46- الاحتياط المسلتزم للحرام كالإسراف و التبذير - الفتوى بالإحتياط فيما ليس مورداً لها
الاحد 29 محرم الحرام 1433 هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام في الاحتياط المذموم، وتقدم ذكر صور من الاحتياط المذموم ونضيف صوراً أخرى منها:
10- الاحتياط المتضمن للإسراف أو التبذير الصورة العاشرة من صور الاحتياط المذموم: الاحتياط المستلزم أو المتضمن للإسراف أو التبذير، مثلاً: لو كانت الفتوى على أن الشاة أو غيرها يكفي في ذكاتها كونها بإتجاه الكعبة ولا يشترط التوجه لعين الكعبة، فالاحتياط يكون بالتوجه لعين الكعبة، فلو ذبح حيواناً إلى سمت الكعبة لا عينها، فالاحتياط هنا برمي الذبيحة مذموم، لأنه تبذير وهو حرام، وكذا الاحتياط بصب ماء كثير في الوضوء أو الغسل، فإذا كانت الكثرة خارجة عن دائرة (أسباغ الوضوء) فهو إسراف وهو احتياط مذموم.
ولا بأس بالإشارة إلى بعض الأدلة على حرمة الإسراف والتبذير، بإيجاز شديد، لشدة الابتلاء بها
فإن الدليل: الكتاب والسنة والإجماع، أما الكتاب فقوله تعالى (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) وقوله تعالى (كُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) والاستدلال هو برأس الآية (إنه لا يحب المسرفين) إذ قد يقال إن (لا تسرفوا) متعلقة بالأكل والشرب فقط.
وقد يشكل على حرمتهما ببعض الروايات التي تصرح بأنه لا إسراف في الطيب أو لا إسراف في الضياء أو لا إسراف في الحج والعمرة ونحوها؟ وهناك وجوه للجواب:الأول: قد يستظهر من الروايات أنها بنحو القضية الخارجية أي أنها كانت في مقام تنقيح الموضوع الخارجي، لأن الناس كانوا يقتصدون في الطيب أو الضياء والحج والعمرة، فالإمام عليه السلام أشار إلى أن هذا الواقع خطأ فهو دعوة للتوسع، للوصول للحد المتعارف.
الثاني (وقد ذهب إليه النراقي): أن هذه الروايات محمولة على الزيادة المتعارفة عن الحد المتوسط لا الزيادة مطلقاً.
الثالث: أن يقال بالتخصيص -أي تخصيص هذه الروايات للآيات- لكنه مشكل لأن لسان الآيات يأبى التخصيص إذ كيف يخصص مثل (إنه لا يحب المسرفين) (إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين)؟
وأما الفرق بين الإسراف والتبذير فهو أن الإسراف هو الصرف أكثر مما ينبغي، والتبذير صرف ما لا ينبغي، فما كان أصله مستثنى عنه، فتبذير، وما كانت زيادته مستغنى عنها فإسراف.
النسبة بين أدلة الاحتياط وأدلة الإسراف
وهنا لابد من ملاحظة ما هي النسبة بين أدلة الاحتياط وأدلة الإسراف والتبذير؟ وما تقدم من النسبة بين أدلة الاحتياط وأدلة نفي العسر والحرج هل تجري هنا؟
الظاهر القول بالتفصيل وأن أدلة حرمة الإسراف والتبذير حاكمة على أدلة الاحتياط في الجملة وليست واردة (هناك استظهرنا أن أدلة نفي العسر والحرج واردة) توضيح ذلك أن أدلة الإسراف والتبذير حاكمة على أدلة الاحتياط في غيرالعلم الاجمالي (كالشبهات البدوية) فإذا شك في التكليف كان المجرى البراءة لكن مع ذلك يستحب أن يحتاط، لكن أدلة الإسراف تقول إن هذا الاحتياط إذا كان إسرافاً فهو محرم.
أما أدلة الإسراف والتبذير بالقياس إلى أدلة الاحتياط في أطراف العلم الإجمالي أي في موارد الاحتياط الواجب، فأيها الحاكم؟ مثلاً ذبيحتان إحداهما ميتة فإن العلم الإجمالي يقتضي طرحهما لكن أدلة الإسراف والتبذير تقول: هذا حرام، فهل يمكن القول بالحكومة؟
قد يقال إن أدلة الإسراف والتبذير منصرفة عن موارد العلم الاجمالي.
أو يقال: أدلة العلم الإجمالي حاكمة على أدلة الإسراف والتبذير، فيما كان منجزاً أما في غيره -أي غير المنجز مما أفاد الاستحباب- فتتقدم أدلة الإسراف لأن اللا اقتضائي لا يزاحم الاقتضائي.
11- الفتوى بالاحتياط في غير مورده
الصورة الحادية عشرة من الاحتياط المذموم: الفتوى بالاحتياط في غير مورده، توضيحه أنه توجد هنالك ثلاثة عناوين(وأوسطها يعد من المباحث الهامة الخلافية بين الأصولي والاخباري):
(1) العمل بالاحتياط كما لو شك بين القصر والتمام. (2) الفتوى بالاحتياط. (3) الاحتياط في الفتوى وجوباً أو استحباباً.
فالمذموم هو الثاني إذا كان في غيره موارده وقد يحرم، أما الأول فحسن في الجملة، وأما الثالث فحسن، توضيحه:
لو أن فقيهاً شك أنه في الشبهات التحريمية هل أن مقتضى القاعدة البراءة كما يقول الأصولي أو الاحتياط كما يقول الاخباري، فالاحتياط هنا هو بترك الفتوى والتوقف، وتحرم الفتوى بالاحتياط (كما لعل الشيخ الأنصاري استظهر من عبارة المحدث الجزائري أنه يقول تلزم الفتوى بالاحتياط في موارد الشك في الشبهة التحريمية، واستغرب من كلامه، لكن لعله لا وجه لهذا الاستظهار وتحقيقه في محله.)
إذن وظيفة المجتهد عند الشك هو التوقف، ووظيفة المقلد هي أن يرجع إلى مجتهد آخر أو أن يرجع إلى ما استقل به عقله في ذلك المورد من البراءة والاحتياط، فلو استقل عقل المكلف بأن دفع الضرر الأخروي وإن كان الاحتمال فيه ضعيفاً، لخطورته ممدوح، فاطمئن لحسن الاحتياط عمل به، فإن لم يستقل عقله بشيء فهنا يحتاط في العمل، لا أن يفتي بالاحتياط.
الفتوى بالاحتياط قد لا تطابق الاحتياط
هل الفتوى بالاحتياط مطابقة للاحتياط؟
وقد دافع البعض عن الاخباريين بأن الفتوى بالاحتياط مطابقة للاحتياط في الشبهة البدوية والتحريمية، لأن حكم الله إن كان في الواقع هو حرمة التدخين فقد أصابه وإن كان التحليل فإن التجنب العملي لا ينافي الحلية، وعلى كل حال هو ضامن آخرته، فهو بفتواه بالاحتياط قد سلم سواء أ كان الشيء في الواقع حراماً أم مباحاً أم مستحباً.
والجواب عنه وجهان:
الأول: هذا الاستدلال عليل، لأن الفتوى بالاحتياط -وهو لا يعلم أن حكم الله تعالى البراءة أو الاحتياط- قول بغير علم وافتراء على الله سبحانه وتشريع والتشريع محرم، نعم العمل بالاحتياط حسن، فهذا الاستدلال يصلح كدليل لحُسن الاحتياط العملي لا الفتوى بالاحتياط.
الثاني: وهو للشيخ الأنصاري: إنه وإن كانت هذه الفائدة حاصلة، لكن للفتوى بالاحتياط مفاسد أخرى، مثل ضياع مصلحة التسهيل التي أرادها الله تعالى (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) وقوله عليه وآله الصلاة والسلام (((((لم أجد نص هذه الرواية، ما وجدتها هي)))))) (بعثت بالحنيفية السمحة) (جئتكم بالشريعة السمحاء)(4).
ولعل الجواب الأول أولى لتقدمه رتبة، إذ لا تصل النوبة معه للتزاحم الذي ذكره الشيخ (وأن للفتوى مصلحة ولعدم الفتوى مصلحة أخرى فيتزاحمان).
بقيت صور من الاحتياط المذموم يأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
الاحد 29 محرم الحرام 1433 هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |