||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 250- دور مقاصد الشريعة في تحديد الاتجاه العام للتقنين والتوجيه: الرحمة واللين مثالاً

 368- (هُوَ الَّذي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ) (17) محاكمة بين الآراء المختلفة في تفسير القرآن بالقرآن

 37- (كونوا مع الصادقين)5 العلاقة العلية والمعلولية التبادلية بين (التقوي) و(الكون مع الصادقين) الإمام الجواد عليه السلام والحجج الإلهية والأدلة الربانية

 281- فائدة أصولية: منجزية العلم الإجمالي

 182- تجليات النصرة الالهية للزهراء المرضية 4- النصرة بمقام القرب لدى رب الارباب

 361- الفوائد الاصولية: الصحيح والأعم (4)

 107-فائدة فقهية: الاقسام الاربعة للتورية

 264- مباحث الأصول: بحث الحجج (حجية الظنون) (1)

 182- تجليات النصرة الالهية للزهراء المرضية 4- النصرة بمقام القرب لدى رب الارباب

 62- أنواع تعدية الفعل



 الحسين المحمول عليه السلام على أجنحة الملائكة صريع على أرض كربلاء

 الإِمَامُ الحُسَينُ خَليفَةُ اللهِ وَإِمَامُ الأُمَّةِ

 تعلَّمتُ مِن الإِمامِ.. شرعِيَّةُ السُّلطةِ

 اقتران العلم بالعمل



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 91

  • المواضيع : 4532

  • التصفحات : 28057028

  • التاريخ :

 
 
  • القسم : الطهارة (1446هـ) .

        • الموضوع : 041 - ثلاث ثمرات أخرى - تأسيس الأصل .

041 - ثلاث ثمرات أخرى - تأسيس الأصل
الأحد 28 جمادى الأولى ١٤٤٦هـ



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(41)


الثمرة التاسعة: الماء الـمُصعَّد
وقد اختلف في المضاف المتنجس الـمُصعَّد فصار بخاراً إذا قُطِّر فرجع ماء، كما اختلف في الماء القليل المطلق المتنجس إذا صُعِّد ثم قُطّر فعاد ماءً، والثمرة تظهر في المسألة الثانية، وأما الأولى فالمرجع فيها قاعدة أخرى كما سيظهر.
قال في العروة: (مسألة 4: المطلق أو المضاف النجس يطهر بالتصعيد؛ لاستحالته بخاراً ثمّ ماء[1])[2].
وقد اختلف في الماء المتنجس المصعّد، فوافق جمع من المعلقين صاحب العروة وخالفه جمع وقد استدل من قال بنجاسته ببقاء الموضوع حقيقة عرفاً أو للاستصحاب قال المحقق الآملي: (فيه منع، بل الأقوى بقاؤه على النجاسة لبقاء الموضوع حقيقة وعرفا بتبدّله بخاراً، فإنّ غاية ما هناك هو تفكّك أجزاء المائيّة، وإن أبيت عن بقاء الموضوع حقيقة فبقاؤه عرفا محلّا لاستصحاب النجاسة. الآملي)[3] معلقاً على قول العروة (يطهر بالتصعيد) وعلق آخرون بـ: (فيه تأمّل. (الفيروزآبادي، الإصطهباناتي).
* محلّ إشكال، بل الأقوى النجاسة. (الحائري).
* بل لا يطهر على الأحوط، وكونه من الاستحالة محلّ تأمّل. (آل ياسين).
* فيه تأمّل، بل منع، وإن قلنا بطهارته حال كونه بخارا، ولكن بعد تقاطره واجتماعه يرى العرف أنّه ذلك المتنجّس بعينه. (صدر الدين الصدر).)[4].


ويمكن الجواب عن الوجه الأول: بأن تفكك الأجزاء المائية وتمدد الماء وإن صح دقةً ولكن البخار عرفاً غير الماء فهذا من المائعات وذلك ملحق بالغازات[5]، كما تختلف أحكامهما العرفية والشرعية والتكوينية بجلاء، وأما الثاني فإنه لا مجال لجريان الاستصحاب بعد انقطاع الحالة السابقة بانتفاء الموضوع عرفاً، بصيرورته بخاراً، فلا معنى لاستصحاب نجاسة هذا الماء بعد التقطير بدعوى كونه مشكوكَ متيقنِّة قبل التبخير، بعبارة أخرى: الماء بعد التقطير مغاير بالشخص مع الماء قبل التبخير، وإلا لزم تخلل العدم بين الشيء ونفسه، فليس هذا متيقن ذاك.
وليس الشاهد فيمن اتضح له هذا الطرف أو ذاك، بل الشاهد فيمن تردد على ضوء الرأي الثالث المفصّل بين كون موضوع النجاسة هو الجسم أو الشيء، فهو باق قطعاً ولم يزل بصيرورة الماء المتنجس بخاراً، فهو نجس[6]، وبين كون موضوع النجاسة هو الماء (أي هذا الماء الشخصي) فهو زائل لتخلل البخار الذي هو حقيقة أخرى كما سبق، فليس هذا ذاك قطعاً ولذا قال بعض المعلقين: (لا إشكال في كون الاستحالة موجبة للطهارة، كما سيأتي، لكنّه فيما تكون النجاسة مترتّبة شرعا على العنوان الزائل بالاستحالة، وأمّا لو كانت مترتّبة على الشيء لا بعنوان خاصّ، بل بما أنّه شيء أو جسم مثلا فلا تتحقّق الاستحالة بتبدّل اسمه؛ لبقاء موضوع الحكم، وهو الشيء أو الجسم مثلا، ففي المضاف المتنجّس[7] وسائر المتنجّسات النجاسة مترتّبة على ما هو باق بعد التصعيد[8]، اللهمّ إلّا أن يتمسّك بالصدق العرفي أيضاً، وأنّ المضاف بنظرهم زائل، فلا يترك الاحتياط. المرعشي)[9].
فمحل الثمرة هو ما لو تردد الفقيه بين كون معروض البخار هذا أو ذاك، فحينئذٍ يكون المرجع القاعدة المؤسَّسة ببركة البحوث السابقة حول آية {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً}[10] وذلك بعد فرض كون الدوران بين العنوانين السابقين من قبيل الدوران بين المفهومين المتباينين عرفاً، ولو بما هما موضوع الحكم الشرعي. فتأمل.


الثمرة العاشرة: المطر إذا أصاب ورق الشجر
وذلك لأن ماء المطر معتصم، كالكر والجاري، دون شك وإن كان خفيفاً في تساقطه وإن كانت كل قطرة وحدها ماء قليلاً؛ للروايات والإجماع.
ومورد الكلام هو فيما لو سقطت قطرة المطر على ورقة من شجرة مثلاً فههنا صور: 1- أن تمرّ بها فقط، كما لو كانت الورقة عمودية أو منحدرة جداً، 2- وأن تسقط عليها وتقفز منها، 3- وأن تسقط عليها وتستقر قليلاً مع تتابع سقوط المطر، 4- الصورة بحالها مع عدم تتابعه، 5- أن تستقر طويلاً.
ولا شك في حكم الصورة الأولى والخامسة، إنما الكلام في الصور الثلاثة الوسطى، وقد اختلف الأعلام فيها إلى أقوال، قال في العروة: (مسألة 5: إذا تقاطر من السقف لا يكون مطهّرا، بل وكذا إذا وقع على ورق الشجر ثمّ وقع على الأرض)[11] والكلام الآن في الصورة الثانية من صورتي العروة، وقد انقسم المعلقون إلى الآراء التالية:
(الحكم بالعصمة إذا كان التقاطر مع التتابع والشدّة لا يخلو من قوّة. الفاني.
* يمكن القول بمطهّريّته فيما لم يستقرّ على الورق. حسين القمّي.
* المطهّريّة لا تخلو من قوّة في الصورتين. عبد الهادي الشيرازي.
* صرف وقوعه على ورق الشجر لا يمنع عن مطهّريّته، إلّا إذا استقرّ عليه ثمّ وقع على الأرض النجسة بعد انقطاع نزول المطر، كما هو الحال في الأشجار الملتفّة الكثيرة الأوراق. البجنوردي.
* إذا لم يصدق أنّه ماء المطر حال نزوله، وإلّا يكون مطهّرا. عبد اللّه الشيرازي.
* أمّا لو كان يجري من السقف والورق إلى غيرهما مع توالي التقاطر عليه فهو بحكم المطر. الشريعتمداري)[12]، و(على الأحوط. الخوئي، حسن القمّي.
* مجرّد وقوعه على الورق لا يمنع من مطهّريّته مع توالي التقاطر، كيف وقد حكم المصنّف في المسألة الآتية بأنّه لو تقاطر على عين النجس فترشّح منها على شيء آخر لم ينجس؟! نعم إذا استقرّ عليه ثمّ نزل بعد انقطاع المطر فلا يكون مطهّرا. مفتي الشيعة.
* الظاهر هو الحكم بالمطهّريّة إذا لم يستقرّ عليه، وعدّ عرفاً باقياً على نزوله الطبيعي من السماء من جهة عدّ الورق ممرّا له، ولو لأجل التتابع والشدّة. السيستاني)[13].
(على الأحوط، وإن كان بقاؤه على المطهّريّة مع تتابع المطر هو الأقوى. النائيني.
* في إطلاقه نظر، بل منع. آل ياسين.
* وإن كان الأقوى بقاؤه على المطهّريّة مع تتابع المطر. جمال الدين الگلپايگاني.
* لا يضرّ هذا الحكم بمطهّريّته على الأقوى. البروجردي.
* لا يبعد الحكم بمطهّريّته حال تقاطر المطر. محمّد رضا الگلپايگاني.
* إذا انفصل ما يقع على الأرض بذلك عمّا ينزل من السماء، أمّا إذا كان اتّصاله باقيا بما ينزل من السماء لم يضرّ به وقوعه على الشجر، فهو لا يزال معتصما ومطهّرا لما يقع عليه، ويكون كالفرض الأخير. زين الدين)[14].
وموطن الشاهد: انه لو اتضح للفقيه الوجه في الأقوال الماضية فهو، ولو تردد فالمرجع القاعدة العامة وهي المستفادة من {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً}[15] كما سبق.
إلا أن يجاب بوجود أصلٍ موضوعيٍ منقح وهو استصحاب كونه ماء المطر حتى بعد استقراره على الورقة وتتابع المطر، بل حتى مع انقطاعه لكن لا بفاصل كثير، وذلك مع فرض الشك، إلا أن يجاب بأنه من الشك في المقتضي وهو مما لا يجري فيه الاستصحاب على رأي.
وبعبارة أخرى: إن صَدَقَ عليه ماء المطر فمعتصم، وإن لم يصدق فلا، وإن شك نستصحب، فلا مجال لمرجعية القاعدة العامة.
إلا أن يردّ بما مضى أو بفتح المجال لمرجعية القاعدة إذا أرجعنا الشبهة إلى الصدقية[16]، فتأمل[17].


الثمرة الحادية عشرة: النجاسة المشكوك سرايتها
وهذه المسألة مورد الابتلاء بشدة وهي التي أشار إليها في العروة، قال عن المضاف: (مسألة 1: الماء المضاف مع عدم ملاقاة النجاسة طاهر، لكنّه غير مطهّر لا من الحدث ولا من الخبث، ولو في حال الاضطرار، وإن لاقى نجساً تنجّس وإن كان كثيراً، بل وإن كان مقدار ألف كرّ، فإنّه ينجس بمجرّد ملاقاة النجاسة، ولو بمقدار رأس إبرة في أحد أطرافه فينجس كلّه)[18]، وقد وافقه غالب المعلقين ولكن ناقش فيه جمع:
(فيه إشكال، والمتّبع في تنجّسه حكم عرف المتشرّعة بالسراية وعدمها. المرعشي.
* على الأحوط، وإن كان الأقوى عدم الانفعال إذا بلغ من الكثرة حدّا كبيراً جدّاً، كآبار النفط وما أشبهها فلا تنفعل بمباشرة الكافر مثلا. زين الدين.
* في المثال ونظائره إشكال. محمّد الشيرازي.
* والفرق بين المضاف الكثير والمضاف القليل بالقول بالسراية في الثاني بخلاف الأوّل، فإنّ العرف لا يرى سراية القذارة فيه، محلّ منع؛ لكفاية الإطلاقات في الحكم بالانفعال، مع الشكّ في المناط المذكور. مفتي الشيعة.
* فيه تأمّل. السيستاني.
* في إطلاقه تأمّل؛ لعدم السراية عرفاً فيما إذا كان المضاف بمقدار ألف كرّ مثلاً. الروحاني)[19].
أقول: لا يخلو إما أن نقول بأن ملاك التنجس هو الملاقاة[20]، كما أو أن نقول بأن ملاكه السراية:


على القول بأن مدار النجاسة على الملاقات
فإن قلنا بالأول، أجيب على قول المشهور القائلين بالنجاسة مطلقاً، بعدم وجود إطلاق دال على أن ملاقاة المائع للنجاسة، سبب للنجاسة، إذ الروايات الخاصة مقيدة بـ «قِدْرٍ طُبِخَتْ»[21«قَطَرَتْ فِي قِدْرٍ فِيهَا لَحْمٌ كَثِيرٌ»[22«وَقَعَتِ الْفَأْرَةُ فِي السَّمْنِ»[23«رَجُلٍ يَجِدُ فِي إِنَائِهِ فَأْرَةً»[24«فَإِنْ وَقَعَتْ فَأْرَةٌ فِي خَابِيَةٍ فِيهَا سَمْنٌ أَوْ زَيْتٌ»[25] وشبهها[26] وهي بأجمعها في المضاف القليل أو الكثير بمقدار متعارف كالخابية والقدر الكبيرة فالتعدي منها إلى ألف كر أو إلى بئر النفط أو بحر من ماء مضاف، قياس، قال في الفقه: (الثالث: ما علم من تتبع الأدلة، أن ملاقاة النجس برطوبة مسرية سبب للتنجيس مطلقاً.
وفيه: إن المعلوم هو نجاسة القَدْر الذي سرت النجاسة إليه لا مطلقاً، إذ لم يرد دليل على أن ملاقاة المائع للنجاسة سبب لنجاسته حتى يؤخذ بإطلاقه، والقول بأن المائع موضوع واحد فلا يعقل اختلاف حكمه، مع النقض بالجامد، غير تام، إذ لم يقم دليل على ذلك، بل عدم بيان الشارع لكيفية التنجس دليل على أنه لم يزد على الطريقة المألوفة لدى العرف من تبعية النجاسة للسراية، وسيأتي تمام الكلام إن شاء الله تعالى في الماء القليل)[27].
وقال: (هذا بعض الكلام في أصل تنجس المضاف بالملاقاة، ولكن قد استشكل غير واحد من المعاصرين أو من قارب عصرنا في تنجس الكثير منه بالملاقاة فعن مصباح الفقيه ما لفظه:
(ثم لا يخفى عليك أنّ استفادة انفعال الكثير من هذه الأخبار في غاية الإشكال، لأنّ المتبادر إلى الذهن من مواردها ليس إلّا القليل، فالعمدة في المقام إنّما هو الإجماع. - إلى أن قال بعد كلام طويل - فاتّضح لك أنّه لا دليل يعتد به في إثبات الحكم للكثير إلّا الإجماع والقاعدة المغروسة في أذهان المتشرّعة)[28] انتهى)[29].


على القول بأن مدارها على السراية
وإن قلنا بالثاني أي بأن ملاكه السراية ففيه: (وقال في المستمسك عند قول المصنف (رحمه الله): وإن كان مقدار ألف كر، ما لفظه: (كما يقتضيه إطلاق معاقد الإجماعات والكلمات. لكنه لايخلو من تأمل، لعدم السراية عرفاً في مثله، نظير ما يأتي من عدم السراية إلى العالي الجاري إلى السافل، والنصوص الواردة في السمن والمرق ونحوهما غير شاملة لمثله، وثبوت الإجماع على السراية في الكثرة المفرطة غير ظاهر. ومن هنا يسهل الأمر في عيون النفط المستخرج في عصرنا، المعلوم غالباً مباشرة الكافر له بالرطوبة المسرية)[30] انتهى.
وقال في فقه الصادق: (لكن الحكم بعدم تنجس المضاف كله إذا كان كثيراً بأن كان مقدار ألف كر مثلاً ولاقى أحد أطرافه مع النجاسة، لا يخلو من قوة، لأن ثبوت الإجماع في الفرض ممنوع، والخبر إما يدل على نجاسة خصوص موضع الملاقاة وما تسري إليه النجاسة، والسراية في الفرض غير ظاهرة، بل عدمها ثابت عرفاً. وما ورد في المرق، إذا وقعت فيها نجاسة كالفارة، لا يشمل الكثير الملاقي مع النجاسة بأحد أطرافه) انتهى.
أقول: وهذا القول هو الأقوى لأن دليل نجاسة المضاف بالملاقاة:
إن كان هو الإجماع، فحيث إنه دليل لبي يلزم أن نأخذ بقدره المتيقن في موضع الشك ـ على تقدير حجيته ـ وليس ذلك إلا مثلما إذا لاقى النجس القدر والخابية ونحوهما، وإن كان هو التنظير بالمطلق، فمع ما تقدم من الإشكال، فيه: أن ذلك إنما يفيد نجاسة الأقل من الكر من المضاف كما هو حكم الممثل به فيبقى الكر خالياً من هذا الدليل، وإن كان هو الأخبار فهي ليست إلا في الموارد التي يقطع بقلتها ولا أقل من الشك، فأصالة عدم النجاسة إلا المقدار الملاقي وما تسري إليه النجاسة محكّمة.
وإن كان القاعدة المغروسة في أذهان المتشرعة ـ كما ذكره الفقيه الهمداني (رحمه الله) ـ ففيه: عدم معلومية مغروسية النجاسة في أذهان المتشرعة بأكثر من السراية في مثل هذه الموارد، وسيأتي في مسألة عدم نجاسة العالي بالسافل ومسألة انفعال القليل ما يفيد المقام)[31].


الأنواع الأربعة للسراية
أقول: بل التحقيق ما فصّله السيد الأستاذ الوالد في الفقه لاحقاً من ان السراية لها أربعة معاني ومحتملات هي: الحقيقية والعرفية والحكمية والتعبدية، وقد أوضحها بقوله: (الامر الأول: إن الظاهر أن الحكم بالنجاسة في المايعات مبني على السراية، وما ذكروه من أقسامها ثلاثة[32].
الأول: السراية الحقيقية، فيكون وجه نجاسة ما عدا الجزء الملاقي سراية هذا الجزء إلى سائر الأجزاء، كسراية اللون في الماء حتى يصير ملوناً، فنجاسة كل جزء لأجل ملاقاته للنجس أو المتنجس[33].
الثاني: السراية الحكمية[34]، وذلك لأن الجزء الملاقي للنجس متصل بجزء آخر، وذلك بجزء ثالث وهكذا، فإذا انفعل الجزء الملاقي انفعل مجاوره، وبانفعال مجاوره ينفعل مجاور المجاور وهكذا.
والفرق بين هذا وسابقه، أن ذلك كان يحتاج إلى تخلل زمان بين نجاسة الجزء الأول، ونجاسة الجزء الأخير، لأن الفرض أنه كسراية اللون والطعم، بخلاف هذا فإنه لا يحتاج إلى تخلل زمان بل ينجس الجزء الأول والأخير دفعة واحدة، لأن الاتصال بين الأجزاء حاصل قبل الملاقاة، والوجه في النجاسة هو الاتصال، وأقرب مثال عرفي لهذا أن تكون حال النجاسة حال الوقوع، فكما أنه لو كانت يد زيد تحت رأس خشبة مستطيلة آخذاً لها في الهواء، فإن انفصلت يده عن جزئها الآخر المتصل بيده يقع جميعه دفعة واحدة، لاتصال كل جزء بالجزء الآخر، فلو وقع هذا الجزء وقع سائرها، كذلك ههنا.
الثالث: السراية التعبدية وهو أن لا يكون هناك سراية حقيقية، بحيث يسري ويذهب النجس أو المتنجس إلى جميع الأجزاء، ولا حكمية، بأن لا يكون الوجه نجاسة الجزء الثاني بالأول حقيقة لاتصاله به وهكذا، بل الشارع حكم بأن الملاقاة ولو بجزءٍ، سببٌ لحكمي بنجاسة سائر الأجزاء، ويكون حاله حال ما لو حكم بنجاسة إناء في مدينة لنجاسة إناء في مدينة أخرى، فالحكم يسري، لا الجزء النجس ولا النجاسة.
الرابع[35]: ولكن هناك وجه آخر، وهو أن يكون سبب نجاسة سائر الأجزاء السراية العرفية، وذلك بأن يتعدى الأثر إلى معظم الأجزاء كالقذارات العرفية، فإن العرف يستقذر الماء الذي مخط فيه شخص لا لسراية المخاط بنفسه أو باثره إلى جميع الأجزاء، ولا لسراية الحكم حقيقة أو تعبداً إذ ليس هناك حكم، بل من جهة تعدي الأثر إلى المعظم. وهذا نظير أخذ موضوع المستصحب عرفياً لا شرعياً، ولا دقّياً عقلياً.
والظاهر أن سبب النجاسة في كل موضع قلنا بالنجاسة هو هذا، لأن العرف لا يفهم من خطابات النجاسة إلا ذلك، ولا يرد على هذا شيء من الإشكالات التي ترد على الثلاثة الأُوَل.
أما النقض بالكر بأن السراية العرفية حاصلة في الكر، ومع ذلك لا يقال بنجاسته، ففيه: إنه على القول بانفعال القليل لا بد وأن نلتزم بكونه تخصيصاً للتسهيل، وإلاّ أي فرق بين أن يلاقي مقدار الكر بنقصان عشر مثقال قطرة من الدم، وبين ملاقاته كراً لها)[36] – انتهى وقد نقلناه بطوله لما له من الفائدة.
أقول: موطن الشاهد هو أن من اطمأن إلى أن السراية عرفية، كالقليل من الفقهاء، فهو (اي يحكم بعدم تنجس ألف كر بملاقاة قطرة دم لجانب منه) ومن اطمأن إلى كونها تعبدية أو حكمية فهو (أي يحكم بنجاسته)، ومن قال بأنها حقيقية فشك في حصولها في الحدود البرزخية، استصحب العدم، ولكن من اعتبر المدار في التنجيس السراية، ولكنه شك بنحو الشبهة المفهومية في المراد منها، من الوجوه الأربعة الماضية، فإن له أن يرجع إلى العموم الفوقاني.
ولكن يشكل على هذه الثمرة بأنه ليس المرجع عموم {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً} إذ الفرض ان الكلام في المضاف، بل هي ثمرة مشابهة والمرجع فيها عموم فوقاني آخر وهو «كُلُّ شَيْ‏ءٍ نَظِيفٌ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّهُ  قَذِرٌ»[37]، و«الْمَاءُ كُلُّهُ طَاهِرٌ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّهُ قَذِرٌ»[38]، بناء على ما استظهرناه من أن الرواية تفيد الحكمين الواقعي والظاهري (أي: كل شيء طاهر واقعاً، ثبوتاً، وإن شككت فيه فهو لك طاهر ظاهراً حتى تعلم انه قذر) فالغاية هي لأحد الصنفين، ولا تخصص المغيّى وإن قال به ما لعله المشهور فلا تكون قرينة على أن المراد من الجملة الأولى تأسيس الحكم الظاهري فقط. فتأمل وتدبر. والله العالم.
والحاصل: بيان الثمرة في تأسيس العام الفوقاني سواء في الماء المطلق أم الماء المضاف ككل شيء آخر.
ولكن يمكن تعديل المثال ليكون من المقام وذلك بأن نفرض ماءً كثيراً يتجاوز الكر ولكنه متفرق متصل ببعضه عبر أنابيب ضيقة جداً ليندرج في الشبهة المفهومية. فتدبر جيداً ولعله يأتي بيانه.

أسئلة:
- اكتب بحثاً عن البخار وانه موضوع آخر أو لا، ولماذا يختلف حكمه عن الماء وعن عين النجاسة، مثلاً بخار البول ليس بنجس، وبخار المتنجس ليس بنجس.
- اكتب بحثاً عن الصور الخمسة لتساقط ماء المطر على ورق الشجر أو الجدران أو السقوف، وحكمها.
- اكتب بحثاً عن مدارية (الملاقاة) أو (السراية) وأوضح الأقسام الأربعة من السراية، وهل الملاقاة تنقسم أيضاً إلى أربعة أقسام.


قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «تَعَلَّمُوا الْعِلْمَ فَإِنَّ تَعَلُّمَهُ حَسَنَةٌ وَمُدَارَسَتَهُ تَسْبِيحٌ، وَالْبَحْثَ عَنْهُ جِهَادٌ، وَتَعْلِيمَهُ مَنْ لَا يَعْلَمُهُ صَدَقَةٌ، وَبَذْلَهُ لِأَهْلِهِ قُرْبَةٌ لِأَنَّهُ مَعَالِمُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَسَالِكٌ بِطَالِبِهِ سُبُلَ الْجَنَّةِ وَمُونِسٌ فِي الْوَحْدَةِ، وَصَاحِبٌ فِي الْغُرْبَةِ وَدَلِيلٌ عَلَى السَّرَّاءِ وَسِلَاحٌ عَلَى الْأَعْدَاءِ وَزَيْنُ الْأَخِلَّاءِ، يَرْفَعُ اللَّهُ بِهِ أَقْوَاماً، يَجْعَلُهُمْ فِي الْخَيْرِ أَئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ، تُرْمَقُ أَعْمَالُهُمْ وَتُقْتَبَسُ آثَارُهُمْ، وَتَرْغَبُ الْمَلَائِكَةُ فِي خَلَّتِهِمْ لِأَنَّ الْعِلْمَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ وَنُورُ الْأَبْصَارِ مِنَ الْعَمَى» (تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): ص28).

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

------------------------------------

[1] بلا فرق في البخار بين بخار المتنجّس أو النجس، كما يأتي في الخامس من المطهّرات مسألة (3 و 7). (السبزواري) .
[2] السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى والتعليقات عليها، مؤسسة السبطين العالمية ـ قم: ج1 ص372-373.
[3] المصدر: ج1 ص372.
[4] المصدر: ج1 ص372.
[5] عبروا بـ (بخار الماء هو الحالة الغازية للماء) و(يعد البخار حالة متوسطة وحالة توازن بين الحالة السائلة والحالة الغازية).
[6] للإطلاق الأفرادي لا للاستصحاب.
[7] محل ثمرتنا في المطلق المتنجس كما سبق.
[8] وهو عنوان ماء البرتقال مثلاً لو صعّد فعاد بعد التبخير ماء برتقال فرضاً (لا ماءً مطلقاً).
[9] السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى والتعليقات عليها، مؤسسة السبطين العالمية ـ قم: ج1 ص373.
[10] سورة الفرقان: الآية 48.
[11] السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى والتعليقات عليها، مؤسسة السبطين العالمية ـ قم: ج1 ص439-441.
[12] المصدر: ج1 ص440.
[13] المصدر.
[14] المصدر: ج1 ص441.
[15] سورة الفرقان: الآية 48.
[16] على ما فصّلناه في البحث الأسبق من مغايرتها للشبهة الموضوعية المصداقية والمفهومية والحكمية.
[17] لأكثر من وجه، فتدبر.
[18] السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى والتعليقات عليها، مؤسسة السبطين العالمية ـ قم: ج1 ص366.
[19] السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى والتعليقات عليها، مؤسسة السبطين العالمية ـ قم: ج1 ص366.
[20] بما هي هي، لا بما هي طريق محض للسراية باعتباره، على رأي، هو الملاك التام.
[21] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج6 ص261.
[22] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج6 ص422.
[23] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج6 ص261.
[24] الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، مؤسسة آل البيت عليهم السلام ـ قم: ج1 ص142.
[25] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة: ج1 ص14.
[26] راجع الروايات في موسوعة الفقه: ج2 ص57 – 61.
[27] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر: ج2 ص57.
[28] الشيخ آغا رضا الهمداني، مصباح الفقيه، المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث: ج1 ص283- 289.
[29] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر: ج2 ص64.
[30] السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت: ج1 ص114.
[31] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر: ج2 ص64-66.
[32] وأضاف إليها رابعاً كما سيأتي.
[33] أقول: ولو فرض أن النجاسة عبارة عن مكروبات أو فيروسات فتكون نجاسة كل جزء لأجل ملاقاته بعضها، فلا يمتد إلى ألف كر مثلاً أو لا يعلم.
[34] وملاكها اتصال الأجزاء بعضها ببعض.
[35] كلمة الرابع إضافة توضيحية منّا.
[36] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر: ج2 ص314-316.
[37] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص285.
[38] الشيخ الكليني، الكافي، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج3 ص1.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الأحد 28 جمادى الأولى ١٤٤٦هـ  ||  القرّاء : 219



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net