بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(32)
سبق انّ المحتمل الخامس لـ{طَهُوراً} هو الطاهر المطهر (والسادس هو: المطهِّر)، ولو تم هذا الاحتمال لكفى به دليلاً إذ ستكون دلالة الآية الكريمة {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً}[1] على مطهرية الماء تامة حينئذٍ لولا الدوران بين هذا المعنى والمعنى الرابع (صيغة مبالغة) كما سيأتي.
الدليل على أن {طَهُوراً} يعني مطهراً، تصريح اللغويين
فقد يقال: انه لا شك في صحة هذا المعنى وتماميته فقد صرح به عدد من أئمة اللغة كثعلب والأزهري (وقال ثَعْلَبٌ: الطَّهُورُ ما كانَ طاهراً في نفسِهِ مُطَهِّراً لِغَيرِهِ، وكذلكَ قالَ الأَزهريُّ: الطَّهُورُ في اللُّغَةِ الطَّاهِرُ الـمُطَهِّرُ[2])[3]، وفي لسان العرب: (قال الأزهري: وكلُّ ما قيل في قوله عز وجلَّ: {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوراً}؛ فإن الطهور في اللغة هو الطاهر الـمُطهِّر، لأنه لا يكون طهوراً إلا وهو يُتطهّر به، كالوضوء هو الماء الذي يتوضَّأُ به، والنَّشُوق ما يُستنشق به، والفَطُور ما يُفطر عليه من شرابٍ أو طعامٍ. وسُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ماء البحر فقال: ((هُوَ الطَّهُور مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُه))[4]؛ أي الـمُطهِّر، أراد أنه طاهرٌ يُطهِّر)[5].
و(طَهَره) متعدٍ
وقد يقال: بأن طَهَر قد ورد متعدياً كما نقله بعضهم عن بعض اللغويين[6] وعليه: فقولنا طهور بمعنى مطهِّر ليس على خلاف الأصل أي ليس من نقل ما دل على معنى ثبوتي لازمٍ إلى ما يدل على معنى حدثي متعدّي، فهو كقَطوع لا كجَلوس. وسيأتي.
المناقشات
ولكن يشكل على كلا القولين بما نذكره في ضمن القواعد الآتية:
1- لا تحمل النصوص على قول اللغوي الشاذ
الأول: ان قول اللغوي الشاذ لا تحمل عليه الآيات والروايات، إذ المخاطب عامة الناس (وتنزلاً مشهور اللغويين لا اللغوي الذي انفرد برأي) وهذا اللغوي وإن لم نتهمه بالكذب ولا بالخطأ لكنه نظراً لأن اللغويين إنما اصطادوا معاني الكلمات من التجوال في القبائل والعشائر والمدن والأرياف فكلما وجدوا لفظاً دالاً على معنى عند قبيلة سجلوه ومن هنا نشا الاشتراك اللفظي، أي انه أحد مناشئه[7] والمنشأ الآخر هو أن يضع الواضع نفسه اللفظ الواحد لعدة معاني متباينة، وذلك كلما لم يكن هنالك جامع بين المعاني، أي ان اللغوي وجد هذه القبيلة تطلق لفظ العين مثلاً على الجارية فسجل ذلك والأخرى تطلقه على الذهب فسجله والثالثة على عين الركبة فكتبه وهكذا، فإذا لم يجد في هذه الاستعمالات قرينة على التجوز ولم يجد جامعاً، صُحّح بانه مشترك لفظي.
وعليه: فإن اللغوي الذي انفرد بمعنى فالظاهر انه وجده عند قبيلة، لكن آيات القرآن الكريم لا تحمل على عرف قبيلة من القبائل بل على العرف العام للعرب (أو على المشهور بين القبائل) وغاية الأمر ان تحمل على لغة قريش أي أهل الحجاز لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يتحدث بلغتهم ويتفرع عليه مثلاً المرجع فيما لو شككنا في كون الضاد في {الضَّالِّين} تقرأ بلهجة أهل العراق (وهي المساوية للظاء فظلم وضرب عندهم بلهجة واحدة) أو بلهجة أهل الحجاز وهي التي تقرأ الضاد بما بين الظاء والدال (والتي تظهر عند وضع طرف اللسان على طرف عليا الأسنان أو على سقفه) لوضوح ان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن يتحدث باللهجة العراقية بل بلهجة أهل بلده وهي الحجازية أي لهجة أهل مكة المكرمة فإنه (صلى الله عليه وآله) ولد فيهم ونشأ وترعرع، ولو كان قد تحدث بلهجة أخرى لتوفرت الدواعي على نقله[8].
ويظهر لنا من ذلك ان الرأي الذاهب إلى أن طهور مأخوذ من طَهَر بالفتح وانه متعد إذ يقال طَهَرَهُ كما استنبطه بعض من كلام ابن القطاع الصقلي في ابنية الأسماء والأفعال والمصادر قال: (ويجيء اسم الفاعل من (فَعُل) على (فعيل) نحو ظرُف فهو ظريف إلا أنه قد جاء حرف واحد (هو) فرُه فهو فارهٌ بلا خلاف، وقد جاءت حروف فيها خلاف، طَهُرَ فهو طاهرٌ، والأكير[9] طَهَر بالفتح، وكمل فهو كامل، وجاء فيه كمل وكمل ثلاث لغات)[10].
ردود على ان طَهَر متعدٍ (فطهور يعني مطهِّر)
ولكن يرد عليه: أولاً: انه لو صح فهو قول مخالف للمشهور بين اللغويين بل ومخالف للفهم العرفي العام[11] ولعله لذا أهمله بعض أعاظم اللغويين كابن فارس في معجم مقاييس اللغة وقد سبق ان الخطابات القرآنية تحمل على عرف عامة العرب لا على عرف قبيلة خاصة ونقل لغوي أو اثنين.
ثانياً: ان طَهَر بالفتح المتعدي يراد به معنى آخر مغاير تماماً للمعنى المبحوث عنه، فإن المعنى البحوث عنه طهر (سواء بفتح الهاء أم ضمها) المقابل لنجس، وأما طَهَر المتعدي فهو بمعنى رمى وأبعد وقذف، تقول: طهَرت العينُ قذاها أي رمته وطَهَرت العين العرمض أي قذفته.
ثالثاً: بل انّ طَهَر بالفتح وهو المتعدي الذي يفيد معنى أبعَدَ، هاؤه في الواقع مقلوبة من الحاء وأصلها طَحَر، فهي كلمة أخرى مغايرة تماماً لطهر، معنى وحتى هيئة، وبالأخيرين[12] صرح أئمة اللغة ففي الطراز (وطَهَرَهُ، كمنعه: أبعده؛ لغةٌ في طحَرَهُ بالحاء المهملة، الهاء بدلٌ منها؛ كما قالوا في مدحه: مَدَهَهُ، وفي كدح شَعرَهُ بالمشط: كَدَهَهُ)[13].
وفي لسان العرب: (وأما قوله: طَهَرَه إذا أبعده، فالهاء فيه بدلٌ من الحاء في طَحَره؛ كما قالوا مدَهَه في معنى مَدَحَه)[14]، وقال: (طحر: الأزهري: الطّحرُ قذف العين بقذاها. ابنُ سيدَهْ: طَحَرت العين قَذَاها تطحَرُه طَحْراً رمت به؛ قال زهير:
بِمُقْلَةٍ لَا تَغَرُّ صادِقَةٍ يَطْحَرُ عَنْهَا القَذَاةَ حاجِبُها)[15]
و(قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْسٌ طَحُورٌ ومِطْحَرٌ، وَفِي التَّهْذِيبِ: مِطْحَرَةٌ، إِذا رَمَتْ بِسَهْمِهَا صُعُداً فَلَمْ تَقْصِد الرَّمِيَّةَ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تُبْعِدُ السهمَ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
شَرِقَاتٍ بالسَّمِّ مِنْ صُلَّبِيٍّ، ... ورَكُوضاً مِنَ السَّرَاءِ طَحُورَا
الْجَوْهَرِيُّ: الطَّحُورُ الْقَوْسُ الْبَعِيدَةُ الرَّمْيِ. ابْنُ سِيدَهْ: المِطْحَرُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، السَّهْمُ الْبَعِيدُ الذَّهَابِ. وَسَهْمٌ مِطْحَرٌ. يُبْعِدُ إِذا رَمى؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فَرَمَى فَأَنْفَذَ صاعِدِيّاً مِطْحَراً ... بالكَشْحِ، فاشْتَمَلَت عَلَيْهِ الأَضْلُعُ)[16].
(ابْنُ سِيدَهْ: طَحَرَ الحَجَّامُ الخِتانَ وأَطْحَرَه استأْصله. وطَحَرَت الرِّيحُ السَّحَابَ تَطْحَرُه طحْراً، وَهِيَ طَحُورٌ: فرّقَتْه فِي أَقطار السَّمَاءِ)[17].
ولذلك كله فإن ظاهر بعض اللغويين، كالمنجد، انه اعتبرهما أصلين فقال: (1- طَهَر، وطهُر، طُهْرا، وطهوراً وطهارةً، ضد نجس فهو طاهر. 2- طَهَر طهراً ابعده) وظاهره انه مشترك لفظي.
2- قول اللغوي حجة إذا لم يعارَض بقول لغوي آخر
الثاني: ان قول اللغوي حجة إذا لم يعارض بقول لغوي آخر، فإذا عارضه فإن وجد مرجح فهو، وإلا، بإن تساويا، تساقطا على المشهور[18]، وفي المقام فإن قول الأزهري وثعلب بأن طهوراً يعني مطهِّراً معارَض بقول أغلب اللغويين إذ رأوا فعولاً من المبالغة بل ان عدداً من أعاظم اللغويين انكروا مجيء طهور بمعنى مطهّر أصلاً.
ردود اللغويين على دعوى ان طهوراً يعني مطهِّراً
فلاحظ ما قاله الطراز: (وقال ثَعْلَبٌ: الطَّهُورُ ما كانَ طاهراً في نفسِهِ مُطَهِّراً لِغَيرِهِ، وكذلكَ قالَ الأَزهريُّ: الطَّهُورُ في اللُّغَةِ الطَّاهِرُ المـُطَهِّرُ[19].
ورُدَّ بأنَّ «فَعُولاً» ليسَ من التَّفْعِيلِ في شَيءٍ، وقياسُهُ على ما هو مشتقٌّ من الأَفعالِ الـمُتعدِّيةِ كمَنُوع وقَطُوع غَيرُ سَديدٍ، إِلاَّ أَنْ يكونَ المرادُ بذلكَ بيانَ كَونِهِ بَليغاً في طَهارَتِهِ فهو حَسَنٌ صَوابٌ؛ إِذْ كانَتِ الطَّهارةُ في نَفسِها غيرَ قابلةٍ للزِّيادةِ، فتَرجِعُ الـمُبالَغَةُ إِلى انضِمامِ التَّطهيرِ إِليها لا أَنَّ اللاَّزِمَ صارَ مُتعَدِّياً)[20].
وهو صريح في نفي تضمن معنى طهور المطهرية، وفي انه لازمٌ، لا يتضمن معنى المطهِّر فلاحظ قوله: (ورُدَّ بأنَّ «فَعُولاً» ليسَ من التَّفْعِيلِ في شَيءٍ) و(لا أَنَّ اللاَّزِمَ صارَ مُتعَدِّياً)، وقوله: (وقياسُهُ على ما هو مشتقٌّ من الأَفعالِ المُتعدِّيةِ كمَنُوع وقَطُوع غَيرُ سَديدٍ) فإنه منوع مأخوذ من المنع وهو متعد تقول منع زيد عطاء عمرو أو منعه إرثَه وكذا تقول قطوع للرحم مقابل وَصول (غير سديد) لأن منوع وقطوع مشتقان من فعلين متعديين هما قَطَع ومَنَع عكس طهور (حسب هؤلاء) فإنه مشتق من فعل لازم.
نعم التخريج الوحيد لكلامهم هو إبقاء طهور على معنى المبالغة ثم إقامة جسر بينهما وبين المطهرية، بتلازم عقلي أو عرفي بأن يقال بأن (طهور) للمبالغة (بتكرر الأصل وزيادته أو شدته) لكنه حيث امتنع هذا المعنى (نظراً لمبنى عدم المشككية في الطهارة) فلا مناص من أن يراد بالمبالغة أمر خارج وهو كونه مطهِّراً (وقد سبق جوابه وانه توجد مندوحة بأن يراد به ما يتطهر به فهو مدلول مطابقي حينئذٍ فراجع).
3- العرف العام مقدم على قول اللغوي
الثالث: ان قول اللغوي لو تعارض مع العرف العام، تقدم العرف العام دون شك، وذلك لأن القرآن الكريم نزل بلسان قومه قال تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ}[21] وهو العرف العام الذي يفهمه أهل مكة والمدينة ونظائرهما، ولم ينزل بلسان العرف الخاص وهو اللغويين، أفهل ترى أن قريشاً والمكيين كانوا يراجعون اللغويين في فهم معاني الآيات التي خوطبوا بها؟[22]
وبوجه آخر: اللغوي إنما هو مرآة للعرف، لأن الفرض ان اللغويين يذهبون إلى القبائل ويجوبون البلاد بحثاً عن استعمالات العرب (والموضوع له – فيما نرى) فهم يكتشفون المستعمل فيه (بل والموضوع له - عندنا) من مطالعتهم لأحوال العرب وأقوالهم، إذ اللغوي لم يتلقّ ذلك[23] من الواضع، كيعرب بن قحطان على قول، أو الله تعالى إذ {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها}[24] على قول، أو جمع من الواضعين على قول، بل إنما أخذه من الناس إذ سمع منهم وراقب استعمالاتهم، فإذا تعارض العرف العام مع قوله سقط قوله إذ انه مرآة لأقوالهم فإذا خطّأوه لم يكن وجه لحجية قوله.
فهذا إذا اختلف العرف العام زمن صدور النص مع قول اللغويين، وأما إذا اختلف عرفنا العام الآن مع قول اللغويين، فالأمر مبني على قاعدة أصالة ثبات اللغة (أو أصالة عدم النقل) فإذا وجدنا العرف العام الآن جاهلاً بالموضوع له رجعنا إلى اللغة وأما إذا اصروا على انهم أخذوه عن آبائهم عن آبائهم عن آبائهم وصولاً إلى زمن النص، تقدم قولهم على قول اللغوي.
مثال: معنى الثيب والبكر لدى العرف واللغة
فمثلاً: لو وردت مفردة البكر والثيب في الرواية[25] (لوجود طوائف بعضها تقول للأب ولاية على البكر[26] وبعضها تنفي[27] وبعضها تفيد تشريك الولاية[28] وفصّل بعض الفقهاء بين الدوام والمؤقت، وبالعكس استناداً لروايات[29]) وتردَّدَ معنى البكر والثيب بين: 1- من لم يعقد عليها فهي بكر وإلا (إذا عقد عليها) فثيب.
2- لا يكفي العقد في كونها ثيباً بل إذا دخل بها الزوج دخولاً شرعياً.
3- يكفي الدخول بها ولو بالزنا، والعياذ بالله في خروجها عن كونها بكراً.
4- يكفي زوال بكارتها حتى بالقفز في خروجها عن كونها بكراً.
فلو قال العرف العام بالأعم وقال اللغوي بالأخص أو العكس، كان المرجع العرف العام، لو سلم تحققه.
الخلاف في أن اللغوي أهل خبرة في الوضع أم في الاستعمال فقط
تنبيه: لعل مشهور المتأخرين بعد المحقق النائيني على ان اللغوي أهل خبرة في الاستعمال لا في الوضع، والظاهر ان مشهور المتقدمين على المحقق النائيني هو كونهم أهل خبرة في الوضع لا الاستعمال فقط، أقول: ويدل عليه الاستقراء شبه التام فإن اللغويين ملتزمون بأن يذكروا المعاني الحقيقية دون المجازية، فلا تجد لغوياً مثلاً يذكر الرجل الشجاع في معاني الأسد ولا الوجه المنير في معاني القمر رغم كونهما مجازين مشهورين.
والشاهد: انه على مبنى مشهور المتأخرين فالأمر في تعارض العرف العام مع اللغوي أظهر إذ قول اللغوي ليس حجة أصلاً في الوضع؛ إذ ليس أهل خبرة فيه ولا هو متصد له.
أسئلة:
- اشرح قول الأزهري (لأنه لا يكون طهوراً إلا وهو يتطهر به) وناقشه.
- أوضح معنى طَهَرَهُ وما ربط طهر بطحر، بأسلوبك.
- ابحث عن أدلة على إجزاء القراءة بلهجة أهل العراق أو مصر، وناقشها.
- هل يصح القول بالتخيير بين أقوال أهل اللغة لدى التعارض؟
- اكتب بحثاً حول طوائف الروايات في ولاية الأب على البكر الرشيدة وعدمها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَلَكاً يَنْزِلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَيُنَادِي:
يَا أَبْنَاءَ الْعِشْرِينَ جِدُّوا وَاجْتَهِدُوا،
وَيَا أَبْنَاءَ الثَّلَاثِينَ لَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا،
وَيَا أَبْنَاءَ الْأَرْبَعِينَ مَاذَا أَعْدَدْتُمْ لِلِقَاءِ رَبِّكُمْ،
وَيَا أَبْنَاءَ الْخَمْسِينَ أَتَاكُمُ النَّذِيرُ،
وَيَا أَبْنَاءَ السِّتِّينَ زَرْعٌ آنَ حَصَادُهُ،
وَيَا أَبْنَاءَ السَّبْعِينَ نُودِيَ لَكُمْ فَأَجِيبُوا،
وَيَا أَبْنَاءَ الثَّمَانِينَ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ وَأَنْتُمْ غَافِلُونَ،
ثُمَّ يَقُولُ: لَوْلَا عِبَادٌ رُكَّعٌ وَرِجَالٌ خُشَّعٌ وَصِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَأَنْعَامٌ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبّاً)) (مستدرك الوسائل: ج12 ص157).
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
------------------------------------
[1] سورة الفرقان: الآية 48.
[2] تهذيب اللّغة ٦ : ١٧٣.
[3] ابن معصوم المدني، الطراز الأول، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم: ج8 ص319.
[4] دعائم الإسلام: ج1 ص111.
[5] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ـ بيروت: ج5 ص505.
[6] فـ: طهُر لازم وأما طهَر فقد يكون لازماً وقد يكون متعدياً يقال: (طهره).
[7] على المنصور الذي تبناه جمع.
[8] تراجع الأقوال في المسألة والخلاف في العروة الوثقى – الصلاة – القراءة مسألة 41 ومسألة 50 والظاهر كفاية ما كان متداولاً زمن الأئمة (عليهم السلام).
[9] لعله: والأكثر.
[10] ابن القَطَّاع الصقلي، أبنية الأسماء والأفعال والمصادر، دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة: ص٣٤٥.
[11] أو للمنسبق منه عند اطلاق طهور (انه شديد الطهارة، لا قذوف أو مبعِد) على الأقل.
[12] انه يراد به معنى آخر، وانه هيئة أخرى.
[13] ابن معصوم المدني، الطراز الأول، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم: ج8 ص320.
[14] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ـ بيروت: ج4 ص506.
[15] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ـ بيروت: ج4 ص496.
[16] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ـ بيروت: ج4 ص497.
[17] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ـ بيروت: ج4 ص497.
[18] في الروايات المتعارضة: الأصل الأولي على المشهور التساقط لكنّ الأصل الثانوي التخيير لقوله (عليه السلام) (فتخير) ولكن لا يوجد أصل ثانوي في تعارض أقوال اللغويين.
[19] تهذيب اللّغة ٦ : ١٧٣.
[20] ابن معصوم المدني، الطراز الأول، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم: ج8 ص319.
[21] سورة إبراهيم: الآية 4.
[22] إلا لو استغلق فرضاً عليهم لفظ فيرجعون إلى أعلمهم.
[23] أي لم يسمعه منه.
[24] سورة البقرة: الآية 31.
[25] كصحيح الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، انه قال: ((فِي الْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ تَخْطُبُ إِلَى نَفْسِهَا؟ قَالَ: هِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا تُوَلِّي أَمْرَهَا مَنْ شَاءَتْ إِذَا كَانَ كُفْواً بَعْدَ أَنْ تَكُونَ قَدْ نَكَحَتْ رَجُلًا قَبْلَهُ)) (الكافي: ج5 ص392).
وفي رواية عبيد: ((لَا تُسْتَأْمَرُ الْجَارِيَةُ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ بَيْنَ أَبَوَيْهَا فَإِذَا كَانَتْ ثَيِّباً فَهِيَ أَوْلَى بِنَفْسِهَا)) (تهذيب الأحكام: ج7 ص385).
[26] كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((سَأَلْتُهُ عَنِ الْبِكْرِ إِذَا بَلَغَتْ مَبْلَغَ النِّسَاءِ أَلَهَا مَعَ أَبِيهَا أَمْرٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ لَهَا مَعَ أَبِيهَا أَمْرٌ مَا لَمْ تُثَيَّب)) (تهذيب الأحكام: ج7 ص381).
[27] كصحيح منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ((تُسْتَأْمَرُ الْبِكْرُ وَغَيْرُهَا وَلَا تُنْكَحُ إِلَّا بِأَمْرِهَا)) (تهذيب الأحكام: ج7 ص380) الظاهر ان (تستأمر) بالبناء للمجهول لا المعلوم.
[28] كموثق صفوان، قال: ((اسْتَشَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ لِابْنِ أَخِيهِ؟ فَقَالَ: افْعَلْ وَيَكُونَ ذَلِكَ بِرِضَاهَا، فَإِنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا نَصِيباً، قَالَ: فَاسْتَشَارَ خَالِدُ بْنُ دَاوُدَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ عَلِيَّ بْنَ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: افْعَلْ، وَيَكُونَ ذَلِكَ بِرِضَاهَا، فَإِنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا حَظّاً)) (تهذيب الأحكام: ج7 ص380).
[29] يراجع موسوعة الفقه ج64 ص17 فصاعداً.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
سبق انّ المحتمل الخامس لـ{طَهُوراً} هو الطاهر المطهر (والسادس هو: المطهِّر)، ولو تم هذا الاحتمال لكفى به دليلاً إذ ستكون دلالة الآية الكريمة {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً}[1] على مطهرية الماء تامة حينئذٍ لولا الدوران بين هذا المعنى والمعنى الرابع (صيغة مبالغة) كما سيأتي.
الدليل على أن {طَهُوراً} يعني مطهراً، تصريح اللغويين
فقد يقال: انه لا شك في صحة هذا المعنى وتماميته فقد صرح به عدد من أئمة اللغة كثعلب والأزهري (وقال ثَعْلَبٌ: الطَّهُورُ ما كانَ طاهراً في نفسِهِ مُطَهِّراً لِغَيرِهِ، وكذلكَ قالَ الأَزهريُّ: الطَّهُورُ في اللُّغَةِ الطَّاهِرُ الـمُطَهِّرُ[2])[3]، وفي لسان العرب: (قال الأزهري: وكلُّ ما قيل في قوله عز وجلَّ: {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ مَاءً طَهُوراً}؛ فإن الطهور في اللغة هو الطاهر الـمُطهِّر، لأنه لا يكون طهوراً إلا وهو يُتطهّر به، كالوضوء هو الماء الذي يتوضَّأُ به، والنَّشُوق ما يُستنشق به، والفَطُور ما يُفطر عليه من شرابٍ أو طعامٍ. وسُئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن ماء البحر فقال: ((هُوَ الطَّهُور مَاؤُهُ الحِلُّ مَيْتَتُه))[4]؛ أي الـمُطهِّر، أراد أنه طاهرٌ يُطهِّر)[5].
و(طَهَره) متعدٍ
وقد يقال: بأن طَهَر قد ورد متعدياً كما نقله بعضهم عن بعض اللغويين[6] وعليه: فقولنا طهور بمعنى مطهِّر ليس على خلاف الأصل أي ليس من نقل ما دل على معنى ثبوتي لازمٍ إلى ما يدل على معنى حدثي متعدّي، فهو كقَطوع لا كجَلوس. وسيأتي.
المناقشات
ولكن يشكل على كلا القولين بما نذكره في ضمن القواعد الآتية:
1- لا تحمل النصوص على قول اللغوي الشاذ
الأول: ان قول اللغوي الشاذ لا تحمل عليه الآيات والروايات، إذ المخاطب عامة الناس (وتنزلاً مشهور اللغويين لا اللغوي الذي انفرد برأي) وهذا اللغوي وإن لم نتهمه بالكذب ولا بالخطأ لكنه نظراً لأن اللغويين إنما اصطادوا معاني الكلمات من التجوال في القبائل والعشائر والمدن والأرياف فكلما وجدوا لفظاً دالاً على معنى عند قبيلة سجلوه ومن هنا نشا الاشتراك اللفظي، أي انه أحد مناشئه[7] والمنشأ الآخر هو أن يضع الواضع نفسه اللفظ الواحد لعدة معاني متباينة، وذلك كلما لم يكن هنالك جامع بين المعاني، أي ان اللغوي وجد هذه القبيلة تطلق لفظ العين مثلاً على الجارية فسجل ذلك والأخرى تطلقه على الذهب فسجله والثالثة على عين الركبة فكتبه وهكذا، فإذا لم يجد في هذه الاستعمالات قرينة على التجوز ولم يجد جامعاً، صُحّح بانه مشترك لفظي.
وعليه: فإن اللغوي الذي انفرد بمعنى فالظاهر انه وجده عند قبيلة، لكن آيات القرآن الكريم لا تحمل على عرف قبيلة من القبائل بل على العرف العام للعرب (أو على المشهور بين القبائل) وغاية الأمر ان تحمل على لغة قريش أي أهل الحجاز لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يتحدث بلغتهم ويتفرع عليه مثلاً المرجع فيما لو شككنا في كون الضاد في {الضَّالِّين} تقرأ بلهجة أهل العراق (وهي المساوية للظاء فظلم وضرب عندهم بلهجة واحدة) أو بلهجة أهل الحجاز وهي التي تقرأ الضاد بما بين الظاء والدال (والتي تظهر عند وضع طرف اللسان على طرف عليا الأسنان أو على سقفه) لوضوح ان النبي (صلى الله عليه وآله) لم يكن يتحدث باللهجة العراقية بل بلهجة أهل بلده وهي الحجازية أي لهجة أهل مكة المكرمة فإنه (صلى الله عليه وآله) ولد فيهم ونشأ وترعرع، ولو كان قد تحدث بلهجة أخرى لتوفرت الدواعي على نقله[8].
ويظهر لنا من ذلك ان الرأي الذاهب إلى أن طهور مأخوذ من طَهَر بالفتح وانه متعد إذ يقال طَهَرَهُ كما استنبطه بعض من كلام ابن القطاع الصقلي في ابنية الأسماء والأفعال والمصادر قال: (ويجيء اسم الفاعل من (فَعُل) على (فعيل) نحو ظرُف فهو ظريف إلا أنه قد جاء حرف واحد (هو) فرُه فهو فارهٌ بلا خلاف، وقد جاءت حروف فيها خلاف، طَهُرَ فهو طاهرٌ، والأكير[9] طَهَر بالفتح، وكمل فهو كامل، وجاء فيه كمل وكمل ثلاث لغات)[10].
ردود على ان طَهَر متعدٍ (فطهور يعني مطهِّر)
ولكن يرد عليه: أولاً: انه لو صح فهو قول مخالف للمشهور بين اللغويين بل ومخالف للفهم العرفي العام[11] ولعله لذا أهمله بعض أعاظم اللغويين كابن فارس في معجم مقاييس اللغة وقد سبق ان الخطابات القرآنية تحمل على عرف عامة العرب لا على عرف قبيلة خاصة ونقل لغوي أو اثنين.
ثانياً: ان طَهَر بالفتح المتعدي يراد به معنى آخر مغاير تماماً للمعنى المبحوث عنه، فإن المعنى البحوث عنه طهر (سواء بفتح الهاء أم ضمها) المقابل لنجس، وأما طَهَر المتعدي فهو بمعنى رمى وأبعد وقذف، تقول: طهَرت العينُ قذاها أي رمته وطَهَرت العين العرمض أي قذفته.
ثالثاً: بل انّ طَهَر بالفتح وهو المتعدي الذي يفيد معنى أبعَدَ، هاؤه في الواقع مقلوبة من الحاء وأصلها طَحَر، فهي كلمة أخرى مغايرة تماماً لطهر، معنى وحتى هيئة، وبالأخيرين[12] صرح أئمة اللغة ففي الطراز (وطَهَرَهُ، كمنعه: أبعده؛ لغةٌ في طحَرَهُ بالحاء المهملة، الهاء بدلٌ منها؛ كما قالوا في مدحه: مَدَهَهُ، وفي كدح شَعرَهُ بالمشط: كَدَهَهُ)[13].
وفي لسان العرب: (وأما قوله: طَهَرَه إذا أبعده، فالهاء فيه بدلٌ من الحاء في طَحَره؛ كما قالوا مدَهَه في معنى مَدَحَه)[14]، وقال: (طحر: الأزهري: الطّحرُ قذف العين بقذاها. ابنُ سيدَهْ: طَحَرت العين قَذَاها تطحَرُه طَحْراً رمت به؛ قال زهير:
بِمُقْلَةٍ لَا تَغَرُّ صادِقَةٍ يَطْحَرُ عَنْهَا القَذَاةَ حاجِبُها)[15]
و(قَالَ ابْنُ سِيدَهْ: وَقَوْسٌ طَحُورٌ ومِطْحَرٌ، وَفِي التَّهْذِيبِ: مِطْحَرَةٌ، إِذا رَمَتْ بِسَهْمِهَا صُعُداً فَلَمْ تَقْصِد الرَّمِيَّةَ، وَقِيلَ: هِيَ الَّتِي تُبْعِدُ السهمَ؛ قَالَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ:
شَرِقَاتٍ بالسَّمِّ مِنْ صُلَّبِيٍّ، ... ورَكُوضاً مِنَ السَّرَاءِ طَحُورَا
الْجَوْهَرِيُّ: الطَّحُورُ الْقَوْسُ الْبَعِيدَةُ الرَّمْيِ. ابْنُ سِيدَهْ: المِطْحَرُ، بِكَسْرِ الْمِيمِ، السَّهْمُ الْبَعِيدُ الذَّهَابِ. وَسَهْمٌ مِطْحَرٌ. يُبْعِدُ إِذا رَمى؛ قَالَ أَبو ذُؤَيْبٍ:
فَرَمَى فَأَنْفَذَ صاعِدِيّاً مِطْحَراً ... بالكَشْحِ، فاشْتَمَلَت عَلَيْهِ الأَضْلُعُ)[16].
(ابْنُ سِيدَهْ: طَحَرَ الحَجَّامُ الخِتانَ وأَطْحَرَه استأْصله. وطَحَرَت الرِّيحُ السَّحَابَ تَطْحَرُه طحْراً، وَهِيَ طَحُورٌ: فرّقَتْه فِي أَقطار السَّمَاءِ)[17].
ولذلك كله فإن ظاهر بعض اللغويين، كالمنجد، انه اعتبرهما أصلين فقال: (1- طَهَر، وطهُر، طُهْرا، وطهوراً وطهارةً، ضد نجس فهو طاهر. 2- طَهَر طهراً ابعده) وظاهره انه مشترك لفظي.
2- قول اللغوي حجة إذا لم يعارَض بقول لغوي آخر
الثاني: ان قول اللغوي حجة إذا لم يعارض بقول لغوي آخر، فإذا عارضه فإن وجد مرجح فهو، وإلا، بإن تساويا، تساقطا على المشهور[18]، وفي المقام فإن قول الأزهري وثعلب بأن طهوراً يعني مطهِّراً معارَض بقول أغلب اللغويين إذ رأوا فعولاً من المبالغة بل ان عدداً من أعاظم اللغويين انكروا مجيء طهور بمعنى مطهّر أصلاً.
ردود اللغويين على دعوى ان طهوراً يعني مطهِّراً
فلاحظ ما قاله الطراز: (وقال ثَعْلَبٌ: الطَّهُورُ ما كانَ طاهراً في نفسِهِ مُطَهِّراً لِغَيرِهِ، وكذلكَ قالَ الأَزهريُّ: الطَّهُورُ في اللُّغَةِ الطَّاهِرُ المـُطَهِّرُ[19].
ورُدَّ بأنَّ «فَعُولاً» ليسَ من التَّفْعِيلِ في شَيءٍ، وقياسُهُ على ما هو مشتقٌّ من الأَفعالِ الـمُتعدِّيةِ كمَنُوع وقَطُوع غَيرُ سَديدٍ، إِلاَّ أَنْ يكونَ المرادُ بذلكَ بيانَ كَونِهِ بَليغاً في طَهارَتِهِ فهو حَسَنٌ صَوابٌ؛ إِذْ كانَتِ الطَّهارةُ في نَفسِها غيرَ قابلةٍ للزِّيادةِ، فتَرجِعُ الـمُبالَغَةُ إِلى انضِمامِ التَّطهيرِ إِليها لا أَنَّ اللاَّزِمَ صارَ مُتعَدِّياً)[20].
وهو صريح في نفي تضمن معنى طهور المطهرية، وفي انه لازمٌ، لا يتضمن معنى المطهِّر فلاحظ قوله: (ورُدَّ بأنَّ «فَعُولاً» ليسَ من التَّفْعِيلِ في شَيءٍ) و(لا أَنَّ اللاَّزِمَ صارَ مُتعَدِّياً)، وقوله: (وقياسُهُ على ما هو مشتقٌّ من الأَفعالِ المُتعدِّيةِ كمَنُوع وقَطُوع غَيرُ سَديدٍ) فإنه منوع مأخوذ من المنع وهو متعد تقول منع زيد عطاء عمرو أو منعه إرثَه وكذا تقول قطوع للرحم مقابل وَصول (غير سديد) لأن منوع وقطوع مشتقان من فعلين متعديين هما قَطَع ومَنَع عكس طهور (حسب هؤلاء) فإنه مشتق من فعل لازم.
نعم التخريج الوحيد لكلامهم هو إبقاء طهور على معنى المبالغة ثم إقامة جسر بينهما وبين المطهرية، بتلازم عقلي أو عرفي بأن يقال بأن (طهور) للمبالغة (بتكرر الأصل وزيادته أو شدته) لكنه حيث امتنع هذا المعنى (نظراً لمبنى عدم المشككية في الطهارة) فلا مناص من أن يراد بالمبالغة أمر خارج وهو كونه مطهِّراً (وقد سبق جوابه وانه توجد مندوحة بأن يراد به ما يتطهر به فهو مدلول مطابقي حينئذٍ فراجع).
3- العرف العام مقدم على قول اللغوي
الثالث: ان قول اللغوي لو تعارض مع العرف العام، تقدم العرف العام دون شك، وذلك لأن القرآن الكريم نزل بلسان قومه قال تعالى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ}[21] وهو العرف العام الذي يفهمه أهل مكة والمدينة ونظائرهما، ولم ينزل بلسان العرف الخاص وهو اللغويين، أفهل ترى أن قريشاً والمكيين كانوا يراجعون اللغويين في فهم معاني الآيات التي خوطبوا بها؟[22]
وبوجه آخر: اللغوي إنما هو مرآة للعرف، لأن الفرض ان اللغويين يذهبون إلى القبائل ويجوبون البلاد بحثاً عن استعمالات العرب (والموضوع له – فيما نرى) فهم يكتشفون المستعمل فيه (بل والموضوع له - عندنا) من مطالعتهم لأحوال العرب وأقوالهم، إذ اللغوي لم يتلقّ ذلك[23] من الواضع، كيعرب بن قحطان على قول، أو الله تعالى إذ {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها}[24] على قول، أو جمع من الواضعين على قول، بل إنما أخذه من الناس إذ سمع منهم وراقب استعمالاتهم، فإذا تعارض العرف العام مع قوله سقط قوله إذ انه مرآة لأقوالهم فإذا خطّأوه لم يكن وجه لحجية قوله.
فهذا إذا اختلف العرف العام زمن صدور النص مع قول اللغويين، وأما إذا اختلف عرفنا العام الآن مع قول اللغويين، فالأمر مبني على قاعدة أصالة ثبات اللغة (أو أصالة عدم النقل) فإذا وجدنا العرف العام الآن جاهلاً بالموضوع له رجعنا إلى اللغة وأما إذا اصروا على انهم أخذوه عن آبائهم عن آبائهم عن آبائهم وصولاً إلى زمن النص، تقدم قولهم على قول اللغوي.
مثال: معنى الثيب والبكر لدى العرف واللغة
فمثلاً: لو وردت مفردة البكر والثيب في الرواية[25] (لوجود طوائف بعضها تقول للأب ولاية على البكر[26] وبعضها تنفي[27] وبعضها تفيد تشريك الولاية[28] وفصّل بعض الفقهاء بين الدوام والمؤقت، وبالعكس استناداً لروايات[29]) وتردَّدَ معنى البكر والثيب بين: 1- من لم يعقد عليها فهي بكر وإلا (إذا عقد عليها) فثيب.
2- لا يكفي العقد في كونها ثيباً بل إذا دخل بها الزوج دخولاً شرعياً.
3- يكفي الدخول بها ولو بالزنا، والعياذ بالله في خروجها عن كونها بكراً.
4- يكفي زوال بكارتها حتى بالقفز في خروجها عن كونها بكراً.
فلو قال العرف العام بالأعم وقال اللغوي بالأخص أو العكس، كان المرجع العرف العام، لو سلم تحققه.
الخلاف في أن اللغوي أهل خبرة في الوضع أم في الاستعمال فقط
تنبيه: لعل مشهور المتأخرين بعد المحقق النائيني على ان اللغوي أهل خبرة في الاستعمال لا في الوضع، والظاهر ان مشهور المتقدمين على المحقق النائيني هو كونهم أهل خبرة في الوضع لا الاستعمال فقط، أقول: ويدل عليه الاستقراء شبه التام فإن اللغويين ملتزمون بأن يذكروا المعاني الحقيقية دون المجازية، فلا تجد لغوياً مثلاً يذكر الرجل الشجاع في معاني الأسد ولا الوجه المنير في معاني القمر رغم كونهما مجازين مشهورين.
والشاهد: انه على مبنى مشهور المتأخرين فالأمر في تعارض العرف العام مع اللغوي أظهر إذ قول اللغوي ليس حجة أصلاً في الوضع؛ إذ ليس أهل خبرة فيه ولا هو متصد له.
أسئلة:
- اشرح قول الأزهري (لأنه لا يكون طهوراً إلا وهو يتطهر به) وناقشه.
- أوضح معنى طَهَرَهُ وما ربط طهر بطحر، بأسلوبك.
- ابحث عن أدلة على إجزاء القراءة بلهجة أهل العراق أو مصر، وناقشها.
- هل يصح القول بالتخيير بين أقوال أهل اللغة لدى التعارض؟
- اكتب بحثاً حول طوائف الروايات في ولاية الأب على البكر الرشيدة وعدمها.
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ((إِنَّ لِلَّهِ تَعَالَى مَلَكاً يَنْزِلُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ، فَيُنَادِي:
يَا أَبْنَاءَ الْعِشْرِينَ جِدُّوا وَاجْتَهِدُوا،
وَيَا أَبْنَاءَ الثَّلَاثِينَ لَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا،
وَيَا أَبْنَاءَ الْأَرْبَعِينَ مَاذَا أَعْدَدْتُمْ لِلِقَاءِ رَبِّكُمْ،
وَيَا أَبْنَاءَ الْخَمْسِينَ أَتَاكُمُ النَّذِيرُ،
وَيَا أَبْنَاءَ السِّتِّينَ زَرْعٌ آنَ حَصَادُهُ،
وَيَا أَبْنَاءَ السَّبْعِينَ نُودِيَ لَكُمْ فَأَجِيبُوا،
وَيَا أَبْنَاءَ الثَّمَانِينَ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ وَأَنْتُمْ غَافِلُونَ،
ثُمَّ يَقُولُ: لَوْلَا عِبَادٌ رُكَّعٌ وَرِجَالٌ خُشَّعٌ وَصِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَأَنْعَامٌ رُتَّعٌ لَصُبَّ عَلَيْكُمُ الْعَذَابُ صَبّاً)) (مستدرك الوسائل: ج12 ص157).
[2] تهذيب اللّغة ٦ : ١٧٣.
[3] ابن معصوم المدني، الطراز الأول، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم: ج8 ص319.
[4] دعائم الإسلام: ج1 ص111.
[5] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ـ بيروت: ج5 ص505.
[6] فـ: طهُر لازم وأما طهَر فقد يكون لازماً وقد يكون متعدياً يقال: (طهره).
[7] على المنصور الذي تبناه جمع.
[8] تراجع الأقوال في المسألة والخلاف في العروة الوثقى – الصلاة – القراءة مسألة 41 ومسألة 50 والظاهر كفاية ما كان متداولاً زمن الأئمة (عليهم السلام).
[9] لعله: والأكثر.
[10] ابن القَطَّاع الصقلي، أبنية الأسماء والأفعال والمصادر، دار الكتب والوثائق القومية - القاهرة: ص٣٤٥.
[11] أو للمنسبق منه عند اطلاق طهور (انه شديد الطهارة، لا قذوف أو مبعِد) على الأقل.
[12] انه يراد به معنى آخر، وانه هيئة أخرى.
[13] ابن معصوم المدني، الطراز الأول، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم: ج8 ص320.
[14] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ـ بيروت: ج4 ص506.
[15] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ـ بيروت: ج4 ص496.
[16] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ـ بيروت: ج4 ص497.
[17] ابن منظور، لسان العرب، دار صادر ـ بيروت: ج4 ص497.
[18] في الروايات المتعارضة: الأصل الأولي على المشهور التساقط لكنّ الأصل الثانوي التخيير لقوله (عليه السلام) (فتخير) ولكن لا يوجد أصل ثانوي في تعارض أقوال اللغويين.
[19] تهذيب اللّغة ٦ : ١٧٣.
[20] ابن معصوم المدني، الطراز الأول، مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث ـ قم: ج8 ص319.
[21] سورة إبراهيم: الآية 4.
[22] إلا لو استغلق فرضاً عليهم لفظ فيرجعون إلى أعلمهم.
[23] أي لم يسمعه منه.
[24] سورة البقرة: الآية 31.
[25] كصحيح الحلبي، عن أبي عبد الله عليه السلام، انه قال: ((فِي الْمَرْأَةِ الثَّيِّبِ تَخْطُبُ إِلَى نَفْسِهَا؟ قَالَ: هِيَ أَمْلَكُ بِنَفْسِهَا تُوَلِّي أَمْرَهَا مَنْ شَاءَتْ إِذَا كَانَ كُفْواً بَعْدَ أَنْ تَكُونَ قَدْ نَكَحَتْ رَجُلًا قَبْلَهُ)) (الكافي: ج5 ص392).
وفي رواية عبيد: ((لَا تُسْتَأْمَرُ الْجَارِيَةُ فِي ذَلِكَ إِذَا كَانَتْ بَيْنَ أَبَوَيْهَا فَإِذَا كَانَتْ ثَيِّباً فَهِيَ أَوْلَى بِنَفْسِهَا)) (تهذيب الأحكام: ج7 ص385).
[26] كصحيح الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: ((سَأَلْتُهُ عَنِ الْبِكْرِ إِذَا بَلَغَتْ مَبْلَغَ النِّسَاءِ أَلَهَا مَعَ أَبِيهَا أَمْرٌ؟ فَقَالَ: لَيْسَ لَهَا مَعَ أَبِيهَا أَمْرٌ مَا لَمْ تُثَيَّب)) (تهذيب الأحكام: ج7 ص381).
[27] كصحيح منصور بن حازم، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: ((تُسْتَأْمَرُ الْبِكْرُ وَغَيْرُهَا وَلَا تُنْكَحُ إِلَّا بِأَمْرِهَا)) (تهذيب الأحكام: ج7 ص380) الظاهر ان (تستأمر) بالبناء للمجهول لا المعلوم.
[28] كموثق صفوان، قال: ((اسْتَشَارَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ لِابْنِ أَخِيهِ؟ فَقَالَ: افْعَلْ وَيَكُونَ ذَلِكَ بِرِضَاهَا، فَإِنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا نَصِيباً، قَالَ: فَاسْتَشَارَ خَالِدُ بْنُ دَاوُدَ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ (عليه السلام) فِي تَزْوِيجِ ابْنَتِهِ عَلِيَّ بْنَ جَعْفَرٍ (عليه السلام)، فَقَالَ: افْعَلْ، وَيَكُونَ ذَلِكَ بِرِضَاهَا، فَإِنَّ لَهَا فِي نَفْسِهَا حَظّاً)) (تهذيب الأحكام: ج7 ص380).
[29] يراجع موسوعة الفقه ج64 ص17 فصاعداً.