172- تحقيق المراد من ( لم تقولون مالا تفعلون ) جواباً على شبهة ان المصبّ هو القول مع انه معروف ، والوجوه اربعة : 1ـ انه من اجتماع الأمر والنهي 2ـ النهي على عدم الفعل وجعل المصبّ القول ، لحكمة الإلزام 3ـ النهي على المجموع والهيئة الاجتماعية
الاثنين 18 ربيع الاول 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث حول الاستدلال على حرمة خلف الوعد بالآية الشريفة (لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ)، وقد ذكرنا كلام الشيخ الأنصاري وكذلك كلام السيد الوالد، ومضى بعض الحديث عن ذلك، وخلصنا إلى أن الآية المباركة تشمل صورا سبعة، ستة منها مرتبطة بزمن المستقبل، وأما الصورة الأخيرة فهي ترتبط بالزمن الحاضر.
هل الذم في الآية على القول أو على الترك؟
وطرحنا إشكالا مهما وهو: إن الظاهر من الآية المباركة (... لِمَ تَقُولُونَ...) أن مصب الذم والتقريع هو النهي عن أن يقول الشخص ما لا يعمل، وليس الذم على عدم العمل بما قاله؛ فان الآية هي (لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ) وليست ( لما لا تعملون ما تقولون)، والفرق بينهما كبير؟
فلو ان شخصا نصح الناس ونهاهم عن الغيبة أو الكذب ولكنه كان أحيانا يغتاب أو يكذب، فان النهي في الآية لو كان مصبه هو القول فنُصحه ونهيه حرام أو مذموم، ولكن لو كان مصب النهي هو عدم الفعل فالحرمة ستُحمل على غيبته او كذبه اما قوله ونصحه ونهيه فهو صحيح وليس مراداً من الآية.
ولكن - وكما هو ظاهر- فان المصب بدوا هو القول لا الفعل، وعليه فلابد من مخرج عن هذا الإشكال إذ كيف يقال بانه يحرم على من لا يصلي أن ينهى ابنه مثلاً عن ترك الصلاة؟ أو انه يُذم على هذا النهي مع ان النهي عن المنكر واجب وتركه حرام آخر إضافة إلى حرمة ترك الصلاة مثلاً؟
جواب الشبهة والإشكال حول الآية المباركة، بوجوه أربعة
وهناك وجوه أربعة للجواب على الشبهة المتوهمة حول الآية([1]):
الوجه الأول: إن المورد من موارد اجتماع الأمر والنهي وتزاحمهما
الوجه الأول: وهو مبني على تسليم ان النهي والذم هو نهي عن القول - وكما هو ظاهر الآية الشريفة - إلا أن المورد سيكون من قبيل اجتماع الأمر والنهي، فأما كونه([2]) مورد الأمر فهو وجوب القيام بوظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولذا فعلى المتكلم او الخطيب أن يأمر بالمعروف أو ينهى الآخر عن المنكر؛ لان ذلك واجب.
إذن: قوله وان لم يعمل بمفاده حسن وواجب لأنه أمر بالمعروف أو نهي عن المنكر، هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن قول ذلك المتكلم او الخطيب حيث انه قول بلا فعل فانه حسب المستفاد من هذه الآية وظاهرها فهو قبيح وحرام فصار المورد من اجتماع الأمر والنهي والتزاحم بينهما فان كلا الملاكين موجود في المقام، إلا إن ملاك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أقوى من ملاك (لم تقولون ما لا تفعلون) فيقدم عليه, وعليه فالمكلف لابد ان يأمر وينهى بالرغم انه يقول ما لا يفعل([3]).
ويوضحه: الخروج من الغصب, فلو ان شخصا دخل دارا مغصوبة عالماً عامداً فلابد ان يخرج فورا منها ولكن ما هو حكم خروجه؟ الجواب: ان خروجه واجب ولكنه حرام أيضا, فهو من موارد التزاحم واجتماع الأمر والنهي، فانه من حيث ان الخروج بنفسه هو نوع تصرف في الغصب، فهو حرام، ومن حيث أن خروجه مقدمة للكون خارج البيت المغصوب والتخلص من استمرار الغصب فهو واجب، فكلا الملاكين متوافر.
ولكن مادام المكلف قد أوقع نفسه في المحظور لسوء اختياره فهو يستحق العقوبة، ولذا فالشارع يوجب عليه الخروج ومع ذلك فانه يستحق العقوبة على نفس هذا الخروج لأنه أوقع نفسه فيه بسوء اختياره ومع ذلك وحيث ان ملاك الخروج أقوى من ملاك البقاء - ذي التصرف الأقل - وجب.
هذا هو الوجه الأول لدفع الشبهة حول الآية الكريمة ([4]).
الوجه الثاني: مفاد الآية النهي عن عدم الفعل، والقلب([5]) إشارة دقيقة إلى وجه الاحتجاج
الوجه الثاني:
إن النهي في واقع الآية الشريفة منصب على الترك (ما لا تفعلون)، أي ترك الفعل لا على نفس القول – على خلاف ظاهر الآية لقرينة ستأتي – فيكون المراد من الآية هو (لم لا تفعلون ما تقولونه) فيكون النهي عن ترك نفس الصلاة وليس المصب هو الأمر بها (صل)، ولكن قد ورد العكس والقلب في الآية المباركة من اجل إشارة دقيقة إلى وجه الاحتجاج على الطرف الآخر وإلزامه، وهذا عرفي فلو أن شخصا سرق وكان مع ذلك ينصح الآخرين بلا تسرقوا فانه يقال له: لم تقول مالا تفعل، والمراد إلزامه والاحتجاج عليه بان السرقة وحرمتها مسلمة عندك حتى انك تعمل على نهي الغير عنها فلم تفعل هذه الفعلة القبيحة؟
والخلاصة: إن الحرمة وملاكها منصب على ترك الفعل، لكن صُبَّ الذمُّ على القول كي يكون الاحتجاج عليه أقوى؛ اذ من يدعو إلى عدل ويميل عنه فهو مذعن به فيُلزم بذلك.
إذن: المصب بلحاظ الاحتجاج لا لوجود ملاك حرمة القول فيه
الوجه الثالث: مصب النهي هو: المجموع والهيئة الاجتماعية
الوجه الثالث:
إن النهي قد انصب على الهيئة الاجتماعية والمجموع من حيث انه مجموع, إذ انه تارة نقول إن مصب النهي هو نفس القول, وهذا هو الوجه الأول الذي ذكرناه، وتارة أخرى نقول إن مصب النهي هو نفس ترك الفعل – مقول القول- وهذا هو الوجه الثاني، ولكن تارة ثالثة نقول: إن المجموع هو المنهي عنه والقبيح
ويوضحه: ان شخصا لو طلب حاجة من شخص آخر، فوعده الثاني بقضائها عازماً على ذلك، إلا إن الأول كرر الطلب وألح فيه، فان الثاني له ان يخاطب الأول فيقول له: لم تقول لي ما قلته قبلاً؟ فعتابه وإشكاله هنا ليس على القول الحاضر فقط أو السابق فقط وإنما مصب العتاب هو مجموع القول الآني والسابق أيضا، أي: هما – كلاهما - سبب الضجر للشخص الثاني.
وفي صغرى بحثنا: قد يقال ان الله تعالى لا يذم على صِرف القول كالأمر بالمعروف فان هذا حسن، وكذلك لا يذم على صرف ترك الفعل كترك الصلاة لان الخطاب في الآية هو (لم تقولون) وظاهره النهي على نفس القول لا (لم لا تفعلون)، ولكن الذم منصب على المجموع منهما وهو القول المتلبس بعدم الفعل او الترك المتلبس بالقول.
تتمة دقيقة ودفع شبهة:
وهنا نذكر تتمة دقيقة وهي: لو كان الوجه الثالث تاما فكيف للمكلف ان يدفع الذم أو العقاب؟
والجواب: ان ذلك يتم من خلال رفع احد ركني الموضوع، إما ان يرفع القول فلا يقول للآخر (صل)، او انه يرفع ترك الفعل بان يصلي، ولكن الوجدان يشهد بان رفعه اليد عن ترك الفعل هو المطلوب لا رفعه اليد عن القول (أي الأمر بالمعروف). فتأمل وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) وعدد من هذه الوجوه لا مانعة جمع بينها
([2]) أي كون أمره بالمعروف الذي لا يعمل به هو، كأمره غيره بالصلاة أو الخمس وهو لا يصلي أو لا يخمس.
([3]) وقوة الملاك هو ان مفسدة شربه للخمر اقل من مفسدة ترك ابنه يشرب الخمر ويستمر في فعله
([4]) وهذا الوجه ليس بمنصور لجهات عديدة.
([5]) أي قلب النهي.
الاثنين 18 ربيع الاول 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |