48- الاحتياط الناتج عن الوسوسة او المنتج للوسوسة -الاحتياط فيما لو كان الاحتياط في الترك

الثلاثاء 2 صفر 1433هـ

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. 

كان الكلام في الاحتياط المذموم وتقدم ذكر صور من الاحتياط المذموم ونضيف صوراً أخرى منها:

14- الاحتياط الناتج عن وسوسة أو المنتج لها 

الصورة الرابعة عشرة من الاحتياط المذموم: الاحتياط الناتج عن الوسوسة أو الاحتياط المنتج للوسوسة، بأن يكون الاحتياط معلولاً أو علة للوسوسة، فهو مذموم، إلا أن مذمة ما كان علة هي مذمة طريقية، فمن يقول بحرمة مقدمة الحرام شرعاً يحرمها ومن لا يقول بحرمتها الشرعية فإنه يقول بالقبح العقلي وبالحرمة العقلية. 

يبقى بحث فقهي هام نشير إليه بايجاز وتفصيله موكول للفقه: إن الوسوسة حكمها التكليفي الحرمة في العبادة ولكن ما هو حكمها الوضعي؟ فهل هي مبطلة للعبادة أم لا؟ 

الكثير من الأعلام التزم بأنها مبطلة للعبادة، لكن السيد العم -كبعض الأعلام- له تأمل في ذلك ولا يرى صناعياً تمامية الأدلة على ذلك، وتفصيله في محله. 

15- لو كان الاحتياط في ترك الاحتياط 

الصورة الخامسة عشرة من الاحتياط المذموم: وهي ما لو كان الاحتياط بترك الاحتياط فيكون الاحتياط مذموماً، ونذكر نموذجين على ذلك، الأول من علم الرجال والثاني من علم الفقه. 

الأول: لو أن فقيهاً رجالياً توصل إلى عدم حجية مراسيل الثقاة، ثم وجد مرسلة تدل على جزئية جلسة الاستراحة في الصلاة مثلاً ، فهنا يوجد احتياطان متقابلان، فمن حيث الإسناد للمعصوم عليه السلام فالاحتياط بعدم الاسناد ومن حيث العمل فالاحتياط بالاتيان بجلسة الاستراحة، وذلك لأنه من حيث السند لأنه يقول بعدم حجية المرسلة فلا يستطيع الاسناد للمعصوم عليه السلام بأن يقول: (قال الصادق عليه السلام) مثلاً، نعم له أن يقول روي عن المعصوم عليه السلام، فعليه أن يحتاط بعدم الاسناد، ولكن من حيث العمل له أن يحتاط بالاتيان بجلسة الاستراحة برجاء المطلوبية لا بقصد الجزئية. 

وعلى أي تقدير فإن الاحتياط بترك الاسناد، ممدوح، فالاحتياط في ترك الاحتياط بالاسناد، وإن كان الاحتياط بالعمل لا بأس به. 

الثاني: المثال الفقهي: لو أن فقيهاً اجتهد وتوصل إلى أن الكر هو ما كان مكعبه 27 شبراً، فأصاب هذا الماء شيء من النجاسة، ولم تغير الأوصاف، فالاحتياط الاستحبابي بترك الوضوء بهذا الماء، والوضوء بكر مكعبه(8/7 42) لأنه قطعاً طاهر أما الاول فطهارته ظاهرية. ولكن لو فقد الكر الثاني الأكثر وانحصر ما عنده في الأول (27 شبراً) وأصابته نجاسة فالاحتياط هنا في ترك ذلك الاحتياط ويجب التوضئ من الكر الأقل، ولا ينتقل للتيمم، لأنه قد قامت الحجة الظاهرية على طهارته، فتأمل. والأمثلة لصور الاحتياط المذموم كثيرة في الفقه، ونكتنفي بهذا المقدار، ولعلنا ذكرنا أغلب صور الاحتياط المذموم ولعله بالتتبع يمكن العثور على صور أخرى.ولا يخفى أن الصور السابقة قد يكون بعضها متداخلاً مع بعضها الآخر إلا أن اختلاف العناوين أو أهمية بعضها أوجب تعدد الأقسام.انتهى الكلام في الاحتياط المذموم، وتقدم البحث الأول، تعريف الاحتياط، والبحث الثاني: تقسيم الاحتياط إلى مذموم وممدوح. 

ما الدليل على جواز الاحتياط؟ البحث الثالث: ما هو الدليل على جواز الاحتياط؟ فقد يستشكل بأن الاحتياط يعني الإعراض عن طريقي الشارع والعقلاء وهما الاجتهاد والتقليد اللذين أمضاهما الشارع هذا أولاً. 

وثانيا: إن الاحتياط يعني السير على غير هدى، بخلاف الاجتهاد والتقليد فهما هدى قال تعالى (فمن تبع هداي) أما الاحتياط فليس بهدى فإن المحتاط في مقام العلم جاهل. فما هو المسوّغ لجواز العمل بالاحتياط بل رجحانه في الصور التي يرجح فيها؟ سيأتي الكلام عنه وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين. 

فلسفة درس الخارج 

ملاحظة: ألقى سماحة السيد دام ظله خلال عشر دقائق محاضرة بعنوان (فلسفة درس الخارج) وتقريرها: 

فائدة: فلسفة درس الخارج: هل الحكمة من درس الخارج هي أن يستوعب الطالب الفقه أو الأصول كله أو غير ذلك؟ وهل درس الخارج يبتنى على البحث والدراسة والتحقيق في كتاب معين؟ 

والجواب: درس الخارج يبتنى على التحرر من قيود كتاب بعينه، فهو خارج عن حدود الكتاب الواحد بل الكتب، نعم قد ترجع إلى الكتاب لتسترشد به، فذلك هو الذي ينمي الملكة ويساعد على اشتدادها، كما أن فلسفة درس الخارج ليس الاستيعاب، إذ لا يمكن استيعاب (الفقه) بأكمله في بحث الخارج حتى في غضون مائة عام دراسية بل أكثر! 

إن فلسفة درس الخارج، هي تنمية الملكة، والتعرف على مناهج الاستنباط وممارسة عملية الاجتهاد تطبيقياً في الكثير من المسائل والفروع، في أبواب شتى، وتعريف الطالب على سبل الاستنباط المنضبط للأحكام الشرعية في المسائل المتعارفة وفي مستحدثاتها، إضافة إلى تنمية المقدرة على التجديد والابتكار في إطار الضوابط الكلامية - الأصولية - الفقهية، ثم إن التجديد والابتكار قد يكون في العلة المادية بإضافة صور ومسائل جديدة واكتشاف صور غير مطروقة مما هي مورد الابتلاء أو في العلة الصورية أي من الصياغة والترتيب وطريقة البحث والدخول والخروج في الاستدلال مما يسهل الوصول للغاية وقد يكون التجديد بإضافة أدلة جديدة للبحث لم يتطرق لها من قبل، ولذلك بدأنا في بحث قاعدة الإلزام، الاستدلال بالآيات مع أن الفقهاء لم يتطرقوا عادة للآيات، ومَن تطرق فإنه تطرق بايجاز شديد ودون بحث أو تنقيح، واقتصروا على الروايات. 

ولذا نجد أن ما امتاز به كتاب (العروة) هو تجديده بكثرة الفروع التي طرحها والتي لم تكن مطروقة فإن ذلك يشكل إبداعاً في التفريع والتشقيقات، وكذلك كتابا (المكاسب والرسائل) فإن التجديد في العلة الصورية والمادية هو الذي أعطى لهذين الكتابين القوة والمتانة، فمثلاً (الحكومة والورود) كان قد ذكرهما وأشار إليهما صاحب الجواهر لكن الشيخ الأنصاري بلورهما ووضع الحدود الواضحة لهما وهذا إبداع. 

أما المنهج الآخر في بحث الخارج ، فهو لا ينمي الملكة بتلك الدرجة وليس المهم مقدار ما يتناوله الطالب من مواد البحث بل المهم هو الحصول على الملكة، وإتباع هكذا منهج يؤهل الطالب المجدّ المؤهل خلال ثلاث إلى خمس سنين للحصول على الملكة وبعد ذلك عليه أن يجد لتقوية الملكة. 

وهناك الكثير من المسائل خاصة في المستحدثات تحتاج إلى بحث وتحقيق وبلورة وتطوير، فهي مساحة جيدة للتفكير والتأمل والاجتهاد وتنمية الملكة.