104- ادلة خمسة على تعميم (لاعمل الابنية) للدوائر لستة السابقة: الوجود، التعنون، الصحة ، القبول، الكمال، الثواب، والمناقشة في بعضها
الاثنين 25 جمادى الثانية 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
المسألة الختامية واستظهارنا في المقام: مفاد (لا عمل إلا بنية) عام
بحثنا الآن هو في المسألة الختامية في استظهار النسبة بين أدلة النية مع أدلة الرشوة ودليل (لا تَعَاوَنُوا) فنقول:
ان صاحب العناوين قد استظهر من قوله (عليه السلام) (لا عمل إلا بنية) إن (لا) هي نافية لماهية العمل؛ لأنها نافية للجنس، وعليه فالمفاد الذي إستفاده ينحصر بالدائرة الأولى فقط،
وأما استظهارنا فهو: إن (لا) في (لا عمل إلا بنية) تشمل الدوائر الست، وعليه فهي تفيد نفي الماهية أحيانا ونفي التعنون أحيانا أخرى، وكذلك تفيد نفي الصحة تارة ونفي الصحة أو القبول أو الثواب تارات أخرى، فالرواية عامة شاملة لكل هذه المعاني.
الدليل على التعميم المدعى[1]:
ويمكن أن نقيم أدلة متعددة على التعميم منها ما هو تام ومنها ما هو متأمل فيه ومخدوش، وهذه الأدلة هي:
الوجه الاول: القرينة الداخلية على تخصيص (لا عمل إلا بنية) مفقودة وكذلك الخارجية
أما الوجه الأول للتعميم فهو أن نقول: إن كل نوع من أنواع تلك الدوائر الست لو وردت عليه (لا) فهي تفيد نفي خصوص الدائرة المعينة لا الدوائر الأخرى لوجود قرينة داخلية في كل واحدة منها، وهذا بعكسه في (لا عمل إلا بنية) فان القرينة الداخلية على التخصيص بإحدى الدوائر ليست موجودة، هذا أولا، كما ان القرينة الخارجية هناك وفي تلك الدوائر موجودة، وفي روايتنا منتفية ومفقودة، وهذا ثانيا.
توضيح ذلك:
إن المعنى المستفاد في الدائرة الأولى هو نفي الوجود او الماهية كما في (لا إنشاء أو لا عقد ولا إيقاع إلا بنية)، فان المستفاد هو نفي وجود العقد أو الإيقاع أو مطلق الإنشاء مع عدم النية لقوامه بها، والقرينة الداخلية في المقام موجودة وهي إن الإنشاء – عقداً أو إيقاعاً - بطبعه وذاته متقوم بالنية؛ وذلك لأنه إيجاد فيحتاج إلى القصد والنية، هذا عن القرينة الداخلية، وأما القرينة الخارجية فهي موجودة أيضا وهي إن العقود تتبع القصود، وكذلك الحال في الدائرة الثانية فعندما نقول (لا مقدمة ولا تعاون إلا بنية) فان من الواضح ان المقدمة تتعنون وتتلون بنية ذيها كما سبق ذكره، وعليه فالقرينة الداخلية على الاختصاص فيها موجودة وهي ذات المقدمة[2],
وعندما نقول (لا صلاة إلا بطهور) في الدائرة الثالثة فان الذي يستفاد منه انه لا صلاة صحيحة إلا بطهور من خلال القرينة الخارجية وهي الروايات الواردة في ان الصلاة متقومة بالطهارة، وأما القرينة الداخلية فغير موجودة ؛وذلك لان الصلاة هي حقيقة مخترعة شارعيه لا تعلم إلا من قبله، وبلحاظها - دون الرجوع للشارع - لا نفهم كون النية مقومة لها او لا،
وكذا الدائرة الأخرى كما في (لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد) فان القرينة الخارجية موجودة على إن المراد هو لا صلاة كاملة إلا في المسجد، وهكذا الحال في بقية الصور والدوائر الأخرى،
وأما في رواية (لا عمل إلا بنية) فانه لا توجد قرينة داخلية تخصص المعنى المراد بكونه في الدائرة الأولى او الثانية او غيرها؛ وذلك ان (العمل) يشمل الانشائيات وكذلك التوصليات التي أنيط الثواب بها ويشمل أيضا الأعمال المتعنونة وهكذا .
والحاصل: ان مفردة الإنشائيات فيها قرينة داخلية وخارجية على أنها من الدائرة الأولى، وهكذا بقية العناوين في بقية الدوائر, وأما العمل فهو (لا بشرط) فينطبق على الدوائر الست حسب أنواعه فيتلون بلون تلك الدائرة وذلك المحور الذي دخلت عليه لا,
وبتعبير آخر: ان العمل هو جنس لهذه المعاني الست وعندما تدخل (لا) عليه فتعم كل هذه الدوائر وذلك إن المعاني الست كل منها هو قسيم للآخر ولذا فان لا الداخلة على احدها لا تشمل القسيم الآخر, وأما العمل فهو مقسم لجميع هذه المعاني الستة ولو دخلت (لا) على المقسم لنفت كل من الأقسام الستة كل في محله وموضعه،
وبتعبير آخر : ان خصوصية كلمة ومادة (عمل) هي التي أفادت اعمية هذه الرواية لشمول الأقسام الستة وهذه قرينة داخلية للاعمية فتأمل[3].
والمتحصل: ان (لا عمل إلا بينة) ستكون لها عمومية للدوائر الست لخصوصية المادة هذا هو الوجه الأول للتعميم.
الوجه الثاني: النكرة في سياق النفي تفيد العموم
وأما الوجه الثاني فهو وجه معروف وهو ان يقال:
إن النكرة في سياق النفي تفيد العموم وعمل (هو نكرة) دخل عليها النفي فأفاد العموم للدوائر الست, وفرق هذا الوجه عن الأول بيِّن، فانه في الوجه الأول كان الاستناد إلى مادة (عين، ميم، لام)[4] لاستفادة الاعمية، وأما الوجه الثاني فالاستناد إلى هيئة وقوع النكرة في سياق النفي وهذه قاعدة أخرى كما هو واضح
مناقشة الوجه الثاني[5]:
وهذا الوجه مخدوش:
ان النكرة في سياق النفي تفيد العموم لكل أنواع أو أصناف أو أفراد المدخول، الحقيقية، ولكنها لا تفيد العموم لمجازات المدخول، وهنا فان إرادة معنى الصحة من العمل هو مجاز بالحذف، والحاصل: ان كون معنى (لا عمل) هو لا عمل صحيحا وهكذا لا عمل مقبولا ولا عمل كاملا، وهكذا في بقية الدوائر، وكلها معاني مجازية مستفادة فلا يمكن استفادة العموم بهذا الوجه .
الوجه الثالث: ان كلمة عمل هي جنس شامل للأفراد
وهذا الوجه هو نظير الوجه الثاني وذلك بان يقال: ان (عمل) هي جنس فيشمل كافة الافراد، والجواب عن هذا الوجه هو الجواب السابق وذلك إن الجنس يشمل كافة الأفراد الحقيقية لا المجازية .
الوجه الرابع : (لا عمل إلا بنية) تفيد ضابطة كلية
وقد يقال بان:
(لا عمل إلا بنية) ظاهر، بل بلحاظ المكتنفات نص، في إن مفاده هو إعطاء ضابطة كلية وقاعدة سيالة، توضيحه: انه عندما يقال انه (لا إنشاء إلا بنية) فان المستفاد هو ضابطة خاصة في دائرة الانشائيات فقط، تفيد نفي الماهية والوجود، وعندما يقال (لا مقدمة او تعاون إلا بنية) فان القائل يريد ان يفيد ضابطة خاصة بالمقدمة،
و لكن عندما نقول (لا عمل إلا بنية) فان المستفاد هو الضابطة العامة الكلية .
إذن : قرينة كون المتكلم في مقام إفادة ضابطة عامة كلية ستكون دليلا على إن (لا عمل إلا بينة) هو مقسم للدوائر الست فلا تفيد احد القسائم بخصوصه، وهذا الوجه أي الرابع هو قابل للتأمل أيضا ويرد عليه ما ورد سابقا، فتدبر.
الوجه الخامس[6]: المستثنى يدل على التعميم
وأما الوجه الخامس للتعميم فنقول فيه:
صحيح ان (لا عمل إلا بنية) تفيد نفي الجنس، ولكن توجد قرينة أخرى أقوى على الخلاف وهي تدعو الى التعميم، وهذه القرينة هي الاستثناء، فإننا لو كنا و (لا عمل) فقط لنفت الجنس، ولكن وجود الاستثناء (إلا بنية) سيفيد تعميم العمل لشمول الدوائر الست؛ لان النية تتدخل وتتصرف في كل منها بالبداهة.
توضيح ذلك :
ويتضح ذلك بالمثال فإننا لو قلنا : (لا رجل في الدار) فان المعنى المستفاد هو (لا رجل موجود في الدار)، وهذا لا ربط له بالكمال او الصحة او غيرها كما هو واضح, ولكن لو قلنا: (لا رجل في المدينة إلا وقد رايته) فان المعنى المستفاد سيشمل عدة دوائر، عدا الدائرة الأولى فإنها تخرج بهذا الاستثناء مع إنها هي الموضوع له حقيقة؛ وذلك ان الرؤية لا تتعلق بالمعدوم حيث افترض وجود الرجل بلحاظ الاستثناء، وببركته - الاستثناء - تدخل مجموعة من الدوائر فيكون المعنى لا رجل كامل او ناقص ولا رجل صحيح او سقيم إلا وقد رأيته،
والحاصل: ان النية أحيانا موجِدة وأحيانا مصححة وهكذا، وحيث كانت النية عملها وشأنها عاما دلت على ان المراد من المستثنى منه العموم أيضا فيكون المراد (لا عمل موجودا إلا بنية موجِدة، ولا عمل صحيحا إلا بنية مصححة) وهكذا.
ولا مجال لأن يقال بتعارض الظهورين أي ظهور المستثنى والمستثنى منه فان المستثنى أقوى في ظهوراً في التعميم من ظهور المستثنى منه في التخصيص، فتدبر. وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
[1] - وهذه الأجوبة ستنفع في بحوث أخرى لان بحثنا هو بحث سيال وفائدته الإضافية تكمن في ذلك
[2] - فان المقدمة تتلون عقلائيا بلون ذيها
[3] - وذلك إننا سنناقش في هذا الوجه والذي بعده لاحقا وسيظهر عدم تمامهما
[4] - وهي بعكس مادة إنشاء او المقدمة فانها مواد خاصة
[5] - وهذا الوجه لو التفتنا الى وجه المناقشة فيه يتجلى وجه مناقشة الوجه الأول ورده
[6] - وهذا هو الوجه المنصور ويحتاج الى بعض الدقة فتدبر,
وهنا لا يخفى ان جرينا في هذا البحث وناقشنا هو نقاش بنائي لا مبنائي وذلك اننا قبلنا ان الأصل في لا هي نفي الجنس عند ورودها على النكرة، ولكن لو رفضنا هذا المبنى سنكون في مندوحة في كل ذلك ونقول ان الأصل في ذلك هو النفي المطلق الأعم من نفي الجنس والصحة والكمال. فتأمل
الاثنين 25 جمادى الثانية 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |