420- الحسن والقبح ليسا ذاتيين للاجتهاد والتقليد بل هما بالوجوه والاعتبار ووجوه اربعة لارجحية بعض انواع التقليد على الاجتهاد ـ مناقشة دعوى ( التنقيح ) : الظهور من الامور الحسية
الثلاثاء 20 رجب 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
ثمرتان للقول بأخسّية التقليد مطلقاً
سبق انه قد يُدَّعى ان التقليد أخس وأردأ من الاجتهاد، ويتفرع عليه انه لا يصح (أو هو مرجوح) فيما لو دار الأمر بين تقليد المجتهد الطولي المطلق أي المجتهد في المبادئ وفي الفقه، وبين تقليد المجتهد المتجزي طولياً أي المجتهد في الفقه – المقلد في بعض مبادئ الاستنباط – تقليد([1]) الثاني فانه مرجوح أو ممنوع.
كما يتفرع عليه انه لو دار أمره – أي المكلف بنفسه - بين ان يجتهد وبين أن يقلد غيره فان التقليد مرجوح مطلقاً وأخس وأردأ، فهو أردأ أقسام الواجب التخييري([2]).
الجواب:
1- الحسن ليس ذاتياً للاجتهاد بل بالوجوه والاعتبارات والاشرفية بأكثرية الإصابة
ويرد عليه: ان الحُسن ليس ذاتياً للاجتهاد ولا القبح – أو المرجوحية – ذاتياً للتقليد بذاتي باب البرهان بل بالوجوه والاعتبار، غاية الأمر ان الاجتهاد مقتضٍ للحسن والتقليد مرجوح اقتضاءاً.
ويشهد لذلك إمكان – بل وقوع – الردع عن بعض أنواع الاجتهاد – كالاجتهاد في مقابل النص، والاجتهاد القياسي – ولو كان الحُسن ذاتياً له لما أمكن ان يتخلف ولا ان يختلف إذ:
ذاتيّ شيء لم يكن معلّلا
وكان ما يسبقه تعقّلا
وكان أيضاً بيّن الثبوت له
وعرضيّه اعرفن مقابله
برهان أرجحية أنواع من التقليد على أنواع من الاجتهاد بلحاظ الاقربية للإصابة
ثم ان الذي يدل – إثباتاً – على أرجحية بعض أنواع التقليد من بعض أنواع الاجتهاد ان الاجتهاد والتقليد ليسا مطلوبين بالذات وبنحو الموضوعية بل مطلوبيتهما إنما هي بنحو الطريقية للوصول إلى الواقع؛ فان حجيتهما في بناء العقلاء هي من هذا الباب، والشارع قد أمضى طريقتهم، غاية الأمر انه أضاف لها شروطاً كالعدالة والحرية والذكورة فانها حتى لو فرض ان لا مدخلية لها في جهة الطريقية – مع ان ذلك احتمال وارد([3]) – فان جهة مصلحتها السلوكية غير نافية لكون الأساس الطريقية، فهي تشكّل إضافةً إليها وليست مضادة لها أو نافية.
أقول: فالملاك في الاجتهاد والتقليد هو الإيصال للواقع، فما كان منهما أقرب للإصابة كان هو الأرجح أن يُعمل به، وحينئذٍ فلو دار الأمر بين أن يقلد المجتهد في الفقه – المقلد للأعلم في مبادئ الاستنباط وبين ان يقلد المجتهد في الفقه والمجتهد في المبادئ أيضاً لكن غير الأعلم فيها بل المفضول فيها والأقل خبروية، فانه لا شك في أن الأول أقرب للإصابة فيكون تقليده هو الأرجح.
بل نقول: لو دار الأمر بين ان يجتهد في مبادئ الاستنباط بالفعل وهو عالم بانه مفضول فيها وبين ان يقلد الأعلم منه فيها – والكلام في صورة إحرازه لأعلميته - فان الأرجح إذا كان الملاك الاقربية للإصابة هو ان يقلد في المبادئ ثم يجتهد في الفقه بانياً على ما أدى إليه نظر الأعلم في المبادئ كأصل موضوعي.
شواهد على أرجحية الرجوع للمجتهد المتجزي الطولي من الرجوع للمجتهد المطلق ومن الاجتهاد
ويدل على أرجحية ذلك الرجوع إلى الوجدان وبناء العقلاء في الشواهد التالية:
الشاهد الأول: ما لو ضاع الخبير – المتوسط الخبروية - في الصحراء ودار أمره بين أن يُعمل ملكة اجتهاده فيكتشف الطريق بظنه المعتبر نوعاً وبين ان يرجع إلى من أحرز انه أعلم منه بطرق الصحراء فيطيعه فيما قال([4]) فلا شك ان الثاني أرجح عقلاً لأنه الأقرب للإصابة.
الشاهد الثاني: لو دهم البلاد عدو خطير، فأُوكلت مهمة الدفاع عنه إلى قائد خبير لكنه علم بوجود مخطط استراتيجي أعلم منه في شؤون الدفاع والهجوم، ودار الأمر بين ان يجتهد هو – وملكته متوسطة – أو يرجع إلى ذلك الأعلم – وملكته أقوى وأشد – فلا ريب ان عليه ان يرِّجح تقليده لذلك على اجتهاده.
الشاهد الثالث: لو مرض الطبيب العادي مرضاً خطيراً ودار أمره بين أن يرجع لطبيب أعلم – كابن سينا – فيقلده فيما يقول أو ان يجتهد بنفسه فيظن بالعلاج، فلا ريب في أرجحية الأول([5]).
والأمر أوضح فيما لو دار أمر الآخرين بين ان يقلدوا الطبيب أو القائد العسكري أو الخبير بطرق الصحراء لمجرد انه مجتهد (عادي) في المبادئ أيضاً، وبين ان يرجعوا إلى المجتهد في المسألة المقلد للأعلم منه ومن ذلك الآخر في مبادئها، فانه لا شك في ترجيحهم تقليد الأول، وهذا هو مفروض مسألتنا فتدبر جيداً هذا أولاً.
2-4 الاشرفية بلحاظ المنشأ والمصبّ والعلم
وثانياً: ان الاشرفية بلحاظ المنشأ هي من الملاكات للاشرفية كما سبق
وثالثاً: الاشرفية بلحاظ إحراز اليقين مقابل الظن فلو كان التقليد مورِثاً لليقين والاجتهاد مورثاً للظن مما لا تطمئن به النفس، كان الأول أرجح في الجملة.
ورابعاً: لا شك في الاشرفية بلحاظ المصبّ والمتعلَّق فان متعلَّق التقليد قد يكون مسألة فقهية أو اخلاقية ويكون متعلق الاجتهاد مسألة مبغوضة عقلاً أو شرعاً كمسألة من مسائل السحر أو الشعبذة أو التنجيم المحرم أو الغناء أو ما أشبه.
بل حتى لو كان متعلق التقليد مسألة أهم ومتعلق الاجتهاد مسألة من دائرة المهم. فتأمل
مناقشة دعوى التنقيح كون الظهورات حسية
وقال في التنقيح (ومبادئ الاستنباط من هذا القبيل، لان القواعد الادبية راجعة الى إثبات الظهور، وهو من الامور الحسية فإذا بنى اللغوي او غيره على ان اللفظة المعينة ظاهرة في معنى كذا بحدسه واجتهاده ، لم يجز اتباعه فيه لأنه لا دليل على مشروعية التقليد في الاُمور الحسية ،ومن هنا قلنا في محله إن اللغوي لا دليل على حجية قوله ونظره، وكذلك الحال بالنسبة إلى علم الرجال، لأن العدالة والوثاقة من الاُمور المحسوسة والاخبار عنها حدساً ليس بمورد للتقليد ابداً)
ويرد عليه:
أولاً: ان الظهور لا شك انه من الحدسيات وليس من الحسيات لبداهة انه لا يُرى ولا يحس بل انه يُدرك فهو حدسي.
وبعبارة أخرى: الظهور من صفات اللفظ بلحاظ الدلالة، ولا شك انه مما يحدس ولا يحس، فان كون اللفظ نصاً أو ظاهراً أو أظهر أو مجملاً ومتشابهاً أو خفي الدلالة كلها حدسية([6]) بل ان مطلق الدلالات من مطابقية وتضمنية والتزامية ودلالة اقتضاء أو تنبيه وإيماء أو إشارة، هي حدسية.
بعبارة ثالثة: الظهور متقوم باللفظ بلحاظ إضافته لمعناه، والمعنى غير حسي والمتقوم بما كان أحد طرفيه حدسياً ليس بحسي.
ويوضحه: انه لو قيل ان الأمر عقيب الحظر ظاهر في الجواز، فكيف يعقل القول بان هذا الظهور حسي؟ أو لو قيل بظهور المطلق ببركة مقدمات الحكمة في العموم، فهل يوجد مجال حتى لتوهم كونه حسياً؟
بل وكذا ظهور الكلمات في معانيها، فإن غاية الأمر ان الوضع لو كان بالقول بان قال الواضع وضعت كذا لكذا، حسي دون ظهوره فيه وإن كانت علة الظهور حسية. وللحديث صلة وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) خبر (لا يصح)
([2]) وهي الاجتهاد والتقليد والاحتياط وقد قيل ان الاحتياط خيرها لأنه موصل للواقع قطعاً، وقد ناقشناه في العام الماضي.
([3]) بان يكون أخذ كل الشروط التسعة في المرجع؛ لاقربية إصابة جامعها من فاقد بعضها، في علم الله تعالى.
([4]) والمفروض في كل الصور انه لا يُعلِمه بأدلته أو لا يمكنه ذلك بل الممكن له ان يُطلعه على نتيجة رأيه ونظره.
([5]) وليس الكلام فيما لو اجتهد بالفعل فظن، ان يرجع لغيره، وإن كنا أوضحنا سابقاً ان التخيير هنا ثابت أيضاً، بل الكلام في ما قبل إعماله الملكة أي قبل ان يستنبط بالفعل ودار الأمر.
([6]) وكون مناشئها حسّية لا يغير من حقيقة كونها بانفسها وبماهياتها حدسية.
الثلاثاء 20 رجب 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |