بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ,ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ما المنجز في صورتي الشبهة البدوية، وما بعد الانحلال؟
كانت الصورة الأولى هي: الاحتمال البدوي في الشبهة الحكمية قبل الفحص، والصورة الثالثة: هي ما لو وجد علم اجمالي ثم عثر على مقدار معتد به من التكاليف ينحل به العلم الاجمالي فهل الأمر بالاجتهاد والتقليد هو المنجز ههنا أم لا؟
وذلك كما لو كانت عندنا ألف واقعة نعلم إجمالاً بوجود تكاليف إلزامية فيها ففحصنا فحصاً جزئياً وعثرنا على مأتي حكم فالباقي وهو ثمانمائة واقعة هل يحتاج تنجز أحكامها على فرض ثبوتها واقعاً، إلى الأمر بالاجتهاد والتقليد أم لا أم أن المنجز أمر آخر؟
منجزية الامر بالاجتهاد والتقليد
الاحتمالات ثلاثة:
الاحتمال الأول: هو ما ذهب إليه التنقيح من أن المنجز في (موارد عدم العلم الإجمالي من الابتداء وفي موارد وجوده وانحلاله بالظفر بمقدار معتد به من الأحكام) هو الأمر بالاجتهاد والتقليد أو الأمر بالاحتياط بحيث لو لم يكن هذا الأمر (ليتفقهوا) لما كانت التكاليف الثبوتية منجزة، لأنه لو كانت لدينا ألف واقعة وعلمنا اجمالاً بوجود تكليف إلزامية فيها ففحصنا ووجدنا مأتي حكم إلزامي مثلاً ففي الباقي، وعند الرجوع للوجدان، لا نرى وجود علم اجمالي بتكاليف أخرى في البين، فلا يجب علينا الفحص ولا التعلم لو لم ترد أوامر التعلم، وذلك لأن حديث الرفع وبتعبير أشمل (أدلة الأصول الشرعية غير قاصرة عن الشمول لموارد الشبهات الحكمية قبل الفحص) فكيف بما بعد الفحص ولو الناقص والانحلال؟ فلو كان هناك حكم إلزامي خارج دائرة المأتي حكم فإنه يشمله ما لا يعلمون، لكن الذي يحول دون شمول أدلة البراءة هو وجود الأمر بالاجتهاد والتقليد أو الأمر بالاحتياط فهي حاكمة على رفع ما لا يعلمون إذ يقول الشارع أمرتك بالتعلم فلا تستطيع على هذا التمسك بما لا يعلمون، فـ(رفع ما لا يعلمون) وإن شمل الشبهة البدوية قبل الفحص و ثمانمائة مورد بعد الانحلال لكن (ليتفقهوا) حكم عام يشمل جميع الموارد فهو حاكم على رفع ما لا يعلمون.
والنتيجة إن الأمر بالاجتهاد والتقليد منجز، أي أنه الموجب لاستحقاق العقاب باقتحام الشبهات البدوية وفي اقتحام الثمنمائة واقعة الباقية بعد الفحص.
2- المنجز الاحتمال، وحديث الرفع لا يشمل الصورتين
الاحتمال الثاني: وهو مبني على نقاش مبنائي مع (التنقيح) لأنه يبني على منجزية التكاليف ببركة الأمر بالاجتهاد والتقليد بناءً على أن رفع ما لا يعلمون يشمل هذه الموارد فلولا الأمر بالاجتهاد والتقليد لما تنجزت ولكننا لا نقبل هذا المبنى، وذلك نظراً لأن المستظهر أن أدلة البراءة النقلية مثل رفع ما لا يعلمون لا تشمل الشبهة الحكمية البدوية قبل الفحص ولا سائر القضايا المتبقية بعد انحلال العلم الاجمالي؛ لأن رفع ما لا يعلمون منصرف عن ذلك ولا يجري إلا بعد الفحص التفصيلي في كل مورد مورد، ولا يكفي الفحص الاجمالي في بعض الموارد وإن عثرنا على مقدار معتد به.
والحاصل: إن الاحتمال المتبقي في سائر الموارد بعد انحلال العلم الاجمالي بالعثور على مقدار معتد به، وكذا الاحتمال البدوي كلاهما منجز في بناء العقلاء وحديث الرفع غير ناظر لهاتين الصورتين بل هو منصرف عنهما إلى الشبهات الحكمية بعد الفحص واليأس عن العثور على دليل وحجة، وعلى ذلك بناء العقلاء وسيرتهم وسيرة المتشرعة، بل إن العرف الملقى إليهم الكلام لا يحتملون في حديث الرفع شموله للصورتين، وبعبارة أخرى: إن المولى لو أمر عبده بأوامر كثيرة معلومة إجمالاً في ضمن وقائع أكثر منها عدداً، ففحص العبد ووجد مأتي مورد فإن رفع ما لا يعلمون لا تشمل بقية الموارد، وعلى هذا المبنى نكون في غنى عن الأمر بالتعلم للإلتزام بالتنجز، إذ حتى لو لم يأمر المولى بالتعلم فإن التكاليف الباقية في الثمانمأة واقعة منجزة بالاحتمال من غير أن يرفعها حديث الرفع.
3- المنجز هو الحجج
الاحتمال الثالث أن يقال: إن هذه التكاليف المحتملة في القضايا الباقية بعد الانحلال بالبحث الناقص منجزة لا بالأمر بالاجتهاد والتقليد، ولا بالاحتمال المتبقي في الشبهة الحكمية بعد الفحص الاجمالي، وإنما هي منجزة بأدلة الأمارات والحجج، كخبر الواحد والظواهر، فالتكاليف قد تنجزت ببركة نصب هذه الحجج.
وقد يورد عليه بأن الحجج بوجوداتها الثبوتية لا يعقل أن تكون منجزة، نعم هي منجزة بعد وصولها، فلولا وصول الحجج بالاجتهاد والتقليد لما تنجزت الأحكام أو التنجز بالاحتمال؟
وفيه: إن التنجز هو بوصول التكاليف والوصول تارة يكون بالاجتهاد والتقليد وتارة يكون بالحجج والأمارات إذا وصلت وإن لم يكن الوصول عن طريق الاجتهاد والتقليد، وتارة يكون بالاحتمال فهو نحو من أنحاء الوصول، فتأمل.
وسيأتي الكلام فيه، ويبقى تحقيق أنه لو اجتمعت هذه الثلاثة فما هو المنجز؟ سيأتي الجواب إن شاء الله تعالى وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.