18- المراد بـ( قول الزور )خصوص الكذب ام (الباطل )؟ 2 ـ هل (اجتنبوا) خاص بالايجاد ام عام لكل التـقلبات ؟ ـ3 ـ الثمرات الفقهية المسائل الاربعة 4 ـ تحقيق لغوي عن (الزور)
الاثنين 21 ذي القعدة 1433هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآلة الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول الآية الشريفة: (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ), وحول كلمة (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) ومدى دلالتها على المراد من حرمة حفظ كتب الضلال وغيرها من المسائل.
مباحث ثلاث :
وتوجد هنا مباحث ثلاث:
المبحث الاول: وهو يدور حول تنقيح الموضوع, أي المتعلَّق في الآية وهو قول الزور , فما هو المراد منه ؟
المبحث الثاني : وهو في الحكم وفي مفاد وَاجْتَنِبُوا ومدى سعة دائرتها دلالةً , وما هي حدود النهي؟ وبتعبير أدق ما هو متعلق اجتنبوا ؟
المبحث الثالث : في المسائل والثمرات المترتبة على هذين المبحثين والتحقيقين .
اما المبحث الاول فنقول فيه :
انه توجد أقوال متعددة في ( قول الزور ) , ولكن عمدة الأقوال قولان متاقبلان , والقول الأول هو رأي السيد الوالد وقد ذكرنا ه , وفي قباله رأي السيد الخوئي ,
اما السيد الخوئي فانا نجد انه من المضيِّقين في الموضوع والحكم , بل لعله الأكثر تضييقا فيهما,
وأما السيد الوالد فهو من الموسعين فيهما , بل لعله الأكثر توسعة, ولعل السيد الوالد يتبع ولو في الجملة صاحب الجواهر والشيخ الانصاري في ذلك
وأما السيد الخوئي فلعله يتبع في تضييقه مثل الميرزا علي الايرواني الغروي,
واما البعض الآخر من الفقهاء فقد توسطوا بين هذه التوسعة وذلك التضيييق .
مدى التوسعة والتضييق :
والمضيق من الفقهاء يرى – بعضهم - إن قول الزور هو خاص بالكذب , والحق به الغناء حيث الروايات الخاصة على ذلك, والدائرة عند السيد الخوئي هي بهذا الوسع لا أكثر
وأما السيد الوالد فيرى إن المراد من قول الزور هو الباطل وهذا المعنى هو واسع جداً كما لا يخفى.
الثمرات الفقهية المترتبة على البحث :
و هنا - بناء على اختلاف القولين - توجد ثمرات فقهية مترتبة على ذلك, فبناء على التوسعة وان قول الزور هو الباطل , فان ذلك سيشمل المسائل المختلفة والمبثوثة في الفقه, وهذه الآية ستكون دليلا عليها, فـ(السباب) بناء على المضيق حيث انه ليس بكذب ؛ ولذا فلا تشمله الآية, وأما الموسع, فانه يرى الآية شاملة له؛ فإن السباب باطل,
وكذا (النميمة) فإنها ستكون مشمولة للآية بناء على التوسيع , وليست بمشمولة بناء على التضييق لان النميمة فيما إذا نقل كلام الطرفين للآخر، من غير إضافة وتغيير ليست كذبا, وكذا (الغيبة) وغيرها فالحال نفسه فيها ,
ومن الأمثلة الأخرى – كثمرة للبحث - هو (التخذييل) عن جبهة الحق , فان الكلام الذي ينقله وان كان صحيحا فرضاً إلا انه لا يجوز نقله إلى المسلمين لأجل تخذيلهم فإنه (باطل) كأن يقول الشخص المخذّل للمسلمين ان أعدادكم وأسلحتكم قليلة والعدو اقوى منكم وينقل لهم بعض الإحصاءات عن ذلك مثلاً وهو بكلامه هذا يخذلهم, فهذا الكلام وان كان صحيحا لكنه (باطل) والموسع يرى شمول الآية له واما المضيق فيرفض ذلك لأنه ليس بكذب.
والمثال الآخر هو (الإنشاء), وهو إيجاد لاعتبارٍ في عالمه , وهو ليس بمقسم للصدق أو الكذب ومثاله الحث أو الحض على الفساد أو الباطل أو الإلحاد, فان الموسع يرى شمول الآية لهذا المورد والمصداق لأنه (باطل) والمضيق بخلافه لأنه ليس بكذب, هذا هو المبحث الأول .
وأما المبحث الثاني , فهو في كلمة اجتنبوا, أي المتعلق في الأمر بالاجتناب ,
وهنا أيضا كلام فان السيد الخوئي - تبعا للايرواني وآخرين – يرى انها متعلقة بالإيجاد فقط , ويكون معنى اجتنبوا قول الزور : اجتنبوا إيجاد قول الزور لا غير أي اجتنبوا ايجاد الكذب وهذا المعنى هو تضييق في تضييق, واما سائر التقلبات الاخرى في (الزور) فهي ليست مشمولة للآية , وذلك مثل الإعدام في قبال الإيجاد, فلو ملك احدهم كتابا وحافظ عليه وكانت فيه أكاذيب العقيدة او الشريعة فليس عليه شيء؛ وذلك لأنه لم يوجد هذا الكتاب, فلا إثم عليه .
وأما حسب الرأي الثاني فإن له أن يقول : انه يشمل (اجتنبوا) هذا المورد حدوثا وبقاء, أي : إن إبقاء الكتاب هو مصداق لعدم الاجتناب ,
ولهذا البحث شعب أخرى سيأتي الكلام عنها إن شاء الله تعالى .
وأما المبحث الثالث وهو في ثمرات هذا البحث الفقهي - بناءا على الرأيين المتقابلين - في المعنى المراد من ( قول الزور ), ونحن قد قدمنا بعض الثمرات سابقا لشدة ارتباطها بالمطلب الأول, ونذكر الآن بقية الثمرات والمسائل والتي بها يتجلى الفرق بوضوح ,
المسألة الاولى: وهذه المسالة مجمع عليها , فان (إيجاد قول الزور بمعنى الكذب) لا كلام فيه وهو محرم البتة فإن الكذب مطلقاً محرم، ولنضرب له بعض الأمثلة المستخدمة: فمنها الأشخاص الذين يبثون إخبارا اقتصادية كاذبة فانهم - وبحسب رأي كل الفقهاء - مشمولون للآية وكذبهم مصداق لقول الزور , كما لو أن شركة أهلية او غيرها عقدت اتفاقا مع شركة أخرى خارجية لشراء كمية كبيرة من السيارات الحديثة , وكان هناك شخص لديه مجموعة خاصة به من نفس السيارات ورأى انه لو تمت الصفقة لانخفض السعر وقل ربحه, فلو قام ببث الإشاعة الكاذبة بان الاتفاق بين الشركتين انفسخ فإن هذا مصداق لقول الزور أي لإيجاد الكذب وارتكابه , وكذلك الحال في الدعايات القولية الكاذبة الأخرى والإعلانات الكاذبة وغيرها.
و هذه الصورة والمسألة بتفريعاتها هي مورد اتفاق بين الفقهاء ولذا لا نتوقف عندها
مسائل اخرى مورد البحث :
وأما المسألة الثانية فهي: (الكتابة) كالجرائد التي تشمل الأكاذيب, فهل الآية (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) تشمل الكتابة؟ الجواب جماعة ومنهم السيد الخوئي والايرواني وغيرهم قالوا بان الآية لا تشمل الكتابة , وأما رأي السيد الوالد وبعض آخر كصاحب العروة فهو ان الآية تعم الكتابة أيضا .
وأما المسألة الأخرى , فهي مسألة تقليدية ومتوارثة وهي مسألتنا الأصلية, أي : حفظ كتب الضلال , فهل الآية (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) تشمل حفظ كتب الضلال؟
الموسع يقول : نعم إن الآية شاملة لذلك ؛ لان (اجتنبوا) غير خاصة بإيجاد قول الزور؛ بل تشمل الحفظ أيضا ,
واما المضيق فيقول : ان الآية لا تشمل هذا المورد ؛ لان حفظ كتب الضلال ليس إيجادا لقول الزور, فانه ليس (قولاً) بل هو (كتابة) ثم هو ليس (إيجاداً) بل هو حفظ.
وعبارة السيد الخوئي في مصباح الفقاهة هي :
( وفيه ان قول الزور قد فسر بالكذب وفي جملة من الروايات فسر قول الزور بالغناء ) , ثم يقول : ( فالآية غريبة عما نحن فيه) وهو حفظ كتب الضلال ,
(لا يقال : الآية تدل على إعدام كتب الضلال لكونها من اظهر مصاديق الكذب بل هي كذب على الله ورسوله , فانه يقال :غاية ما يستفاد من الآية هو وجوب الاجتناب عن التكلم بالكذب وأما إعدامه فلا) .
إضافة : نعم الوالد وبالرغم من انه يتبنى التوسعة في دلالة الآية الشريفة وتطبيقاتها , لكنه من جهة ثانية قيد الأكاذيب ايجادا وحفظا بما إذا كان الإبقاء عليها سبباً للفساد أو الإضلال، أو كان محتملاً ذلك.
مسالة اخرى :
وهذه المسألة ليست بمطروحة , وهي مسألة تأسيس فضائية مثلاً مهمتها نشر الأكاذيب فهل هذا المورد مشمول للآية الشريفة او لا؟ وكذلك: مدرسة مهمتها تخريج أفراد يقومون بنشر الأكاذيب ؟
فان نفس التأسيس ليس بقول زور, نعم نتيجة ذلك تؤول إلى إنتاج أفراد يقولون الزور ويكذبون, فحسب قول المضيق لا تشمل الآية ذلك.
وأما الموسع فله أن يقول ان الآية تشمل هذه الموارد فان متعلق اجتنبوا هو كافة ما يرتبط بقول الزور بعلة محدثة كالمدرسة أو مبقية كالحفظ. فتأمل
بحث لغوي وتفسيري :
ونبدأ ببحث لغوي وتفسيري لنرى قولهم, وثم نرى ما الذي يمكن أن يستظهر من قول الزور ومن كلمة ( الزور ) .
أما اللغويون فقد ذكروا للزور معان عديدة منها الكذب , ومنها التهمة , ومنها الباطل وأيضا ذكروا إنها بمعنى شهادة الزور، وكذلك التزوير
والتزوير هو: تزيين الكذب وإصلاح الشيء، ومنه شاهد الزور ؛ لأنه يزور الكلام,
وكذلك ذكر بعض اللغويين والمفسرين أن المراد باية : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ), أي : الشرك بالله فيكون معنى اية (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) أي اجتنبوا الشرك بالله.
والمعنى الاخر الذي ذكروا للذين لا يشهدون الزور هو الذين لا يشهدون مجالس اللهو والطرب وقيل أيضاً: أعياد النصارى.
قول صاحب مجمع البيان :
واما صاحب مجمع البيان فيقول : اجتنبوا قول الزور , أي : الكذب ,
وقيل تلبية المشركين ؛ فإنهم قد أضافوا الى التلبية الحقيقية ( لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك), جملة (إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك) , فان الشيطان قد سوّل لهم هذا التناقض لكي يوقعهم في الشرك ولكن بلباس جديد , ويكون مفاد الآية هو اجتنبوا هذه التلبية, وروى أصحابنا أنه يدخل فيه الغناء وسائر الأقوال الملهية، وكذلك روي عن رسول الله ص قام خطيبا فقال : (أيها الناس عدلت شهادة الزور الشرك بالله) ثم قرأ : (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) يريد انه قد جمع في النهي بين عبادة الوثن وشهادة الزور.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين...
الاثنين 21 ذي القعدة 1433هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |