بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين, ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان الكلام حول ملاك الوجوب الشرعي وتقدم أن ملاك الوجوب الشرعي على المختار هو (ما صدر من المولى بما هو مولى معملا مقام مولويته إذا كان في مقام التشريع لا النصح)
وأشكل بأن الوجوب الشرعي للاجتهاد والتقليد والأحتياط بعد ثبوت الوجوب العقلي والفطري يستلزم إشكالات ثبوتية وإثباتية أهمها الدور والتسلسل، وهما إشكالان سيالان. وقد تقدم الإشكال الثبوتي من الدور والتسلسل على الوجوب الشرعي وتقدم الجواب عنها كما ذكروا إشكال تحصيل الحاصل ويظهر جوابه مما سبق وسيأتي.
أما الإشكال الإثباتي فهو أن الوجوب الشرعي بعد ثبوت الوجوب العقلي والفطري، لغو وهذا الإشكال دفع الكثير من الأصوليين لحل الكثير من العناوين على الإرشادية، ككافة المستقلات العقلية نظراً لأنه يكفي في الباعثية الوجوب أو الإيجاب العقلي فلا فائدة من الوجوب الشرعي، وهذا إشكال سيال والمقام من صغرياته لأن وجوب الاجتهاد والتقليد والاحتياط مما يستقل به العقل أو الفطرة فلا فائدة للوجوب الشرعي.
ثمرات الوجوب الشرعي بعد الوجوب العقلي
والجواب أنه لا لغوية بل للوجوب الشرعي ثمرات عديدة تقتضي كونه تمام الحكمة.
1)الثمرة الأولى: تعدد حيثية وجهة استحقاق العقاب، وذلك إما لتعدد الملاك أو لتعدد الحاكم (العقل والفطرة والشرع)والأصل عدم تداخل الأسباب، فيكون لكل ملاكٍ استحقاقٌ للعقوبة خاص به، يوجب زيادة إما كمية أو كيفية, توضيحه:
إن الحاكم بوجوب الاجتهاد والتقليد والاحتياط لو كان هو العقل فقط وخالفه الإنسان استحق عقاباً واحداً فقط، لكن لو أضيف للوجوب العقلي أمر مولوي شرعي كما لو قال (ليتفقهوا) أو قال الإمام عليه السلام (خذ من زكريا بن آدم) و(فللعوام أن يقلدوه) أو قال (أخوك دينك فاحتط لدينك) فحينئذ توجد حيثية جديدة لاستحقاق العقاب وعلى هذا فلو خالف استحق العقاب من حيثتين وجهتين فاستحق أشدية العقاب كيفاً أو تعدده كماً.
وهذا مثال خارجي للتوضيح: شرب الخمر مضر مما يقتضي تحريمها ولكن لو سقطت في الخمر قطرة سم فهنا حيث وجد ملاكان لتحريم الخمر يتعدد استحقاق العقاب لتعدد الملاك أو هما نوعا الضرر, إذن فكما يتعدد العقاب الدنيوي لو نهاه المولى للجهتين، لتعدد الملاك وكما يتعدد الأثر الوضعي، كذلك في العقاب الأخروي إذا تعدد الملاك تعدد استحقاق العقوبة، وهذا حال تعدد الملاك وكذا إذا تعدد الحاكم فإنه كذلك يتعدد استحقاق العقاب ومثاله العرفي ما لو نهى المولى عبده عن الخروج من الدار فخرج، استحق العقاب، ولو أضيف إليه نهي الأب - بناء على وجوب إطاعته حتى مع عدم التاذمي- فهنا يتعدد استحقاق العقاب نظراً لمخالفته النهي المولوي ونهي الأب معاً، والحاصل أنه قد يتعدد العقاب لتعدد الحاكم وأن اتحد الملاك كما لو كان نهي كليهما له خوفاً عليه من المفترس.
2) الثمرة الثانية تعدد العقاب في الجملة فإنه قد لا يصل إلى مرحلة الفعلية لأنه لا تلازم بين الاستحقاق والعقاب أما للشفاعة أو تفضلاً، والحاصل أن الاستحقاق لايمكن دفعه أما العقوبة فيمكن دفعها بما تقدم فلا تلازم بين الاستحقاق والفعلية.
ومن هنا يتبين وجه الإشكال على كلام الآخوند (إن مولوية الأوامر في المستقلات العقلية يلزم منه تعدد العقاب والتالي باطل بالضرورة فالمقدم مثله).
فإنه يجاب بالمناقشة في الصغرى أولاً، وإن تعدد العقاب ليس باطلاً بالضرورة، وثانياً لو سلمنا عدم التعدد فأن عدم التعدد في العقوبة إنما هو للتفضل مثلاً لا لعدم الاستحقاق، ولا يلزم من المولوية تعدد العقاب بل تعدد وجه استحقاقه.
3) الثمرة الثالثة: شدة المحركية وشدة الزاجرية وأقوائية البعث والزجر لكونهما من الحقائق المشككة ذات المراتب كالنور والحلاوة فإن العبد قد يعلم أن الكذب حرام لكنه قد يكذب مع ذلك ولكن لو ردعه من يحترمه أو من يخاف منه فإنه يزيد في الزاجرية في النواهي والباعثية في الأوامر هذا مع قطع النظر عن أن الوجوب بنفسه مشكك وإن الوجوب العقلي مرتبة من الوجوب فإذا أضيف له الوجوب الشرعي إزداد الوجوب شدة ، وكفى بها من ثمرة.
4) تحول الشك والظن الى علم وتحول العلم العادي إلى علم اليقين أو حق اليقين.
توضيحه: إن الوجوب الشرعي لو انضم للوجوب العقلي أو الفطري لأنتج ولو في الجملة تحول الشك إلى علم أو تحول ظنه إلى علم (وهذه ثمرة عملية) أو أفاد تحول العلم العادي لدى بعض المكلفين إلى علم اليقين أو حق اليقين (وهذه ثمرة نظرية) بل هي عمليةُ بوجهٍ إذ لعل العبد يشك في وجوب شكر المنعم عقلاً كما أنكره البعض فإذا جاء أمر المولى (أن أشكر لي ولوالديك) تحول شكه إلى علم وهذه ثمرة عظيمة.
وهناك ثمرات أخرى يأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.