||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 348- فائدة أصولية دليل الأخباري على لزوم الاحتياط ومدى شموليته.

 6- الصلاة في مدرسة الحسين طريق الرحمة الإلهية

 337-(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (12) فقه المجتمع في دائرة آية العدل والإحسان

 71- (إهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ )-5 نقد الهرمونطيقا ونسبية المعرفة من ضوابط الوصول للحقيقة

 407- فائدة أصولية: تأثير أحد المتضايفين على الآخر في التضييق والتوسيع

 97- فائدة فقهية: الفرق بين قاعدة الالزام وقاعدة الامضاء

 11- فائدة عقائدية اصولية: الاقوال في الملازمة بين حكم العقل والشرع

 207- مباحث الاصول - (التبادر وصحة السلب والانصراف) (4)

 146- بحث فقهي: عن مفاد قاعدة (من حاز ملك) على ضوء مناشئ التشريع ومقاصد الشريعة

 27- (بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه)3 فلسفة التأويل في القرآن والحديث



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23972263

  • التاريخ : 20/04/2024 - 05:55

 
 
  • القسم : الظن (1444هـ) .

        • الموضوع : 222-فقه قوله تعالى (إلا المستضعفين) .

222-فقه قوله تعالى (إلا المستضعفين)
الاثنين 9 ذوالقعدة 1444هـــ



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(222)

تتمة مناظرة زرارة مع الإمام الباقر (عليه السلام)

وقال: (( قَالَ: فَقَالَ مَا تَقُولُ فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} إِلَى الْإِيمَانِ؟ فَقُلْتُ: مَا هُمْ إِلَّا مُؤْمِنِينَ أَوْ كَافِرِينَ، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ وَلَا كَافِرِينَ...))([1])

وههنا بحوث:

وجه الغِنى عن بحث السند

الأول: إنّ سند الرواية غني عن البحث فيه لعدم الحاجة إليه؛ لما سبق من أن الروايات الكلامية([2]) تستند، عادةً، للعقل والبرهان أو للفطرة والوجدان أو لكتاب الله الفرقان، ونضيف: لأن مقاطع هذه الرواية تطابقها روايات أخرى مستفيضة أو معتبرة، فالمقطع الآنف الذكر هو نص رواية أخرى حسنة كالصحيحة وهي: (علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن جميل، عن زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: ((الْمُسْتَضْعَفُونَ الَّذِينَ {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} قَالَ: لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً إِلَى الْإِيمَانِ وَلَا يَكْفُرُونَ، الصِّبْيَانُ وَأَشْبَاهُ عُقُولِ الصِّبْيَانِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ))([3])

الاستثناء في الآية متصل لا منقطع

الثاني: ان الاستثناء في الآية الكريمة ربما يقال بكونه منقطعاً لكن الصحيح انه متصل.. وتمام المقصود يتضح بملاحظة تمام الآيات الكريمات: {إِنَّ الَّذينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمي‏ أَنْفُسِهِمْ قالُوا فيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصيراً * إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطيعُونَ حيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبيلاً * فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً} (سورة النساء: الآيات 97-99)

فقد ارتأى الفيض انه منقطع قال: ([98] { إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ} استثناء منقطع لعدم دخولهم في الموصول وضميره والإشارة إليه {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}([4]).

والصحيح ان الاستثناء متصل أي ان {الْمُسْتَضْعَفينَ} وهم المستثنى داخلون في دائرة المستثنى منه وهو {إِنَّ الَّذينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمي‏ أَنْفُسِهِمْ} بأحد الأنحاء الآتية:

لانطباق تعريف الظلم وإن كان قاصراً

بناءً على القول بأن الظلم ضد العدل والعدل هو وضع الأشياء مواضعها، وقريب منه تعريفه بـ((إِعْطَاءُ كُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ))([5])، فيكون الظلم عدم وضعها مواضعها، أو هو مجاوزة الحد، والمستضعف المنكر لله تعالى أو الوحدانية أو الرسالة والإمامة حتى وإن كان قاصراً، ظالم لكونه واضعاً للشيء في غير موضعه ولمجاوزته حده ولعدم إعطائه ذا الحق حقه([6]).. قال تعالى: {وَإِذْ قالَ لُقْمانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ} (سورة لقمان: الآية 13) فهو في حد ذاته ظلم، علم أم لم يعلم، قصد أم لم يقصد.

ولكن قد يورد عليه ان ذلك تعريف كلامي اصطلاحي لهما وليس العرف على ذلك فتأمل([7]).

المستضعف غير جاحد لكنه قاصد

سلّمنا، لكن المستضعف قاصد وإن لم يكن جاحداً، لذا يصدق عليه انه ظالم، لبداهة كونه غير مسلوب القصد؛ وغاية الأمر كون الظلم موقوفاً على القصد ثم غايته كونه ممن لا يفهم الأدلة على بعض أصول الدين أو جميعها، فلا يؤمن بالله تعالى لعدم تمامية الحجة عليه لكنه في عدم عقد قلبه على الإيمان به ملتفت قاصد، والحاصل: ان عقد القلب اختياري غير منوط بعلمه أو جهله البسيط أو المركب، فلو قطع بعدم وحدانية الله تعالى، عن قصور فرضاً، فانه معذور لكنه قاصد حيث لم يعقد قلبه عليه، فانه كما سبق اختياري كعكسه ولذا قال تعالى: {وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ} (سورة النمل: الآية 14).

ولا يشترط في صدق الظلم القصد

بل نقول: ان صدق الظلم، كسائر العناوين المسماة بالقصدية، لا يشترط فيه القصد.

لا يقال: ان ظاهر الأفعال القصدية فإذا قال شرب، صعد الدرج، نكح، طلّق، باع، اشترى، كسر.. إلخ فان ظاهره كونه قاصداً، وعليه فالظالم لا بد أن يكون قاصداً فإن لم يكن قاصداً فليس بظالم.

إذ يقال: ان القصد ليس جزء الموضوع له للأفعال، بل هو ظاهر نسبة الفعل إلى الفاعل، فان ظاهر قولك شرب زيد الماء انه شربه عن قصد، لكن القصد ليس الموضوع له ولذا يصح حمل الشرب على غير القاصد، حقيقةً ولا يصح سلبه عنه لمجرد فقده القصد؛ ألا ترى انه لو شرب الماء أو صعد الدرج أو كسر الزجاج، وهو مشدوه، أو مخدّر، أو سكران لا يعي، فانه لا يصح سلبه عنه إذ لا يصح أن يقال: لم يشرب الماء، لم يصعد الدرج، لم يكسر الزجاج، بل يقال: شرب الماء.. إلخ غاية الأمر ان يضاف له: لكن من غير قصد، فيفيد تحديد أحد نوعي المقسم مما يؤكد كونه مقسماً، فالقصد ليس داخلاً في حقيقة الفعل، ولذا فانه لو قيل: ظلم زيد عمراً دلّت النسبة على انه قاصد لا الفعل نفسه، ولذا يصدق عليه انه ظالم له إذا حرمه حقه ولم يعطه، مثلاً، إرثه حتى من دون قصده أن يظلمه، كما يصدق انه قاتل له إذا قتله من دون قصد إلى قتله، في الخطأ المحض، وإشراب معنى القصد إنما يجيء من جهة النِّسبة والإسناد لا من قبل الفعل نفسه، فهذا منشأ الخلط وتوهم أن القصد مقوّم للفعل أو للظلم نفسه. فتأمل.

احتمالات في {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا}

الثالث: ان فقه المستثنى في الآية يقتضي البحث عن المراد بقوله تعالى: {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} فانه كالشارح لمفردة {الْمُسْتَضْعَفِينَ} ليتضح حال القسيم الثالث فنقول: الاحتمالات ثلاثة: بين ما يفسر كلا الجملتين في الآية الكريمة بكونهما على مستوى العقل العملي، وما يفسّر الأولى منهما على مستوى العقل العملي والثانية على مستوى العقل النظري، وما يفسرهما جميعاً على مستوى العقل النظري، والأول هو ظاهر الشيخ الطوسي في التبيان، والثاني هو ما قد يدعى انه ظاهر الآية الشريفة بدواً، والثالث هو ما ينطق به مستفيض الروايات فهي الحجة في التفسير والمرجع. على انه لا تنافي لكون الاحتمال الأول من التنزيل والثالث من التأويل وما بينهما بينهما.

1- الكلام عن الهجرة ومستوى العمل

أما الاحتمال الأول فهو ما جاء في التبيان: (‌هذه‌ ‌الآية‌ نزلت‌ ‌في‌ قوم‌ أظهروا للنبي‌ (صلي الله عليه وآله وسلم)الإسلام‌ بمكة، فلما هاجر النبي‌ (صلي الله عليه وآله وسلم)وهاجر أصحابه‌ فتنوهم‌ آباؤهم‌ ‌عن‌ دينهم‌ فافتتنوا وخرجوا ‌مع‌ المشركين‌ يوم بدر فقتلوا كلهم‌... وقال‌ (عليه السلام): ‌ان‌ ‌الّذين‌ توفاهم‌ الملائكة يعني‌ قبض‌ أرواحهم‌ {ظالِمِي‌ أَنفُسِهِم‌} نصب‌ ‌علي‌ الحال‌ يعني‌ ‌في‌ حال‌ ‌هم‌ ‌فيها‌ ظالمو نفوسهم‌ بمعني‌ بخسوها حقها ‌من‌ الثواب‌ وأدخلوا عليها العقاب‌ بفعل‌ الكفر.

وقالت‌ ‌لهم‌ الملائكة: {فِيم‌َ كُنتُم‌} ‌ أي ‌ ‌في‌ ‌ أي ‌ شي‌ء كنتم‌ ‌من‌ دينكم‌ ‌على وجه‌ التقرير ‌لهم‌ والتوبيخ‌ لفعلهم‌ {قالُوا كُنّا مُستَضعَفِين‌َ فِي‌ الأَرض‌ِ} يستضعفنا أهل‌ الشرك‌ باللّه‌ ‌في‌ أرضنا وبلادنا بكثرة عددهم‌ وقوتهم‌، ويمنعونا ‌من‌ الإيمان‌ باللّه‌ وإتباع‌ رسوله‌ على جهة الاعتذار فقالت‌ ‌لهم‌ الملائكة: {أَ لَم‌ تَكُن‌ أَرض‌ُ اللّه‌ِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها} يعني‌ فتخرجوا ‌من‌ أرضكم‌ وداركم‌ وتفارقوا ‌من‌ يمنعكم‌ ‌من‌ الإيمان‌ باللّه‌ وبرسوله‌ إلى أرض‌ يمنعكم‌ أهلها ‌من‌ أهل‌ الشرك‌، فتوحدوه‌ وتعبدوه‌ وتتبعوا نبيه‌.

‌ثم‌ ‌قال‌ ‌تعالى: {فَأُولئِك‌َ مَأواهُم‌ جَهَنَّم‌ُ} يعني‌ مسكنهم‌ جهنم‌ {وَسَآءَت} يعني‌ جهنم‌ لأهلها ‌الّذين‌ صاروا إليها {مَصِيراً} وسكناً ‌ثم‌ استثني‌ ‌من‌ ذلك المستضعفين‌ ‌الّذين‌ استضعفهم‌ المشركون‌ {مِن‌َ الرِّجال‌ِ وَالنِّساءِ وَالوِلدان‌ِ} و‌هم‌ ‌الّذين‌ يعجزون‌ ‌عن‌ الهجرة لإعسارهم‌ وقلة حيلتهم‌ {وَلا يَهتَدُون‌َ سَبِيلًا} يعني‌ ‌في‌ الخلاص‌ ‌من‌ مكة. و‌قيل‌: معناه‌ ‌لا‌ يهتدون‌ لسوء معرفتهم‌ بالطريق‌ ‌من‌ أرضهم‌ إلى أرض‌ الإسلام‌)([8]) وأنت ترى أن تفسيره لكلتا الفقرتين {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} يدور مدار الهجرة، وهو عمل أو غاية الأمر أن (قيل) يفيد النظر المتعلق بالعمل دون المعرفة في أصول الدين.

2- الكلام عن الهجرة والعمل ثم المعرفة والاعتقاد

وأما الاحتمال الثاني فيشفع له أن ظاهر {لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً} هو الحيلة في الفرار من الكفار، أي ان المراد عدم الاستطاعة على الفعل وهو الهجرة، و{وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} ظاهره الهداية العقدية إلى الإيمان، أي انهم على مستوى العمل مضطهدون مقيدون، وعلى مستوى العقيدة جاهلون قاصرون. فتأمل.

3- الكلام عن المعرفة والاعتقاد محضاً

وأما الاحتمال الثالث فهو صريح الروايات:

ومنها: (محمد بن يعقوب: عن عدة من أصحابنا، عن سهل بن زياد، عن علي بن أسباط، عن سُليم مولى طربال، قال: حدثني هشام، عن حمزة بن الطيار، قال: قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): ((النَّاسُ عَلَى سِتَّةِ أَصْنَافٍ قَالَ: قُلْتُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَكْتُبَهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: مَا أَكْتُبُ؟ قَالَ: اكْتُبْ أَهْلَ الْوَعِيدِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَأَهْلِ النَّارِ، وَاكْتُبْ {وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً} قَالَ: قُلْتُ مَنْ هَؤُلَاءِ؟ قَالَ: وَحْشِيٌّ مِنْهُمْ.

قَالَ: وَاكْتُبْ {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ}

قَالَ: وَاكْتُبْ {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً إِلَى الْكُفْرِ، وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا إِلَى الْإِيمَانِ {فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ}.

قَالَ: وَاكْتُبْ {أَصْحَابَ الْأَعْرَافِ} قَالَ: قُلْتُ: وَمَا أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ؟ قَالَ: قَوْمٌ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ؛ فَإِنْ أَدْخَلَهُمُ النَّارَ فَبِذُنُوبِهِمْ، وَإِنْ أَدْخَلَهُمُ الْجَنَّةَ فَبِرَحْمَتِهِ))([9]).

وتوضحها أكثر الرواية التالية: (وعنه: عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن بعض أصحابه، عن زرارة، قال: ((سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ (عليه السلام) عَنِ الْمُسْتَضْعَفِ؟ فَقَالَ: هُوَ الَّذِي لَا يَهْتَدِي حِيلَةً إِلَى الْكُفْرِ فَيَكْفُرَ، وَلَا يَهْتَدِي سَبِيلًا إِلَى الْإِيمَانِ، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤْمِنَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكْفُرَ، فَهُمُ الصِّبْيَانُ، وَمَنْ كَانَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى مِثْلِ عُقُولِ الصِّبْيَانِ مَرْفُوعٌ عَنْهُمُ الْقَلَمُ))([10]).

ويوضّحه: الشكّاك فانه كلما ألقيت عليه حجج الموحدين وسواطع البراهين لم يستطع الانفكاك من تشكيكاته دهر الداهرين فلا تحصل له قهراً المعرفة وقد لا يمكنه عقد القلب عليها، كما انه كلما استمع إلى أدلة المخالفين لم تقنعه لاستحكام حالة التشكيك فيه حتى مع قطع النظر عن وهنها الذاتي.

إذن: هو (لا يستطيع حيلة إلى الكفر فيكفر) إذ لا تقنعه أدلتهم (ولا يهتدي سبيلاً إلى الإيمان فيؤمن) إذ شاكلته النفسية هي الشكّاكية لذا قال (عليه السلام): (( لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُؤْمِنَ وَلَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَكْفُرَ)).

وقد ضرب الإمام (عليه السلام) أمثلة لغير المستطيع على الإيمان عن دليل ولا على الكفر عن استدلال، بضعاف العقول كالصبيان؛ فان كثيراً منهم غير قادر، على فهم الأدلة، وكذا من كان من الرجال والنساء عقله كعقول الصبيان، فعلى سبيل المثال فان من الثابت في العلم الحديث أن بعض الرجال وإن كان عمره البيولوجي عشرين سنة لكن عمره العقلي قد يكون مثلاً خمس سنوات.

تأويل الآيات الكريمة

فهذا كله عن التنزيل، وأما التأويل فان بعض الروايات تطرقت إلى تأويل تلك الآيات ومنها: (علي بن إبراهيم، قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ‌}، قال: نزلت فيمن اعتزل أمير المؤمنين (عليه السلام) ولم يقاتل معه، فقالت الملائكة لهم عند الموت‌: {فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ‌} أي لم نعلم مع من الحق. فقال الله‌: {أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها} أي دين الله وكتاب الله واسع، فتنظروا فيه‌ {فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً} ثم استثنى، فقال‌: {إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا} ))([11]) ومن الواضح أن التأويل لا يصطدم بالتنزيل إذ هما من عالَمين مختلفين رتبةً كما فصلناه سابقاً. وللبحث تتمة إن شاء الله تعالى.

*              *              *

- أوضح كيفية اجتماع التأويل والتنزيل، وعدم تصادمهما، بمراجعة بحوثنا الماضية أو غيرها.

وصلى الله على محمد واله الطاهرين


قال الإمام الباقر (عليه السلام): ((مَا عَلِمْتُمْ فَقُولُوا، وَمَا لَمْ تَعْلَمُوا فَقُولُوا: اللَّهُ أَعْلَمُ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيَنْتَزِعُ الْآيَةَ مِنَ الْقُرْآنِ يَخِرُّ فِيهَا أَبْعَدَ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ))

(الكافي: ج1 ص42).

--------------------

([1]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص402.

([2]) مطلقاً فيما وَرَدَ منها في أصول الدين، دون لواحقها كتفاصيل القيامة والبرزخ مثلاً، أو فيما وَرَدَ منها في مقام المناظرة.

([3]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص404.

([4]) الفيض الكاشاني، تَفسير الصَّافي، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات ـ بيروت: ج1 ص361.

([5]) الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج9 ص131.

([6]) عدم إعطاء ذي الحق التكويني، حقه التشريعي بإطاعته وعبادته بل ومعرفته.

([7]) إذ التعريف الثاني، عرفي أيضاً، فتأمل.

([8]) الشيخ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، الأميرة للطباعة والنشر والتوزيع ـ بيروت: ج3 ص290.

([9]) ثقة الإسلام الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج2 ص381.

([10]) المصدر: ج2 ص404.

([11]) علي بن إبراهيم القمي، تفسير القمي، دار الكتاب ـ قم: ج1 ص149.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الاثنين 9 ذوالقعدة 1444هـــ  ||  القرّاء : 962



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net