202- تحليل الجواب الثاني والاجابة عن شبهة ان شمول الادلة لصورة الشك فيها ، تمسك بالعام في الشبهة المصداقية الجواب الاول : اللجوء الى الغرض (كما في المصباح) الجواب الثاني : جوابنا السابق من الاطلاق التنجيزي وان القدرة حيث لم تؤخذ لفظاً ، فالاطلاق منعقد وليس تمسكاً بالشبهة المصداقية
الاثنين 24 صفر الخير 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
ملخص ما تقدم
كان البحث حول ان اطلاق أدلة المعرفة يشمل صور الشك الثلاثة وهي الشك في أصل القدرة النوعية والشك في القدرة الشخصية والشك في حدود القدرة سعة وضيقا، وقد اشكلنا على ذلك بان القدرة مخصص عقلي فلا يصحّ اذن ان نقول ان أدلة وجوب المعرفة تشمل صورة الشك في القدرة؛ واجبنا عن ذلك بجوابين وكنا في الجواب الثاني، وسنعيد صياغة الجواب الثاني بصورة اخرى أعم نفعا وأشمل تناولاً، كما سنضيف إليه تتمة, فنقول:
هل الشك في القدرة مجرى البراءة؟
هل يعقل بان يقال بان التكاليف شاملة للقادر وللشاك بالقدرة؟ قد يقال:لا,لأن التكليف مقيد عقلا بدون شك بالقدرة فلو شككنا في القدرة فكيف يتمسك بالعام مع وجود الشك في القدرة، والحال ان مرجعه الى الشك في التكليف والشك في التكليف هو مجرى البراءة لأننا اذا شككنا اننا قادرون فقد شككنا بتعلق التكليف بنا لأن القدرة شرط الوجوب وليست شرط الواجب، كما لو شككنا في الاستطاعة للحج او شككنا في الوقت للصلاة فانه إذا شككنا في حلول الوقت فقد شككنا في تعلق الوجوب بنا فهو شك في الوجوب وهو مجرى البراءة
التمسك بالعام لدى الشك في القدرة تمسك به في الشبهة المصداقية
وبتعبير اخر: التمسك بالعام في صورة الشك في القدرة إنما هو تمسك بالعام في الشبهة المصداقية وهو لا يصح، مثلا لو شككنا ان هذا بيع أو ليس بيعا؟ فلا يصح التمسك بـ(احل الله البيع) لتحليله، بل ثبِّت العرش اولا ثم انقش؛ أي اثبت انه بيع أولاً ثم استدل بالآية على حليته وهذه قاعدة مسلمة، وكذلك إذا قال المولى (حج ان استطعت) فشككت اني مستطيع فكيف اتمسك بـ(حج ان استطعت) على وجوب الحج والحال انه لم يحرز بعدُ اني مستطيع بل انا شاك في اني استطعت أو لا؟ فإذا استطعت تعلق بـ(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ) أما لو شككت في الاستطاعة فقد شككت في كون (حج) موجهاً إليّ، فالمجرى مجرى البراءة.
وكذلك المقام وهو أدلة المعرفة فان المعرفة واجبة ولكن هنا قيد عقلي وهو: ان استطاع العبد نيلها والوصول إليها، فإذا شككت في قدرتي على نيل المعرفة، اما لاضطراب الأقوال وتشابك الأدلة أو لصعوبة المسالة أو لانخفاظ في مستوى ذهن هذا الإنسان، فشككت بالقدرة فكيف أتمسك بـ(انْظُرُوا) المقيدة عقلا بالقدرة، على وجوب المعرفة علي وأنا شاك في قدرتي؟
تدافع مبنيين معروفين
ويمكن طرح هذه القضية بصورة أخرى تشكّل اعضالاً آخر أيضاً وهي: انه لو شك الإنسان في انه يستطيع ان يحفر الأرض - اما لبرد أو لصلابتها أو لغير ذلك - لكي يدفن الميت أو لا؟ فهل له أن يقول: انا شاك في القدرة فلا تكليف موجه إلي بدفن الميت وإلا كان تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية ؟, لأن الأمر هو ادفن الميت ان استطعت وغير معلوم اني مستطيع، مثال اخر, الشخص المجنب إذا كان هناك باب يفصله عن الحمام ولا يعلم ان الباب مفتوح حتى يكون قادراً على الغسل أو كان مغلقاً ولا يعلم انه يستطيع فتح الباب ام لا؟ فهل له أن يترك الفحص ومن ثمّ الغسل ويقول انا غير محرز قدرتي على فتح الباب فالتكليف في الغسل مشكوك فيه، فيتيمم بدون فحص؟
اذن المشكلة هكذا: انه من المتسالم عليه بل من البديهي عقلا وعقلائيا انه عند الشك في القدرة على الامتثال فالمجرى مجرى الاحتياط قطعا, لكن هذا يصطدم مع قاعدة مسلمة أخرى وهي عدم جواز التمسك بالعام في الشبهة المصداقية فانه باطل عقلائيا أيضا وليس شرعيا فقط فكيف نجمع بين هذين المبنيين؟
والجواب يتضح بملاحظة الجواب الثاني المتقدم، ولذا أعدنا الصياغة لبيان أهمية وعمومية الابتلاء بهذه القضية وأهمية الجواب الثاني, فنقول هنا جوابان عن هذه الشبهة:
الجواب الأول: المجرى الاحتياط، للغرض لا للإطلاق
الأول: هو ما طرحه السيد الخوئي في مصباح الأصول، لكن جوابنا الثاني سنوضح انه اقدم رتبة منه، على صحة جوابه لكن جوابه يستبطن تسليماً في الواقع للاشكال أولاً ثم محاولة للحصول على حل آخر، وحله صحيح لكنه متأخر رتبة اما نحن فلا نسلم بالاشكال ونرده مبنى لا بناءا.
اما جواب المصباح فانه بنى على ان الأمر لا اطلاق له ليشمل صورة الشك في القدرة بما اوضحناه لأنه يلزم منه التمسك بالعام في الشبهة المصداقية وأيضا لظهور الأمر في كونه موجها للعالم بالقدرة أو لمحرزها، فهو يقبل الاشكال لكن يفر منه إلى (الغرض) فيقول : حيث اننا نعلم ان للمولى اغراضا ملزمة فاذا تمسكنا في كل تكليف نشك فيه في القدرة، بهذه الشبهة وانه شك في التكليف ومآله إلى جريان البراءة فانه يلزم منه تفويت اغراض المولى الملزمة لأن العبد في كثير من الموارد يشك في قدرته, مثلا لو قال المولى (اذهب إلى السوق واشترِ اللحم) فانه يشك بقدرته فلعل سيارة تصدمه فينكشف له عدم قدرته، أو لعل اللحم قد نفذ، وعشرين "لعلّ" أخرى تتراوح بين احتمالات قوية واحتمالات ضعيفة، ولا فرق لأن التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لا معنى له حتى لو كان الاحتمال ضعيفاً إذ يجب ان تحرز مثلا انه بيع حتى تقول احل الله البيع اما لو كنت تحتمل انه بيع فلا يجوز التمسك بهذا العموم لإثبات حليته بل لا بد ان تبحث عن ادلة اخرى واصول اخرى لاثبات الموضوع وإلغاء احتمال الخلاف، ثم نرتب عليه المحمول، وفي المقام عليك اولا اثبات القدرة ثم قل تجب المعرفة,اما ان تقول بالوجوب وانت شاك بالقدرة فلا يعقل ذلك حتى لو كان الشك واحداً في المائة.
اذن السيد الخوئي يتخلص من الاشكال لا بالقول باطلاق الامر، بل يسلم ان الامر غير مطلق وانه لا يشمل صورة الشك في القدرة، وانما ينتقل الى الغرض وان الملزم للعبد للانبعاث ليس هو امر المولى فقط بل (العلم بالغرض بمنزلة العلم بالتكليف) وان لم يكن امر او نهي لمشكلةِ ترتبٍ في المولى الحقيقي او لمشكلةِ جهلٍ في المولى العرفي،
الجواب الثاني: بل المجرى الاحتياط للاطلاق
وهذا الجواب صحيح لكن هذا الجواب متأخر رتبة، فإننا لا نسلم بالاشكال وبمبناه ونقول نحن في غنى من اللجوء للغرض، وقد اتضح ذلك مما فصلناه سابقاً ولكن نوجزه ليتضح ويكون سهل التناول, فنقول: ان الاستطاعة أو القدرة ان أخذت لفظاً كقيد للموضوع حين إنشاء الحكم، فما ذكره السيد الخوئي صحيح أي الاشكال وارد ويحتاج الى تخلص ولا تخلص الا بالرجوع للغرض، ولكن لم تؤخذ القدرة ولا الاستطاعة لفظا في معظم الاحكام الشرعية , بل لعله في 99,99 منها الا في الحج، وانما اخذ هذا القيد من العقل كما اوضحناه وعليه فانه عندما قال المولى ادفن الميت او اغتسل للجنابة فان الامر مطلق وقد انعقد اطلاق تنجيزي فاذا انعقد فيشمل صور العلم بالقدرة والظن المعتبر بالقدرة والشك بالقدرة والظن غير المعتبر بعدم القدرة فيشملها جميعا، وليس ذلك تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية لأن لفظ الاستطاعة لم يؤخذ في الدليل ولو اخذ لم يشمل الشك في الاستطاعة لأن الشيء لا يشمل الشك فيه فان الحائط مثلاً لا يطلق على مشكوك الحائطية ولا يشمله, والذي اخذ هو المشروط (المشكوك مآلا) لا الشرط، إذ قال تجب عليك المعرفة، فهذه لها اطلاق لا من حيث الشك في المعرفة والعلم بها بل من حيث العلم بالقدرة او الشك بالقدرة.
بعبارة أخرى: الشك ليس واردا على موضوع الحكم لكي يقال ان موضوع الحكم لا يشمل الشك فيه بل الشك وارد على أمر اخر أجنبي عنه أي على الصفة, والموصوف بما هو هو اعم من اقترانه بالوصف وعدمه، فالشيء لا يشمل الشك فيه لكنه يشمل الشك في صفاته كما ان الصفات لا تشمل الشك فيها
وبتعبير آخر: كل شيء لو كانت له صفتان او حالتان فانه لو لم يقيد باحدى الحالتين فسيكون اعم منهما ثبوتا واثباتا أي علما وشكا وظنا، وهذا جواب دقيق فتدبروا فيه لأنه غير مطروق بحسب اطلاعي والبحث الجديد قد تكون فيه ثغرات فيحتاج إلى المزيد من البحث والتدقيق,فليتأمل,وهذا هو جوابنا الثاني على صاحب القوانين في أصل بحثه كما انه يعد حلا لعقدة مشهورة في علم الأصول.
أدلة المعرفة لم تقيد بالقدرة لفظاً فهي مطلقة
والآن لنطبق البحث على صغرى المقام :ان أدلة المعرفة لم تقيد بالاستطاعة، فلم يقل تعالى أفلا يتدبرون القران ان استطاعوا ولم يقل انظروا ماذا في السموات والأرض ان استطعتم، فأدلة المعرفة لم تقيد بالاستطاعة، بل هي مشروطة بها عقلا، ولم يشفع هذا الشرط باللفظ لكي يقال ان الاستطاعة لا تشمل صورة الشك في الاستطاعة وإلا كان تمسكا بالعام في الشبهة المصداقية، بل أدلة المعرفة مطلقة لفظا فتشمل صورة الشك في الاستطاعة.
ان قلت: قد قيدّ العقل بالاستطاعة؟
قلت: لكنه لبي يقتصر فيه على القدر المتيقن وهو صورة القطع بعدم الاستطاعة ولا غير؛ فإذا كان العبد قاطعا بعدم الاستطاعة على المعرفة فلا يخاطب بالتكليف بالمعرفة، للأدلة التي ساقوها في محلها وانه لا يمكن انبعاثه أو انزجاره وحينئذ توجيه الخطاب له لغو ولأنه يستلزم التناقض بنظره، وعلل أخرى ذكرت في محلها، لكن شيئاً من ذلك لا يلزم من القول بشمول التكليف للشاك في القدرة والاستطاعة.
وسيأتي الكلام في الجواب الثالث
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
الاثنين 24 صفر الخير 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |