237- بحث حول اصحاب الاجماع وقرائن ثمانية على ان مراد ( الكشي ) هو تصحيح الطائفة لروايات اصحاب الاجماع الستة ( والـ18 ) اسناداً وتوثيق سلسلة السند كلها
الاثنين 10 شعبان 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
أصحاب الإجماع
لقد عبر الشيخ الكشي (المعاصر للشيخ الكليني المتوفى 329) عن مجاميع ثلاثة من أصحاب الأئمة الأربعة (الأئمة من الإمام الباقر إلى الإمام الرضا عليهم السلام) بعبارات أضحت مثار البحث والتداول بين علماء الدراية والرجال والفقه والأصول([1]) على مر الأزمان.
فقد عبر عن ستة من أصحاب الإمام الباقر ( عليه السلام ) والإمام الصادق ( عليه السلام ) بـ(تسمية الفقهاء من أصحاب أبي جعفر وأبي عبد الله (عليهما السلام): أجمعت العصابة على تصديق هؤلاء الأوّلين من أصحاب أبي جعفر ( عليه السلام ) وأصحاب أبي عبد الله ( عليه السلام ) وانقادوا لهم بالفقه فقالوا: أفقه الأوّلين ستّة: زرارة ومعروف بن خرّبوذ، وبريد، وأبو بصير الأسدي، والفضيل بن يسار، ومحمّد بن مسلم الطّائفي، قالوا: أفقه الستّة زرارة، وقال بعضهم مكان أبي بصير الأسدي، أبو بصير المرادي وهو ليث بن البختري)
كما عبر عن ستة من أصحاب الإمام الصادق ( عليه السلام ) (تسمية الفقهاء من أصحاب أبي عبد الله ( عليه السلام ): أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم لما يقولون، وأقرّوا لهم بالفقه من دون أُولئك الستّة الذين عددناهم وسمّيناهم وهم ستّة نفر: جميل بن درّاج، وعبد الله بن مسكان، وعبد الله بن بكير، وحمّاد بن عثمان، وحمّاد بن عيسى، وأبان بن عثمان. قالوا: وزعم أبو إسحاق الفقيه وهو ثعلبة بن ميمون أنّ أفقه هؤلاء جميل بن درّاج وهم أحداث أصحاب أبي عبد الله ( عليه السلام )).
كما عبر عن ستة من أصحاب الإمام الكاظم والرضا بـ(تسمية الفقهاء من أصحاب أبي إبراهيم وأبي الحسن عليهما السلام: أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصحّ عن هؤلاء وتصديقهم وأقرّوا لهم بالفقه والعلم، وهم ستّة نفر آخر دون ستّة نفر الذين ذكرناهم في أصحاب أبي عبد الله ( عليه السلام ): يونس بن عبد الرحمان، وصفوان بن يحيى بيّاع السابري، ومحمد بن أبي عمير، وعبد الله بن مغيرة، والحسن بن محبوب، وأحمد بن محمد بن أبي نصر، وقال بعضهم مكان الحسن بن محبوب، الحسن بن علي بن فضال، وفضالة بن أيّوب وقال بعضهم مكان فضالة بن أيوب: عثمان بن عيسى، وأفقه هؤلاء يونس بن عبد الرحمن وصفوان بن يحيى)
المعاني المحتملة ثلاثة
والمعاني المحتملة في (أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم لهم واقروا لهم بالفقه والعلم) ونظيرها مما سبق، هي ثلاثة كما سبق.
أدلة أو مؤيدات ثمانية على ان المراد تصحيح الإسناد
وقد يستدل أو يستشهد على كون مراده نقل الإجماع على تصحيح إسناد الروايات التي يرويها أولئك الستة الثالثة والثانية بل والأولى، بمعنى أن أولئك الستة لا يروون ولا يرسلون إلا عن ثقة ضابط عن ثقة ضابط وصولاً إلى المعصوم عليه الصلاة والسلام.
وذلك بالأدلة أو المؤيدات التالية:
أولاً: قوله (ما يصح)([2]) فان ظاهر ما يصح عن هؤلاء هو ما صحت نسبته إليهم سنداً لا حدساً فكذلك قوله (تصحيح)
والحاصل: ان (ما يصح) كما تشير إلى السند وصولاً إلى هؤلاء الرواة فكذلك (تصحيح) تشير إلى السند من هؤلاء وصولاً إلى المعصوم ( عليه السلام ).
ثانياً: ان (تصحيح) يراد به الصحة السندية حتى لدى القدماء كما انها كذلك لدى المتأخرين.
وقد فصل البحث عن ذلك المحدّث النوري في خاتمة المستدرك وأنكر دعوى الشيخ البهائي في مشرق الشمسين وصاحب المعالم في منتقى الجهان، اختلاف اصطلاح المتقدمين على زمن السيد بن طاووس والعلامة الحلي عن اصطلاح المتأخرين وذهب إلى ان هذه دعوى لم يرد عليها أي دليل بل ان المراد بـ(صحيح) لدى الكل هو وثاقة السند بفارق ان المتقدمين لم يشترطوا في الرواي ليكون حديثه صحيحاً كونه إمامياً فيما اشترط المتأخرون ذلك.
والحاصل ان دعوى البهائي وصاحب المعالم من ان المدار في وصف الرواية بالصحة لدى المتأخرين هو الوثوق بالخبر والرواية ولو من جهة القرائن الخارجية، ليست تامة إذ لا دليل عليها([3]) بل انهم يطلقون الصحيح غالباً على رواية الثقة إمامياً كان أو غيره. فتأمل
ثالثاً: ان الأصل([4]) في اعتماد الرواية وتصحيحها هو التصحيح الحسي السندي وان احتمل التوثيق المضموني الحدسي وذلك بدعوى قرب الكشي ونظائره من زمن النص وكون أكثر الأخبار متواترة([5])، وكثرة القرائن الحسية وتوفرها ككون الرواية في أصل معروض على الإمام ( عليه السلام ) أو تكرره في أصول عديدة أو وجوده في أصل معتبر خاصة مع لحاظ وجود الأصول الأربعمائة ذلك الوقت، فالحاجة للاجتهاد الحدسي لتوثيق الرواية – صادراً لا صدوراً([6]) - كانت قليلة بل نادرة.
ومن ذلك يحصل الاطمئنان النوعي أن قوله (أجمع أصحابنا على تصحيح...) ونظائره يراد به التصحيح الحسي دون الحدسي، فيكون حجة فتدبر.
رابعاً: ان (تصديقهم لما يقولون) عامة تشمل ما لو قال أحد أولئك الستة أو الاثني عشر أو الستة عشر رواياً؛ (قال الإمام الصادق) فان تصديقهم في ذلك يساوق الإخبار الحسي دون الحدسي لظهور (قال فلان) في انه يخبر عنه عن حس. فتأمل([7])
خامساً: ما ذكره المحدث النوري من الاستحالة العرفية لتصحيحهم كل أحاديث أولئك الثمانية عشر عن طريق القرائن الخارجية لكثرة تلك الروايات جداً وتفرقها وتراميها فاستقراؤها جميعاً وهي بالألوف محال عادة([8]) أو لا أقل من كونه مستبعداً جداً، عكس التصحيح عن طريق إحراز صحة الإسناد فانه أمر محصور منضبط سهل المنال نسبياً إذ من السهل معرفة مَن مِن الرواة ثقة من غيره فلما استقراؤوا أحوال أصحاب الإجماع وجدوا أنهم لا يروون إلا عن الثقاة ولذا صححوا ما يصح عن أصحاب الإجماع مطلقاً([9]). فتأمل
سادساً: ان ظاهر عطف (تصديقهم) على (تصحيح) هو عطف المباين على المباين، فأنه الأصل.
والظاهر ان (تصديقهم) يعود إلى نقلهم هم وانهم صادقون فيه لا يكذبون وأن (تصحيح) يعود إلى صحة بقية السند إذ صِرف صدقهم في نقل رواية عن شخص وانهم سمعوها منه لا يكفي للاعتماد على الرواية والعمل بها بل لا بد من صحة بقية سلسلة السند ليصح الاعتماد ولذلك قال الكشي (أجمع أصحابنا على تصحيح ما يصح عن هؤلاء وتصديقهم)، أو (التصحيح) يعود للسند والتصديق للمضمون. فتأمل
سابعاً: ان قولهم (صحح الحديث) ظاهر في صحته سنداً من غير فرق بين القدماء والمتأخرين فكذلك قوله (اجمع أصحابنا على تصحيح...) فتأمل
شهادة الشيخ الطوسي في عدة الأصول
ثامناً: ان كلام الشيخ الطوسي في (العُدّة) شاهد على ذلك.
بل نقول: ان كلام الطوسي في العدة يصلح بنفسه دليلاً فانه نقل الإجماع على صحة سند ما يرويه محمد بن أبي عمير واضرابه.
نعم قد يقال ان نسبة كلامه مع كلام الكشي هي من وجه إذ لا يعلم ان مقصوده من (وغيرهم من الثقات) هو سائر أصحاب الإجماع الـ18 الذين ذكرهم الكشي، بل يحتمل إرادته أولئك الذين اشتهر بين الأصحاب انهم لا يروون إلا عن ثقة وهم أحمد بن محمد عيسى وجعفر بن بشير البجلي ومحمد بن إسماعيل بن ميمون الزعفرائي وعلي بن الحسن الطافري وبعض أو كل بني فضال.
قال في العدة([10]) (سوّت الطائفة بين ما يرويه محمد بن أبي عمير وصفوان بن يحيى وأحمد بن محمد بن أبي نصر وغيرهم من الثقات الذين عرفــــوا بأنهم لا يروون ولا يرسلون إلا ممن يوثق به وبين ما أسنده غيرهم ولذلك عملوا بمرسلهم إذا انفرد عن رواية غيرهم)
فهو صريح إذ يقول (لا يرسلون إلا ممن([11]) يوثق به).
ولئن احتمل كونه توثيقاً لمشايخهم المباشرين فان عبارته اللاحقة صريحة في توثيق كل سلسلة الرواة وصولاً إلى المعصوم ( عليه السلام ) إذ قال (ولذلك عملوا بمرسلهم) وذلك لوضوح ان العمل بمرسلهم متفرع على توثيق كافة رجال الإسناد دون توثيق الطبقة الأولى منهم، إضافة إلى حكمه بالتسوية بين مراسيلهم ومسانيد غيرهم فانه لا يكون إلا لما ذكر. فتدبر
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) بالتبع.
([2]) في (تصحيح ما يصح عن هؤلاء).
([3]) مع إضافة أصالة ثبات اللغة وثبات المصطلحات في كل فن.
([4]) بمعنى القاعدة.
([5]) كما صرح به السيد المرتضى في (أجوبة المسائل التباينات).
([6]) أي توثيق الرواية دون الرواة.
([7]) إذ ذلك فيمن أحرز انه لا واسطة بينه وبين المروي عنه فتأمل.
([8]) أي مع دراسة كل رواية رواية وإثبات ان مضمونها مطابق للقواعد ثم الاخبار عن ذلك كله بهذه العبارة ونظائرها.
([9]) اما بالاستقراء التام أو الناقص لكن المعلل بان يحدس من كون ديدن الرواة عدم الرواية إلا عن ثقة عن ثقة وصولاً للمعصوم ( عليه السلام ) كونه بانياً على ذلك في كل رواياته.
([10]) العُدّة ج1 ص386.
([11]) ولعل (ممن) ظاهرة في التوثيق الطولي المتسلسل فتأمل إذ لا ظهور بل مجرد استشعار.
الاثنين 10 شعبان 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |