105- تحقيق الصدق العرفي للرشوة في ضمن مسائل 1ـ الباذل سواء اكانت له صلة ام لا 2ـ سواء أكان فرداً او جماعة 3ـ المبذول له اذا كان هو القاضي 4ـ واذا كان من يرتبط به كالحاجب والسكرتير والبواب 5ـ واذا كان من يقع في طريق الحكم بوجهٍ كالمحامي 6ـ (الموظف) ولأخذه المال صورتان: رشوة حرام، وما ليس برشوة
الثلاثاء 26 جمادى الثانية 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان الحديث حول الرشوة موضوعا وحكما، وذكرنا أن تحديد مفهوم الرشوة وحدودها قد يستند فيه إلى الروايات وقد مضى بحث ذلك، وكذلك قد يستند فيه الى اللغة وقد مضى أيضا بحثه، وأخيرا قد يستند فيه كذلك إلى العرف وهو بحثنا الآن.
تحقيق تطبيقي- موضوعي لمفهوم الرشوة
وسنتطرق هنا وكثمرة عملية تطبيقية، لتحقيق الحال في ما يقارب من 40 مسألة او أكثر، موضوعاً وحكماً من خلال استثمار المباحث السابقة بأكملها وإضافة ما ينبغي مما يعد تمهيدا كذلك للمباحث الآتية بإذن الله تعالى.
ثلاث أصناف من المسائل :
وهذه المسائل على أصناف ثلاثة: فبعضها لا شك في إنها مصداق للرشوة، والبعض الآخر لا شك في كون الرشوة موضوعا لا تشملها، وأما البعض الأخير ففيه نوع من الخفاء او فيه الخلاف إما بين المشهور الأشهر، او بين فقيه وآخر في المسألة التي لم يطرحها المشهور، وسنتعرض لهذه المسائل واحدة واحدة.
المسألة الأولى : لا فرق بين كون البذل من الشخص او القريب او الأجنبي
لا فرق في صدق الرشوة بين ان يكون الباذل لها للقاضي، هو الشخص نفسه أي المترافع أو أحد المتخاصمين، أو ان يكون شخصا ذا صلة به كابنه او عمه او ما أشبه، أو ان يكون شخصا أجنبيا؛ فان الرشوة صادقة بدون شك في هذه الصور الثلاث[1]، فلو ان شخصا أراد أن يستخرج حكما بالباطل فدفع ولده مالا للقاضي ليحكم به فلا شك إنها رشوة وكذا لو ان شخصا أجنبيا دفع مالا بالباطل للقاضي ليحكم على مظلوم فيسجنه فهي رشوة وبلا نقاش، وهذه فروع ثلاثة في المسألة الأولى.
واما الكلي فانه لو ثبت ان شيئا رشوة فانه محرم دون شك وقد عدّ بعض الفقهاء حرمة الرشوة من ضروريات الدين اما مطلقا او في الجملة، إضافة إلى الأدلة الأخرى من آيات وروايات وإجماع[2].
المسألة الثانية[3]: لا فرق في الصدق العرفي بين كون الباذل الشخص أو الجهة، والجماعة والدولة
لا فرق في صدق الرشوة عرفا وحقيقية بين ان يكون الراشي شخصا او جماعة او جهة او دولة، فلو بذل شخص للقاضي مالاً ليحكم بالباطل فهي رشوة، وكذلك لو ان مؤسسة او منظمة بذلت مالا لقاض لكي يسمح لها بالعمل أو يرفع عنها الحظر رغم مخالفتها للقانون – الشرعي القطعي – فهي رشوة، وكذلك لو بذلت دولة مالا لدولة أخرى من اجل باطل فالأمر كذلك.
المسألة الثالثة:
ما اذا كان المبذول له هو القاضي فانه لا شك في صدق الرشوة وحرمتها وهذا إجماعي
المسألة الرابعة : دفع المال لمن يرتبط بالقاضي
لو دفع الشخص المال لمن يرتبط بالقاضي لا للقاضي نفسه كما لو دفع المال للحاجب او السكرتير او المستشار او غيره؛ وذلك كي يؤثر على القاضي بان يغريه او يهدده او غير ذلك، كي يحكم بالباطل فالظاهر إن كل هذه الموارد يصدق عليها الرشوة عرفا صدقاً حقيقيا فيقال: رشا البواب او الحاجب او المستشار او غيره .
المسألة الخامسة: دفع المال لمن يقع في مسار القضاء
لو دفع المال ولكن لا للقاضي او القريب منه، وإنما دفع لمن وقع بنحو ما في طريق الحكم وذلك كمن يدفع المال للمحامي ليؤثر في حكم القاضي فيلبس عليه الحكم، وذلك عبر صياغته القانونية للقضية المترافع فيها بنحوٍ يؤثر فيه على مجرى الحكم وعلى فهم القاضي للقضية لتكون النتيجة هي الحكم بالباطل، فإنها رشوة عرفا وحقيقة دون ريب[4]،[5] .
المسألة السادسة: الموظف وإعطاء المال له على قسمين:
وقد ذكر هذه المسألة السيد الوالد في الفقه في (الموظف)، وهي حكم المال الذي يُبذل للموظف كي ينجز المعاملة؟ كما لو دفع مالا إلى موظف الكمارك او الجنسية او القضاء او غيره ,
وقد فصّل الوالد بين واجب الموظف وغيره، فانه لو دفع للموظف مالا من أجل إنجاز عمل يقع في دائرة وظيفته من اجل أداء واجبه، فهو حرام ورشوة، واما لو دفع المال له لينجز ما ليس في دائرة وظيفته وعمله، كأن يقوم الموظف لتمشية المعاملة في قسم آخر او دائرة أخرى فانه ليس برشوة ولا بحرام على رأي السيد الوالد[6].
وعبارته[7] : " إن عمل الموظف لو كان واجبا لم يجز له اخذ شيء في قباله وكان ذلك رشوة، وأما إذا لم يكن العمل واجبا على شخص, موظفا كان او غيره، فقد يأخذ لأمر مباح وهذا لا ينبغي الإشكال في جوازه وانه ليس منها – أي الرشوة –، فان الفعل او الترك[8] من الإنسان محترم، وكلما كان كذلك جاز اخذ شيء عليه " انتهى. وللكلام تتمة
وصى الله على محمد واله الطاهرين
[1] - وذلك مع قطعنا النظر عن سائر الحيثيات الأخرى فان الحيثية الأساسية في البحث في هذه المسألة هي جهة الأجنبية أو الصلة مع قطع النظر عن سائر البحوث ويتضح ذلك بان نفرض البحث في المورد المتفق عليه وهو ما كان المال بإزاء الحكم بالباطل بأن يبذل المال للحاكم للحكم بالباطل فانها رشوة ومحرمة لكن لو بذلها الأجنبي فهل هي رشوة؟ هذا موطن البحث في المسألة الأولى.
[2] - فالرشوة حرمتها من ضروريات الدين اما مطلقا او في الجملة، كما ذكر ذلك صاحب العروة والسيد الخوئي وعدد من الفقهاء
[3] - ونذكر هذه المسألة إشارة وحكمها واضح
[4] - والحاصل: ان الرشوة تصدق حتى على إعطاء المال للمحامي، ولا موضوعية للقاضي، ويكون المحامي مرتشياً
[5] - ولا بد ان يفرق بين دفع الأجر للمحامي لقاء وقته وجهده ليستخرج الحق أو يحق حقه فهذه إجارة عرفا، وبين دفع المال لاستخراج قضية باطلة فهو أكل مال بالباطل ورشوة محرمة واما لو دفع له ليستخرج القضية سواء أكان الحق له أو عليه، ففيه بحث سيأتي.
[6] - سواء كان الدفع للموظف او لغيره
[7] - الفقه / المكاسب المحمرة / ص 186
[8] - والترك كما لو أراد شخص ان يصطاد في غابة، أو في نهر، أو أراد التنزه مع أهله هناك فأعطى لآخر مالا لكي يترك المكان كي يكون أهل الأخير في راحة ودعة حفاظا عليهم فانه لا إشكال في هذا المورد.
الثلاثاء 26 جمادى الثانية 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |