509- 2 ـ المجتهدان المتفاضلان كالامارتين المتراجحتين ـ الجواب من وجوه 3 ـ التعبد لا يضاد الحجية من باب الظن النوعي
السبت 8 جمادي الاولى 1436 هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
تقليد الأعلم
(33)
الاستدلال بتقديم الأقرب والأقوى من الامارتين
كما استدل المحقق القزويني على مدعاه بقوله: (ويمكن دفعه باختيار الشقّ الثاني، ومنع منافاة مراعاة الظنّ وأقوائيّته وأقربيّته للترجيح في صورة الاختلاف لجهة التعبّد، كما لا ينافيها الترجيح في الأخبار على القول بالعمل بها تعبّدا ، فإنّ المجتهدين المتفاضلين في صورة الاختلاف بمنزلة الأمارتين المتراجحتين في صورة التعارض اللّتين دلّ الدليل من النصّ والإجماع على وجوب تقديم الأقوى والأقرب منهما إلى الواقع على الآخر من غير منافاة له لجهة التعبّد)([1])
أقول: يرد على ما ذكره ههنا إضافة إلى ما أوردناه على كلامه اللاحق (باعتبار ان الاقوائية والاقربية لا تلاحظ إحرازاً للمقتضي...):
الأجوبة: 1- لا يقاس الحدسي بالحسي
أولاً: ان قوله (فان المجتهدين المتفاضلين في صورة الاختلاف بمنزلة الامارتين...) قياس وهو باطل كما لا يخفى، ومن أين انهما بمنزلتهما وما هو الدليل على التنزيل؟
بل نقول انه من أردأ أنواع القياس إذ لو فرض قياس حسي على حسي أو حدسيٍ على حدسيِ للمساواة المفترضة تنقيحاً للمناط (ويرد عليه: بانه ظني) فانه لا يصح قياس الحدسي على الحسي أبداً لأن الحدسي مما يكثر فيه الخطأ عكس الحسي فانه يقل الخطأ فيه كما هو أوضح من ان يخفى فكيف يقاس رأي المجتهدين المتفاضلين وهو حدسي على الامارات([2]) كالبينة وهي حسية؟ فتأمل([3])
2- لا إجماع على تقديم الأقرب الأقوى
ثانياً: ان المقيس عليه أيضاً غير تام بوجوه:
أ- لا إجماع على وجوب تقديم الأقرب والأقوى من الامارتين إلى الواقع على الآخر، بل قد سبق ان المشهور في الكثير من الامارات على غير تقديم الأقرب والأقوى، وقد فصلنا الكلام سابقاً عن تعارض المقومين وان الأقوال – حسب ما نقله الشيخ – ستة وليس منها تقديم الأكثر خبروية منهما، كما سبق قول المشهور بتعارض قولي صاحبي اليد في الطهارة والنجاسة من غير مراعاة مرجحات أقربية أحدهما على الآخر بل وقد صرح بعضهم بتساقط قولي صاحبي اليد وإن كان أحدهما عدلا ثقة والآخر فاسقاً مع ان الثقة العادل أقرب قطعاً للإصابة وأقوى في إيراث الظن من الفاسق، كما سبقت أمثلة أخرى فراجع.
كما سبق ان الأقوال لدى التعارض أربعة: أ- التساقط، ب- التخيير، ج- الترجيح بالمرجحات استحباباً لا وجوباً حتى في المرجحات المنصوصة وهو قول الآخوند – د- الترجيح بالمنصوصة وجوباً على قول وبغيرها أيضاً على قول.
وعلى أي فدعوى الإجماع بل الشهرة على وجوب تقديم الأقوى ظناً والأقرب للواقع مطلقا في كل الامارات، غريبة.
ولا نص على تقديم الأقرب الأقوى، إلا في الجملة
ب – اما النص فانه:
أولاً: مختص ببعض الامارات – إذ ورد في بعضها الترجيح ببعض المرجحات – لا فيها جميعاً
وثانياً: حتى الامارات التي ورد النص فيها بالترجيح بمرجحٍ فانه قد اقتصر ذلك النص على بعض المرجحات وأهمل الباقي منتقلا إلى القرعة مباشرة([4]) مما يدل على ان الاقربية للواقع ليس عليها المدار بل بعض صورها فقط – وهي ما يؤخذ من النص نفسه.
ج- ما سيأتي مفصلاً من ان الترجيح بالاقربية للواقع والاقوائية في إيراث الظن مما لا ينضبط. فانتظر
الوجه في عدم منافاة التعبد لكون الاقربية مرجّحة
وقال المحقق القزويني: (وجعل هذه الأقربيّة مرجّحة حينئذ لا ينافي كون العمل بالفتوى من باب التعبّد ، لأنّ معناه([5]) أنّ المقلّد يجب عليه الأخذ بها وإن لم تفد له الظنّ بالواقع ، بل وإن حصل له الظنّ بواسطة أمارة بخلافها)([6])
وتوضيح كلامه مع إضافة: انه لا منافاة بين التعبد والتعقل أو بين نوع من الموضوعية والطريقية (ومن صغريات ذلك: ان يكون الشيء حجة من باب التعبد لكنه تكون الاقربية مرجحة له رغم توهم ان الحجية من باب التعبد تعني قطع النظر كلّيا عن جهة الاقربية والطريقية).
وذلك مما يظهر بالتدبر في كلمة (التعبد) فان المراد بها ليس عدم لحاظ الشارع الاقربية للواقع ثبوتاً مطلقاً ولا عدم اعتبار الظن الأقوى ملاكا في عالم الإثبات مطلقاً، بل المراد عدم اعتباره الظن الشخصي ملاكا، فالتعبد إنما هو بالإضافة للظن الشخصي لا بالإضافة إلى الظن النوعي.
بعبارة أخرى: ان الظن الشخصي ملغى في نظر الشارع (سواء الظن بالوفاق فليس بمعتبر أم الظن بالخلاف فليس بضار، وكذلك الشك بشكل أولى).
اما الظن النوعي فهو المعتبر وليس التعبد بالإضافة إليه بل انه من جهته فالطريقية هي المعتبرة لكن الطريقية النوعية لا الشخصية ولا الفعلية.
وبعبارة أخرى: (التعبد) يعني انه لا معيارية لظنك الشخصي الفعلي، لكنه لا ينفي معيارية ومدارية الظن النوعي بل وكونه على درجات كما سيأتي.
ثم ان ذلك كله فنياً صحيح كما أوضحناه لكنه لا يغير من جوهر إشكالاتنا السابقة([7]) شيئاً، فتدبر جيداً وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
(الحكمة):
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ وَهْبٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) يَقُولُ: ((اطْلُبُوا الْعِلْمَ وَتَزَيَّنُوا مَعَهُ بِالْحِلْمِ وَالْوَقَارِ وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ تُعَلِّمُونَهُ الْعِلْمَ وَتَوَاضَعُوا لِمَنْ طَلَبْتُمْ مِنْهُ الْعِلْمَ وَلَا تَكُونُوا عُلَمَاءَ جَبَّارِينَ فَيَذْهَبَ بَاطِلُكُمْ بِحَقِّكُمْ)) (الكافي: ط – الإسلامية ج1 ص36)
([1]) تعليقة على معالم الأصول ج7 ص462.
([2]) الظاهر، حسب المصطلح، هو ان الامارات تستعمل في الأدلة على الموضوعات والحجج تستخدم في الأدلة على الأحكام، ونظير الحجج الطرق والأدلة، نعم كل منها لغةً أعم لكنه جرى اصطلاح الأصوليين وجريهم العملي على ما ذكر، وقد فصلنا ذلك في كتاب (الحجة، معانيها ومصاديقها) فراجع.
([3]) إذ ترجيح الامارات بعضها على البعض بمرجحات حدسية (كالاعدلية) ولأن بعضها حدسي كاليد، وفيهما تأمل: إذ بعض المرجحات حسية كالأكثر عدداً في البينة واما الاعدلية فهي حدسية لأنها الملكة ودرجاتها حدسية، بل حتى على انها الاستقامة على جادة الشرع فانه يحدس من ما رؤي غيُره مما لم يرَ كما فصلناه سابقاً، واما اليد فهي حسية.. وهنا أخذ ورد يطول به المقام.
([4]) راجع آخر الدرس السابق، وهنا نضيف: مع ان الأضبط والأكثر تثبتا لا شك في انه أقرب للواقع وأقوى في إيراث الظن ومع ذلك لم تذكره الرواية بل أرجعت للقرعة.
([5]) أي التعبد.
([6]) تعليقة على معالم الأصول ج7 ص463.
([7]) في هذا الدرس وفي الدرس السابق.
السبت 8 جمادي الاولى 1436 هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |