462- الجواب عن اشكال ان منشأ السيرة الاهمال ـ الدليل الرابع لحجية سيرة المتشرعة : امضاء الامام الحجة ( عجل الله تعالى فرجه الشريف ) فاشتراك الاتصال مستدرك ـ لافرق بين انواع السِيَر والاجماع ، في الحجية ـ الاشكال بان السيرة لاتزيد على مقتضيات موردها
الثلاثاء 2 صفر 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(33)
الجواب عن احتمال نشوء السيرة من الاهمال
ثم انه قد يستشكل على دعوى انعقاد سيرة المتشرعة على التبعيض في التقليد – بعد تحقيق ثبوتها كما سبق – بان السيرة قد تكون ناشئة من اللامبالاة والإهمال، كما ذكر ذلك الشيخ في مواطن عديدة، فلعل تبعيضهم في التقليد لأهمالهم أمر دينهم وعدم تثبتهم من جواز التبعيض وعدمه.
والجواب: أولاً: ان منشأ هذه السيرة ليس هو الاهمال واللامبالاة دون شك، بل منشؤها في المتساويين هو ملاحظة المتشرعة – والعقلاء – في ارتكازهم تساوي نظري الفقيهين المتساويين في الكاشفية عن الواقع وفي احتمال الاصابة([1]) لفرض مساواتهما، ومن الواضح ان حجية رأي مطلق الخبير ومنه الفقيه ليس بجهة تعبدية ولا لموضوعيته بل لطريقيته إلى الواقع وكونه غالب المطابقة بدرجة تورث الظن النوعي، ومع فرض كون النظرين والفتويين متساويين في احتمال الاصابة وفي درجة الكاشفية فان الإلزام بتقليد احدهما كُلاً أو بعضاً ترجيح من غير مرجح وهو قبيح وإن لم نقل بكونه محالاً لعوته إلى الترجُّح بلا مرجح.
ثانياً: ان منشأ هذه السيرة هي سيرة العقلاء، ولا شك ان سيرة العقلاء بما هم عقلاء ليست نابعة عن الاهمال بل هي نابعة عن مقتضى العقل الذي جعله الله نوراً في الباطن.
ثالثاً: سلمنا، لكن نقول ان سيرة المتشرعة وان توهم نشوؤها عن اهمالٍ فانها حجة، لبرهان اللطف والغرض وما اشبه مما سبق تفصيله وهذه البراهين المتكفلة بإحراز اصابة هذه السيرة – ان كانت سيرة مطبقة – للواقع ثبوتاً وان كان منشؤها إثباتاً هو الاهمال أو أي وجه آخر لا يُعدّ بنفسه ملاكاً للحجية أو كاشفاً عنها.
4- تقرير الإمام المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )
الوجه الرابع من وجوه حجية سيرة المتشرعة والذي به نستغني عن شرط اتصال السيرة بزمن المعصوم ( عليه السلام ) لكونه مستدركا وتحصيل حاصل في أزمنتنا دوماً، هو تقرير الإمام المنتظر عليه الصلاة والسلام لسيرة المتشرعة إذا كانت بالفعل سيرة المتشرعة كافة، وذلك بأدلة عديدة:
ومنها: نفس البرهان الذي استدلوا به على حجية الإجماع المحصل وهو اللطف واخواته، فانه أولى بالجريان في السيرة لكونها كما سبق نقله عن صاحب الجواهر أعظم من الاجماع لأن السيرة تضم كافة الفقهاء وعامة الناس فإذا لم يمكن اجتماع الفقهاء على خلاف الحق نظراً للطف أو الدخول أو التشرف أو الحدس فكيف يلتزم باجتماع الفقهاء وعامة المؤمنين على الخطأ عملاً متوهمين انه الصواب؟
ومنها: الدليل الآتي على حجية سيرة المتشرعة فانه دليل أيضاً على قاعدة اللطف وتقرير الإمام ( عليه السلام ) أو تدخله فتأمل
5- الاستدلال بـ (وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً)([2]) على حجية السيرة([3])
الوجه الخامس: وقد يستدل بقوله تعالى: ( وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَاباً وَسُرُراً عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفاً وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ)([4]) على ان السيرة العامة حجة مطلقاً إذ لا يمكن ان يأذن الله تعالى بانعقاد الاجماع أو السيرة العامة التامة على الباطل بحيث يكون الضلال والظلام مطبقاً.
وفي الصافي([5]) Sوعن الصادق ( عليه السلام ): لو فعل الله ذلك بهم لما آمن أحد، ولكنه جعل في المؤمنين أغنياء وفي الكافرين فقراء، وجعل في المؤمنين فقراء، وفي الكافرين أغنياء، ثم امتحنهم بالأمر والنهي والصبر والرضا([6])، وفي الكافي([7])، والعلل: عن السجاد ( عليه السلام ) أنه سئل عن هذه الآية فقال: عني بذلك أمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) أن يكونوا على دين واحد كفارا كلهم، ولو فعل الله ذلك بأمة محمد ( صلى الله عليه وآله ) لحزن المؤمنون، وغمهم ذلك ولم يناكحوهم، ولم يوارثوهم.
وفي العلل: عن الصادق ( عليه السلام ) قال: قال الله عز وجل "لولا أن يجد عبدي المؤمن في نفسه لعصبت الكافر بعصابة من ذهب"([8])R وفي هذا الحديث الأخير دلالة على الأكثر من المدعى فتدبر.
ولعل المستفاد من الآية([9]) ان المقتضي لاعطاء الكفار كل ما ذكر([10]) موجود وانه تام الاقتضاء في حد ذاته ولعله هو جود الله وكرمه أو ليكون مثوبة للكفار على أدنى خصلة فيهم أو عمل حسن، بأعلى ما يمكن ان يمنحه الكريم لهم فتكون الدنيا لهم والآخرة للمتقين، لكن المانع وهو اتفاق كلمة الناس على الكفر أو على حب الدنيا أو حتى حزن المؤمنين هو الذي منع ذلك إذ قيدت حكمتهُ جودَه، فيستفاد منها وبضمها إلى نظائرها انه جرت حكمته تعالى على منع حصول أي أمرٍ يوجب اطباق الناس على الباطل.
ويؤكده ان مقتضى دار الامتحان هو ذلك وقوله تعالى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)([11]) وعشرات الآيات والروايات التي تدل على أن الله أبى إلا أن يكون الحق في مقابل الباطل في دار الامتحان وان لا يزيح الباطلُ الحقَّ كلياً ولا الحقُّ الباطلَ تماماً وإلا لبطل الامتحان ولئلا تبطل حجج الله، ولذا قال تعالى: ( كُلاًّ نُمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً)([12]).
ويؤكد ذلك كله استثناء زمن الظهور المبارك ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)([13]).
ولهذا المبحثُ مجال آخر إذ يقتضي التدبر والتأمل في كل دليل دليل ومدى دلالته وحدودها ثم ملاحظة محصلة مجموع الأدلة كلها. فتأمل وتدبر والله العالم
الثمرة
استنتاجٌ: ظهر بما مرّ من الأدلة على حجية سيرة العقلاء وسيرة المتشرعة، انه لا فرق في حجية السيرة، والإجماع كذلك، بين كونها محتملة الاستناد أو حتى مقطوعة الاستناد وذلك إذا استندنا إلى برهان اللطف أو الغرض أو مقام التقنين أو كون المنشأ الفطرة أو العقل أو آية (وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ)([14]) أو آية ( وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتْ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ)([15]) وشبهها، دون ما لو استندنا إلى مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو شبه ذلك. فتأمل
وسيأتي غداً إشكال عام أساسي على ما سبق بأكمله وموجزه: ان السيرة لا تزيد على مقتضى مؤدَّياتها فلا تكون حجة إلا مع إحراز نكتتها ووجهها ومع الإمضاء، وسيأتي توضيحه والجواب عنه بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) اما التبعيض بين الأعلم وغيره فسيأتي البحث عن وجه تسويغ العقلاء التبعيض بينهما رغم كون نظر الأعلم أقرب للإصابة وهو وجه وجيه وليس من باب الاهمال ابداً.
([2]) الزخرف: 33.
([3]) سواء سيرة العقلاء أم سيرة المتشرعة.
([4]) الزخرف: 33 – 35.
([5]) تفسير الصافي ج6 ص393-394.
([6]) تفسير القمي: ج2 ص284.
([7]) الكافي: ج2 ص265، ح23، باب فضل فقراء المسلمين.
([8]) علل الشرائع: ص589 و604، ح33 و74، باب 385 – نوادر العلل
([9]) بنفسها أو بمعونة سائر الآيات والروايات.
([10]) لبيوتهم سقفاً من فضة... الخ.
([11]) البلد: 10.
([12]) الإسراء: 20.
([13]) الفتح: 28.
([14]) الزخرف: 33.
([15]) البقرة: 251.
الثلاثاء 2 صفر 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |