466- تتمة المناقشات ـ الاستدلال بقولة ( عليه السلام ) ( من باب التسليم ) ـ على التعميم لاختلاف الانظار ، وجوابه
الاربعاء 10 صفر 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(37)
الجواب عن مقدِّمية الأدلة العقلية لفهم الأخبار
سبق ما ذكره بيان الفقه من (وما يستدلّون به عن الاستلزامات العقلية ونحوها إنما هي مقدمات لفهم الأخبار ونحوها، وتوفير القرائن الحالية ونحوها، وهذا لا يخرجه عن فهم الخصوصية، فتأمل)([1])
ولكن قد يورد عليه – إضافة إلى ما سبق – ان ما ذكر على العكس أدلّ فان الاختلاف في الأخبار – أي في تشخيص المراد منها – يعود إلى الاختلاف في المباحث والأدلة العقلية ومنها مباحث الاستلزامات فكان مرجع تحقيق معنى الخبر وفهمه إلى تحقيق المبنى العقلي في الاستلزامات وشبهها وليس العكس فلا تتم دعوى عودة كل اختلافٍ في الأنظار إلى الاختلاف في الأخبار بل عاد الاختلاف في الأخبار إلى الاختلاف في الأنظار في المسألة العقلية.
وتوضيحه بالمثال: ان الاختلاف في استحباب مقدمة المستحب أو وجوب مقدمة الواجب شرعاً نابع من اختلاف عقلي في انه هل هناك ملازمة بين وجوب ذي المقدمة وبين وجوب ذيها بدعوى ترشح الوجوب من ذيها إليها أو انبساط الأمر على المقدمة أو لا([2]) نظراً للزوم اللغوية أو تعدد العقاب أو غير ذلك، وعلى هذا البحث العقلي ابتنى تفسير الآيات والروايات على خلاف ظاهرها أو إبقائها على ظاهرها فذهب الآخوند إلى ان مثل (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ) ومثل الأجر على كل خطوة يخطوها زائر الإمام الحسين ( عليه السلام ) لا يراد به ظاهره؛ نظرا للمبنى العقلي لديه بل يراد بها خلاف الظاهر من ان الثواب ليس على هذه المقدمات بل لا ثواب عليها أصلاً والثواب المذكور اما انه تفضُّل أو هو ثواب على العمل نفسه (اي على ذي المقدمة) لكونه أحمز بسبب احتياجه لمقدمات كثيرة أو صعبة، واما من كان مبناه الإمكان أبقى ظواهر الأدلة على ما هي عليه، فيما ذهب بعض إلى التفصيل([3]) بل وكذلك الأمر في القول بفسق تارك الواجب إذا توقف على مقدمات عديدة لصدق الاصرار على الحرام بذلك وعدمه أو القول بجواز وعدم جواز أخذ الأجرة على مقدمة الواجب التعبدي أو الأعم، على تفصيل وتأمل لا يسعه المقام.
ولعل إلى ذلك يشير السيد العم بقوله (فتأمل)
الاستشهاد بقوله ( عليه السلام ) (من باب التسليم) على التعميم
ثم ان السيد العم دام ظله استشهد على تعميم حكم اختلاف الحديثين الى اختلاف الفتويين، وهو التخيير بالجهة المنصوصة في روايات التخيير وان المستشعر منها العِلِّية قال (ويؤيّد ذلك كلمة: ((من باب التسليم)) فإنّه يستشعر منها العلّية، بأنّ علّة السعة في الأخذ بأيّهما كان إنّما هي كون ذلك من باب التسليم الجامع بين الأخبار وفتاوى الفقهاء)([4]).
الجواب: (من باب التسليم) جزء العلة لعلة
لكن قد يرد عليه، مع قطع النظر عن مبنانا العام في ما كان ظاهره في لسان الشارع كونه علة، أنه حكمة، ومع قطع النظر عن ان الاستشعار دون المؤيد وهذا دون الأدلة، فلا يستدل به ولا يصلح وجهاً للتعدية بعدما اثبتنا في البحث السابق انهما([5]) موضوعان حقيقة ودقة وعرفاً أيضاً -؛ ان([6]) الظاهر ان (من باب التسليم) أي التسليم للإمام وأين هذا من التسليم للمجتهد؟ فهو تنقيح مناط ظني بل هو من قياس الأضعف على الأقوى فان النقل عن الإمام ( عليه السلام ) حسي والحسي يقلّ ان يتطرق إليه الخطأ، واما الفتوى فهي حدسية والحدسيات أكثر خطأ من الحسيات.
وبعبارة أخرى (أل) في (التسليم) عوض عن المضاف إليه وهو – بقرينة الاسئلة كلها في كل روايات التخيير وبظاهر الأجوبة – (الامام) لا (المجتهد) اي من باب التسليم للإمام باعتبار ان الرواية نقلت عنه والأخرى المخالفة لها وردت عنه أيضاً.
بل نقول: ان الظاهر مدخلية مجموع (ايهما) الوارد في عدد من روايات التخيير كمصب([7]) و(من باب التسليم) في الحكم بالتخيير فالعلة للحكم بالتخيير هي مجموع الموضوع الخاص – أي المصب والمتعلَّق – وجهة التسليم، ولا أقل من الاحتمال ومعه لا إحراز لكون (من باب التسليم) علةً بل يدور أمره بين كونه علة أو جزء العلة فلا يمكن التمسك به للتسرية والتعميم لغير المصبّ فانه تمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
تتميم الاستدلال بـ(الراد عليهم)
لا يقال: يمكن تتميم الاستدلال الذي ذكره بشفعه بـ((وَالرَّادُّ عَلَيْنَا الرَّادُّ عَلَى اللَّهِ))([8])
إذ يقال: بعد قطع النظر عن السند، الخروج الموضوعي فان المكلف لا يترك العمل بقول الفقيه إذا عارضه فقيه آخر ردّاً منه عليه، بل يتوقف لتحيره إذ رأى تناقض قولي الفقيهين وإذ توقف ليسأل عن الحل وليس الحل روايات التخيير لكون موضوعها اختلاف الاحاديث. فليس (رداً) بالحمل الشائع الصناعي عقلاً ولا عرفاً.
إضافة إلى امكان القول بانصراف (الراد عليهم....) عن صورة تعارض أقوالهم كما لعلّه المستظهر إلا في رد الاحتمال الثالث الذي أطبق القولان على خلافه أو رد اللازم المنفي بهما.
وبعبار أخرى: ان المكلف المتحيِّر إذا رأى اختلاف الفقيهين فرجع للإمام أو لسائر الفقهاء أو لنفس الفقيهين في حكمه – أي في حكم المتحيِّر لدى اختلاف القولين - عندئذٍ فانه لا يعد بذلك التوقف والرجوع إلى الفقهاء من جديد لمعرفة حكم هذه الصورة راداً على الفقهاء بل راجعاً إليهم سائلاً منهم مُرجِعاً إليهم الحكمَ فهو مصداق ((وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ...))([9])
وهذا كله إذا لم نقل بما قاله جمع من المحققين وان كان المنصور خلافه بان الأدلة لا تشمل المتعارضين، أو انه لا يعلم كونها في مقام البيان من هذه الجهة([10]).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) بيان الفقه ج2 ص171.
([2]) بل صِرف اللابدية فقط.
([3]) قال السيد الوالد في الوصول إلى كفاية الأصول ج2 ص114 – 115 (والذي اظن في المقام التفصيل بين ما ورد في الآيات والأخبار من ثواب أو عقاب على المقدمات، مثل قوله تعالى: ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) وقوله تعالى: ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلا نَصَبٌ وَلا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ) الخ، وكذلك الروايات الواردة من هذا القبيل. وفي طرف العقاب ما ورد من لعن غارس شجر الخمر الخ ونحوه، فاللازم القول بكون الثواب والعقاب فيها كالثواب والعقاب على سائر الواجبات والمحرمات النفسية طابق النعل بالنعل لعدم الداعي للتنزيل ولا فارق بين المقامين أصلاً، وبين ما لم يرد فيه من الشرع شيء ففيه توقف وتردد، والله تعالى هو العالم) وذلك يعني انه ( قدس سره ) يرى الامكان ثبوتاً وان الكلام إنما هو في مرحلة الأدلة إثباتاً.
([4]) بيان الفقه: ج2 ص170.
([5]) الاخبار والفتاوى.
([6]) الجملة فاعل لـ: يرد عليه.
([7]) و(الأحاديث) الوارد في عدد آخر منها كـ(تجيئونا الأحاديث عنكم مختلفة)
([8]) الكافي (ط – الإسلامية) ج1 ص67.
([9]) الكافي (ط – الإسلامية) ج1 ص295.
([10]) أي لا يعلم كون (الراد عليهم...) في مقام البيان لصورة اختلاف الفقيهين بل الرواية ليست ناظرة أو لا يعلم كونها ناظرة إلى هذه الجهة.
الاربعاء 10 صفر 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |