86- تفصيل الجواب (صغرى وكبرى) عن (الطولية) لكون منشأ حجية الاحتياط هو الاجتهاد أو التقليد
الاحد 10 ربيع الثاني 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم
كان الكلام في دعوى ان الاحتياط انما هو في طول الاجتهاد والتقليد مستدلين على ذلك بادلة عديدة وكان اخرها ان جواز الاحتياط اصلا وفصلا منوط ومتوقف على الاجتهاد او التقليد واجبنا عن ذلك بأن المقامات ثلاث:فأن المقام اما مقام العمل او مقام الحجية الفعلية وقد تقدم الكلام عنهما واما المقام الثالث فهو مقام الحجية بالمنشأ اذ قد يقال ان منشأ حجية الاحتياط اما الاجتهاد بأن تجتهد حتى تصل الى ان الاحتياط جائز او منشؤه التقليد بان تقلد من يفتي بجواز الاحتياط
لكن هذا الوجه بهذا البيان للطولية ، مردود بوجوه عديدة:
الوجه الاول:ان منشأ حجية الاحتياط ليس الاجتهاد او التقليد بل ان جواز الاحتياط من الامور الفطرية البديهية (بحسب تعبير الشيخ علي كاشف الغطاء في كتابه النور الساطع في الفقه النافع وبحسب تعبير السيد الوالد في الفقه) : "انه من المستقلات العقلية" فجواز الاحتياط من المستقلات العقلية او من الامورالفطرية لأن كل انسان بفطرته يدرك بأن اخذ الحائطة على مقاصد المولى الملزمة حسن ومبرء للذمة لأنه على اي تقدير قد امتثل امر المولى ، فاذا كان الامر بالصلاة الى هذه الجهة مثلا فقد امتثل وان كان الى تلك الجهة فقدامتثل ايضا )اذن ليس مرجع جواز الاحتياط الى الاجتهاد او التقليد ، بل ان الثلاثة هي امور فطرية في عرض واحد فالفطرة تحكم بل تدرك والعقل يستقل بالحكم بصحة التقليد والاجتهاد والاحتياط في الجملة فهذه الثلاثة منشأ حجيتها واحد وهو الفطرة او الوجدان او استقلال العقل فلا طولية بينها.
لكن الشيخ كاشف الغطاء يستدرك ما لو حدث لنا شك في جواز الاحتياط ولو من جهة وجود خلاف فيه (اذ قد تقدم ان هناك خلافا في جواز الاحتياط ، مثلا في العبادات من جهة افتقادها لقصد الامر والوجه وفي المعاملات من جهة افتقاده قصد الجزم) وعندئذ عليه ان يرجع الى احد الطريقين بأن يجتهد في جواز الاحتياط او يقلد
ولكن هذا الاستدراك غير تام لأنه ينقض عليه بالتقليد بل ينقض عليه بالاجتهاد نفسه لأنه لو حدث له شك في جواز التقليد او جواز الاجتهاد ولومن جهة وجود الخلاف (نعكس الكلام عليه) فالاخباريين يحرمون الاجتهاد والتقليد ومنهم فطاحل لعلماء وحينئذ هل يكون المرجع الاجتهاد والتقليد؟
والجواب: كلا لأنه دور فأنه لو حصل له في صحة التقليد وجوازه ،شكٌ ، فهل يجوز له ان يقلد في جواز التقليد؟ كلا لانه دور لأن صحة التقليد المختلف فيها متوقفة على هذا التقليد (التقليد المصداقي) وصحة هذا التقليد متوقف على صحة الكلي الطبيعي للتقليد (اي ان صحة الكلي الطبيعي للتقليد متوقفة على صحة هذا التقليد وصحة هذا التقليد متوقفة على صحة الكلي الطبيعي للتقليد لا هذا ايضا فرد من الكلي الطبيعي) وذلك دور ، بل الدور في الاجتهاد ايضا لازم لأنه لو شككت في صحة الاجتهاد (بعد الاطلاع على نزاع الاخباريين والاصوليين مثلا) اذ كيف تصل الى جواز الاجتهاد او صحته ، عبر الاجتهاد فهذا ايضا دور ، فان الشيء لا يثبت نفسه, اذن فهذا الاستدراك من كاشف الغطاء ليس خاصا بالاحتياط بل يعم الاجتهاد والتقليد
والحاصل : ان هذه الثلاثة سيان من حيث منشأ الحجية وهو اما الفطرة او الوجدان او استقلال العقل ، ومن حيث صورة الشك فأن المرجع وبحسب تعبير السيد الوالد في الفقه (كل ما بالعرض لابد ان ينتهي الى ما بالذات ) وهذه الثلاثة كلها ما بالعرض فان حجيتها ليست ذاتية انما الحجية ذاتية لشيء واحد وهو العلم وحجية هذه الثلاثة مكتسبة فيها في عرض واحد والحجية الذاتية للعلم فقط لا غير على كلام سياتي في محله ان شاء الله
هذا هو الجواب الاول الذي ضمّناه جوابا نقضيا وهو النقض بالتقليد والاجتهاد ، وننقض ثالثا بحجية الظواهر وخبر الثقة فهل هما حجة ؟ والجواب نعم ,فبالوجدان نرى ان حجية خبر الثقة هي في عرض حجية الظواهر ، ولا يضر بالعرضية كون منشأ حجية خبر الثقة هو الظواهر لو استندنا فيه اليها ، كما صنع البعض حيث اثبت حجية خبر الثقة بالظواهر نحو(ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا) فبمفهوم الوصف(لا يقال بحجيته) او مفهوم الشرط ، او نظرا للتعليل -وهو المعوّل -نستفيد حجية خبر الثقة (فاسألوا اهل الذكر ) وهكذا على تفصيل فيه واخذ ورد وقد تقدم الجواب عن ذلك ،فتامل.
ومما ذكرنا يظهر وجه الاشكال على ما ذكره السيد الخوئي في التنقيح وعلى ما ذكره صاحب العروة , ونص عبارة التنقيح: (وبما ذكرناه يظهر ان طرق الامتثال وان مر انها ثلاثة "اجتهاد وتقليد واحتياط" الا انها في الحقيقة منحصرة بالتقليد والاجتهاد بل بخصوص الاجتهاد كما تقدم في محله)
وهنا اشكالان ظهرا مما سبق فان قوله (انها منحصرة في الاجتهاد والتقليد) يرد عليه : عدم الانحصار فان الاحتياط قسيم ثالث ، ومرجع هذه الثلاثة الى استقلال العقل بجواز هذه الثلاثة ، بل لعل استقلاله بجواز الاحتياط اوضح من استقلاله بجواز الاجتهاد والتقليد اذن فالطرق هي ثلاثة وغير منحصرة باثنين , ثم يقول السيد(بل بخصوص الاجتهاد كما تقدم في محله) ونقول لو تنزلنا وسلمنا ان مرجع الاحتياط هو الاجتهاد والتقليد فانهما ما بالعرض ايضا وما بالذات هو العلم فقط اي الحجة بالذات منحصرة بالعلم اما الثلاثة فحجيتها باجمعها ترجع الى العلم وهي طرق ظنية للحكم الشرعي, نعم ظنية الطريق لا تنافي قطعية الحكم سواء فسرنا الحكم بالحكم الظاهري ام بالمنجزية والمعذرية ام بلزوم الاتباع فان الحجج لابد ان تتبع وان كانت ظاهرية اي ولو كانت من باب الظن المعتبر , فأذن قوله(منحصرة بالاجتهاد) غير تام فان حجية الاجتهاد ايضا مكتسبة وما بالعرض والعلم فقط هو الحجة الذاتية
ثم يقول (فتارك طريق الاجتهاد والتقليد ايضا لابد ان يكون مجتهدا او مقلدا في جواز العمل بالاجتهاد) فنقول : كلا بل اذا استقل عقله بجواز الاحتياط فله ان يترك الطريقين , هذا ايجاز تعليقنا على التنقيح
اما كلام صاحب العروة في المسألة الخامسة: (في مسألة جواز الاحتياط يلزم ان يكون مجتهدا او مقلدا لأن المسألة خلافية)
هنا نقول : ان كلا من مدعى ودليل صاحب العروة محل تأمل : اما المدعى (يلزم ان يكون مجتهدا أو مقلدا)فنقول لا يلزم لأن العقل يستقل بجواز الاحتياط كما سبق وهو من الفطريات او الوجدانيات فلا يلزم ان يكون مجتهدا او مقلدا ، للعلم بجواز الثلاثة باستقلال العقل
لايقال : قد يزول العلم بالتشكيكات فان العامي وان كان عالما بفطرته بجواز الاحتياط وقسيميه لكنه لو ناقشه عالم فانه سيشك ويقع في حيرة فيزول علمه ولايجدي القول بان العلم حجيته ذاتية اذ ذلك ما دام موجودا ولكنه اذا زال تكوينا انتهى الامر واصبحت القضية من باب سالبة بانتفاء الموضوع
اذ يقال : هذا الامر يسري حتى الى اعاظم العلماء والفقهاء والمتكلمين وغيرهم ، اذ ما اكثر من كان قاطعا بمسالة ولكنه بعد فترة يحدث له الشك فيها بل قد يقطع بخلافها , اذن فزوال العلم بسبب غيبي او بسبب اجتهادي معاكس او لتجدد برهان هذا لا يسلب الذاتي عن ذي الذات وفرض الكلام في صورة العلم ثم ان هذا الاشكال مشترك بين الطرق الثلاثة و غير خاص بالاحتياط
وفي هذا الصدد يقول السيد العم في بيان الفقه )حكم العقل البات بصدق الطاعة والامتثال مع الاحتياط ) فان العقل يجزم بان الامتثال مع الاحتياط متحقق وكذلك الاطاعة (وعدم لزوم الجزم بالنية في صدق العبارة) اذ يكفي صدق الاسناد للمولى في تحقق العبادية (وعلى هذا لا يكون الجاهل مجتهدا بل بحكم المجتهد في تنجز الحكم العقلي عليه) فكما ان الاجتهاد موجب لتنجز التكليف كذلك عقل الجاهل عندما يلاحظ المسألة فانه لو ترك سلوك طريقي الاجتهاد و التقليد فانه الاحتياط منجز في حقه .
التعليق الثاني على كلام العروة: (لأن المسألة خلافية) فنقول هذا الدليل عليل فان النسبة بين كون المسألة خلافية وبين لزوم الاجتهاد والتقليد هي العموم والخصوص من وجه فلا يستدل باحدهما على الثاني ، توضيحه:ان المسألة قد تكون خلافية ولا يجب فيها الاجتهاد والتقليد وبالعكس فقد تكون المسألة غير خلافية ويجب فيها الاجتهاد والتقليد فقوله (يلزم الاجتهاد التقليد لأن المسألة خلافية) هذا المدعى الى الدليل نسبته العموم من وجه كما سنوضحه لاحقا باذن الله تعالى وللحديث صلة وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين ......
الاحد 10 ربيع الثاني 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |