126 ــ موجز حول الامر بين الامرين تتمة كلام صاحب القوانين 6 ـ التقليد يعود للاجتهاد ، فعاد محذور (مظنة الضرر) واشكال ثم جوابان عنه
الاثنين 15 جمادي الثاني 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول الادلة التي اقيمت او التي يمكن ان تقام على وجوب النظر والاستدلال في اصول الدين الى ان وصلنا الى الاشكال على تلك الادلة وان الاجتهاد مظنة الوقوع في الشبهات والانحراف عن الدين ،واجبنا عن ذلك بوجوه كان خامسها ان مقارنات الاجتهاد ومصاحباته الغالبية هي التي ينشأ منها الانحراف والوقوع في مصيدة الشبهات وليس نفس النظر والاجتهاد ، وذكرنا ان للاجتهاد شروطا فان تحققت اصاب عادة والا فلا,فالخطأ لا ينشأ من الاجتهاد السليم بل ينشأ من الاجتهاد السقيم اي ينشأ من مقارنات الاجتهاد ونكتفي بهذا المقدار للجواب الخامس ، ونعود لكلام القوانين وقبل ذلك وحسب طلب بعض الافاضل نشير الى تعليق على ما نقلناه عن الفتوحات والفصوص من قوله بالجبر ، ونشير الان الى مبحث الامر بين الامرين وبحث القضاء والقدر ونسبتهما مع الجبر فنقول بايجاز: (الجبر) يعني سلب الارادة والقدرة على الاختيار فهذا الحائط لا ارادة له ولا قدرة على الاختيار اما الانسان فبالوجدان له اختيار وقدرة على انتخاب ان يجلس هنا او هناك او ان يصلي الان او لا فالفرق واضح وجداني بين الحائط او الاشجار المغروسة في الاراضي وبين الانسان الحر المختار في حركته وسكونه وافعاله واقواله اذن لا جبر من جهة ولا تفويض من جهة اخرى و(التفويض) يعني ان الله قد القى الحبل على الغارب كما يعبرون وقد فرغ من الخلق ثم انصرف وانه لا هيمنة له فعلية على الكون وانه غير محيط بافعالنا بل خلق وذهب تعالى الله عن ذلك لكن مقتضى العقل والوجدان والفطرة والايات والروايات ان هناك حالة وسط وهي المعبر عنها ب(لا جبر ولا تفويض) ، اما (لا جبر) فلاني قادر على ان احرك هذا الكتاب مثلا بالوجدان واما انه لا تفويض فلأن هناك قاهر فوقي ولو شاء لمنعني ومثاله:شخص بيده قلم وهو قادر على تحريكه باختياره ويوجد شخص عملاق الى جواره امسك بيده وتركه يحركها كيف شاء ولكن مع ذلك هو مهيمن فلو شاء لمنع , وكل افعالنا كذلك فالله مهيمن ولو شاء لمنع ولكنه شاء ان يتركنا نختار ما نريد ولم يتركنا سدى في الوقت نفسه وهذا بيان عرفي للامر بين امرين
اما بيانه الدقي :فان الله سبحانه وتعالى اراد ارادة تكوينية وشاء مشيئة تكوينية ان اكون مختارا قادرا على افعالي فهو كما كان قادرا على خلق المجبور والمضطر كان قادرا على خلق المختار غير المجبور والمجبول فهو خلقني مختارا فمتعلق الارادة كان اختياري انا وحيث ان ارادتي بمشيئة الله وحيث ان نفس هذه الارادة امر حادث مخلوق فلا تفويض وحيث ان ذاتي هذه الارادة التي خلقها الله هو الاختيار فلا جبر
وهذا البيان يثبت الامر بين الامرين بنحو العلة المحدثة وبنحو العلة المبقية ايضا والبحث له تفصيل نكتفي الان بهذا المقدار
اما القضاء والقدر عل بعض التفسيرات : فان القدر هو الهندسة المبدئية التكوينية وكلمة الهندسة واردة في بعض الروايات فالامام عليه السلام فسر القدر بالهندسة فالمهندس يهندس الدار مبدئيا اما القضاء فيعني الاحكام التكوينية بعد الهندسة بمعنى ان المهندس عندما يهندس الدار تأتي القوانين فتحكم مثل الجاذبية وثقل الاجسام المختلفة وتناسباتها والقوة الطاردة والدافعة وان السطح المحدب اكثر مقاومة للضغط من المسطح وهكذا
اذن اين موقع الاختيار؟ لتوضيحه نذكر مثالا عرفيا :فالطائرة لكي تصل من هذا البلد الى ذاك البلد تحتاج مثلا مائة لتر من الوقود وهذا هو القدر والهندسة اما القضاء فهو القوانين التكوينية التي تحكم المعادلات مثل معادلة كيفية التحليق في الفضاء والخروج من الجاذبية عبر اجهزة الطائرة وهذا القضاء او القوانين حاكمة فلو اختل قانون منها فالطائرة سوف تسقط واما موقع الارادة فهو الاختيار بين هذه العوامل المختلفة مثل ان يضع خمسين لترا من الوقود لا مائة فالطائرة سوف تسقط عندئذ وهذا السقوط هو قضاء وقدر لكن الذي اختار الدخول في هذه الدائرة لا تلك من دوائر قضاء الله هو الانسان باختياره بان وضع خمسين لترا لا مائة والله سبحانه فسح له المجال ، والامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار ، والمقدور بالواسطة مقدور .
وبتعبير اخر :هناك دائرتان من الاحكام التكوينية تحكمان :احدهما تؤدي الى الهلاك والثانية تؤدي الى النجاة وانا حر ان انتخب هذه او تلك ,وهذه اشارة بايجاز
نعود لكلام القوانين يقول(وعدم تقاعسه عن مكافحة الخصوم وتقيّده بخوف التضعضع عن درجات العلوم)وهذا كثيرا ما يراه الانسان بوجدانه فقد يقع في دائرة المغالطة فيرى الحق مع الطرف الاخر لكنه لكي لا تسقط هيبته المتوهمة ومكانته يعاند ويأتي بالدليل اثر الدليل على خلاف ما اتضح له من الحق (فان لهذه المعائب دركات تحت دركات لا يتدرج منها كل احد الى درجات التصعد وربما ما يكون منها ما هو مثل دبيب النمله على الصفا في الليلة الظلماء )وله كلام طويل نتركه ولكن نتوقف بايجاز عند قوله (والحاصل : ان التكليف باستيصال عروق الاخلاق الرديه )التي تسبب انحراف عملية الاجتهاد من الانانية والعصبية ومما سبق ذكره من العوامل الخارجية والاهواء النفسية وغير ذلك (بان التكليف باستيصال عروق الاخلاق الرديه لكل الناس في اول التكليف عسر وحرج عظيم لو لم نقل انه تكليف بما لايطاق) هذا الكلام يحتاج الى بحث ولكن كلامنا في قوله (عسر وحرج عظيم لو لم نقل انه تكليف بما لا يطاق) فنقول هل هذا العسر والحرج الذي اشار اليه صاحب القوانين وان كان عظيما ، موجب لسقوط التكليف بوجوب النظر والاجتهاد وسنتوقف عند هذا لانه موطن كلامنا وليس تهذيب النفس رغم اهميته
فالعسر والحرج الشديدان هل يوجبان سقوط التكليف العقلي بوجوب النظر ؟
والجواب: كلا, الا ان نأتي بمؤمّن من النقل ، فلو كنا نحن والعقل فان العسر والحرج مهما كانا عظيمين في الاجتهاد في اصول الدين فانه لا يرتفع بهما التكليف العقلي بوجوب النظر (وهذا نظير مبحث وجوب الطاعة على مسلك حق الطاعة)
فنقول ان العسر والحرج الشديدين لا يرفعان التكليف لأن العقل ادرك او حكم بوجوب الاجتهاد في اصول الدين لاحتمال الضرر الاخروي الذي يعني الهلاك الدائم الابدي فاذا كان كذلك فان العسر والحرج مهما بلغا فانه مرجوح بالقياس الى عذاب ابدي سرمدي دائم فليقع في عملية اجتهاده في عسر وحرج ! لان المعادلة واضحة فان العسر والحرج يرفعان الضرر الاخف منهما لا الاشد منهما بل الاشد هو الحاكم عليهما اذن لا بد ان نلجأ الى مؤمن شرعي فلو ان الشارع قال ان النظر (والاجتهاد) حدوده ان لا يوجب العسر والحرج فهنا يسقط الوجوب مع العسر والحرج ويكون معذورا لو اخطأ, وهذا ملحق بايجاز بالمبحث السابق
الجواب السادس وهو لصاحب القوانين: تقدم ان الاشكال هو(ان النظر والاجتهاد مظنة الوقوع في الشبهات والخروج من الدين )صاحب القوانين يجيب ويقول ما مضمونه ان التقليد ما هو حاله ؟ والمقلد لمن يلجأ ؟ والجواب يلجأ للمجتهد فالكلام الكلام فهذا المجتهد نظره مظنة الوقوع في الشبهة فما هو تكليفه ؟الرجوع الى مجتهد ثالث ونعيد الكلام فيه وهكذا فيتسلسل او نقول بان هذا الشخص يجوز له النظر والاجتهاد فعاد المحذور وان النظر مظنة الوقوع في مصيدة الشبهات فكما لا يجوز لي لا يجوز لمن التجأ اليه وان جاز له فقد جاز لي ,اذن صاحب القوانين يقول اما ان يتسلسل واما ان يعود المحذور ، ونص عبارته(انه وارد على التقليد فان مجتهد ذلك المقلد ايضا يحرم عليه النظر فيجب عليه تقليد غيره فيتسلسل او ينتهي الى ناظر فيعود المحذور) هذا الكلام من القوانين قد يستشكل عليه:بانقطاع التسلسل بالرجوع الى المعصوم عليه السلام فتنحل المشكلة فان نظري هو مظنة الوقوع اما المعصوم عليه السلام فالواقع منكشف له فينقطع التسلسل بالرجوع اليه اي انني اقلد من يقلد من يقلد زرارة وزرارة يقلد الامام الصادق عليه السلام اذن التسلسل منقطع بوصول السلسلة الى ما حجيته ذاتية ومن علمه عين الكاشفية عن الواقع وليس علمه الاعم من الجهل المركب ومن المصيب فيكون هذا الاشكال مستندا لدعاة التقليد في اصول الدين بان اقلد فلانا وهو يقلد فلانا الى ان يكون المآل الى تقليد المعصوم عليه السلام
فهل هذا الاشكال على القوانين وارد ام لا؟ولنفرض الكلام في غير مبحث وجود الله ومبحث ارساله الرسل وتعيينهم للاوصياء لئلا يلزم الدور من الاستناد لكلام المعصوم عليه السلام بل الكلام في باقي العقائد حتى مثل وحدانية الله وواحدنيته وانه لا حد له ولا ضد له ,فهل هنا جواب؟
هنا ثلاث اجوبة:
الاول:ان هناك الكثير من الشبهات مستجدة ولا تنتهي للمعصوم عليه السلام او تنتهي لكن لم تصل لنا رواية حولها
الثاني:كثير من الشبهات التي تطرق لها المعصوم عليه السلام بقيت ولا زالت في دائرة الاجتهاد حتى في المتلقي الاول عن الامام عليه السلام فليس كل ما وصل الينا من المعصوم عليه السلام عن طريق التقليد بل اكثره عن طريق الاجتهاد فزرارة وامثاله كانوا يجتهدون في فهم كلام المعصوم عليه السلام لأن اكثر كلامه ظواهر والنصوص التي لا يحتمل فيها وجه اخر نادرة ,اذن اكثر ما بايدينا عن المعصوم عليه السلام ينتهي اليه عن اجتهاد ، وللحديث صلة ان شاء الله تعالى . وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين....
الاثنين 15 جمادي الثاني 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |