258- الاشارة الى طوائف اخرى من الروايات (حوالي 47 رواية) وتصنيفها العام ـ وجوه ضرورة وفوائد هذا البحث ـ تتمة الجواب عن الشبهة السابقة: مفتاح الحل يكمن في تحليل (الدين) اولاً وفي تحليل الضاف اليه المقدر لـ(اصول الدين) وهو اما الموجود أو الصحة أو القبول
الثلاثاء 27 جمادى الأولى 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ملخص ما تقدم
كان الكلام حول مصطلح أصول الدين والمصطلحات المتفقة معه أو المقاربة له أو المختلفة معه من وجه، وذكرنا ان هناك طوائف صرحت بلفظة اصول الدين وطوائف ذكرت مصطلحات اخرى، واشرنا في القسم الثاني إلى الروايات التي ذكرها الشيخ في الرسائل.
طوائف أخرى من الروايات
اما مبحث اليوم فهو ان هنالك طوائف أخرى من الروايات كثيرة جدا تبلغ حد التواتر بأعلى درجاته وهذه ذكرت مصطلحات أيضا مقاربة او مطابقة او نسبتها من وجه معها، هذه الروايات هي بالعشرات وسنقتصر منها على ما جمعه المرحوم السيد البروجردي في جامع أحاديث الشيعة، فننتخب بعضها، وهذه الروايات التي جمعها هي اكثر من 47 رواية زائدا على أكثر من 78 رواية أخرى في باب آخر سابق عليه، والروايات هي أكثر من ذلك جدا، كما انه يشير إلى ان هناك روايات أخرى سبقت في أبواب أخرى وستأتي في أبواب أخرى.
وجوه ضرورة وفائدة مراجعة طوائف الروايات
وسنقرأ أولا مقتطفات من بعض هذه الروايات التي تتضمن مصطلحات اخرى وذلك للأسباب التالية:
الأول: كي يتكامل البحث اكثر.
الثاني: كي تكون بأيديكم وسائر الباحثين أدوات أكثر للبحث المستوعب والمتكامل حول الموضوع.
الثالث: لأن هذه الروايات لو لوحظت باجمعها فسيكتشف الإنسان انها متواترة تواتراً اجماليا بالمعنى الرابع الذي ذكرناه سابقا، بل انها متواترة معنويا بل ان بعضها متواترة مضمونيا[1] لكن هل هي متواترة لفظيا ام لا؟ يحتاج إلى تتبع نتركه لتحقيقكم.
وكما ذكرنا فان هذه المسألة والعناوين اللاحقة تستدعي أشهرا من الكلام لكن هذه بعض مفاتيحها ومجرد إشارات.
الرابع: انه بملاحظة الروايات باجمعها وتصنيفها موضوعيا فأن الفقيه او المحقق سيكون قادرا عبر ضم بعضها إلى بعض على اكتشاف ما هو محل كلامنا، وهو ما هي أصول الدين بمعنى العقيدة وما هي أصول الدين بمعنى أصول الشريعة بالمعنى الأخص وما هي أصول الدين بمعنى أصول الشريعة بالمعنى الأعم، إذ كما تقدم فانه حتى السنن لها أصول، وهذا البحث حسب الاستقراء الناقص لم أجد شخصا بحثه واستفرغ الوسع فيه وهو جدير بذلك، فان أصول الدين بمعنى أصول العقيدة مبحوث، وأصول الشريعة بالمعنى الأخص أيضا مبحوثة إلى حد ما وان كان البحث يستدعي مزيدا من استفراغ الوسع، اما أصول الشريعة بالمعنى الأعم الشامل لأصول السنن فان هذه بالاستقراء الناقص لم أجد من بحثها، وهذا البحث هو من أهم الأبواب العلمية والفكرية والعملية: ما هي أصول السنن؟ مثل الصبر على النائبة، الكرم، الشجاعة، الحلم، سعة الصدر، فهل هذه – أو غيرها - هي من أصول السنن في نظر الشارع أم لا؟ فهذا بحث لكنه ليس موضع بحثنا، ومن ثمرات هذا البحث تشخيص المقدم من هذه القِيَم لدى التزاحم.
الخامس: انه من ضم هذه الروايات بعضها إلى بعض سنكتشف خواص وآثار كل طائفة.
وهذا البحث ليس مبحوثا بشكل مستوعب، فمن استطاع شخصيا أو عبر مركز دراسات أو بالتعاون مع مجموعة من الأعلام، الآن أو في المستقبل، تناول هذه البحوث بشكل مستوعب فإن ذلك من أفضل القربات النظرية والعملية إلى الله تعالى (إذ ان هذا البحث ذو جنبتين او جهتين) وكما اشرنا فأن هذا البحث في الأساس بحث عقدي في جانب منه وكلامي في الجانب الاخر، فلا نتوقف عنده بل نشير إلى عناوينه.
طوائف الروايات في (جامع أحاديث الشيعة)
ولنقتبس بعض الروايات مما نقله السيد البروجردي[2] اخر المجلد الأول من جامع أحاديث الشيعة فقد عقد بابا خاصا بعنوان (باب دعائم الإسلام واهم فرائضه) ننتخب منه بعض الروايات ونقتصر على مواضع المصطلحات الواردة فيها، المطابقة أو المقاربة لأصول الدين أو التي هي معها (من وجه):
الطائفة الأولى: ما في الكافي الشريف عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: (بني الإسلام على خمس) ونظائرها فهذه نسبتها مع أصول الدين ما هي؟، فهل هذا عنوان مشير إلى تلك فالنسبة التساوي؟، ام ان النسبة من وجه؟ ام النسبة العموم والخصوص مطلق؟، بضم الروايات بعضها إلى بعض قد يتضح ذلك، وهذه هي الرواية المعروفة (بني الإسلام على خمس على الصلاة والزكاة والصوم والحج والولاية، ولم ينادَ بشيء كما نودي بالولاية) وينقل البروجردي مجموعة روايات في هذا الحقل.
الطائفة الأخرى من الروايات هي التي سبقت، وهي التي وردت فيها كلمة دعائم لكن بألفاظ مختلفة، ومنها: (واما ما فرضه الله عز وجل من الفرائض في كتابه فدعائم الإسلام وهي خمس دعائم، وعلى هذه الفرائض بني الإسلام).
الطائفة الأخرى: هي التي تصرح ببعض الآثار مثل دخول الجنة وهي متعددة، فراجع.
والطائفة الأخرى: هي التي تشير لعقد السلب أيضا، وهذه مجموعة من الروايات مبثوثة في أبواب متعددة.
الطائفة الأخرى: هي الروايات التي تحدد بعض مصاديق ما ذكر مثل (من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية)
وقد ذكر عدد من الأعاظم ان هذه الرواية المجمع عليها من الفريقين تكفي دليلا على ان الإمامة من أصول الدين إلزاماً لهم بما التزموه، وقد عقد السيد البروجردي بابا خاصا وضمنه 78 رواية في نفس المجلد[3] وأرجع إلى كثير غيرها في أبواب أخرى، والروايات أكثر ولعلها بالمئات تحت عنوان (باب اشتراط قبول الأعمال بولاية الأئمة واعتقاد إمامتهم)، والرايات ينبغي ان تراجع، وقد بحث ذلك المقدس الأردبيلي وكاشف اللثام وقبلهما السيد المرتضى ومن أشبه، كما بحثه العلامة المجلسي والفاضل الملا صالح في شرح أصول الكافي والقاضي نور الدين في إحقاق الحق وغيرهم، فيمكن الاستعانة بما قالوا.
الطائفة الأخرى: ما كان السؤال فيها عن الماهية اي ماهية الإسلام مثل (فقال له ما الإسلام) فأن الظاهر ان السؤال عن الماهية وعن ما له الدخل في الحقيقة.
الطائفة الأخرى: هي الروايات التي تصرح بالجمع بين الأصل والفرع كقوله (الا أخبرك بالإسلام اصله وفرعه وذروة سنامه).
الطائفة الأخرى: روايات عبرت باثافي الإسلام التي هي كالأعمدة بالنسبة للقدر الكبيرة حيث كانت توضع على أحجار ثلاثة أو أكثر وإلا سقطت أو تمايلت، وهي جمع الأُثفية واقلها ثلاث ومنها (اثافي الإسلام ثلاثة...) وفي بعضها ورد ذكر أكثر من ثلاثة.
الطائفة الأخرى: هي التي تفرق بين المسلم والمؤمن فتعرّف المسلم بتعريف وتعرّف المؤمن بتعريف اخر فهذه يمكن ان يستفاد منها في تحديد الطوائف الثلاثة وان هذه من أصول الدين بمعنى العقيدة أم من أصول الشريعة بالمعنى الأخص، ام من أصول الشريعة بالمعنى الأعم.
الطائفة الأخرى: التي وردت فيها كلمة حدود الإيمان مثل: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أوقفني على حدود الإيمان) وهذا التعبير يقترب من المعنى المنطقي، وان كان الظاهر ان مراد السائل المعنى اللغوي أو العرفي.
الطائفة الأخرى: هي التي وردت فيها مثل هذه العبارة (سبع من سوابق الإيمان) وفي رواية أخرى (عشر من لقي الله بهن دخل الجنة).
الطائفة الأخرى: التي ورد فيها بدل (سوابق) مفردة (الأسهم) كما في الرواية (جاءني جبرائيل وقال لي يا احمد) (صلى الله عليه وآله وسلم) (الإسلام عشرة أسهم)
والطوائف كثيرة وتصنيف هذه الطوائف عملية مهمة، والسيد البروجردي ذكرها تباعا لأنه كتاب حديث وليس كتاباً أصولياً ولا فقهياً كي يبدأ بالتحليل، لكن هذه بعض الإشارة إلى تصنيفها الكلي.
الطائفة الأخرى: هي التي يعبر فيها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بـ(الشروط والمواثيق)، والرواية ينقلها الإمام الكاظم (عليه السلام) عن آبائه عليهم السلام وصولا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يقول (ان للإسلام شروطا ومواثيق) فان هذه تحتاج إلى تحليل فما مقصوده (صلى الله عليه وآله وسلم) بالشرط؟ فهل يريد الشرط بالمعنى الأصولي الذي هو (التزام في التزام) فهل هذا المصطلح يطابق مصطلح الشرط في الأصول أو لا إذ في الأصول هناك قيد وهناك شرط، والشرط التزام في التزام فلا ينتفي الشيء بانتفائه أي لا تنتفي الماهية بانتفائه، اما القيد فتنتفي الماهية بانتفائه، فما هو مقصوده صلوات الله عليه؟ وهذا ونظائره مما يحتاج إلى بحر من الكلام كما انه (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول (ان للإسلام شروطا ومواثيق) فما الفرق بين الشروط والمواثيق؟ ثم: هل هذه شروط وجود او شروط صحة؟
والحاصل ان هذا بحث مترامي الأطراف وهو جدير بان يبحث بشكل مستوعب، لكن من يبحث هذا البحث يشترط فيه ان يكون خبيرا حقا في الأصول والفقه والتفسير وفقه الحديث وعلم الكلام لأنه بحث مزيج منها، فإذا اكتملت هذه الأربعة لديه فأنه سيقدم خدمة كبيرة في هذا الحقل ويمكن للإنسان ان يبدأ ويتكامل بالتدريج، والله المستعان.
تحديد المضاف إليه في (أصول الدين) وهل هو الوجود أم الصحة أم القبول؟
اما المبحث الثاني: فيدور حول تتمة هامة للجواب السابق فقد ذكرنا ان اختلاف طوائف الروايات يحتاج إلى علاج، وعلاجه الكلي بتحليل كلمة الدين وان الدين تارة يراد به العقيدة وأخرى يراد به الشريعة بالمعنى الأخص وثالثة يراد به الشريعة بالمعنى الأعم، اما إضافة اليوم المكملة كي نصنف الطوائف تصنيفا كليّا أدق وكي يجاب عن الإشكال السابق بشكل اتم فنقول: إضافة إلى تحليل كلمة الدين ينبغي ان تُحلّل كلمة (أصول) بذاتها وتُحدّد المضاف إليه فيها إذ ان كلمة (دين) حللناها والروايات تبعاً لذلك صنفناها كتصنيف كلي إلى الأقسام الثلاثة، لكن الأقسام بنظرة أدق هي تسعة بل أكثر، فنقول التقسيم الاخر يتضح ببيان وتحديد المضاف إليه لكلمة أصول فينبغي ان يلاحظ ويحدد
والجواب: ظاهر الأمر هو ان مفردة (أصول) مضافة إلى (الدين) لكن التدقيق يقودنا إلى وجود مضاف إليه محذوف مقدر وذاك المحذوف المقدر فيه ثلاث احتمالات، وبضربها في محتملات الدين الثلاثة ستكون لنا تسع طوائف وتسع محتملات، وهذا مع قطع النظر عن نفس كلمة (أصل) فان لها بحثاً اخر،
والحاصل: ان المضاف إليه ليس كلمة دين مباشرة وإنما هنا محذوف مقدر أي حلقة مفقودة ان صح التعبير، فـ: 1- أصول الدين هل يراد بها أصول وجود الدين بمعانيه – أي الدين - الثلاثة؟ هذا احتمال صحيح في بعض الصور، وبعض الطوائف تدخل ههنا 2- او يراد بأصول الدين أصول صحة الدين؟ وهذا احتمال 3- الاحتمال الثالث ان يراد بأصول الدين أصول قبول الدين، وبكلمة: وجود أو صحة أو قبول العقيدة او الشريعة بالمعنى الأخص او الشريعة بالمعنى الأعم فتكون تسع صور وتسع طوائف، وعلى هذا فكلما قيل: هذا الشيء أصل من أصول الدين (كالصلاة أو الصبر في النائبة او الصبر على الطاعة او كالتوحيد او الولاية) فقد يراد أصول وجود الدين بمعانيه الثلاثة أو أصول صحة الدين أو أصول قبول الدين، فكلها محتملة وأكثرها واقع، وبعضها يحتاج إلى تأمل، ولنوضح ذلك بالمثال ونترك استكمال البحث عليكم: فهل (الولاية) تتوقف عليها ماهية الصلاة؟ بحيث انه لولا الولاية فلا صلاة حقيقة لأن الصلاة حقيقة مخترعة شرعية، كما ان من صلى بلا ركوع فهذا المركب الاعتباري الشرعي لم يتحقق حقيقة، لأن الركن ينتفي الشيء بانتفاءه وكذا تكبيرة الإحرام فانها ركن فلو لم يكبر فانه لم يدخل في الصلاة بالمرة، فهذا هو الاحتمال الأول في (الولاية)، كما تدل عليه طائفة كبيرة من الروايات وانه لولا الولاية فهذه ليست صلاة، فمن فقد الولاية فهو كمن فقد أو ترك التكبيرة أو الركوع أو القبلة أو الطهارة، فإذا قيل الولاية أصل من أصول الدين فقد يراد انها أصل من أصول وجود الدين، ككونها أصل وجود الصلاة مثلاً وهكذا سائر العبادات.
الاحتمال الثاني في الولاية بالنسبة للصلاة انها أصل صحة الصلاة بمعنى انه لولا الولاية فلا صلاةَ صحيحةً وأنها موجودة حقيقة لكنها باطلة، والفرق كبير بين ما لم يوجد بالمرة أو وجد باطلاً ولكي يتضح البحث بشكل أفضل فعلينا أن نتذكر مبحث الصحيح والأعم وان ألفاظ العبادات والمعاملات هل هي موضوعة للصحيح منها أو موضوعة للأعم؟ فان قلنا ان ألفاظ العبادات موضوعة للصحيح منها فما ليس بصحيح فليس بموجود إذن، فالولاية بهذا المعنى تفسيرها واضح جدا وانها شرط الوجود[4] اما لو قلنا بالأعم فعندئذ تكون الولاية شرط الصحة لكن الصدق (صدق الصلاة) اسمي أي صوري وتفصيله يترك لمحله.
الاحتمال الثالث: في (الولاية أصل الدين) هو ان الصلاة ليست بمقبولة بلا ولاية فالمخالف لو صلى فصلاته صلاةٌ حقيقةً وصحيحةٌ لكنها ليست مقبولة اي لا يثاب عليها بالمرة فلا يستحق على الله جنة و لا اجرا ولا حورا ولا قصورا.
اذن هذه احتمالات ثلاثة بدوياً، والروايات الكثيرة تؤيد الاحتمال الأول أو الثاني وهذا البحث له تفصيل نكتفي منه بهذا المقدار.
ونترك استكمال البحث لتحقيق الإخوة الأفاضل ليجعلوه أمام نظرهم بشعبه التسعة، وبقي سؤالان نجيب عنهما غدا إن شاء الله تعالى.
مصادر للمراجعة
1- الكافي الشريف باب البدع مع تعليقات العلامة المجلسي في كتاب مرآة العقول
2- (الوافي) باب البدع والمقاييس.
3- الكتاب الاخر الذي بحث هذا الموضوع بعض البحث هو الجواهر ج41 ص16الى 19 في كتاب الشهادة في شروط الإيمان.
4- مصباح الفقاهة للسيد الخوئي في باببين الأول (حرمة الغيبة مشروطة بالإيمان) ج35 من الموسوعة ص499، إذ تكلم السيد بشكل دقيق حول المسألة وفي باب آخر وهو حرمة سب المؤمن ص429.
5- كما ان المكاسب في هذين البابين وكل حواشيه وشروحه تعدّ مصدرا جيدا غنيّا للبحث.
6- إضافة إلى البحار كتاب الإمامة.
وللحديث صلة. وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
[1] - سبق بيان وجه تفريقنا بين المصطلحين.
[2]- جامع أحاديث الشيعة ج1 ص613 – 647.
[3] - جامع أحاديث الشيعة ج1 ص570 -613.
[4] - لعَوْد شرط الصحة إلى شرط الوجود.
الثلاثاء 27 جمادى الأولى 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |