136- الاستدلال على وجوب المعرفة (والنظر) بانه مقدمة لشكر النعمة ، والنقاش بوجوبه النفسي
الاثنين 29 جمادي الثاني 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الحديث حول الادلة العقلية التي سيقت وذكرت كادلة على وجوب النظر والوصول الى المعرفة عن اجتهاد او تلك التي سيقت على ان المعرفة في حد ذاتها واجبة بل ان كل ما استدل به على وجوب المعرفة في حد ذاتها قد يستدل به على وجوب النظر والاستدلال للوصول للمعرفة كما سيتضح ذلك ان شاء الله ,
فنقول:الدليل الثالث على ان (المعرفة عن نظر) واجبة هو ان المعرفة هي في حد ذاتها شكر للنعمة وشكر النعمة واجب وهذا الدليل اقيم على وجوب المعرفة لكن هل يصلح دليلا على وجوب المعرفة عن اجتهاد؟صاحب القوانين يقول بتوقفه على تتميم لكن سوف يتضح انه لا حاجة للتتميم بل الدليل بنفسه يصلح دليلا على وجوب الاجتهاد في اصول الدين وسيأتى بحثه , وتقرير الدليل: ان صاحب كفاية الموحدين استدل على اصل المسالة اي على وجوب معرفة الله سبحانه وتعالى مع قطع النظر عن طريق المعرفة بان المعرفة مقدمة لشكر النعمة وبهذا يظهر الفرق بين كلامه ومسلكنا فانه يرى ان (شكر المنعم يتوقف على المعرفة من باب المقدمة) واما مسلكنا فهو (المعرفة هي بنفسها شكر النعمة ) ولكن كفاية الموحدين ولعله هو ما يظهر من القوانين يرى بان المعرفة واجب مقدمي وطريقي ,لكن حسب ما نراه فانها واجب نفسي ، وسنوضح ذلك ان المعرفة بنفسها مصداق لشكر النعمة وليست مقدمة له بعد قليل باذن الله تعالى ,ونص عبارة كفاية الموحدين(انه لابد من معرفة الله تعالى من باب المقدمية) ونقول بل من باب الموضوعية ,
توضيح كلامه:انه لا يمكن شكره الا بمعرفته وشكر المنعم واجب وما لا يتم الواجب الا به واجب (اذ لا يمكن شكره بل شكر اي منعم الا بمعرفته اذ لا يكون الشكر شكرا الا اذا كان مناسبا لحال المشكور ) فهناك تناسب وسنخية بين نوع الشكر وبين من تشكره ونضيف "وبين ما تشكره عليه" اي الا اذا كان مناسبا لخصوصيات المشكور عليه ويمكن ان تدرج هذه في تلك بالتأمل (فما لم يعرف المشكور لا يمكن شكره) مثال للتوضيح:اذا عرفت ان( الله واحد فرد صمد لم يلد ولم يولد) لكان شكره ان توحده وتطيعه لاغير اذن شكري له توقف على معرفته اما لو كانت المعرفة مناقضة لذلك كما لو توهمت ان الله له شريك تعالى عن ذلك ، فشكري له لا يكون بان اوحده بل يكون بتشريك ابنه معه في الالوهية مثلا والاية تدل على ذلك(قل ان كان لله ولد فان اول العابدين )اذن الشكر يتوقف على معرفة المشكور ومعرفة احواله والا لعلي اشكره بما هو اهانة له او بما هو كفران له فلم يكن الشكر المتوهم شكرا حقيقة وكمثال عرفي لو ان مخالفا دعى مخالفا ، له عليه حق و نعمة لضيافته فاكرامه ان يقدم له لحم الارنب مثلا لكنه لو دعى اماميا فلو قدم له لحم الارنب لكان ذلك اهانة له وليست شكرا , والام تقدم لها هدية تختلف عن الهدية التي تقدم للمعلمة فالهدية انما تكون اكراما (اوشكرا) لو كانت بما يناسب حال وصفات المهدى له وهذا مما لا شك فيه
ولكن لنا ان نشكل على ما ذكره كفاية الموحدين (والذي لعله يظهر مما ذكره القوانين) من مقدمية المعرفة للشكر: بانه لا شك في المقدمية من جهة لكن نفس المعرفة هي في حد ذاتها مصداق لشكر النعمة ، بل نقول ان المعرفة هي اعلى مراتب شكر النعمة وان الاطاعة الجوارحية هي المرتبة الدانية من شكر النعمة على خلاف ما يتصوره البعض من ان الصلاة والصيام والحج ونحوها هي المصاديق الاجلى لشكر النعمة ، لكن الحق ان الاطاعة الجوانحية هي المقدمة رتبة على الاطاعة الجوارحية وانها الفرد الاكمل من شكر النعمة بل ان قيمة تلك بهذه
وبتعبير اخر:كل من القلب والعقل والجوارح له شكر نعمة يتناسب مع حاله ، فاما شكر العقل فبالعلم والمعرفة واما شكر القلب فبالايمان والاذعان واما شكر الجوارح فبالعمل وادناها العمل لأنه متفرع على تلك لان العقل والقلب هو الجوهر ، فعمل بلا ايمان لا قيمة له كمن يصلي ولا يؤمن بالله ورسوله صلى الله عليه واله وسلم فلا قيمة لعمله ابدا
اذن القلب والعقل لهما الشرف على الجوارح ومتقدمان عليها رتبة وعملهما المصداق الاجلى لشكر النعمة
ويؤيده بل يدل عليه قوله تعالى(ان الله لا يغفر ان يشرك به) فهذه المعصية الجوانحية لا يغفرها الله عكس الجوارحية وكذلك قوله تعالى(وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون)حيث فسرت ب(الا ليعرفون) اذن العله الغائية من الخلق هي المعرفة فالمعرفة هي اسمى درجات الشكر له تعالى ، وتدل على ذلك ايضا الروايات الدالة على ان الله بالعقل يثيب ويعاقب ,اذن عمل العقل وهو المعرفة وعمل القلب وهو الايمان والاذعان عليهما المدار وفي اصول الكافي روايات كثيرة تدل على ذلك مضمون بعضها ان الله قال للعقل اقبل فاقبل وقال له ادبر فادبر فقال بك اثيب وبك اعاقب اذن الثواب والعقاب مصبهما الاول هو العقل والقلب ومثلها قوله تعالى(ولذكر الله ذلك اكبر) ومثله الحديث القدسي(كنت كنزا مخفيا فاردت ان اعرف فخلقت الخلق كي اعرف ) والحديث في هذا الحقل طويل الذيل ويحتاج الى بحث خاص يترك لمحاله
وانما ذكرنا ان بعضها مؤيدات لأن سند بعض الروايات يحتاج الى بحث مثلا تفسير (الا ليعبدون) ب( الا ليعرفون) ذكر البعض انها رواية ولكن بعض المتتبعين ذكر انه لا توجد هكذا رواية من طرقنا لكن الجامع الكلي ان عمل القلب والعقل لشرافتهما على الجوارح هو اشرف من عمل الجوارح,وهذا ايجاز التعليق عى كلام كفاية الموحدين بل نقول : انه حتى الثواب والعقاب انما هما على مقدار المعرفة والعلم اذن الفرق بين ما نقول وما يقوله كفاية الموحدين هو انه يقول : تجب المعرفة من باب المقدمية ونحن نقول انه من باب الموضوعية والنفسية وانها واجب نفسي وان وقعت مقدمة احيانا قليلة او كثيرة كالصلاة فانها واجب نفسي وقد تقع مقدمة للنهي عن الفحشاء والمنكر
وهناك روايات تذكر ان التكاليف على حسب الاستعدادات وما اعطانا الله من العقول فكلما كان العقل اقوى كان التكليف اكبر ولذا ورد الكلام المشهور(حسنات الابرار سيئات المقربين) وهذا ليس كلاما اخلاقيا بحتا بل اشارة للجانب الفقهي من التكليف حيث ان التكليف بحد ذاته تختلف مراتبه باختلاف مراتب العقول فتكليف النبي الاكرم صلى الله عليه واله اعظم من تكليفنا ولذا كان صلى الله عليه واله وسلم مكلفا بصلاة الليل وتكليف امير المؤمنين عليه السلام يختلف عن تكليفنا ولذا كان اثناء خلافته الظاهرية لا يأكل اللحم الا يومي العيدين لعلمه بان كل فقير في هذين اليومين قادر على اكل اللحم فقد ورد عنه ما مضمونه (امر الامام ان يساوي نفسه بضعفة المسلمين) كما ان تكليف رجال الدين يختلف عن تكليف عامة الناس وبيان هذا يحتاج الى بحث مفصل
اما كلام صاحب القوانين فهو يستدل على وجوب معرفة الله بوجهين جديدين وقد يتوهم ان الوجه الثاني هو نفس الوجه الاول لكن سنوضح الفرق بينهما: الوجه الاول وهو مركب من مقدمات :المقدمة الاولى:كل عاقل اذا لاحظ حاله فانه لا يشك انه قد افيضت عليه نعم كثيرة ظاهرة وباطنة من عينين (ولسانا وشفتين وهديناه النجدين)المقدمة الثانية:انه لا شك في ان هذه النعم هي من غيره فانه لم يمنح نفسه ذلك المقدمة الثالثة:يترتب على المقدمتين امور ثلاثة:الامر الاول:وجوب الالتفات للمنعم لا كما يفعل بعض الناس حيث همه بطنه وشهوته، وحيث ينسى او يتغافل عن خالقه وما اراده عنه
الامر الثاني:وجوب الاعتراف للمنعم والاذعان له بذلك الامر الثالث :وجوب الطاعة والتقرب الى مرضاة ذلك المنعم
فهذه واجبات ثلاث والدليل على وجوبها يذكره في المقدمة الرابعة: وهي:ان العبد لو لم يلتفت لمولاه او التفت ولم يعترف ويذعن له بذلك او اذعن لكن لم يطعه ولم يسع الى التقرب اليه فانه يستحق الذم على ذلك لدى العقلاء ويستحسن لديهم سلب نعمه منه وهذا معنى الوجوب العقلي ونص عبارته(العاقل ان لم يلتفت الى منعمه ولم يعترف له باحسانه ولم يذعن بكونه منعما ولم يتقرب الي مرضاته يذمه العقلاء ويستحسنون سلب تلك النعمة عنه وهذا معنى الوجوب العقلي)
ونقول:التعبير الادق من قوله (هذا معنى الوجوب العقلي) هو ان يقال: (ان هذا كاشف عن الوجوب العقلي ) لا معنى الوجوب العقلي فبالدقة لا يقال لذم العقلاء انه وجوب عقلي بل ان ذم العقلاء من جهة واستحسان سلب النعمة منهم من جهة اخرى ، كاشف عن الوجوب العقلي وليس هو معنى الوجوب العقلي
اما التعليق المهم فهو ان اطلاق كلام صاحب القوانين محل تأمل وان كان ما صبه فيه واستنتجه منه صحيحا ، لأننا نقول انه ليس كل ما ذم العقلاء شخصا على امر تركه انه واجب اي لو ذموه على ترك فعله فواجب او على فعله فتركه واجب اذ ليس كل ذم للعقلاء كاشفا عن الوجوب وليس كل ما استحسن العقلاء سلب النعمة كشف ذلك عن الوجوب بل ذلك صورة من الصور بل الصحيح : انه كلما ذم العقلاء ذما بالغا على ترك وكلما كان استحسانهم بالغا اكيدا كشف ذلك عن الوجوب او الحرمة وليس كل ذم او استحسان كذلك فان المكروهات ايضا هي مما يذم عليها العقلاء بل حتى في ترك الاولى توجد درجة من الذم .نعم المقام مقام الذم البالغ الاكيد فالاستدلال في جوهره صحيح لكن ينبغي ان يقيد الذم والاستحسان بالبالغ الاكيد، وللحديث صلة تأتي ان شاء الله تعالى وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين...
الاثنين 29 جمادي الثاني 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |