469- مسألة : هل جواز التبعيض في التقليد في صورة تخالف الفتاوى مختص بغير الارتباطيين او لا ؟ ـ رأي التنقيح وبيان الفقه
الثلاثاء 7 ربيع الاول 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
التبعيض في التقليد
(40)
التبعيض في الارتباطيين
لقد ثبت بما مضى جواز وصحة التبعيض في التقليد حتى في صورة العلم بالمخالفة، استناداً إلى العمومات والإطلاقات وبناء العقلاء والاستصحاب، لكن قد يستثنى من ذلك المركب الارتباطي في أجزائه وشرائطه وموانعه وقواطعه وذلك نظراً لفساد الارتباطي وبطلانه بفساد أحد أجزائه فلو قلّد في جزءٍ - كالسورة - فقيهاً يقول بصحة الصلاة بدون الإتيان بها وان قال الفقيه الآخر بالبطلان وقلّد في جزء آخر كالتسبيحات الثلاث – الفقيه الآخر الذي يقول بصحة الصلاة بدونها (أي بدون التثليث فيها) وقد قال الأول بالبطلان فتركهما فان صلاته باطلة بنظر كلا الفقيهين وان اختلف وجه بطلانها لديهما، فلا حجة له على صحة صلاته، وحيث ان الاشتغال اليقيني - بالصلاة مثلاً - يستدعي البراءة اليقينية وجب أن يأتي بها صحيحة على رأي أحدهما على الأقل فان حجية قوله تورث البراءة يقيناً لاستناده للحجة منجزةً أو معذرة، لكنه لو خالفهما معاً كلاً في جزءٍ وان وافقهما معاً فان ذمته لا يقين ببراءتها عمّا اشتغلت به لفرض قول كلا الفقيهين ببطلانها.
دليل (التنقيح) ومناقشته
قال في التنقيح (والوجه في ذلك: أن صحة كل جزء من الأجزاء الارتباطية مقيّدة بما إذ أتى بالجزء الآخر صحيحاً، فمع بطلان جزء من الأجزاء الارتباطية تبطل الأجزاء بأسرها. وإن شئت قلت: إن (صحة الأجزاء الارتباطية إرتباطية)، فإذا أتى بالصلاة فاقدة للسورة مع الاكتفاء بالمرّة الواحدة في التسبيحات الأربع واحتمل بعد ذلك بطلان ما أتى به لعلمه بانه خالف أحد المجتهدين في عدم اتيانه بالسورة كما خالف أحدهما الآخر في اكتفائه بالمرّة الواحدة في التسبيحات الأربع، فلا محالة يشك في صحة صلاته وفسادها فلا مناص من أن يحرز صحتها ويستند في عدم إعادتها إلى الحجة المعتبرة، لأن مقتضى قاعدة الاشتغال لزوم الاعادة وبقاء ذمته مشتغلة بالمأمور به، ولا مجتهد يفتي بصحتها لبطلانها عند كليهما وإن كانا مختلفين في مستند الحكم بالبطلان لاستناده عند أحدهما إلى ترك السورة متعمداً ويراه الآخر مستنداً إلى تركه التسبيحات الأربع ثلاثاً، ومع بطلانها عند كلا المجتهدين وعدم إفتائهما بصحة الصلاة لا بدّ للمكلف من إعادتها وهو معنى بطلانها)([1]) كما ذكر نظيره في المسألة 47.([2])
أقول: قد يجاب بان الشك المسببي وحكمه محكوم بالشك السببي وحكم المعلول محكوم ومقهور بحكم العلة، وفي المقام فان منشأ حكم كل منهما ببطلان الكل (الصلاة) هو حكمه ببطلان الجزء فإذا كان للمكلف على كل جزء حجة تامة في حد نفسها صحّ الجزء فصحت الصلاة قهراً لاستناده في فعل أو ترك كل جزء إلى حجة، والحاصل: ان الارتباطية لا تنفي المنشأية والعلية والمعلولية بل تؤكدها فإذا كان له على المنشأ والعلة في كلا الجزئين دليل كانت له الحجة على المعلول أيضاً.
لكن سيأتي ما قد يورد على هذا فانتظر
تفصيل (بيان الفقه) بين أنواع التبعيض
وقد ذهب السيد العم في بيان الفقه إلى التفصيل بين صور ثلاثة وهي: (احداها: ما إذا لزم من التبعيض مخالفة عملية للواقع.
ثانيها: ما إذا لزم منه مخالفة عملية لرأييهما.
ثالثها: ما إذا لم يلزم من التبعيض لا مخالفة عملية للواقع ولا لفتويي المجتهدين).
قال: (أما الصورة الأولى: فكما إذا أفتى أحدهما بوجوب القصر والافطار في الخروج عن محلّ الترخّص خلال العشرة أيّام ثم العود إلى محل الإقامة، وأفتى الآخر بعدم إنهدام الإقامة بذلك، فذهب إلى محلّ الترخّص ورجع يصلّي تماماً بفتوى الثاني، ويفطر بفتوى الأوّل.
الظاهر من كل ما وصلتنا فتاواهم: المنع عن مثل هذا التخيير، للعلم الحاصل له بأنّ أحد عمليه مخالف للواقع، للتلازم المعروف من الشريعة بين القصر والإفطار، والتمام والصيام لقوله ( عليه السلام ): (إذا قصّرت أفطرت، وإذا أفطرت قصّرت)([3]) إلا ما خرج بدليل كأماكن التخيير الأربعة إذا أتمّ الصلاة فإنه لا يجوز له الصيام ونحو ذلك)([4]).
والحاصل: ان الحجج الظاهرية تسقط عن الحجية والاعتبار بمخالفتها للأدلة القطعية الدالة على الحكم الواقعي، بل وان كان ذلك بنحو العلم الاجمالي([5]) وقاعدة الملازمة بين القصر والإفطار قطعية يعلم بمطابقتها للواقع عكس تينك الفتويين.
وقال: (واما الصورة الثانية: فكما لو أفتى أحد المجتهدين بوجوب السورة في الصلاة دون جلسة الاستراحة وأفتى الآخر بالعكس، ثم صلّى المقلّد صلاة خالية عن كلّ من السورة والجلسة، تقليداً للأوّل في ترك الجلسة وللثاني في ترك السورة، حيث يعلم – بذلك – من أنّ صلاته لا يضمنها لا المجتهد الأوّل ولا المجتهد الثاني، لكن لا علم له بمخالفة صلاته للواقع، لعدم العلم القطعي بوجوب شيء من السورة أو الجلسة في الصلاة.
فهل يجوز مثل هذا التبعيض؟ فيه وجهان...)([6]).
وقال (واما الصورة الثالثة: وهي التي لا يلزم من التبعيض في المسألتين لا مخالفة عملية للواقع ولا لفتوى المجتهدين معاً، فكما لو أفتى أحدهما بوجوب السورة والجلسة معاً، وأفتى الآخر بعدم وجوبهما، فصلى المقلّد مع السورة بلا جلسة، تقليداً منه في كلّ من الفرعين لواحد من المجتهدين، فإنّ صلاته ليست مخالفة للواقع لا وجداناً ولا تعبّداً، إذ لا علم بالمخالفة وجداناً، ولا هي مخالفة لفتوى كلا المجتهدين، إذ هي مخالفة فقط لفتوى من يقول بوجوبهما معاً، وليست مخالفة لفتوى من يقول بعدم وجوبهما.
الظاهر: عدم الإشكال في صحة مثل هذا التبعيض، لأنه في الحقيقة ليس تبعيضاً بل تقليداً للذي يفتي بصحة ذلك، وإن كانت صورته صورة التبعيض، للاستناد في كل جزء إلى مجتهد)([7]) وليست هذه الصورة محل بحث.
وذكر صورة أخرى وهي: (ما كان في مسألة واحدة، كما لو أفتى أحدهما بنجاسة عرق الجنب من الحرام والآخر بطهارته، فلاقى هذا العرق إناء ماء، فقلّد القائل بطهارته([8]) فشرب من الإناء، وقلّد القائل بالنجاسة فترك الوضوء أو الغسل به إلى التيمم.
فهل يجوز مثل هذا التبعيض مطلقاً؟ أم لا يجوز مطلقاً؟ أم يفصّل بين ما إذا لزمت مخالفة قطعية للواقع([9])، أو حتّى لرأييهما – على الخلاف – مطلقاً، أو في واقعة خاصة فلا يجوز، وبين ما إذا لم تلزم المخالفة القطعية للواقع وجداناً أو تعبّداً فيجوز؟
وجوه، بل في بعض الشروح: أنّها أقوال أيضاً.
الأقوى: الأخير، وإن كان الاحتياط مع المنع مطلقاً)([10]). وسيأتي الكلام عن ذلك بإذن الله تعالى
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) التنقيح في شرح العروة الوثقى ج1 ص258
([2]) المصدر ص 313.
([3]) الوسائل: الباب 4 من أبواب من يصح منه الصوم، ح1.
([4]) بيان الفقه ج4 ص25-26.
([5]) بان قطع بان احدى هاتين الحجتين ساقطة – أو قد اسقطها الشارع – عن الاعتبار كما لو قامت بينتان أو جاءه خبران، علم بكذب احدهما قطعاً.
([6]) بيان الفقه ج4 ص26.
([7]) بيان الفقه ج4 ص26-27.
([8]) أو غسل بدنه به أو أزال به قذارة على بدنه
([9]) كما لو غسل بدنه به ولم يتوضأ به فصلى – مع انحصاره فيه – فانه اما نجس أو محدث.
([10]) بيان الفقه ج4 ص28.
الثلاثاء 7 ربيع الاول 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |