بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(659)
الضغط غير الإكراه
د- وإذا حَمَلَهُ غيرُه على فعلٍ، كإجراء معاملةٍ، ولكن كان يمكنه التفصّي من غير ضرر أو حرج، أي أمكنه التفصّي بيسر وسهولة، لم يصدق عليه أنه مكرَه ولا يصح القول انه أكرهه بل غاية الأمر أن يقال انه ضغط عليه ففي ظاهر ما ذكره (قدس سره) خلط بين الإكراه والضغط حيث سمّى الأخير بالأول.
المنفصلة الحقيقية: إما راضٍ أو لا
ويمكن أن نصوغ هذا الوجه مع الوجه الأول، على شكل منفصلة حقيقية وهي انه إن أمكنه التفصّي ولم يتفصّ، رغم عدم وجود أي محذور فيه، فإما أن يكون قد طابت نفسه به إذ دل عليه عدم تفصيّه رغم تيسّره (كما هو مقتضى الجواب الأول) أو لا (كما هو مقتضى الجواب الرابع) فإن كان الأول فليس مكرَهاً، كما لا وجه لبطلان المعاملة حينئذٍ، إلا ما مضى وسيأتي فيما لو كان الرضا في طول الإكراه، لكنه([1]) كان في فرض عدم إمكان التفصّي، وإن كان الثاني فالمعاملة باطلة لكن لا لكونه مكرهاً بل لعدم طيب نفسه، والموجود إنما هو الضغط فقط لا الإكراه، فانه مع الضغط كثيراً ما يمتثل رغم عدم طيب نفسه وإن لم يكن مكرهاً.
التركيب اتحادي خارجي والتغاير مفهومي
هـ - ان غاية الأمر أن يكون اتحاد ما استكره عليه مع ما لم تطب نفسه به، من قبيل التركيب الاتحادي الخارجي، ومعه لا يصح تفسير أحدهما بالآخر وإن صح حمله عليه، فكيف إذا كان من قبيل التركيب الانضمامي.
توضيحه: ان التركيب بين شيئين على أنواع:
النوع الأول: التركيب الاتحادي وهو على قسمين:
أ- التركيب الاتحادي العقلي، كالجنس والفصل فإن تحليل النوع إليهما عقلي وكذلك التركيب منهما. وهنا يصح حمل أحدهما على الآخر ولكن لا يصح تعريفه به، تقول: الحيوان ناطق، ولا تقول: الحيوان يعني الناطق([2]) أو يرادفه، إذ ملاك الأول الاتحاد وجوداً وملاك الثاني الاتحاد مفهوماً.
ب- التركيب الاتحادي الخارجي، كالمادة والصورة، والمادة هي الجنس لكن إذا لوحظ بوجوده الخارجي، والصورة هي الفصل إذا لوحظ بوجوده الخارجي، والصورة هي ما به الشيء هو هو، وقد توهم من ارتأى (وقيل انهم المشهور([3])) ان التركيب بين المادة والصورة انضمامي، والصحيح ما مضى انه اتحادي([4]).
النوع الثاني: التركيب الانضمامي، كتركيب الجسم، أو هذا الشخص وذاك، من الجوهر والعرض، وإن مثلوا له بتركيب الجيش من آحاد الجنود.
النوع الثالث: التركيب الامتزاجي وهو المعروف في علم الكيمياء بل في العرف أيضاً، والأول فيما إذا تفاعلت المادتان المختلطتان فولّدتا مادة ثالثة، والثاني كامتزاج ماء التفاح بماء البرتقال([5]).
النوع الرابع: التركيب الاعتباري، وقد يمثل له بشركة الوجوه بعد التوكيل أو قبله، وكذا شركة المفاوضة مقابل شركة الأبدان وشركة العِنان([6]).
إذا اتضح ذلك نقول: ان الفعل المستكره عليه، ينتزع منه عنوانان، انه فعل مستكره عليه، انه فعل غير مرضي به أو انه فعل لم تطب نفس فاعله به، والتركيب بين هذين من أي نوع من الأنواع السابقة فرضا، يقتضي تعددهما عنواناً ومفهوماً وماهية وإن اتحدا خارجاً، والصحيح انه تركيب اتحادي خارجي، والمتحدان خارجاً وإن كانا، وجوداً، أمراً واحداً لكنهما، ماهيةً، مختلفان وإلا لما كانا متحدين بل كان شيئاً واحداً فقط لا أمرين متحداً أحدهما مع غيره.
رفع القلم عن النائم لا يفسر بالغافل
ويوضح هذا الجواب الخامس والجواب الثالث السابق([7]) قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): ((رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: ... وَعَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ...))([8]) فان العِلّة في رفع القلم عن النائم كونه غير ملتفت بالمرة أو فقل كونه غافلاً تماماً (أو كونه غير عاقل، أي غير متعقل، بالفعل) لكن كون العِلّة هي ذاك ودوران الحكم ((رُفِعَ الْقَلَمُ)) مداره لا يصحح أبداً القول بأن النائم موضوع، بوضع شرعي، للغافل أو غير الملتفت أو بانه مستعمل فيه، كما لا يصح القول، مجاراة لعبارات الشيخ: (فالظاهر صدق الإكراه حينئذٍ بمعنى عدم طيب النفس): (فالظاهر صدق النوم حينئذٍ بمعنى الغفلة وعدم الالتفات) ولا يصح القول (ولذا يحمل النوم في حديث رفع القلم على الغفلة) مجاراة لقوله: (ولذا يحمل الإكراه في حديث الرفع عليه،... والداعي على اعتبار ما ذكرنا في المعاملات هو أنّ العبرة فيها بالقصد الحاصل عن طيب النفس؛ حيث استدلّوا على ذلك بقوله تعالى {تِجارَةً عَنْ تَراضٍ}، و((لا يحلّ مال امرئٍ مسلم إلّا عن طيب نفسه))([9]))([10]).
فهذا إيضاح بمثال رفع القلم عن النائم على مبنى الجواب الثالث، وأما على الجواب الخامس فنقول: ان ((مَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ)) الوارد في حديث الرفع وإن اتحد خارجاً مع (ما لم تطب أنفسهم به) بنحو الاتحاد الخارجي إلا أن ذلك لا يسوّغ حمل هذا على ذلك أو تفسيره به، فكيف إذا قلنا بكون الاتحاد انضمامياً.
والحاصل: ان قوله (قدس سره): (فالظاهر أن المناط فيه...) هو الصحيح دون ترقّية إلى الحمل وجعل هذا بمعنى ذاك.
واقتل الحية لا يفسر بالـخَطِر
مثال آخر: لو قال (لا تشرب السم) أو (أقتل الحية) وعلمنا أن العِلّة التامة لأمره بقتلها كون خطره أو العِلّة لنهيه عن شربه، كونه مضراً أو فتاكاً، فانه لا يصح القول أنه يعني بالحية الحيوان الخطر وبلا تشرب السم لا تشرب المضر أو الفتاك، وانه وضع له أو استعمل فيه، بل إنما عنى بالسمّ السمّ وبالحية الحية، لكن الوجه في الأمر كونها خَطِرة وفي الردع عنه كونه فتاكاً، والحاصل: انه لا يصح خلط موضوع الحكم بعلّته المستبطنة فيه.
بعبارة أخرى: اتحاد كونه مكرهاً مع كونه غير طيّب النفس لا يقتضي تجريد الإكراه (والمكرَه) عن معناه وعن أركانه.
* * *
- ما هو نوع تركيب الجزء مع الكل؟
- ما هو نوع تركيب الكلي مع مصداقه؟ بل هل هو تركيب؟
- اذكر أمثلة للمضغوط عليه، غير المكرَه.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الصادق (عليه السلام): (( أَيُّمَا نَاشٍ نَشَأَ فِي قَوْمِهِ ثُمَّ لَمْ يُؤَدَّبْ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوَّلُ مَا يُعَاقِبُهُمْ بِهِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَرْزَاقِهِمْ))
(ثواب الأعمال: ص223).
--------------------------
([2]) إلا إذا قصد التفسير بالمصداق.
([3]) كما نسبه إليهم في الأسفار ج5 ص282 وشرح المنظومة ص105.
([4]) يراجع نهاية الحكمة ج2 ص72.
([5]) مشكّلاً بما يسمى في العرف بالكوكتيل.
([6]) للتفصيل يراجع الدرس (208/ 551 البيع 19 / ذي الحجة 1438هـ).
([8]) ابن أبي جمهور الأحسائي، عوالي اللآلئ، دار سيد الشهداء (عليه السلام) ـ قم: ج1 ص209.
([9]) عوالي اللآلي 2: 113، الحديث 309.
([10]) الشيخ مرتضى الانصاري، كتاب المكاسب، الناشر: تراث الشيخ الأعظم، ج3 ص318.
قال الإمام الصادق (عليه السلام): (( أَيُّمَا نَاشٍ نَشَأَ فِي قَوْمِهِ ثُمَّ لَمْ يُؤَدَّبْ عَلَى مَعْصِيَتِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوَّلُ مَا يُعَاقِبُهُمْ بِهِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَرْزَاقِهِمْ))