||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 55- بحث اصولي: المراد من (مخالفة الكتاب) الواردة في لسان الروايات

 37- فائدة اصولية روائية: الاصل ان يكون جواب الامام عليه السلام على قدر سؤال السائل، فلا دلالة في سكوته على امضاء التفريعات

 28- (وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم) فلسفة التأويل ومعنى التأويل وحكم التأويل

 167- فائدة رجالية: دعوى الاجماع على صحة أحاديث كتاب من لا يحضره الفقيه من قبل علمين من اعلام الطائفة

 189- من حقوق الائمة ( عليهم السلام ) : المعرفة والطاعة وان تؤثر هواهم على هواك

 لقاء مع اساتذة و طلبة جامعة اهل البيت عليهم السلام

 81- (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل)-6 مناشئ تولد حق السلطة والحاكمية: 2- القهر والغلبة موقع (الجيش) في خارطة الدولة(1)

 314- (خلق لكم ما في الأرض جميعاً) 2 الأرض للناس لا للحكومات

 267- (وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ) 5 من مخاطر الشك واضراره واسبابه وبواعثه وحل الامام علي (ع) لظاهرة التشكيك

 134- من فقه الحديث: في قوله (عليه السلام):((إنّا لا نعد الفقيه منهم فقيهاً حتى يكون محدثاً))



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 161- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23591571

  • التاريخ : 19/03/2024 - 05:37

 
 
  • القسم : الفوائد والبحوث .

        • الموضوع : 21- بحث اصولي: عن حجية قول اللغوي ومداها .

21- بحث اصولي: عن حجية قول اللغوي ومداها
27 جمادى الأول 1436هـ

 
 
الكلام في مدى حجية قول اللغوي أوعدمه، والأدلة التي أقيمت على ذلك.
الأدلة على عدم حجية قول اللغوي:
 
استدل الميرزا النائيني وكذلك السيد الخوئي مجموعاً بأدلة ثلاثة على عدم حجية قول اللغوي، وهي:
الدليل الأول: اللغوي ليس من شأنه تعيين الموضوع له
 
إن اللغوي ليس من شأنه تعيين الموضوع له، وإنما شأنه تحديد موارد الاستعمال لا غير، والاستعمال أعم من الحقيقة، ونص عبارته: >لأن أهل اللغة شأنهم بيان موارد الاستعمالات، وتشخيص مواردها لا يحتاج إلى إعمال الحدس والرأي، بل هو من الأمور الحسية...< ([1]). انتهى.
وقال في المصباح: >لا يصح الرجوع إلى كتب اللغة؛ لأنها لم توضع لبيان الموضوع له، بل لبيان ما يستعمل فيه اللفظ حقيقة كان أو مجازاً<([2])، أي: إنّ اللغة وضعت لكي تشخص موارد الاستعمال فقط، الأعم من الحقيقة والمجاز، وهذا الإشكال هو إشكال صغروي، وعليه فالرجوع إلى اللغة لتشخيص الموضوع له رجوع في غير محله، وأمر لغو.
الدليل الثاني: اللغوي ليس من أهل الخبرة في الوضع
 
إنّ اللغوي ليس من أهل الخبرة في الوضع. نعم، هو من أهل الخبرة في المستعمل فيه، وهذا إشكال صغروي أيضاً، ويختلف عن الأول بأنه حتى لو فرض كون اللغوي أهل خبرة فإنه لم يتصدّ في كتابه اللغوي لبيان الموضوع له، بل تصدى لبيان موارد الاستعمال فقط.
الدليل الثالث: رأي اللغوي ليس بحجة
 
وهو: أنه حتى لو فرض أن اللغوي هو من أهل الخبرة، وأنه قد تصدى لذلك في كتب اللغة، ولكن مع ذلك فرأيه ليس بحجة، والدليل على >أنّها لم توضع لبيان الموضوع له، بل لبيان ما يستعمل فيه اللفظ حقيقة كان أو مجازاً< هو: >وإلا لزم كون جميع الألفاظ المستعملة في اللغة العربية ـ إلا النادر ـ مشتركاً لفظياً؛ لأن اللغويين يذكرون للفظ واحد معاني كثيرة، وهو مقطوع البطلان<([3]). انتهى.
مناقشة أدلة عدم حجية قول اللغوي([4]):
 
أما الدليل الأول([5]) فيرد عليه بوجوه:
الوجه الأول: شأن اللغويين بيان الموضوع له الحقيقي([6])
 
إن التشخيص الصغروي الذي ذكره محل نظر، بل الأمر بعكس ما ذكره، فإن
 
اللغويين عامة قد تصدوا تمام التصدي لتحديد الموضوع له، كما أن من شأن اللغوي تحديد الموضوع له، ويظهر ذلك جلياً بتتبع كتب اللغة، فإننا نجد عموماً ـ إلا النادر ـ وباستقراء شبه تام ما يدل على مدعانا؛ فإن اللغويين لا يفسرون بالمجازات، ولا يذكرونها كمعانٍ للألفاظ، بل يذكرون المعاني الحقيقية فقط، ويكفي في هذه العجالة أن تلاحظوا الكلمات التالية، فمثلاً: القمر يذكره اللغويون بمعناه الحقيقي، وهو القرص المعروف، ولا نجد في كتب اللغة أن من معانيه (مضيء الوجه) مع أنّه مجاز مشهور فيه، وكذلك (البحر) إذ نقول: بحر في علمه، ولا نجد في كتب اللغة تفسير البحر بالعلم، وكذلك لفظ الأسد؛ إذ لا نجد الرجل الشجاع مذكوراً في جملة معانيه في كتب اللغة.. وهكذا سائر الألفاظ المجازية المعروفة، ولذا فإن تلك الدعوى غير تامة؛ فإن اللغوي في كتابه يذكر المعنى الحقيقي فقط.
كما أن السيد الوالد صرح بذلك أيضاً فقال: >واللغوي لا يذكر المجازات إلا مع الإشارة إليها<([7])، أي: مع الإشارة إلى إن هذا المعنى مجازي.
الوجه الثاني: اللازم أعم من التالي الفاسد المذكور
 
ونقول ثانياً: إن الاستدلال بـ >وإلا لزم أن تكون جميع الألفاظ المستعملة ـ إلا النادر ـ مشتركاً لفظياً< حيث ذكر اللغويون للألفاظ معاني كثيرة، وعليه ستكون هذه المعاني من المشتركات اللفظية وسيكون غالب لغة العرب هكذا، وهذا مقطوع البطلان<، وغير تام.
فإنه لا يلزم من المقدَّم خصوص ما ذكره من اللازم؛ لأن اللازم هو الاشتراك، أعم من كونه اشتراكاً لفظياً أو معنوياً، فلا يلزم خصوص الاشتراك اللفظي المدعى([8])، فالمقدم الذي ذكره السيد الخوئي لا ينتهي إلى خصوص الاشتراك اللفظي ليلزم من القطع ببطلان التالي بطلان المقدم، بل الظاهر أن تعدد المعاني هو لكونها أصنافاً للموضوع له، وكونها بنحو الاشتراك المعنوي، أي: إن الوضع كان للجامع، وهذه المعاني المتعددة كلها فروع ومصاديق له، وقد بينا سابقاً كون ذلك هو مقتضى الحكمة، ومقتضى دأب الحكيم في الوضع، كما يدل على ذلك مراجعة الكتب اللغوية المتعددة، كمعجم مقاييس اللغة، وكتاب الفراهيدي([9]) وغيرها.
الوجه الثالث: اللغوي من أهل الخبرة دون ريب
 
قالوا: إنه حتى لو تصدى اللغوي لبيان الوضع والموضوع له فإنه ليس بأهل خبرة؛ ولذا فكلامه ليس بحجة: >وإن شئت قلت: ليس اللغوي من أهل الخبرة بالنسبة إلى تعيين ظواهر الألفاظ بالوضع أو بالقرينة العامة، بل هو من أهل الخبرة بالنسبة إلى موارد الاستعمال فقط<([10]) . انتهى.
إن اللغوي هو من أهل الخبرة، بل هو الأكثر خبرة وخبروية من أي شخص آخر أو جهة أخرى؛ حيث إنّه قد صرف سِنيّ عمره الطويلة، ولعله كل عمره في تتبع اللغة ومفرداتها وجذورها  وتفريعاتها ومعانيها([11])، وإذا لم يكن أهل اللغة خبراء في الألفاظ وما وضعت له، فمَْن هم أهل الخبرة بذلك؟ ومما يدل على ذلك الرجوع لأجل معرفة اللغات الأخرى إلى أهل اللغة عند إرادة التعرف على معاني الكلمات وما وضعت له.
إشكال: تعيين معاني الألفاظ أمر حسي([12])
 
قالوا: سلمنا أن اللغوي هو أهل خبرة في الوضع، وأنه قد تصدى لذلك، ولكن مع كل هذا فإن قوله ليس بحجة؛ لأن أهل الخبرة لا يطلق إلا على مَنْ يكون أهل خبرة في الحدسيات، وحينئذٍ فرأيه حجة، كالطبيب والمهندس وما أشبه، وأمّا الحسيات، وبحسب المبنى الذي ارتضاه السيد الخوئي، فإنها داخلة في دائرة الشهادة، وليست في دائرة أهل الخبرة.
نعم لو أدخلت الحسيات في دائرة أهل الخبرة فهي حجة؛ لأن قول الخبير كافٍ في المقام وحجة، لكنها داخلة في دائرة الشهادة، وهناك ـ وكما هو معروف ـ شروط للشهادة متعددة، كالحياة والذكورة والعدالة والعدد وغيرها، ولو اُدخل كلام اللغوي في باب الشهادة فإن أكثر كلماتهم تسقط عن الحجية؛ لعدم اجتماع الشروط، وهذا إشكال كبروي في المقام، وقال في مصباح الأصول: >إن الرجوع إلى أهل الخبرة إنما هو في الأمور الحدسية التي تحتاج إلى إعمال النظر والرأي، لا في الأمور الحسية التي لا مدخل للنظر والرأي فيها([13])، وتعيين([14]) معاني الألفاظ من قبيل الأمور الحسية؛ لأن اللغوي ينقلها على ما وجدها من الاستعمالات والمحاورات، وليس له إعمال النظر والرأي فيها <([15])، انتهى.
إذن: الدليل الثاني مركب من شقين، فالصغرى هي إن إخبار اللغوي حسي وليس حدسياً، وأمّا الكبرى فهي أن الإخبارات الحسية ليست مندرجة في دائرة حجية قول أهل الخبرة، وإنما هي مندرجة في باب الشهادة.
مناقشة الإشكال صغرى وكبرى:
 
ولكن من الممكن مناقشة كل من الصغرى والكبرى:
اللغوي يعتمد على الحدس في الوضع([16]):
 
 أما الصغرى، وهي أن اللغوي يعتمد على الحس، وليس على الحدس في تعيين معاني الألفاظ وتشخيص الموضوع له، فنقول: إنّ ذلك ليس بتام؛ لأن اللغوي يعتمد على الحدس في تحديد ما وضع له اللفظ مطلقاً، إلا النادر، لأن الوضع ـ زمناـ لم يحدث في زمن اللغويين كابن الفارس (المتوفى 395هـ) أو الفراهيدي (المتوفى 175 أو 170هـ) أو ابن منظور أو الطريحي، ولا غيرهم من اللغويين؛ ولذا فإن اللغوي لم يسمع من الواضع بنفسه أنه قد وضع هذا اللفظ لذلك المعنى، إنما اعتمد على الحدس؛ لأن اللغوي سمع من العرب استخداماتهم للفظة معينة في معاني معينة، ثم استكشف (الحقيقة) من العلامات التي تذكر للتمييز بين الحقيقة والمجاز، كالاطراد وعدم صحة السلب، والتبادر وصحة الحمل بلا عناية، وكذلك من الاستعمال بضميمة أصالة عدم القرينة ـ وإن كانت العلامة الأخيرة مورد مناقشة([17]) ـ  وكل هذه الأمارات يكتشف اللغوي بواسطتها حدساً الوضعَ.
ولا يستشكل بأن التبادر مما يحصل من دون حاجة إلى مزيد نظر وتأمل وتعمل؛ إذ إن هذا لا ينفي كون العملية التي يقوم بها اللغوي للكشف عن الموضوع له الحقيقي حدسية، ويشهد له ملاحظة الحال في الطبيب المتمرس، فإنه في الكثير من الحالات يتبادر إلى ذهنه تشخيص المرض والعلاج فوراً عند سماع كلام المريض، أو عند مشاهدة ما يظهر عليه من أعراض وعلامات، فإن هذا التبادر لا يخرج رأي الطبيب عن كونه حدسياً، فيبقى قوله حجة من باب كونه من أهل الخبرة، وليس من باب الشهادة.
والحاصل: إن الحدسيات البعيدة عن أذهان البعض قد تكون قريبة لبعض آخر من أهل الخبرة، ونفس الكلام جارٍ في بقية العلامات الكاشفة المتقدمة، ولذلك نجد أن الميرزا النائيني([18]) يعترف بأن تشخيص الموضوع له اللفظ حدسي، وليس حسياً، قال في فوائد الأصول: >نعم، في استخراج المعنى الموضوع له من بين المعاني المستعمل فيها اللفظ قد يحتاج إلى إعمال نحو من الرأي والاجتهاد، وبهذا الاعتبار أمكن اندراج قول اللغوي في ضابط أهل الخبرة([19])<([20]).
وخلاصة الجواب: إن اللغوي هو من أهل الخبرة، ورأيه حدسي في تحديد الموضوع له([21]).
عبارة الحائري:
 
ولا بأس هنا أن نذكر عبارة الشيخ الحائري، حيث ذكر في درر الفوائد ما يوافق قول المعترضين على حجية قول اللغوي، ولكنه مع ذلك يقول: >وأمّا الكبرى ـ  أعني بناء العقلاء على الرجوع إلى أرباب الصناعات في صنعتهم ـ فالإنصاف أنها لا تخلو عن قوة<([22])، انتهى، واللغوي هو من أرباب الصناعات فقوله في هذا الباب يُعَدّ مرجعاً في بناء العقلاء.
لا فرق في الرجوع لأهل الخبرة بين الحس والحدس([23]):
 
وأمّا الكبرى: وهي أنّ قول أهل الخبرة حجة في الحدسيات لا الحسيات، فيرد عليها: إن ما ذكره مناقش فيه، وقد أشرنا إلى ذلك سابقاً، ولعلنا سنتوقف في المستقبل أكثر عند هذا البحث، ولكن نشير إليه ههنا إشارة من خلال أحد الأدلة، فنقول: إنّ رأي أهل الخبرة حجة في الحسيات كما هو الحال في الحدسيات؛ إذ لا فرق بين ما يدرك بالحواس الظاهرة ـ حساً ـ وما يدرك بالحواس الباطنة ـ حدساً ـ  فإن الذي يدرك بالحواس الباطنة هو الحدسيات، وهو طريق من طرق اليقين ومن الضروريات.
والحاصل: إنّ شخصاً لو كان أهل خبرة في الحدسيات ـ كالطب ـ فإن رأيه حجة لبناء العقلاء، كما أنه لو كان من أهل الخبرة في الحواس الظاهرة فرأيه كذلك حجة لبنائهم، رغم ورود احتمال الخطأ في كليهما ـ الحس والحدس ـ ويدل على ذلك أن كلام عالم الجغرافية حجة في مجاله، مع أنّ علم الجغرافيا يعتمد على المشاهدات والحسيات، وكذلك الحال في علم الفلك في حسياته([24])، فإنه يعتمد ويُطمأن إلى قول الفلكي في ذلك، ويعتبر من أهل الخبرة ورأيه حجة، ولا يعتبر فيه ـ في بناء العقلاء ـ ما يعتبر في الشهادة من الحياة والعدد والعدالة وشبهها.
كما أننا نجد أن سيرة العقلاء جارية على الاعتماد على أهل الخبرة في العلوم الحسية، وإنهم يبنون على ذلك، وهذا البحث مبنائي يترك تفصيله لمحله.
ولذلك قال السيد الوالد في أصوله: >إن أهل الخبرة يشمل كليهما([25])، فبين الأمرين عموم مطلق<([26]).  
قول اللغوي حجة على أحد الوجهين([27]):
 
سلمنا بأن قول أهل الخبرة حجة في الحدسيات فقط، ولكن لنا أن نلزم صاحب المصباح بمبناه فنقول: إنّكم قد قلتم: إنّ اللغوي ينقل عن حس لا عن حدس، كما في صغراكم، وعليه: سيندرج كلام اللغوي في دائرة خبر الواحد، وخبر الواحد الثقة حجة بلا كلام.
وبتعبير آخر: لنا أن نردد القضية في إشكالنا، فنقول: إنّ قول اللغوي بالأوضاع إما حدسي وإمّا حسي، فإن كان الأول فهو حجة من باب قول أهل الخبرة، وإن كان الثاني فهو حجة من باب خبر الثقة، وعليه فإن الحجية لقوله ثابتة على كل تقدير([28])، فتأمل([29]) .
إشكالان للمحقق العراقي:
 
ويرد على ما ذكرناه إشكالان، ونذكر عنواني الإشكالين فقط، ولا نلج فيهما، وعليكم بالتدبر في ذلك لكي تتضح الإجابة، فقد طرح صاحب نهاية الأفكار إشكالين هما:
الإشكال الأول: وهو إشكال معروف، حيث يقول فيه([30]): إن أدلة حجية خبر الثقة خاصة بالأحكام الشرعية، ولا تشمل الموضوعات الخارجية، وقول اللغوي من الموضوعات، وجواب ذلك مذكور في الأصول([31])، فراجع.
الإشكال الثاني([32]) : سلمنا أن أدلة حجية خبر الثقة تشمل الموضوعات أيضاً، ولكن يكفي في الردع عن اتباع قول اللغوي قوله× في رواية مسعدة بن صدقة: >والأشياء كلها على هذا حتى يستبين لك غير ذلك، أو تقوم به البينة<([33])، وهذا الإشكال كذلك قد أجاب عنه الأصوليون في بعض كتبهم، ومنهم السيد الوالد فقد ذكر في عدة مواطن جواب ذلك، وجوهر الجواب يرتكز على التدبر في كلمة (تستبين) فإنها مفتاح الإشكال، كما هي مفتاح الجواب، فتدبر.
تتمة مناقشة كلام المصباح([34]):
 
سبق عند مناقشة كلام المصباح: >وليس له إعمال النظر والرأي فيها< أن هناك احتمالين:
الاحتمال الأول: نفي الوقوع، وقد ناقشنا احتمال نفي الوقوع، وأوضحنا أن التتبع والاستقراء يقودنا إلى أن اللغوي قد تصدى بالفعل إلى تحديد الموضوع له، وإلى ذكر المعاني الحقيقية، وأنه بدوره لا يضطلع عادة بالمهمتين، أي: ذكر المعاني الحقيقية والمجازية سوية، إلا مع النص على المعاني المجازية، هذا لو أراد صاحب المصباح بعبارته نفي الوقوع، وإن كان على خلاف ظاهر العبارة، ولكن ذكرنا أن سياق البحث وكلام الأصوليين هو حول نفي الوقوع.
الاحتمال الثاني: وهو احتمال نفي الصحة، ومع هذا الاحتمال فإن عبارة المصباح تبقى على ظاهرها، أي: إنه ليس للغوي أن يعمل نظره في المفردات اللغوية فيقول: إن هذا حقيقة وهذا مجاز، وعبارته هي: >وتعيين معاني الألفاظ داخلاً من قبيل الأمور الحسية؛ لأن اللغوي ينقلها على ما وجده في الاستعمالات والمحاورات، وليس له إعمال النظر والرأي فيها<([35])، انتهى، أي: ليس له ـ حسب الاحتمال الثاني ـ أن يقول ـ حدساً ـ: إنَّ هذا معنى حقيقي، وذاك معنى مجازي.
اللغوي هو الأحق من غيره للاضطلاع بهذه المهمة:
 
أقول: لو كان احتمال نفي الصحة هو المراد فإنه ليس بتام أيضاً، فإذا لم يكن اللغوي هو الذي لديه الحق والصلاحية لإعمال النظر في الموضوع له فمَنْ هو الأحق منه بذلك؟
والجواب يظهر بالترديد بين محتملات عديدة منها يتبين الحق، وأحد المحتملات أن يكون ذو الحق والصلاحية هو عامة الناس، مع أنّهم ليسوا من أهل التخصص في اللغة، ولو كان الأمر كذلك وأن لعامة الناس إعمال النظر والرأي، وفي إعمال علامات الحقيقة للتمييز بين الحقيقة والمجاز، فإنه لو ثبت ذلك لهم فلماذا لا يكون ذلك الحق للغوي أيضاً؟ فإنه إضافة إلى كونه من عامة الناس فإنه خِرّيت هذا الفن، ومجال عمله وبحثه هو اللغة ومفرداتها وما وضعت له، والشاهد الأبرز على ذلك كتاب معجم مقاييس اللغة وكتاب العين؛ فإننا نجد أنهما يتحدثان عن الموضوع له وأصوله، مما يشهد لهما بسعة الباع وكثرة الإطلاع.
وأمّا الاحتمال الآخر فهو إن الاضطلاع بالمهمة المذكورة هو من حق سائر المتخصصين في سائر العلوم كالفقهاء والأطباء والمهندسين وغيرهم، ولو كان الأمر كذلك فلِمَ لا يكون اللغوي أيضاً ممَنْ له النظر والرأي حاله كحالهم؟ بل هو الأحق من الجميع لكونه الأكثر ممارسة، والأوسع مدىً في البحث عن الموضوع له اللفظ، ونظرة سريعة إلى الكتب اللغوية تشهد بأن اللغوي أكثر خبروية من غالب ـ لو لم يكن كل ـ المتخصصين في الحقول الأخرى.
بل نضيف: إن بعض اللغويين قد تطرقوا إلى المعاني المجازية، ولكن كي لا تختلط الحقيقة بالمجاز ـ ولعل صاحب القاموس منهم ـ فقد صرح بأن المعنى الذي يذكر أولاً هو الحقيقة، ثم بعد ذلك تذكر المعاني المجازية، فنجد أن اللغوي يضع الضابط لتفريق الحقيقة عن المجاز إذا أراد ذكر المجازات.
دعوى عدم الوثوق بقول اللغوي:
 
ولكي يكتمل البحث لا بد أن نذكر عبارة الميرزا النائيني في تأكيد مبناه من عدم حجية قول اللغوي، ونناقشها بإيجاز، حيث يقول في فوائده: >مع أنّه لو فرض أنه([36]) عيَّن المعنى الموضوع له ففي حصول الوثوق من قول لغوي واحد محل منع، فالإنصاف أن كون اللغوي من أهل الخبرة واعتبار قوله لذلك دون إثباته خرط القتاد<([37]).
الجواب: الوثوق النوعي حاصل([38])
 
وقد مضى النقاش مع الميرزا النائيني ونضيف: هل أن مراده من الوثوق الذي منع حصوله، الوثوق الشخصي أو الوثوق النوعي؟ فإن كان مراده هو الوثوق الشخصي فإن ذلك ليس بلازم؛ حيث إنّ كل الحجج النوعية ـ كخبر الثقة والظواهر والبينة وغيرها ـ غير معتبر فيها الوثوق الشخصي، وهذه مسألة مسلمة، وإن كان مراده هو الوثوق النوعي فإننا نقول: إن ذلك حاصل في المقام، فإن الوثوق النوعي من كلام اللغوي الواحد حاصل، وموجود بدليل بناء العقلاء على ذلك في كل الملل والنحل.
توضيح بناء العقلاء:
 
ولتوضيح بناء العقلاء نذكر جوابين حلي ونقضي: أما الحلي: فإن مما يرشدنا إلى حصول الوثوق النوعي من كلام اللغوي الواحد في تحديد الوضع، هو أننا عند مراجعتنا لسائر اللغات نجد أن بناء العقلاء في كل ملة وأمة فيما لو أرادوا معرفة معنى كلمة في لغة معينة، على أن يراجعوا أحد المعاجم الموجودة في تلك اللغة، ويكتفون بذلك لمعرفة ما وضع له اللفظ في لغتهم. نعم، يمكن أن يريد أحدهم مزيد التحقيق في الكلمة المرادة، ودلالاتها المختلفة وحدودها، كما يمكن أن يريد تحصيل الاجتهاد في ذلك، لكن هذا بحث آخر([39]).
وأمّا النقضي: فإنه ينقض على كلام الميرزا بالطبيب وغيره، حيث نلاحظ أن الأفراد عندما يرجعون إلى الطبيب فإنه ليس من الضروري حصول الوثوق الشخصي بقول كل طبيب في كل قضية، وإنما المطلوب هو الوثوق النوعي، ووجه حجية قول الطبيب واتباعه هو هذا، وكذلك الحال في الرجوع إلى اللغوي، فإن الوثوق النوعي ـ لغير الشكاك ـ حاصل.
حكاية الإجماع على حجية قول اللغوي([40]):
 
ولابد هنا من ذكر الإشارة إلى أن الميرزا النائيني ـ وهو من أنصار الرأي القائل بعدم حجية قول اللغوي، ولعله المؤسس من المعاصرين لهذا الاتجاه ـ له كلمة ذات دلالة بالغة، فإنه يحكي أن هناك إجماعاً منقولاً من السابقين على حجية قول اللغوي، ثمّ إنّه لم يناقش في تحقق الإجماع صغروياً، ويبدو من ذلك ومن نقله له أن الإجماع وإن لم يكن ثابتا فرضاً، فإنه لا أقل يكشف عن وجود شهرة عظيمة بين القدماء على حجية قول اللغويين.
والإجماع المنقول يعتبر مؤيداً على أقل الفروض.
وأمّا عبارة الميرزا فهي: >قد حكي الإجماع على اعتبار الظن الحاصل من قول اللغوي بالخصوص([41]) لا من باب الظن المطلق<([42])، انتهى، أي: ليس حجة من باب الظن المطلق على الانسداد([43]).
 
 
 
([30]) انظر: نهاية الأفكار3: 94، حيث يقول المحقق العراقي في الرد على استدلال القائلين بحجية قول اللغوي بما دل على حجية خبر الواحد: >وأما الوجه الثاني فيدفعه اختصاص أدلة حجية خبر الواحد بالأحكام الشرعية،  وعدم شمولها للموضوعات الخارجية، وعلى فرض تسليم قيام السيرة و بناء العقلاء على الأخذ بخبر الواحد حتى في الموضوعات، نقول: إنه يكفي في الردع عن بنائهم قوله× في رواية مسعدة بن صدقة: والأشياء كلها على هذا حتى تستبين أو تقوم بها البينة، مضافاً إلى أن دأب اللغويين ليس إلا بيان موارد الاستعمالات لا بيان المعنى الموضوع له هذا<.
([31]) انظر: نهاية الأفكار3: 94 ـ 95، وفيه: >وربما يورد عليه بأن قول اللغوي‏ من جهة تضمنه لإعمال الاجتهاد والرّأي يكون من الإخبار عن الحدس، فلا يكون مشمولاً لأدلة حجية خبر الواحد لاختصاصها كأدلة الشهادة بالأخبار عن حس أو الحدس القريب منه، ولكن يضعف بأن إخباره إذا كان مستنداً إلى اللوازم المحسوسة العادية أو القرائن النوعية الملازمة مع المخبر به، كشياع المعنى عند أهل تلك اللغة كان داخلا في الحدسيات القريبة من الحس فتشمله أدلة حجية الخبر، فالعمدة في الإشكال عليه هو ما ذكرناه من الإشكال كبروياً وصغروياً<.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : 27 جمادى الأول 1436هـ  ||  القرّاء : 21725



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net