بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(150)
الأمارات المخالفة للأُصول المثبِتة
الصورة الثالثة: أن تكون الأمارات مخالفة للأصول المثبِتة، ولها نوعان:
أ- أن تخالف الإستصحاب المثبت للتكليف في الأحكام الكلية.
ب- أن تخالف الإحتياط في المسألة الفرعية، بان تدل الأمارة، أي غير المعتبرة لأن الفرض الإنسداد، أ- على عدم وجوب الاحتياط رغم كونه من موارد الإحتياط كأصل عملي كما في صورة الشك في المكلف به مع العلم بالتكليف، ب- أو تدل الأمارة على عدم وجوب أحد الطرفين، مثلاً، مع كونه من صور الشك في المكلف به، ففي كل الحالات السابقة يكون في العمل بالأمارة طرح للأصول المعتبرة. هذا وقد اقتصر الشيخ على هذا النوع([1]) إذ قال: (وإن كان([2]) مخالفاً للاحتياط فحينئذ يعمل بالإحتياط في المسألة الفرعية ولا يعمل بذلك الظن)([3]) أي الظن بالطريق الذي عملنا به إحتياطاً.
والعمل فيها على الأصل المثبِت
وفي هذه الصورة، الثالثة، انتقل الشيخ من الالتزام بالإحتياط الأصولي، إلى الالتزام بالإحتياط الفقهي، والسبب واضح وهو ما ذكره ((قدس سره)): (فحاصل الأمر يرجع إلى العمل بالإحتياط في المسألة الأصولية - أعني نصب الطريق - إذا لم يعارضه الإحتياط في المسألة الفرعية، فالعمل مطلقاً على الإحتياط)([4]) فانه في الصورة الثالثة الأمارة تنفي الحكم، من وجوب وشِبهه، لكن الاستصحاب، على الفرض، يُثبته، وكذا الإحتياط العملي لدى الشك في المكلف به فانه يلزم به، فالإحتياط هو بالعمل على طبق الأصل([5]) لا الأمارة إذ المصلحة في الواقع لا في سلوك الطريق، والحاصل: الإحتياط الذي اعتبره الشيخ في الجواب الرابع مرجعاً في الإنسداد إنما يقتضي العمل بكل الطرق والأمارات إذا لم يكن الطريق نافياً للحكم وكانت الأصول مثبتة له فانه في هذه الصورة يعمل بالأصل لا الإحتياط الأصولي الذي يعني العمل بالأمارة النافية، احتياطاً.
وجه تقييد موضوع البحث بالاستصحاب في الحكم الكلي
تنبيه: إنما قيّدنا (الإستصحاب)، وحال الأصول مطلقاً كذلك([6])، بكونه (المثبت للتكليف في الأحكام الكلية) مخرجين بذلك الشبهة الموضوعية والأحكام الجزئية، لأن الكلام في باب الإنسداد عن الأحكام الكلية لا عن الموضوعات.
بيانه: ان مقدمات الإنسداد هي: أن هنالك أحكاماً كلية كثيرة انشأها الشارع وهي متعلقة بذمتنا فعلاً، وقد انسد إليها الطريق، فيدور الأمر بين العمل بالبراءة أو الاستصحاب أو الإحتياط (أي الإحتياط في الأحكام الواقعية) أو القرعة أو رجوع الإنفتاحي للإنسدادي أو الظن أو القدر المتيقن الإضافي، أو الإحتياط في الطرق (وهذا هو مبنى الجواب الرابع للشيخ) فحيث اعترض عليه بان الإحتياط بالعمل بالطرق يطرح الأصول العملية، كالإستصحاب المثبت للتكليف أو النافي له، أجاب عنه بعدم حجية هذه الإستصحابات، وسائر الأصول، للعلم إجمالاً بأن بعض الأمارات الموجودة في أيدينا مما لا نعلم اعتباره تفصيلاً، معتبرة إجمالاً لدى الشارع فليس في العمل بالأمارة حينئذٍ طرحاً للأصول المعتبرة لأن العلم الإجمالي هدم تلك الأصول من قبل، فحيث كان البحث عن إنسداد الطرق إلى الأحكام الكلية، وحيث اعتبر الشيخ الحل بالإحتياط بالعمل بكل الطرق المحتمل إيصالها إلى الأحكام الكلية، نوقش بان العمل بها يطرح الإستصحاب المثبت أو النافي لها، كما اتضح.
ويؤكده: انّ باب العلم بالموضوعات ليس منسداً بل هو مفتوح عادة إما بالرجوع إلى العرف العام أو الخاص أو الأمارات على الموضوعات أو الأجهزة والمختبرات التي يفيد العلم، في مثل كون هذا اللحم لحم غنم أو خنزير، وكون المطلقة حاملاً أو لا، وكون هذا مِلكاً له أم لا، إذ المرجع البيّنة أو اليد أو اليمين... وغيرها من الأمارات الموضوعية التي لم ينسد باب العلم بها وإن قيل بإنسداد باب العلم بالأحكام نفسها.
مثال لاستصحاب الحكم الكلي
ويمكن التمثيل للإستصحاب لدى الشك في الأحكام الكلية بما لو شك في بقاء نجاسة الكر المتغير بعد زوال تغيره، فهل هو طاهر أو هو نجس؛ للشك في الحكم الكلي المجعول سعة وضيقاً إذ لا يعلم أن الشارع عندما جعل النجاسة للكر المتغير هل جعله واسعاً، فيكون نجساً حتى بعد زوال تغيره، أو ضيّقاً فيكون المجعول نجاسته حين إتصافه بالتغير فقط. فهنا وقع الخلاف في صحة إستصحاب الحكم الكلي إذ كان الكر المتغير نجساً، بجعلٍ من الشارع دون ريب وقد شككنا بعد تغيره في زوال نجاسته، نظراً لهذه الشبهة الحكمية وهنا يقول المشهور بالإستصحاب في قبال مَن([7]) أنكره استناداً إلى ما طرحه من معارضة إستصحاب عدم الجعل الثابت من الأزل، لإستصحاب المجعول وتحقيقه في محله.
اختلاف نسخ الرسائل
إلفات: اختلفت نسخ الفرائد ففي بعضها: (وإن كان مخالفاً للأصول: فإن كان مخالفاً للاستصحاب([8]) النافي للتكليف فلا إشكال). وفي بعضها الجملة نفسها بحذف كلمتي النافي للتكليف، وهذا هو الأصح أي الموافق لمقصود الشيخ؛ وذلك لعموم التعليل في كلامه: (لعدم حجية الإستصحابات بعد العلم الإجمالي بأنّ بعض الأمارات الموجودة على خلافها معتبرة عند الشارع)([9]) أي ان الإستصحابات سواء أكانت مثبتة أم نافية لا إشكال في العمل بالأمارات المخالفة لها([10]) وذلك لسقوط كافة الإستصحاب (المثبتة والنافية) عن الحجية ببركة (العلم الإجمالي بأنّ بعض الأمارات الموجودة على خلافها معتبرة عند الشارع.
فهذا بحسب مقصود الشيخ ودليله، ولكن المحقق اليزدي أورد عليه إشكالاً مضمونياً سيأتي بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
قال الإمام الصادق ((عليه السلام)): ((مَنْ رَوَى عَلَى مُؤْمِنٍ رِوَايَةً يُرِيدُ بِهَا شَيْنَهُ وَهَدْمَ مُرُوءَتِهِ لِيَسْقُطَ مِنْ أَعْيُنِ النَّاسِ، أَخْرَجَهُ اللَّهُ مِنْ وَلَايَتِهِ إِلَى وَلَايَةِ الشَّيْطَانِ فَلَا يَقْبَلُهُ الشَّيْطَانُ)) (الكافي: ج2 ص358)
------------------------------
([1]) ولم يذكر النوع الأول وهو مخالفة الاستصحاب المثبت.
([2]) أي مورد العمل بالطريق.
([3]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأص ول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص445-446.
([4]) المصدر: ص446.
([5]) وهو الاستصحاب أو الإحتياط.
([6]) أي في هذا التقييد.
([7]) وهو المحقق النراقي وتبعه السيد الخوئي (قدس سرهما).
([8]) في (ر)، (ص) و (ه) زيادة: " النافي للتكليف ".
([9]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص446.
([10]) الأمارة النافية لما أثبته الإستصحاب، والأمارة المثبتة لما نفاه الإستصحاب.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
(150)
أ- أن تخالف الإستصحاب المثبت للتكليف في الأحكام الكلية.
ب- أن تخالف الإحتياط في المسألة الفرعية، بان تدل الأمارة، أي غير المعتبرة لأن الفرض الإنسداد، أ- على عدم وجوب الاحتياط رغم كونه من موارد الإحتياط كأصل عملي كما في صورة الشك في المكلف به مع العلم بالتكليف، ب- أو تدل الأمارة على عدم وجوب أحد الطرفين، مثلاً، مع كونه من صور الشك في المكلف به، ففي كل الحالات السابقة يكون في العمل بالأمارة طرح للأصول المعتبرة. هذا وقد اقتصر الشيخ على هذا النوع([1]) إذ قال: (وإن كان([2]) مخالفاً للاحتياط فحينئذ يعمل بالإحتياط في المسألة الفرعية ولا يعمل بذلك الظن)([3]) أي الظن بالطريق الذي عملنا به إحتياطاً.
بيانه: ان مقدمات الإنسداد هي: أن هنالك أحكاماً كلية كثيرة انشأها الشارع وهي متعلقة بذمتنا فعلاً، وقد انسد إليها الطريق، فيدور الأمر بين العمل بالبراءة أو الاستصحاب أو الإحتياط (أي الإحتياط في الأحكام الواقعية) أو القرعة أو رجوع الإنفتاحي للإنسدادي أو الظن أو القدر المتيقن الإضافي، أو الإحتياط في الطرق (وهذا هو مبنى الجواب الرابع للشيخ) فحيث اعترض عليه بان الإحتياط بالعمل بالطرق يطرح الأصول العملية، كالإستصحاب المثبت للتكليف أو النافي له، أجاب عنه بعدم حجية هذه الإستصحابات، وسائر الأصول، للعلم إجمالاً بأن بعض الأمارات الموجودة في أيدينا مما لا نعلم اعتباره تفصيلاً، معتبرة إجمالاً لدى الشارع فليس في العمل بالأمارة حينئذٍ طرحاً للأصول المعتبرة لأن العلم الإجمالي هدم تلك الأصول من قبل، فحيث كان البحث عن إنسداد الطرق إلى الأحكام الكلية، وحيث اعتبر الشيخ الحل بالإحتياط بالعمل بكل الطرق المحتمل إيصالها إلى الأحكام الكلية، نوقش بان العمل بها يطرح الإستصحاب المثبت أو النافي لها، كما اتضح.
ويؤكده: انّ باب العلم بالموضوعات ليس منسداً بل هو مفتوح عادة إما بالرجوع إلى العرف العام أو الخاص أو الأمارات على الموضوعات أو الأجهزة والمختبرات التي يفيد العلم، في مثل كون هذا اللحم لحم غنم أو خنزير، وكون المطلقة حاملاً أو لا، وكون هذا مِلكاً له أم لا، إذ المرجع البيّنة أو اليد أو اليمين... وغيرها من الأمارات الموضوعية التي لم ينسد باب العلم بها وإن قيل بإنسداد باب العلم بالأحكام نفسها.
فهذا بحسب مقصود الشيخ ودليله، ولكن المحقق اليزدي أورد عليه إشكالاً مضمونياً سيأتي بإذن الله تعالى.
([2]) أي مورد العمل بالطريق.
([3]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأص ول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص445-446.
([4]) المصدر: ص446.
([5]) وهو الاستصحاب أو الإحتياط.
([6]) أي في هذا التقييد.
([7]) وهو المحقق النراقي وتبعه السيد الخوئي (قدس سرهما).
([8]) في (ر)، (ص) و (ه) زيادة: " النافي للتكليف ".
([9]) الشيخ مرتضى الأنصاري، فرائد الأصول، مجمع الفكر الإسلامي ـ قم: ج1 ص446.
([10]) الأمارة النافية لما أثبته الإستصحاب، والأمارة المثبتة لما نفاه الإستصحاب.