاً لحكم فانه بما هو موضوع للحكم قد يؤخذ مطلقاً وقد يؤخذ مقيداً فان كان ذا مصلحة مع القيد قيّد به وإلا فلا، وهنا يجري البحث في ان هذا الموضوع بلحاظ حكمه هل هو مطلق أو مقيد فيحتاج – كما قالوا – إلى مقدمات الحكمة لإحراز أن المولى لم يقيد موضوع حكمه بما هو موضوع حكمه بقيد أو انه اطلقه.
والظاهر ان تعريف القدماء للمطلق بانه ما دل على شائع في جنسه ناظر للأول، واما تعريفات المتأخرين – ومنها المباني الأربعة الأخيرة – فناظرة للثاني.
وبهذا التنويع يمكن إيقاع الصلح بين القدماء ومتأخري محققي الأصوليين بان تعريف القدماء للمطلق بـ(ما دل على شائع في جنسه) ناظر للمطلق الموضوعي، وتعريف المتأخرين له بأنه لما لم يلحظ معه قيد أو ما لوحظ فيه عدم القيد ناظر للثاني (وإن أمكن ان يكون أعم، إلا ان إيقاع الصلح إنما هو بالنسبة لمن رفض المعنى القدمائي) وهنا([4]) نحتاج إلى مقدمات الحكمة (وان كان لنا تخريج لعدم الحاجة إليها هنا أيضاً كما سيأتي) إذ يقال: ان المولى حيث جعل هذا العنوان موضوعاً لحكمه فلا بد من إحراز كونه في مقام البيان لإحراز إرادته شمول الحكم لكل أفراد الموضوع وحالاته أو إرادته كون كل أفراد الموضوع هي الموضوع لحكمه والمتعلَّق له.
ثم ان المستظهر انه مع الإطلاق الموضوعي لا تصل النوبة ولا الحاجة لمقدمة الحكمة الأولى لإثبات الإطلاق الحكمي لأن الأول بنفسه محرز للثاني، أي ان مجرد إلقاء لفظ مطلق (بما له من الشمول الذاتي) يفيد كونه – أي المولى - مطلِقاً للحكم وفي مقام البيان من جهة شموله لكافة التفصيلات والأنحاء. وسيتضح هذا أكثر ضمن الأمر الآتي ثم في الدرس القادم بإذن الله تعالى.
الثالث: الفرق بين العام والمطلق
الظاهر ان العام موضوع للدلالة على جميع الأفراد، فدلالته عليها بالمباشرة أي ان الأفراد قد لوحظت بنحو إجمالي فوضعت صيغة الجمع لها([5])، كما لوحظ المصداق الخارجي في الاعلام الشخصية فوضع العَلَم له إلا ان الفرق هو ان الاعلام الشخصية لوحظت فيها المصاديق تفصيلاً فوضعت لها ألفاظها أما الجموع فقد لوحظت فيها المصاديق إجمالاً فوضعت لها صيغة الجمع، ويتضح هذا أكثر لو لاحظت قولك (زيد، زيدان، زيدون) فتدبر.
اما المطلق فانه موضوع للدلالة على الطبيعة (أي الكلي الطبيعي) ثم ان سريان الطبيعي في الأفراد وانطباقه عليها قهري إذ هو ذاتي لها([6]).
والحاصل: ان لفظ العالم مثلاً يدل على هذا المعنى والمفهوم (اي المتصف بالعلم) ثم ان هذا المعنى ينطبق قهراً على كل مصداق مصداق من غير حاجة إلى مؤونة زائدة اما صيغة الجمع (العلماء) فانها تدل بنفسها على عمومية وشمول هذا المعنى والمفهوم للأفراد، فدلالة المطلق على الأفراد بواسطة مرآة الطبيعة اما دلالة العام عليها فبالمباشرة.
ومنه يظهر عدم تمامية ما ذكره الآخوند الخراساني إذ جعل الشياع والسريان من الطواري خارجاً عن الموضوع له في مثل رجلٍ إذ اتضح ان الشياع وان كان لا موضوعاً له ولا جزءه إلا انه ليس بطاري ولا خارج أيضاً أي ان الشياع ذاتي للمطلق وليس خارجاً، من الطواري لكنه في الوقت نفسه ليس موضوعاً له عكس العام([7])، وعليه فلا حاجة للمقدمة الأولى من مقدمات الحكمة لدلالة المطلق على الشياع بذاته على ما ذكرناه، أي ان المطلق بنفسه بيان للعموم كما ان العام بنفسه بيان للعموم([8]) من غير توقف على إحراز حال اللافظ وانه في أي مقام هو، نعم لو كان الشياع من الطواري كما ذهب إليه الآخوند لأحتاج إلى المقدمة الأولى، ومع ذلك فان هناك وجهاً وجيهاً سيأتي ذكره يغنينا عن المقدمة الأولى حتى على مبنى الآخوند من طرو الشياع والسريان، إضافة للوجه الذي ذكره الآخوند في كفايته([9]).
وسنذكر غداً عبارة الآخوند الخراساني في كفايته وعبارة السيد الوالد في الأصول بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) بالإطلاق اللغوي.
([2]) وسيأتي انه محرز ببناء العقلاء وسيرتهم فالأصل بمعنى الظاهر أي ظاهر الحال لا بمعنى الاستصحاب.
([3]) لم يلاحظها قيوداً لموضوع حكمه فرفضها.
([4]) أي في الإطلاق الحكمي.
([5]) إما من جهة وضع خصوص اللام، أو وضع مجموع اللام ومدخولها، أو من جهة اللام لكن لا لوضعها للعموم بل لإشارتها لجميع أفراد مدخولها، فهي أقوال ثلاثة والأظهر الأوسط.
([6]) المقصود: ان وجوده بوجودها على أصالة الوجود وانه حدها المنتزع من حاق ذات المصاديق أو انه عينها – على أصالة الماهية - فتأمل
([7]) والحاصل: ان المطلق أمر بين العام والاعلام الشخصية فلا الشمول والعموم موضوع له (عكس العام) ولا اجنبي عنه (عكس الاعلام الشخصية) بل الموضوع له أمرٌ ذاتيُّة الشمول للأفراد. فتدبر
([8]) إلا ان العام يدل على العموم بالوضع، والمطلق بواسطة الكلي الطبيعي. كما سبق في المتن.
([9]) كوجه للاستغناء عن إحراز المقدمة الأولى من مقدمات الحكمة.
الاثنين 16 محرم الحرام 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |