||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 442- فائدة أصولية: حجية الإجماع والشهرة في حال الانقلاب

 248- الرفق واللين كظاهرة عامة في الحياة وفي التقنين

 74- شرعية وقدسية حركة وشعائر سيد الشهداء عليه سلام الله -1

 104- (المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) مؤسسات المجتمع المدني في منظومة الفكر الإسلامي-17 هل الأصل الفرد أو المجتمع؟ مسؤولية مؤسسات المجتمع المدني تجاه الناس (خطر النيوليبرالية مثالاً)-1

 144- الامام السجاد (عليه السلام) رائد النهضة الحقوقية (حقوق الانسان) بين الاهمال النظري والانتهاك العملي

 33- لماذا لم يذكر الله إسم الصادقين في القرآن الكريم

 411- فائدة فقهية: رفع الشارع لمقتضي الملكية في الصبي

 56- (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ)2 معادلة (الإخلاص) و(الشرك) في دعوة رب الأرباب

 من سيظهر دين الله ؟

 كتاب المعاريض والتورية



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23699230

  • التاريخ : 28/03/2024 - 15:55

 
 
  • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .

        • الموضوع : 186- تحديد الاولويات حسب العوائد والفوائد وقانون القلة الفاعلة والكثرة العادية .

186- تحديد الاولويات حسب العوائد والفوائد وقانون القلة الفاعلة والكثرة العادية
الأربعاء 14 رجب 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم 
 
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين ، سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولا قوه إلا بالله العلي العظيم 
 
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) كما يقول جل اسمه: (وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ...) ويقول تعالى: (...وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ). 
 
علم إدارة الوقت 
 
تحديد الأولويات على حسب العائد 
 
كما يقول أمير المؤمنين ( عليه السلام ): ((وَأَمْضِ لِكُلِّ يَوْمٍ عَمَلَهُ فَإِنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ مَا فِيهِ)), ويقول: ((وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَأَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ)) 
 
سبق الحديث حول علم ومهارة وفن إدارة الوقت، وذكرنا مجموعة من القواعد لإدارة الوقت والساعات والأيام والسنين والعمر. 
 
القاعدة الأولى: الأولويات يحددها العائد والمردود 
 
ومن تلك القواعد ان يقوم الإنسان بتحديد الأولويات على حسب العائد والمردود لاي عمل مهما قل او كثر، فكلما كان الناتج أعظم فانه ينبغي على الإنسان ان ينبعث نحوه قبل غيره وأكثر من غيره.
 
ولنشِر ههنا إلى ثلاثة من أهم الأولويات: 
 
الأولوية الأولى: تكفل الأيتام مادياً ومعنوياً 
 
فقد ورد في الرواية: ((ان كافل اليتيم أثير عند الله))([1]) والأثير هو: الصديق والحبيب المفضل وما أعظم هذا المقام: ان يكون الشخص أثيراً عند الله تعالى! وفي رواية اخرى عن الامام علي ( عليه السلام ) ((مَا مِنْ مُؤْمِنٍ وَ لَا مُؤْمِنَةٍ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ يَتِيمٍ تَرَحُّماً بِهِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ مَرَّتْ عَلَيْهَا يَدُهُ حَسَنَةً))([2]) 
 
ويقال ان متوسط عدد الشعر في رأس الانسان يقرب من (300,000) ثلاثمائة الف شعرة!! والحسنة من الله هي اكبر من السموات والارض ، فكم حسنةً يحصل عليها الشخص بمجرد ان يمرر يده على رأس اليتيم!. 
 
وفي رواية أخرى عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَمْسَحُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ يَتِيمٍ رَحْمَةً لَهُ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِكُلِّ شَعْرَةٍ نُوراً يَوْمَ الْقِيَامَةِ))([3]) 
 
كما ذكر الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله ) وكما نقله عنه الامام الباقر ( عليه السلام ) علاجاً لقساوة القلب فيقول ((مَنْ أَنْكَرَ مِنْكُمْ قَسَاوَةَ قَلْبِهِ فَلْيَدْنُ يَتِيماً فَيُلَاطِفُهُ وَ لْيَمْسَحْ رَأْسَهُ يَلِينُ قَلْبُهُ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَإِنَّ لِلْيَتِيمِ حَقّاً))([4]) 
 
وفي رواية اخرى: ((من عال يتيما حتى يبلغ أشده، أوجب الله عز وجل له بذلك الجنة، كما أوجب لآكل مال اليتيم النار))([5]). 
 
وهنا نقول: ذكرت بعض الاحصاءات ان هناك خمسة ملايين يتيم في العراق فقط، ولو ان كل مسلم تكفل بيتيم أو فقير على الاقل فسوف لا يبقى يتيم أو فقير على وجه الارض من غير رعاية، وليس المقصود من ذلك الكفالة المادية دون الفكرية والأخلاقية والدينية، بل ينبغي ان يكفل اليتيم ماديا ومعنويا حتى ينمو سليما سويا قال تعالى (قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) والرواية تقول: ((من عال...)) أي جعله من عياله وأهله فله ما لأهله وعليه ما عليهم، فينبغي ان يربيه التربية الايمانية الصحيحة. 
 
الأولوية الثانية: طلب العلم 
 
ثانياً: طلب العلم([6]): 
 
اذ على الانسان طالب العلم ان يصرف وقته في طلب العلم، ولا ينصرف الى غيره تحت ضغط الحياة والمعيشة والظروف القاسية؛ فان الأجر العظيم الذي اعده الله لطالب العلم لا نجده اعطي لأي عمل آخر من الاعمال الخيرة والمرضية، فان طلب العلم من أجل هداية الاخرين وإصلاح المجتمع لهو من أعظم الاعمال الصالحة إن لم يكن أعظمها على الإطلاق بعد خلوص النية، فتهون عندها منغصات الحياة وشظف العيش. 
 
فقد ورد في فضل العلم والعلماء: عن الامام الصادق ( عليه السلام ): ((رَجُلٌ رَاوِيَةٌ لِحَدِيثِكُمْ يَبُثُّ ذَلِكَ فِي النَّاسِ وَ يُشَدِّدُهُ فِي قُلُوبِهِمْ وَ قُلُوبِ شِيعَتِكُمْ وَ لَعَلَّ عَابِداً مِنْ شِيعَتِكُمْ لَيْسَتْ لَهُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ قَالَ الرَّاوِيَةُ لِحَدِيثِنَا يَشُدُّ بِهِ قُلُوبَ شِيعَتِنَا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ عَابِدٍ))([7]) 
 
وعنه ( عليه السلام ): ((إذا كان يوم القيامة جمع الله الناس في صعيد واحد و وضعت الموازين فتوزن دماء الشهداء مع مداد العلماء فيرجح مداد العلماء على دماء الشهداء))([8]) 
 
ولعل من البديهيات ان مقام الشهادة مقام رفيع الى ابعد الحدود اذا كان تحت راية هدى ووفق الشروط المسطورة في الفقه؛ لان الشهيد ضحى بأغلى شيء([9]) في سبيل الله، لكن مداد العلماء أرجح منه وزنا، فاذا كان في عيشة العالم الديني (الفقيه) شئ من الصعوبة فهي ليست باكثر من تضحية الشهيد في سبيل الله تعالى فعليه ان يتحمل بعض المنغصات المادية والاجتماعية والعائلية وغيرها في سبيل طلب العلم ونيله ونشره بين الناس حياطةً للدين ورعاية لمصالح المسلمين. 
 
فاذا كان رجل الدين كذلك فهو أعظم مقاماً وأجراً من الشهيد المجاهد بما لا قياس، فعلى طالب العلم ان لا يصغي الى ضغوط البعض عليه ولو كانوا من اهله ليصرفوه عن طلب العلم وعليه ان لا يكترث بالغربة او العزلة أو الفقر وشظف العيش او غير ذلك من المشاكل التي تواجهه؛ وذلك لان المردود عظيم جدا والأولوية يجب ان تكون على حسب حجم العائد كما قدمنا. 
 
والروايات التي تفصح عن مكانة طالب العلم كثيرة جداً ومنها: الرواية الصحيحة عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ): ((مَنْ سَلَكَ طَرِيقاً يَطْلُبُ فِيهِ عِلْماً سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقاً إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا لِطَالِبِ الْعِلْمِ رِضًا بِهِ وَإِنَّهُ يَسْتَغْفِرُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ مَنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ حَتَّى الْحُوتِ فِي الْبَحْرِ وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ النُّجُومِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ وَإِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَاراً وَلَا دِرْهَماً وَلَكِنْ وَرَّثُوا الْعِلْمَ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ)) ([10]) 
 
فأي مقام هذا؟!! وما أعظمها من منزلة لطالب العلم المتقي الذي لم يأت لطلب العلم والدرس والتدريس لأجل مال او شهرة او رياسة او غير ذلك، وبعد ذلك أفلا تهون عند هذه المرتبة كل المصاعب والمتاعب؟! 
 
فأن يستغفر لك جبرائيل وميكائيل وجميع ملائكة الله المقربين، شيءٌ يستحق أن يتحمل دونه الإنسان أعظم المصاعب، فقد تكون في زاوية من زوايا مدائن العلم كالنجف او قم او كربلاء او غيرها لا يعرفك الناس ولا يكترثون لوجودك لكن الكون كله منشغل بالاستغفار لك، والدعاء لتوفيقك... فما أعظم هذا وأجمله وأروعه!! 
 
كما جاء في رواية أخرى في الكافي الشريف: ((قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى ( عليه السلام ) يَا رُوحَ اللَّهِ مَنْ نُجَالِسُ؟ قَالَ: مَنْ يُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ رُؤْيَتُهُ وَيَزِيدُ فِي عِلْمِكُمْ مَنْطِقُهُ وَيُرَغِّبُكُمْ فِي الْآخِرَةِ عَمَلُهُ)) ([11]) 
 
وهذا ملتقى العلم والتقوى والعمل الصالح. 
 
كما روى الصدوق ايضا في روضة المتقين عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انه قال: ((بَادِرُوا إِلَى رِيَاضِ الْجَنَّةِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَ مَا رِيَاضُ الْجَنَّةِ قَالَ حَلَقُ الذِّكْرِ)) ([12]) 
 
ومن منا لا يطلب الجنة؟!! أن حلقات ذكر الله تعالى وفضائل اهل البيت (عليهم السلام) وعلومهم وأحكام الشريعة ما هي الى روضة من رياض الجنة([13]). 
 
وفي رواية أخرى: ((النظر الى وجه العالم عبادة))([14]) 
 
وما ذلك إلا لان النظر الى العالم يشدّك الى الله تعالى ولو كان ذلك من خلال جهاز التلفاز وما أشبه([15]) لان العلماء الأبرار الربانيين هم وسائط الله تعالى بينه وبين خلقه. 
 
كما روى صاحب جامع الأخبار عن أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) انه خاطب ابا ذر فقال: ((الجلوس ساعة عند مذاكرة العالم أحب إلى الله من ألف جنازة من جنازة الشهداء و الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلى الله من قيام ألف ليلة يصلي في كل ليلة ألف ركعة و الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلى الله من ألف غزوة و قراءة القرآن كله قال يا رسول الله مذاكرة العلم خير من قراءة القرآن كله فقال رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) يا أبا ذر الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم أحب إلي من قراءة القرآن كله اثني عشر ألف مرة عليكم بمذاكرة العلم فإن بالعلم تعرفون الحلال من الحرام و من خرج من بيته ليلتمس بابا من العلم كتب الله عز و جل له بكل قدم ثواب نبي من الأنبياء و أعطاه الله بكل حرف يستمع أو يكتب مدينة في الجنة و طالب العلم أحبه الله و أحبه الملائكة و أحبه النبيون و لا يحب العلم إلا السعيد و طوبى لطالب العلم يوم القيامة يا أبا ذر و الجلوس ساعة عند مذاكرة العلم خير لك من عبادة سنة صيام نهارها و قيام ليلها و النظر إلى وجه العالم خير لك من عتق ألف رقبة و من خرج من بيته ليلتمس بابا من العلم كتب الله له بكل قدم ثواب ألف شهيد من شهداء بدر و طالب العلم حبيب الله و من أحب العلم وجبت له الجنة و يصبح و يمسي في رضا الله و لا يخرج من الدنيا حتى يشرب من الكوثر ويأكل من ثمرة الجنة ولا يأكل الدود جسده و يكون في الجنة رفيق الخضر ( عليه السلام ) و هذا كله تحت هذه الآية قال الله تعالى يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ‏)) ([16])-([17]) 
 
يقول أمير المؤمنين: ((وامض لكل يوم عمله فان لكل يوم ما فيه)) ذلك العمل الذي يكون مقتضى الحال ان تنجزه فيه، وهو أفضل الأعمال منسوباً إلى ذلك اليوم، وفي رواية اخرى: ((...اجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَ أَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ...))([18]) 
 
وذلك يكون 1- بالتقوى والورع 2- وتعلم العلوم التي أودعها الله تعالى عند الرسول واهل بيته فافاضوها علينا، وقد فُسِّرت (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) بـ(إلا ليعرفون) 3- وبإرشادهم الخلق وتسديدهم. 
 
فالأولوية إذن هي لتعلم العلم ثم تكفل أيتام ال محمد سواء الأيتام بالمعنى العرفي فيتكفلهم ماديا ومعنويا، او كان بالمعنى الاخر فيسعى لإرشادهم وتسديدهم وغير ذلك . 
 
الأولوية الثالثة: تطهير القلب عن التعلق بعلائق الدنيا 
 
والحادثة التالية تفصح عن ذلك بأفضل الصور والمعاني: 
 
فقد روي ان عيسى المسيح ( عليه السلام ) كان يمشي مع أصحابه في سياحة مضنية متعبة في الصحراء، فبلغ بهم الجوع مبلغه فوصلوا الى مزرعة مملوكة للغير لكن الله أوحى ـ وهو مالك الملك ـ الى نبيه عيسى ( عليه السلام ): ان قد أذنت لهؤلاء ان يأكلوا من هذه المزرعة فبدؤوا يأكلون منها وإذا بصاحب المزرعة يصل الى أرضه، فيراهم يأكلون فاحتج عليهم: مزرعتي وارضي كيف تأكلون منها بغير إذني؟ 
 
ـ وهنا الشاهد ـ فأوحى الله الى نبيه عيسى ( عليه السلام ): ان يشير بيده فيبعث جميع الناس الذين ملكوا هذه الأرض وعمروها الى ادم عليه السلام فخرج جميع ملاك هذه الارض ممن سبق هذا الرجل حتى أصبح عند كل سنبلة من سنابل تلك المزرعة خلق كثير وكلهم يصرخون: هذه ارضي، هذه ارثي!! 
 
فلما رأى الرجل هؤلاء يصرخون كما يصرخ: هذه أرضي، هذه ارثي!! استوحش وخاف وهو يرى الآلاف الاموات وهم يبعثون من قبورهم ويصرخون، كما انه لما رأى هذه الكرامة عرف ان هذا هو عيسى المسيح ( عليه السلام ) فاعتذر منه وقال: المعذرة اليك يارسول الله اني لم اعرفك فزرعي ومالي حلال لك!! 
 
فبكى عيسى ( عليه السلام ) وقال: ويحك هؤلاء كلهم قد ورثوا هذه الارض وعمروها ثم ارتحلوا عنها وانت مرتحل عنها ولاحق بهم ليس لك ارض ولا مال ([19]). 
 
ولعل الظاهر ان المقصود: ليس لك بعد الارتحال عنها أي بعد الموت أرض ولا مال. 
 
هذه هي الدنيا: مجرد أيام وتمضي ولا يبقى لك منها شيء لكن قلوبنا متعلقة – ويا للأسف الشديد - برصيد في البنك او ارض هنا وهناك او تجارة زائلة او غير ذلك ونغفل عن الحياة الأبدية الباقية بل نبخل عن الإنفاق رغم اننا نعلم بان الله هو الرزاق ذو القوة المتين وان من لا ينفق قد يحرمه أمواله ومن ينفق قد يضاعف له. 
 
نعم.. المشكلة هي ان القلوب معلقة بذلك البيت الفاره الجميل، او بتلك النزهة الى المدينة الفلانية، فتجد أحدنا يسافر في سفرة ترفيهية فيصرف الكثير من المال والوقت، مع انه لو صرفه في طباعة كتاب علمي او تكفل يتيم لكان المردود اكبر بكثير من تلك السفرة الترفيهية التي لا تغني ولا تسمن من جوع. 
 
والحاصل: ان تحديد الاولويات هو من أهم الأمور وان السعي للقيام بالاعمال الجليلة ذات المردود الكبير من اهم عوامل النجاح والربح في فن إدارة الوقت والعمر. 
 
القاعدة الثانية: قاعدة 80/20 
 
هناك قاعدة مهمة وهي (قاعدة 80/20) وهي بالاساس قاعدة اقتصادية ثم عممت الى جوانب الحياة الاخرى، وضعها العالم الايطالي باريتو([20]) على ضوء ملاحظته وضع (الثروة) في إيطاليا ولذا تسمى قاعدة باريتو: 
 
وفحواها: 20% من منتاجتك تنتج 80% من أرباحك، فمثلا في ايطاليا هناك 80% من الثروة يمتلكها 20% من الناس . كما ان 80% من الناس يمتلكون 20% من الثروة حسب استقراء ذلك العال (باريتو) . 
 
وقد عممت هذه القاعدة الى مجالات اخرى فقالوا: 
 
20% من منتجاتك تنتج 80% من أرباحك. 
 
وكذلك الأمر في كافة مناحي الحياة: 
 
فمثلا الاصدقاء: فاذا كان لديكم 100 صديق فان 20 % منهم ينفعونك بنسبة 80 % من المنافع والفوائد، أي ان خمس اصدقاءك يوصلون اليك اربعة اخماس المنافع!!! 
 
وفي المقابل فان 80% منهم يوصلون لك 20% من المنافع 
 
مثال آخر الخطباء الكرام: فان 20% من الخطباء لهم 80% من الجمهور بينما تجد في المقابل ان 80 % من الخطباء لهم 20% من الجمهور؛ لوضوح ان منهم مشاهير يستحوذون على الجزء الأكبر من الجمهور. 
 
مثال آخر: الكتب: إذ نجد ان 20 % من الكتب تنفعك بنسبة 80 % كما ان 80 % من الكتب تعطيك 20 % من العلم والمعلومات. 
 
وهكذا الاساتذة والطلبة والموظفون والعمال والسياسيون ورجال الدين وغيرهم بل حتى الأبناء والأقرباء فإن 20% منهم هم الذين ينفعونك بنسبة 80% فيما ينفعك 80% منهم بنسبة 20% فقط. 
 
فهذه القاعدة سيّالة في كل مناحي الحياة في الجملة. 
 
وعليه: فان على الانسان ان يبحث عن هذه الـ (20%) التي تحرز له (80%) من المنافع ففي مجال الكتب مثلا على الطالب ان يطالع كتاب (مرآة العقول) للعلامة المجلسي مثلا؛ فانه من تلك الكتب النادرة من مجموعة (20%) من الكتب بل هو من دائرة الـ(1%) من الكتب والتي تجلب لك منفعة تقدر بـ(100%) وليس (80%) !! 
 
فمن طالع كتاب مرآة العقول من اوله الى اخره فانه سوف يظفر بعلم وافر حيث علوم اهل البيت (عليهم السلام) وهو سادة العلماء، ومنابع علم الله تعالى، وعيبة اسراره. 
 
وكذلك من طالع وتدبر واعتبر من كتب (الاحتجاج ونهج الفصاحة ونهج البلاغة وتحف العقول والصحيفة السجادية والصحيفة الرضوية والصحيفة المهدوية) وغيرها من كنوز العلوم الربانية. 
 
لكننا نبذل مع الاسف الشديد الكثير من أوقاتنا في قراءة الجرائد([21]) أو في مشاهدة ذلك الفيلم او الانترنت والاجهزة الحديثة بلا منفعة حقيقة او كبيرة في الكثير مما عليه (عمرنا) وهو أعز ما نملك مع اننا لم نخلق لذلك!! 
 
فعلى الانسان ان يرى ماهي الأولوية وما الذي أراده الله سبحانه وتعالى منا هنالك فليعسكر الانسان وهنالك فليركز وليجند كافة أوقاته وطاقاته وقدراته. 
 
اصلاح القاعدة وتطويرها 
 
لكن الفكر الدقيق والاستقراء والفحص والتدبر في الآيات والروايات الشريفة عن اهل البيت (عليهم السلام) يقودنا إلى تعديل هذه القاعدة. 
 
وعندئذٍ سنكتشف ان النسبة ليست نسبة رقمية محددة كما ذكر ذلك (باريتو) بل هناك شيء قليل لكن نفعه كثير وهناك كثير كالسراب، فقد يكون 1% من اوقاتك، تربحك 99% من المنافع، كما في وقت ما بين الطلوعين او الوقت الذي يقتلع فيه المرء نفسه من الفراش في منتصف الليل ليصلي صلاة الليل فيربح افضل ارباح المتهجدين والمستغفرين. 
 
ولعل من الأمثلة الطريفة على ذلك ان الإنسان لو كان ضجرا او يشعر بعدم الإقبال والتوجه فقام في قلب الليل البهيم للعبادة أو ذهب إلى الحرم المكي أو مسجد الرسول أو مشاهد سائر المعصومين ( عليهم السلام ) وقاوم شعوره بالملل وغالب نفسه فسوف تنفتح له عندئذٍ آفاق معنوية لا يتخيلها وقد تقضى حوائجه بنسبة مضاعفة عن عبادته وتهجده في سائر الأوقات وهذا من المجربات بشرط المقاومة والمداومة على الاستغفار والتسبيح والصلاة على محمد وال محمد صلى الله عليه واله. 
 
فقد روى في الكافي الشريف عن الامام الكاظم ( عليه السلام ) رواية مطولة يقول فيها: ((يَا هِشَامُ! ثُمَّ ذَمَّ اللَّهُ الْكَثْرَةَ فَقَالَ (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) وَقَالَ: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) وَقَالَ: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِها لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) ))([22]) 
 
اذ الكثير من الناس السياسيين او حتى بعض رجال الدين يفكرون بالأتباع وكثرتهم، مع ان المهم هو رضا الله سبحانه فانه لو لم يكن لك من الأتباع الكثير أو كان رضا الله في ان يتفرق عنك الأتباع فليتفرقوا وأربح آخرتك. 
 
((يَا هِشَامُ ثُمَّ مَدَحَ الْقِلَّةَ فَقَالَ: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) وَقَالَ: (وَقَلِيلٌ ما هُمْ)([23]) وَقَالَ (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ) وَقَالَ (وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) وَقَالَ (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) وَ قَالَ (وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) )) ([24]) 
 
وفي رواية اخرى يذكر الامام الخلص من الشيعة المتقين الورعين ويبكي شوقا اليهم!! ثم يدعو الله ان يحفظهم ويقول: ما مضمونه يارب انك ان لم تحفظهم، خلت الارض من عبادك. 
 
فلنكن نحن من هؤلاء المؤمنين القلة الذين يدعو لهم الامام ( عليه السلام ) ... يقول أمير المؤمنين ((وَاجْعَلْ لِنَفْسِكَ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ اللَّهِ أَفْضَلَ تِلْكَ الْمَوَاقِيتِ وَأَجْزَلَ تِلْكَ الْأَقْسَامِ وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا لِلَّهِ إِذَا صَلَحَتْ فِيهَا النِّيَّةُ وَسَلِمَتْ مِنْهَا الرَّعِيَّةُ)) فليس من الصحيح إذن ان نجعل لشهواتنا وملذاتنا أفضل تلك المواقيت حتى لو كانت بالحلال، فان العمر قصير والطريق مخوف مهول وما علينا من العمل كثير، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم. 
 
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين 
 
 
([1]) غرر الحكم ص409. 
 
([2]) وسائل الشيعة ج21 ص374. 
 
([3]) وسائل الشيعة ج21 ص375. 
 
([4]) من لا يحضره الفقيه ج1 ص188. 
 
([5]) الآمالي للطوسي: ص522. 
 
([6]) كان المثال السابق في مقام العقل العملي (ما ينبغي ان يعمل) اما هذا المثال فهو في مقام العقل النظري (ماينبغي ان يعلم ) 
 
([7]) الكافي الشريف ج1 ص33. 
 
([8]) عوالي اللآلي 4 ص61. 
 
([9]) وهو حياته. 
 
([10]) الكافي الشريف ج1 ص34. 
 
([11]) الكافي الشريف ج1 ص39. 
 
([12]) الأمالي للصدوق ص363 و من لا يحضره الفقيه ج4 ص409. 
 
([13]) هذا إن استظهرنا تعميم (الذكر) لكل ذلك كما هو مقتضى الإطلاق ولم نقل بالإنصراف. 
 
([14]) عوالي اللآلي ج4 ص73 ومن لا يحضره الفقيه ج2 ص205. 
 
([15]) اطلاقاً او ملاكاً فتأمل. 
 
([16]) جامع الأخبار ص37. 
 
([17]) وقد جمع كتاب (موسوعة أحاديث أهل البيت (عليهم السلام)) وكتاب (سفينة البحار) و(مستدركه) روايات كثيرة بهذا الصدد، فلا تفوتكم الفرصة باقتناءها وقراءتها. 
 
([18]) نهج البلاغة ص439. 
 
([19]) لعل المقصود انك لست مالكا حقيقيا وان كان لك الملكية الاعتبارية فتدبر ... (المقرر) 
 
([20]) فلفريدو باريتو – 1906. 
 
([21]) مما لا يهم، ويستثني النافع منها لمعرفة أوضاع المسلمين أو ما يؤثر على أوضاعهم سلباً أو إيجاباً. 
 
([22]) الكافي الشريف ج1 ص15. 
 
([23]) قبل هذه الآية قوله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ). 
 
([24]) وقد اكتشف العلماء بعد زمن (باريتو) بعقود ان الحق – وإن لم يصرحوا بالمصدر - هو ما أشارت إليه الآيات والروايات، فان العلم الحديث بعد تطوره اكتشف ان القاعدة لا اطلاق لها وليست المسألة دائرة بين الـ(20% ) و( 80%) بل عبر العالم (جوزيف. ام. جوران) بـ: القلة الحيوية والكثرة العادية ، وهو ما اشارت اليه الروايات الشريفة عن اهل البيت (عليهم السلام).

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الأربعاء 14 رجب 1435هـ  ||  القرّاء : 10963



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net