184- تتمة كلام فقه الصادق والمناقشة ــ المشهور : حقيقة الجملة الخبرية انها وضعت للنسبة الخارجية ؟ الاشكال الاول: لاتوجد نسبة في الكثير من الجمل كـ( الانسان ممكن ) و ( الدور محال )
الثلاثاء 11 ربيع الثاني 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث حول التورية وهل هي كذب موضوعا او لا؟ ذكرنا ان صاحب فقه الصادق ( عليه السلام ) ذكر برهانا دقيقاً على رأي الشيخ، وحيث انه لخص وطور كلمات الاخرين في ذلك ومن تبعه فلذا اعتمدنا على قوله كمصدر للنقاش.
كلام (فقه الصادق) وتوضيحه:
ونكمل كلام صاحب فقه الصادق ( عليه السلام ) حيث قال (فانه قد وقع الخلاف فيه من جهتين بعد الاتفاق على أن الكذب عدم المطابقة:
الأولى: في المطابِق بالكسر، وأن العبرة بعدم مطابقة المراد أو بعد مطابقة ظهور الكلام.
الثانية: في المطابَق بالفتح، وان المعتبر عدم مطابقة الكلام للواقع، أو عدم مطابقته للاعتقاد، أو عدم مطابقته لهما معاً)([1])
وحاصله مع مزيد توضيح له:
ان الخلاف في بحث ملاك الكذب قد وقع في شيئين, الجهة الاولى في المطابق بالكسر وان العبرة هل هي بعدم مطابقة المراد للواقع او بعدم مطابقة ظهور الكلام له؟ والمشهور وقولا النظّام والجاحظ هو جعل المناط عدم مطابقة ظهور الكلام للواقع، واما الشيخ الانصاري ومن تبعه فقد ذهب الى ان المقياس في الصدق والكذب هو عدم مطابقة المراد الجدي للواقع
اضافة توضيحية وقيد جديد:
قال (...أو بعدم مطابقة ظهور الكلام ...) أقول ان الظهور المذكور إما ان يكون ظهورا أوليا او ثانويا، فالأولي هو ماكان ظهورا للكلام مع عدم القرينة، والثانوي ما كان الظهور معها ببركتها إذ مع القرينة المتصلة يندك الظهور الأولي ويضمحل
ومعه: فان الصدق هو مطابقة أي من الظهورين للواقع ان كان وإلا فكذب.
اضافة مهمة: وجود محور ثالث محتمل في ملاك الصدق والكذب
حتى الان كان النزاع في ملاك الصدق والكذب يدور حول محورين وهما هل ان مطابقة ظهور الكلام للواقع هو المقياس في الصدق والكذب؟ او مطابقة المراد الجدي المبرز بالكلام للواقع هو المقياس؟ وهذان احتمالان، ولكن نضيف احتمالا ثالثا لم يذكرونه وهو مطابقة الاعتقاد المبرز بالكلام للواقع.
الفرق بين الاعتقاد والارادة الجدية :
ولتوضيح ما ادعيناه من ان هناك احتمالا ثالثا كملاك للصدق والكذب وهو الاعتقاد المبرز، لا بد من التفريق بين الاعتقاد المبرز والارادة الجدية المبرزة فـ:
أولاً: الاعتقاد هو متقدم عليها رتبةً وهي متأخرة عنه.
ثانياً: هما قد يتوافقان وقد يتخالفان،
ثالثاً: ان الاعتقاد يتعلق بالجواهر كما يتعلق بالصفات والأفعال كمن يعتقد بوجود الله تعالى، واما الارادة فإنها لابد ان تتعلق بالأفعال, ولو تعلقت بالجواهر فلابد من فعل مستبطن في المقام ([2])،
ولنذكر مثالا عرفيا يظهر به الفرق بشكل أوضح فلو قال شخص مسلم في مقام التقية او التورية: (ان عيسى ليس بنبي) فلدينا هنا أمور ثلاثة: ظاهر للكلام والاعتقاد والارادة الجدية, اما ظاهر كلامه وهو ان عيسى ليس بنبي فهذا كذب بناء على ان المقياس هو ظاهر الكلام، واما بناء على كون المناط هو الاعتقاد فحيث ان الفرض انه مسلم فهو معتقد بنبوة عيسى فخالف اعتقاده قوله وليس اعتقاده خطأ ولا كذبا (لو قيس بالنسبة لعالم الثبوت والواقع) كما انه ليس كلامه كذبا لو كان المناط والملاك هو مطابقة القول للاعتقاد([3])، واما مراده الجدي فهو ان عيسى ( عليه السلام ) ليس بنبي خاتم، وهذا القيد هو قيد مضمّن لفرض قصده التورية ولم يصرح به لمناسبة حاله ومقامه.
مثال آخر: قول إبراهيم ( عليه السلام ) (بل فعله كبيرهم) ووجوهه
واما المثال الاخر لتوضيح الفرق بين الملاكات الثلاثة المحتملة ,أي : ظاهر الكلام والاعتقاد والمراد الجدي فهو قول النبي ابراهيم ( عليه السلام ) عندما حطم الاصنام وعلّق الفأس في رقبة كبيرهم ثم قال: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ)، أَما ظاهر القول فكذب لعدم مطابقته للواقع([4])، وأما معتقَد النبي ابراهيم ( عليه السلام ) فهو ان كبيرهم لم يفعل ذلك ؛ إذ هو بنفسه من كسر الاصنام، واما المراد الجدي فهنا معترك لأقوال اربعة في بيانه، والجواب المعروف هو ان فعل الكبير وتكسيره الاصنام قد علق في كلام إبراهيم ( عليه السلام ) على قيد وشرط وهو (إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ), وانتفاء الشرط يفيد انتفاء المشروط فحيث انهم لا ينطقون فلم يفعله كبيرهم، ولكن بعض الاعاظم استشكل على ذلك بإشكال دقيق ولنا على إشكاله جواب دقيق لا ندخل فيه الان.
واما جوابنا - الذي خطر بالبال - فهو ان مراد ابراهيم ع هو الشأنية لا الفعلية في المقام، أي : ان كان ينطق هؤلاء الاصنام فان من شأن الكبير ان يفعل ذلك وان يكسر الاصنام الاخرى، وهذا توجيه لا يرد عليه اشكال بعض الاعاظم.
والخلاصة : ان المراد الجدي امر والاعتقاد امر اخر وظاهر اللفظ امر ثالث
وعليه: فمن اراد ان يحقق مفهوم الصدق والكذب ويصل الى القول المنصور فلابد من اضافة الاحتمال الثالث الى اخويه أو تحقيق الحال في رده أو قبوله ليتبين بعد ذلك الراي الصحيح.
فقه الصادق ( عليه السلام ): الجملة الخبرية ليست موضوعة للنسب الخارجية
ثم ان السيد الروحاني بعد ذلك يناقش المشهور في مبناهم حول الصدق والكذب فيقول: ان المشهور بنوا تعريفهم للصدق والكذب([5]) على ما بنوا عليه في حقيقة الجملة الخبرية – بموضوعاتها ومحمولها ونسبتها – وانها قد وضعت للنسبة الخارجية؛ أي ان للجملة الخبرية هيئة نوعية موضوعة للنسبة الخارجية كما في زيد قائم .
وتوضيح ذلك:
ان الموضوع وهو زيد مثلاً هو من الجواهر والمحمول وهو قائم من المشتقات والصفات ولابد من وجود نسبة رابطة بينهما في الواقع قائمة بهما هي التي تصحح نسبة القيام الى زيد والجملة الخبرية قد وضعت لهذه النسبة الخارجية، وما ذكره المشهور في حقيقة الجملة الخبرية ونسبتها لو تم لصح قولهم من ان الصدق والكذب ملاكه مطابقة ظاهر الكلام وعدمها للواقع، ولكن السيد الروحاني أستشكل على ذلك بإشكالات ثلاث :
الاشكال الاول: النسبة الخارجية غير متحققة في كثير من الجمل كـ(الانسان ممكن) و(الدور محال)
اما الاشكال الاول فقد قال (الأول: عدم وجود النسبة في كثير من الجمل كقولنا الإنسان ممكن ونحوه) وتوضيحه: ان كثيرا من الجمل الخبرية كجملة (الانسان ممكن) ليس فيها نسبة خارجية مع كونها جملاً خبرية؛ اذ الامكان ليس امرا خارجيا, انما هو امر انتزاعي([6])، إذ أ- لو قلنا بان الامكان موجود بالخارج بنفسه لورد اشكال وهو انه كيف يرتبط هذا الامكان المتشخص بالفرد؟ ثم انه سيكون في جوهره وداخله غير ممكن, ب- ولو قلنا انه غير موجود بالخارج فكيف تكون النسبة بين زيد وامكانه نسبة خارجية؟!
ونضيف – تقوية للإشكال– مثالا اخر أقوى وهو (الدور ممتنع) فان الدور لا واقع له اصلا لا في الخارج ولا في الذهن ومعه فلا نسبة خارجية ولا واقعية له أبداً.
والمتحصل : ان الاشكال على المشهور هو بوجود مجموعة من القضايا الخبرية التي ليس فيها نسبة خارجية، ومعه فكيف يكون ملاك الصدق والكذب هو مطابقة الكلام وظاهره للنسبة الخارجية مع عدم وجود هذه النسبة الخارجية؟! وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) فقه الصادق ج21 ص301.
([2]) فلو قال احدهم أردت الحائط فكلامه باطل نعم لو قال اردت ان ابني الحائط او ان أصبغه أو ان يرممه فلان فصحيح
([3]) وهو ما ذهب إليه النظام. فرق كلامه عن كلامنا انه جعل مدار الصدق مطابقة القول للاعتقاد، ونحن قد أضفنا ان من مداراته مطابقة الاعتقاد للواقع فالاعتقاد عنده مطابَق بالفتح وعندنا مطابِق بالكسر فتدبر.
([4]) لوجود المصلحة الاهم وللاضطرار، وذلك من مستثنيات الكذب.
([5]) بانه مطابقة ظاهر الكلام للواقع.
([6])كما هو الحال في زوجية الاربعة فان الاربعة هي الموجودة خارجا لا الزوجية إذ هي امر انتزاعي
الثلاثاء 11 ربيع الثاني 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |