94- استدلال (المستند) على حرمة الرشوة بالمعنى الاعم بآية التعاون ـ تتمة البحث عن العناوين القصدية، والتقسيم الخماسي في ان بعض الالفاظ ذاتيُّها (الحسن) أو (القبح) وبعضها (لابشرط) ومنها (التعاون)... ـ ضرورة تفسير متكامل للقرآن الكريم، لكل آية مجلد، فيكون (6636) مجلداً، الوجه والطريقة لذلك
الثلاثاء 28 جمادى الاولى 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث حول الاستدلال بآية (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) على أن بذل الشخص مالا للقاضي مثلا ليحكم بالباطل، رشوة وحرام, وهذا المورد لا كلام فيه، ولكن الكلام والنقاش في المورد الآخر وهو أن يكون ذلك البذل ليحكم القاضي بالحق، إذا كان لا يحكم به إلا إذا اخذ المال والرشوة المبذولة له, وهذا إما بنحو المصبّ وإما بنحو الداعي وإما بنحو القيد والتشريك، وهذه الصور الثلاث هي موطن الكلام.
استدلال صاحب المستند بالآية على العموم:
نقلنا إن بعض الفقهاء استند على الآية الشريفة (وَلا تَعَاوَنُوا) لإثبات حرمة الرشوة بالمعنى الأعم، وذلك هو ما ذهب إليه صاحب المستند[1] من ان الآية هي دليل على حرمة البذل للقاضي ليحكم بالحق أيضا[2]
ونص عبارته:
"وكما يحرم عليه أخذها كذلك يحرم على باذلها دفعها؛ لأنه إعانة على الإثم والعدوان، ولقوله (صلى الله عليه وآله وسلم) ((لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم)) انتهى، وواضح ان صاحب المستند يشير إلى الآية المباركة, هذا مع ضميمة إن رأيه كما أسلفنا هو إن الرشوة موضوعة للأعم[3]، ومن خلال ما ذكرناه من وجوه وإشكالات تبين عدم صحة الاستناد لهذه الآية لإثبات الاعمية
خلاصة الإشكالات السابقة :
وخلاصة ما أشكلناه على دلالة الآية على الأعم:
1- إن دليل (وَلا تَعَاوَنُوا...) منصرف عن صورة البذل في الحق
2- وان هذا الإعطاء والبذل ليس إثماً موضوعا؛ لان القوام هو بالمصب لا بالنتيجة والأيلولة
3- ان عنوان التعاون هو من العناوين القصدية، والباذل على الحق لم يقصد إعانة القاضي على الإثم.
والجواب الثالث هو غير الجواب الثاني؛ إذ في الثاني كان الكلام في عدم صدق المتعلَّق في الآية (الإِثْمِ) وأما في الثالث ففي التعاون على الاثم أي عدم صدق (التعاون على الإثم).
(التعاون) من العناوين الحيادية :
وهنا لابد من توضيح هام، وهو إن العناوين على ثلاثة أقسام :
أما القسم الأول فهي تلك العناوين التي تختزن بداخلها الحسن كما في العدل، وأما القسم الآخر فهو تلك العناوين التي تختزن بدخلها القبح كالظلم، ويوجد قسم ثالث وهو محل الكلام وهي تلك العناوين الحيادية في نفسها – أي لا بشرط من حيث الحسن والقبح – فلا هي حسنة ولا قبيحة بما هي هي ,
وبتعبير آخر - حول الأقسام الثلاثة-: بعض العناوين ذاتِيُّها الحسن[4]، والبعض الآخر ذاتيها القبح، وأما البعض الأخير فهي الحيادية.
ومن أمثلة العناوين الحيادية (التعاون)، فانه في ذاته لا يختزن حسنا او قبحا، وإنما يعتمد حسنه أو قبحه على متعلَّقه فانه لو كان تعاونا على القتل والإرهاب والكفر وغيرها فهو قبيح، ولو كان تعاونا على البر والتقوى فهو حسن[5].
إذن : عنوان التعاون من العناوين الحيادية اللابشرطية؛ ومجموع المتعلَّق والقصد هو المقوم لحسن التعاون او قبحه[6]، وفي موطن كلامنا فان القصد مقوم لعنوان الإثم او عنوان البر، فان الباذل للمال لاستنقاذ حقه قصده هو المحدد لعنوان التعاون من كون آثما او برا ,
وعليه : فان استدلال صاحب المستند بالآية ليس بتام و يرد عليه الإشكال الثالث[7] المذكور من كون التعاون على الإثم قصدياً يكتسب حرمته وكونه إثماً من المتعلق، والمتعلق في المقام بالنسبة للمعطي والباذل هو إحقاق الحق وهو حسن ومعروف، فالتعاون عليه يكون حسنا وليس بإثم، وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
فائدة عامة: التفسير الموسوعي الشامل
وهنا نشير الى فائدة هامة عامة وهي:
ان من الممكن – بل من الضروري – كتابة تفسير شامل (موسع، ومتنوع الأبعاد، ومعمق) للقرآن الكريم، بحيث يخصص لكل آية كريمة، مجلد كامل، ولو وفق الله تعالى الإنسان للتفاعل الأكبر مع آيات القران الكريم وسبر غورها فانه يمكن للفرد – مع توفر المقدمات والاستعداد والأعوان – ذلك، والمستظهر هو ان هذا ميسور لجمعٍ ممن توفروا على الشروط المطلوبة.
ولو كان الأمر بهذه الصورة فان النتيجة ستكون تأليف موسوعة ضخمة جداً في تفسير القران تقع في 6636 مجلداً، أي بعدد آياته على المشهور.
و(التجربة) من براهين ذلك فان كتاب (شورى الفقهاء – دراسة فقهية أصولية)[8] للعبد الفقير تمحول حول آيتين كريمتين فقط وهما (وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ) و(وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ) وقد صدر منه مجلد واحد والنية معقودة على كتابة مجلدين آخرين، بإذن الله تعالى، كما وفق الرب الجليل لكتابة كتاب بعنوان (فقه التعاون على البر والتقوى) بالاعتماد على جزء آية وهي (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) والنية على إلحاق مجلد آخر بهذا الكتاب حول هذه الآية ومباحثها، والمستظهر ان يكون الأمر في بقية الآيات كذلك مع لحاظ ان بعضها قد يستدعي مجلدات من البحث وبعضها قد يتطلب الأقل من المجلد خاصة بلحاظ ما ظاهره التكرار، ومع الجرح والتعديل فإن المعدل سيكون لكل آية مجلد بإذن الله تعالى.
والحاصل: ان لدينا ثروة علمية كبرى مخزونة في هذا الكنز الذي لا تفنى غرائبه ولا يدرك عمق حقيقته، ومن الطبيعي ان تكون الكتابة بعدة محاور أصولية وفقهية وكلامية وتاريخية وغيرها.
ولكن هذا العمل لا يمكن ان يقوم به شخص واحد بل المفروض ان تكون هناك لجنة من الفقهاء والأصوليين والمتكلمين والمفسرين والمحدثين والمتخصصين – في مختلف التخصصات – تقوم بالاضطلاع بهذه المهمة الكبيرة.
على ان بعض الآيات الشريفة يمكن ان يكتب حولها عشرة مجلدات كما في (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ )
فهذه دعوة للجميع كي يشمروا عن ساعد الجد والهمة لتفعيل هذا المشروع الكبير وقد قال أمير المؤمنين عليه صلوات الله وسلامه (ما رام امرؤ امراً إلا ناله أو دونه) وفي المثل: همم الرجال تزيل الجبال، وقبل ذلك قال تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا), ومن الله التوفيق وعليه التكلان.
[1] - وعليه سيكون بحثنا مناقشةً لصاحب المستند ومن ذهب مذهبه من الاعتماد على الآية المباركة للاستدلال على المطلوب (الأعمية)
[2] - القضاء – مج17 ص 70
[3] - فلاحظ تصريحه بالأعمية في الصفحة اللاحقة ص71.
[4] - وهنا الذاتي لا يراد به ذاتي باب الكليات الخمسة
[5] - وهذا البحث أي تتبع العناوين الحيادية هو بحث هام نافع ولم نجد باستقراء ناقص بحثاً مستوعباً لهذا القسم الثالث وان كانت في كلمات بعضهم إشارات له.
[6] - واما لو انفكا (المتعلق لم يكن إثماً، لكنه قصده أو كان إئماً لكنه لم يقصده) ففيه تفصيل إذ الأول تجرّي والثاني مشمول لـ(إنما الأعمال بالنيات) على أن صِرف عدم القصد لا يكفي مصححاً إلا مع الغفلة وعدم الالتفات. فتأمل
[7] - إضافة للإشكال الثاني بل والأول.
[8] - أنتهى المؤلف من تأليف هذا الكتاب عام 1410 وطبع 1412هـ
الثلاثاء 28 جمادى الاولى 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |