||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 269- مباحث الأصول: (الدليل العقلي) (القدرة من شرائط التكليف) (3)

 230- مباحث الاصول: (مقدمة الواجب) (2)

 123- المستحبات في معادلة الحياة

 211- مظاهر الرحمة الكونية في السيرة النبوية والعلوية

 233- التزاحم بين الوحدة الاسلامية وبين الشورى, العدل والحق و(النزاهة) الفيصل الاول في تقييم المسؤولين

 18- بحث رجالي: توثيق النجاشي لاصحاب الاجماع وحجية روايتهم

 450- فائدة فقهية: دلالة السيرة على صحة معاملة الصبي الراشد بإذن وليه

 326- من فقه الحديث: المزاح السباب الأصغر

 54- بحث فقهي اصولي: الفرق بين الموضوع الصرف والمستنبط

 128- من فقه الايات: في قول إبراهيم: (بل فعله كبيرهم) وثلاثة عشر وجهاً لدفع كون كلامه خلاف الواقع



 الحسين المحمول عليه السلام على أجنحة الملائكة صريع على أرض كربلاء

 الإِمَامُ الحُسَينُ خَليفَةُ اللهِ وَإِمَامُ الأُمَّةِ

 تعلَّمتُ مِن الإِمامِ.. شرعِيَّةُ السُّلطةِ

 اقتران العلم بالعمل



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 177- أعلى درجات التواتر لاخبار مولد الامام القائم المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه الشريف )



  • الأقسام : 91

  • المواضيع : 4532

  • التصفحات : 28056046

  • التاريخ :

 
 
  • القسم : الطهارة (1446هـ) .

        • الموضوع : 040 - أربع ثمرات أخرى للآية لفقه (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) .

040 - أربع ثمرات أخرى للآية لفقه (وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا)
السبت 27 جمادى الأولى ١٤٤٦هـ



بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

(40)


ثمرات البحث في فقه {ماءً طَهُوراً}
طهارة الماء الكر المكرر والزائل تغيره مطلقاً

الثمرة الخامسة: وتظهر ثمرة البحث عن تأسيس القاعدة العامة استناداً إلى فقه قوله تعالى {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً}[1] في الماء المكرر ومطلق الكر إذا زال تغيره من قبل نفسه أو بتصفيق الرياح أو بإلقاء مادة كمياوية عليه، والماء المكرر هو المتنجس الذي أزيلت رائحته وطعمه ولونه المتغير ذلك كله بالنجاسة، بالتكرير الصناعي، وهي مسألة مستحدثة شديدة الابتلاء في العصر الراهن؛ إذ أن المدن الكبرى، كالقاهرة ولندن، بل جميع مدن العالم ابتليت بنقص شديد في المياه؛ نظراً لزيادة السكان باستمرار وللإسراف بل التبذير فيها وسوء إدارة استخدام المياه وأيضاً لمشاكل ناجمة عن التغير المناخي والاحتباس الحراري وتدهور جودة احتياطي المياه العذبة أخلّت بدورة المياه، ولذلك ابتكرت الحكومات الغربية، وتبعتها بعض البلاد الإسلامية، طريقة تكرير المياه عبر معامل ضخمة جداً، حيث تذهب مياه الصرف الصحي (النجسة، والمتحصلة من الخبثين) إلى تلك المعامل التي تتشكل من سلسلة أحواض ضخمة جداً تمر عبرها المياه المتنجسة حيث يتخلص في بعض الأحواض من الأشياء الكبيرة والصغيرة والثقيلة[2] بعضها بمصافي وبمرشحات وبعضها بالبقاء في الحوض فترة كي تنزل إلى أسفل، كما وتضاف مواد كيماوية موجبة الشحنة كي تتجمع المواد المذابة على شكل كتلة كبيرة الحجم تسمى Floe يصار إلى ترسيبها (ويعاد استخدام الرواسب إما كسماد أو تحرق أو تلقى في مكب النفايات أو يعاد تدويرها) والتصفية تتم عبر مرشحات متنوعة التركيب وحجم المسامات، وفي بعض الأحواض تلقى عليها مواد كيمياوية أو تستخدم الأشعة فوق البنفسجية كي تزيل رائحتها ولونها وطعمها الكريه، وتُصفّى فيه من البكتريا والفيروسات والطفيليات ثم تضاف مواد أخرى كالكلور أو آحادي الكلورامين لقتل ما تبقى من البكتريا والطفيليات.. وهكذا إلى أن يخرج الماء من آخر أحواض المصفى نظيفاً (عرفاً، ومن الناحية العلمية) كما ان طعمه مماثل للماء الطاهر المعروف ولربما ألطف.
وهنا تظهر مسألة الماء الزائل تغيره بالمعالجة، والمشهور شهرة عظيمة نجاسته نعم النادر كـ : يحيى بن سعيد في الجامع ذهب إلى طهارته، قال في الجواهر: (وكيف كان فلم ينقل عن أحد، الخلاف في عدم الطهارة فيما ذكره المصنف إلا عن يحيى بن سعيد في الجامع، وعن العلامة في نهاية الأحكام، أنه تردد في حصول الطهارة بزوال التغيير من قبل نفسه خاصة، وفي المنتهى نقل الخلاف فيه عن الشافعي وأحمد، ولم ينسبه لأحد من أصحابنا.
نعم قال بعضهم: أنه لازم لكل من قال بطهارة القليل بإتمامه كراً، وفيه نظر إذ قد يكون مأخذ تلك المسألة الرواية السابقة التي ادعي إجماع المؤالف والمخالف عليها وهي قوله صلى‌ الله ‌عليه ‌وآله ‌وسلم (متى بلغ الماء قدر كر لم يحمل خبثا) وعدم شمولها لمثل المقام ظاهر، إذ أقصى ما تفيده ان بلوغ الكرية رافع ودافع لكن ذلك لا ينافي القول بأنه إذا تنجس الكر بنجاسة‌ المعتبرة شرعاً لا يطهر إلا بإلقاء كر. وقد يكون المأخذ الإجماع المدعى في ذلك المقام وهو معلوم الانتفاء هنا.
والحاصل لا تلازم بين المسألتين، ومن هنا ذهب بعض القائلين بحصول الطهارة بالإتمام الى عدمها في المقام كما صرح به ابن إدريس وصريح المنقول عن المهذب مع قرب ما بين المسألتين فيه، ولعل الباعث للقول بالتلازم اشتراك بعض الأدلة، وفيه ما لا يخفى بعد ما عرفت، وإلا لجاء ذلك في كثير من المسائل... إلى أن قال: وكل ذلك محل للنظر والتأمل فالمسألة لا تخلو من إشكال ان لم يتمسك بإطلاق بعض الأدلة، لكنه لا محيص عن فتوى المشهور وبها يقوى الاستصحاب على معارضة غيره، خصوصا بعد ما سمعت من الإطلاق المزبور المؤيد بالمفهوم المذكور، وبعد عدم وجود لفظ المتغير عنوانا للحكم كي يتوهم منه دوران الحكم عليه وجودا وعدما، مضافا الى ما سمعت على تقديره والله العالم. وعلى كل حال فمما تقدم تعرف ما في دليل الخصم وما في تأييده أيضا، فإنه معارض بإطلاق ما دل على الاجتناب مع التغيير، على انها ظاهرة في الذي لم يتغير أصلا لا في ما تغير ثم زال تغييره فتأمل)[3].
وفي الفقه: (وبعد هذا كله فللتوقف في المسألة لو لم تُرجَّح الطهارة مجال، وقد عرفت فيما تقدم تردد العلامة، ومخالجة الإشكال في ذهن صاحب الجواهر، وفتوى ابن سعيد بالطهارة، ومحتمل بعض الفقهاء، والله العالم)[4].
وفي العروة قال: (مسألة 18: الماء المتغيّر إذا زال تغيّره بنفسه[5] من غير اتّصاله بالكرّ أو الجاري لم يطهر)[6]، ووافقه جميع المعلقين بينما احتاط وجوباً السيدان الوالد والسيستاني (* على الأحوط في الكرّ المتغيّر إذا زال تغيّره بنفسه. (محمّد الشيرازي). * على الأحوط وجوباً، ومثله النابع غير الجاري. (السيستاني).)[7].


الأدلة والمناقشات والتوقف
ووجوه قول المشهور والقول الآخر والأخذ والرد فيها طويل نكتفي بالإشارة إلى بعض الوجوه وبعض الأدلة والمناقشات:
فمنها: الخلاف في أن موضوع النجاسة هل هو الماء أو هو الماء المتغير؟ فإن كان الماء فإن المكرّر المتغير الزائل تغيره نجس، وإن كان (الماء المتغير) بأن كان التغير حيثية تقييدية، فهو طاهر، قال في مصباح الفقيه: (أنّ معروض النجاسة على ما يساعد عليه العرف، ويستفاد من ظواهر الأدلّة إنما هو نفس الماء، وتغيّره علّة لانفعاله والشك إنّما نشأ من احتمال أنّ بقاء النجاسة أيضاً كحدوثها مسبّب عن فعلية التغيّر بحيث تدور مداره، أو أنّ التغيّر ليس إلّا علّة لحدوث النجاسة، فبقاؤها مستند إلى اقتضائها الذاتي، فلا يجوز في مثل المقام نقض اليقين بالشك ورفع اليد عن النجاسة المتيقّنة الثابتة لهذا الماء الموجود بمجرّد احتمال أن يكون زوال التغيّر مؤثّرا في إزالتها)[8].
والحاصل: ان التغير عِلّة محدثة تدور النجاسة مدار فعليته وصدقه أو عِلّة محدثة مبقية.
ومنها: انه (استدلّ على طهارة المتغيّر الكثير بعد زوال تغيّره من قبل نفسه بوجوه:
منها: ما ورد من أن الماء إذا بلغ كراً لم يحمل خبثاً[9]، فإنّه بعمومه يشمل الدفع والرفع كليهما فكما أنّه لا يحمل الخبث ويدفعه كذلك يرفعه إذا كان عليه خبث، وإنّما خرجنا عن عمومه في زمان التغير خاصة للأدلة على نجاسة الماء المتغيّر، فإذا زال عنه تغيّره فلا بدّ من الحكم بطهارته لأن المرجع في غير زمان التخصيص إلى عموم العام دون الاستصحاب، إذ العموم والإطلاق يمنعان عن الاستصحاب بالبداهة كما بيّنّاه في بحث الأصول وفي بحث الخيارات من كتاب المكاسب[10])[11].
وأجيب (بضعف دلالتها لأن ظاهر قوله (عليه السلام) «لم يحمل» أنّه يدفع الخبث ولا يتحمّله إذا ألقى عليه لا أنّه يرفعه بعد تحميل الخبث عليه بوجه. ثم لو تنزلنا فلا أقل من إجمال الرواية لتساوى احتمالي شمولها للرفع وعدمه.
كذا قيل ولكنه قابل للمناقشة لأن «لم يحمل» بمعنى لا يتّصف وهو أعم من الرفع والدفع كما سيظهر وجهه عند التعرض لحكم الماء القليل المتنجس المتمم كراً إن شاء الله)[12]، ونوقش في هذا الجواب بأكثر من وجه[13] بما سيأتي في محله.
ومنها: (صحيحة ابن بزيع لقوله (عليه السلام) فيها: «حَتَّى يَذْهَبَ الرِّيحُ وَيَطِيبَ طَعْمُهُ»[14] حيث إنّه (عليه السلام) بيّن أن العلّة في طهارة ماء البئر هي زوال التغيّر عن طعمه ورائحته فيستفاد منها أن كل متغيّر يطهر بزوال تغيّره)[15]، لكنّ القولين مبنيان على أن (حتى) تعليلية أو غائية فإن كانت تعليلية فبالتغير يطهر (فكأنه (عليه السلام) قال ينزح ماء البئر ويطهر بذلك لعلّةِ زوال ريحه وطعمه)[16]، وإن كانت غائية فلا إذ (لأن ظاهر "حتى" في الرواية أنّه غاية للنزح بمعنى أنّه ينزح إلى مقدار تذهب به رائحته ويطيب طعمه، كما هو ظاهر غيرها من الأخبار. نعم احتمل شيخنا البهائي (قدس سره) كونها تعليلية كما تقدّم نقله)[17].
ومنها: ان ظاهر الروايات أن التغيّر علّة للنجاسة، أي؛ إذا تغيّر تنجس، لا العكس وانه إذا ارتفع التغير ارتفعت النجاسة، بعبارة أخرى: المفهوم إذا لم يتغير لم يتنجس وليس إذا ارتفع ارتفعت، وكذا لا ينعكس بالعكس المستوي إلى قضية مطلقة.
وموطن الشاهد من ذلك كله أن الفقيه إذا اتضح له أحد طرفي المسألة وفقه الحديث (بأن اتضح له أن «أن يحمل» يعني (أن يتصف) أو عكسه أي بإبقائه على ظاهره من دون تضمينه معنى الاتصاف ونظائر ذلك من الأدلة) فهو، وأما إن تردد، كما تردد في المسألة العلامة واعتبرها الجواهر ذات إشكال وتوقف الوالد، فهنا تكون المرجعية للأصل العام الذي جرى تأسيسه ببركة التفقه في آية {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً} وأن لها عموماً افرادياً وأحوالياً وأزمانياً ببركة دليل الامتنان أو وجود المقتضي (الطبيعة) وانتفاء المانع (وهو كون النون للتنكير) أو ببركة أن {طَهُوراً} يعني فعولاً أي شديد الطهارة فلا يتنجس الكر إلا حين تغيره فقط، أو يعني تلزمه الطهارة فلا تفارقه إلا حين التغير (في الكر، أما القليل فلا؛ للأدلة والإجماع)، فالكلام إنما هو في الكر.
وكذلك حال سائر الأدلة السابقة وغيرها، فإنه إن اطمأن الفقيه بأحد الطرفين بنى عليه، وإن تردد كان مرجعه إلى قوله تعالى {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً}.


حل إجماعي للمياه الثقيلة المكررة
تنبيه: خطر بالبال القاصر أن هنالك طريقة تحظى بالإجماع للوصول إلى تطهير المياه الثقيلة المكررة، وهي انه بعد مرور الماء المتنجس (وبضمنه النجاستان) بالمراحل السابقة وخروجه نظيفاً، يصب في بحيرة طبيعية أو صناعية فيكون طاهراً إذا استهلك فيه[18] أو على رأي أسهل: إذا امتزج به نظراً للإجماع على طهارة الماء المتنجس وكذا المضاف المتنجس بمزجه بالكر الطاهر أو باستهلاكه وإن قال جمع بكفاية اتصاله به، وعليه يقترح على الدول التي تريد ذلك أن تنصب المعامل المذكورة على مقربة بحيرة حلوة صناعية أو طبيعية فتصب فيها المياه المكررة لكي تجري داخل البحيرة فتستهلك فيها (أو على رأي يكفي امتزاجها بها) ثم تسحب مياه البحيرة من آخر الطرف الآخر (لمزيد الاطمئنان) وتصب في خزانات المدينة، ولو أرادت الحكومة دفع التقزز حصرت استخدامها في الزراعة مثلاً.


القليل الـمُتمَّم كراً بطاهر أو نجس
الثمرة السادسة: الماء الـمُتمَّم كراً بطاهر أو نجس.
وفي الفقه: (أن الكلام فيما إذا كان أحد الماءين المتمَّم ـ بالفتح ـ أو المتمِّم ـ بالكسر ـ نجساً، سواء تمّم النجس بالطاهر أو العكس، وهو مراد المصنف)[19] فيشمل المتنجس الـمُتمَّم كراً بمتنجس.
(في المسألة أقوال ثلاثة:
الأول: النجاسة مطلقاً، كما اختاره المصنف تبعاً للإسكافي والشيخ والفاضلين والشهيدين وأكثر المتأخرين كما في المستند، بل المشهور كما عن جماعة.
الثاني: الطهارة مطلقاً، كما عن السيد والحلي وابن سعيد والقاضي والديلمي والكركي.
الثالث: الطهارة إن تمّم بطاهر، كما عن ابن حمزة، ونسبه المبسوط إلى بعض الأصحاب وقال: (إنه قوي) وإن كان يظهر من مجموع كلامه القول بالنجاسة[20])[21].
أقول: الأدلة على المسألة هي نفس الأدلة على المسألة السابقة، والكلام الكلام.
والوجه في عدم استدلال ابن إدريس وغيره من الأصحاب في المقام بما هو المعروف في الاستدلال به على اعتصام الكر من قولهم (عليهم السلام) «إذا بلغ الماء قدر كر أو قدر راويتين لا ينجسه شيء»[22] ظاهر، وهو أن نجس من باب التفعيل وهو بمعنى الإحداث والإيجاد. نجّسه بمعنى أوجد النجاسة وأحدثها ولا ينجّسه أي لا يوجِد النجاسة ولا يحدثها في الكرّ، فتختص هذه الأخبار بالنجاسة الطارئة بعد كرية الماء، ولا تشمل النجاسة السابقة على الكرية، وهذا بخلاف الرواية المتقدمة لأنها تقتضي عدم اتصاف الكر بالخبث مطلقاً، فإن كان في الماء نجاسة سابقة فمعنى عدم اتصافه بها كرّاً أنه يلقي النجاسة عن نفسه، كما أنها إذا كانت متأخرة معناه أن الكر يدفع النجاسة ولا يقبلها)[23]، وقد يناقش فيه بما سيأتي في محله.
والشاهد كالسابق، أن الفقيه لو لم يطمأن بأحد طرفي الأدلة، كان مرجعه إلى عموم {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً} بالتحقيق السابق.


طهارة غسالة الاستنجاء
الثمرة السابعة: غسالة الاستنجاء ويشترط في طهارة ماء الاستنجاء أمور:
الأول: عدم تغيره في أحد الأوصاف الثلاثة.
الثاني: عدم وصول نجاسة إليه من خارج.
الثالث: عدم التعدي الفاحش على وجه لا يصدق معه الاستنجاء.
الرابع: أن لا يخرج مع البول أو الغائط نجاسة أخرى، مثل الدم، نعم الدم الذي يعد جزء من البول أو الغائط لا بأس به.
الخامس: أن لا يكون فيه الأجزاء[24] من الغائط، بحيث يتميز، أما إذا كان معه دود أو جزء غير منهضم من الغذاء أو شئ آخر لا يصدق عليه الغائط فلا بأس به)[25].
وفي التنقيح تعليقاً على الشرط الأول (وإلّا فهو محكوم بالنجاسة، لعموم ما دلّ على نجاسة الماء المتغير بأوصاف النجس، والسر في هذا الاشتراط هو أن السؤال والجواب في روايات الباب ناظران إلى ناحية ملاقاة الماء القليل للعذرة فحسب، ولا نظر لهما إلى سائر الجهات، لأن انفعال القليل بالملاقاة كان مرتكزاً في أذهان الرواة ولأجله سألوهم عن حكم الماء القليل في الاستنجاء الملاقي لعين النجس وأجابوا بعدم انفعاله، فلا يستفاد منها طهارته فيما إذا تغيّر بأوصاف النجس أيضاً، فإن التغيّر ليس أمراً غالبياً في ماء الاستنجاء بل هو نادر جداً فيخرج عن إطلاقات الأخبار لا محالة)[26].
وفي الفقه: ({وأما المستعمل في الاستنجاء ولو من البول، فمع الشروط الآتية طاهر ويرفع الخبث أيضاً، لكن لا يجوز استعماله في رفع الحدث ولا في الوضوء والغسل المندوبين}.
والكلام في المقام في أربعة مسائل:
الأولى: في كون المراد بماء الاستنجاء أعم من البول والغائط.
الثانية: في أنه هل هو طاهر أم نجس معفو عنه؟
الثالثة: في أنه هل يزيل الخبث؟
الرابعة: في أنه هل يزيل الحدث ويصح الوضوء والغسل المندوبان به أم لا؟
أما الكلام في المسألة الأولى: فنقول: الظاهر أنه لا فرق بين البول والغائط في هذا الحكم، كما هو المشهور. بل في المستمسك وغيره: إنه لا يعرف فيه خلاف، وأرسله في المستند إرسال المسلَّمات. وعن جامع المقاصد: نسبته إلى الأصحاب. وعن المدارك والذخيرة: أنه مقتضى النص وكلام الأصحاب. وفي الجواهر، أنه: (قد يستظهر من إطلاق النص والفتوى، كما صرح به بعض، عدم الفرق بين المخرجين)[27]، انتهى.
أقول: فاحتمال الاختصاص بمخرج الغائط، مع أنه خلاف ظاهرهم وصريحهم، خلاف إطلاق النص، وخلاف المتعارف من التلازم غالباً بين البول والغائط بحيث يندر جداً أن يتغوط دون أن يبول، ومن التلازم بين تطهير المخرجين، بحيث يندر أن يغسل مخرج الغائط وحده ثم يغسل مخرج البول. مضافاً إلى التعليل في قوله (عليه السلام): «لأن الماء أكثر».
وأما الكلام في المسألة الثانية: فقد اختلفوا في ذلك، فالمشهور شهرة عظيمة على طهارته. وفي المستند نسبته إلى الأكثر. خلافاً لما يحكى عن المنتهى والذكرى، ونسبه الثاني إلى المعتبر أيضاً، وإن استظهر الحدائق والجواهر عدم تمامية النسبة.
وكيف كان فإن القائل بهذا القول يقول: إنه نجس معفو عنه، بمعنى أن الشارع عفى عنه بعض أحكامه وبقيت الأحكام الأخر)[28].
ويدل عليه صحيحة الأحول، قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): أخرج من الخلاء فاستنجي بالماء فيقع ثوبي في ذلك الماء الذي استنجيت به؟ فقال: «لا بأس به»[29]، كذا رواه في الكافي.
والشاهد انه لو تردد الفقيه في بعض فروع المسألة، كالشك في طهارته أو انه نجس معفو عنه؛ للتردد في معنى قوله (لا بأس به) انه طاهر أو مجرد غير مضر لأنه معفو عنه، أو اشتراط عدم خروج نجاسة أخرى كالدم معه مع كونه مستهلكاً وعدمه[30]، فالمرجع عموم الآية الكريمة.


الغسلة المزيلة
الثمرة الثامنة: الغسلة المزيلة
ويكفي أن ننقل كلام صاحب العروة مع بعض التعليقات عليه:
(مسألة 3: يجوز استعمال[31] غسالة الاستنجاء في التطهير على الأقوى[32]، وكذا غسالة سائر النجاسات على القول بطهارتها[33]، وأمّا على المختار[34] من وجوب الاجتناب عنها احتياطا[35] فلا)[36].
والشاهد كما سبق أن الفقيه لو تردد في طهارة ماء الاستنجاء (فوق القول بالعفو عنه) فله الرجوع إلى إطلاق {وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً} بعد إحراز عمومه بما سبق مفصلاً من دليل الامتنان أو بما حقق من معنى طهوراً.


أسئلة:
- ابحث عن طرق أخرى للحكم بطهارة المياه المتنجسة.
- قوِّ الأدلة السابقة على طهارة الكر الزائل تغيره من قبل نفسه أو بعلاج أو ناقشها، مثلاً: ابحث هل موضوع النجاسة الماء أو الماء المتغير!
- ابحث عن أدلة أخرى وناقشها أو قوّها.
- برهن كون (حتى) في (حتى يذهب الريح ويطيب طعمه) للتعليل أو للغاية.
- هل هناك ربط بين مسألتي الكر الزائل تغيره من قبل نفسه أو بعلاج ومسألة القليل المتمم كراً؟
- اذكر الوجه في اشتراط الفقهاء الشروط الخمسة في طهارة غسالة الاستنجاء.
- اكتب بدقة عن فقه صحيحة الأحول.
- ما الفرق بين الغسلة المزيلة والغسلة المطهِّرة؟


قال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام): «إِنَّكُمْ‏ فِي‏ آجَالٍ‏ مَنْقُوصَةٍ، وَأَيَّامٍ‏ مَعْدُودَةٍ، وَالْمَوْتُ يَأْتِي بَغْتَةً، مَنْ يَزْرَعْ خَيْراً يَحْصُدْ غِبْطَةً، وَمَنْ يَزْرَعْ شَرّاً يَحْصُدْ نَدَامَةً، لِكُلِّ زَارِعٍ مَا زَرَعَ، لَا يُسْبَقُ بَطِي‏ءٌ بِحَظِّهِ، وَلَا يُدْرِكُ حَرِيصٌ مَا لَمْ يُقَدَّرْ لَهُ، مَنْ أُعْطِيَ خَيْراً، فَاللَّهُ أَعْطَاهُ وَمَنْ وُقِيَ شَرّاً فَاللَّهُ وَقَاهُ» (تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): ص 489).

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين

------------------------------------

[1] سورة الفرقان: الآية 48.
[2] كقطع الحصي أو قطع الخشب الصغيرة أو العيدان أو القماش والرمال.
[3] الشيخ محمد حسن النجفي الجواهري، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت: ج1 ص166-168.
[4] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر: ج2 ص150.
[5] أي بغير علاج، كما إذا أزالت التغيّرَ هبوبُ الرياح أو بعلاج، كما إذا كان الزوال بسبب ذرّ دواء فيه. (المرعشي).
[6] السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى والتعليقات عليها، مؤسسة السبطين العالمية ـ قم: ج2 ص396-397.
[7] السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى والتعليقات عليها، مؤسسة السبطين العالمية ـ قم: ج2 ص397.
[8] الشيخ آغا رضا الهمداني، مصباح الفقيه، المؤسسة الجعفرية لإحياء التراث: ج1 ص125.
[9] المستدرك: ج1 ص198/ أبواب الماء المطلق ب9 ح6 عن عوالي اللآلئ عن النبي (صلى الله عليه وآله) ونسبه المحقق (قدس سره) في المعتبر (ج1 ص52 و53) إلى السيد والشيخ وقال: إنّا لم نروه مسنداً والذي رواه مرسلاً المرتضى والشيخ أبو جعفر وآحاد ممّن جاء بعده، والخبر المرسل لا يعمل به، وكتب الحديث عن الأئمة (عليهم السلام) خالية منه أصلاً. وفي سنن البيهقي ص260 المجلد 1 إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث "لم يحمل خبثاً" وكذا في سنن أبي داود كما قدّمنا في محله فراجع ص204.
[10] مصباح الفقاهة: ج6 ص327.
[11] الشيخ مرتضى البروجردي، تقريراً لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، المستند في شرح العروة الوثقى، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج2 ص84.
[12] الشيخ مرتضى البروجردي، تقريراً لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، المستند في شرح العروة الوثقى، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج2 ص84.
[13] منها: ان التضمين إنما هو من اللازم إلى المتعدي لا العكس كما في المقام (يحمل أو يتصف).
[14] الشيخ الطوسي، تهذيب الأحكام، دار الكتب الإسلامية ـ طهران: ج1 ص234
[15] الشيخ مرتضى البروجردي، تقريراً لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، المستند في شرح العروة الوثقى، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج2 ص85.
[16] الشيخ مرتضى البروجردي، تقريراً لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، المستند في شرح العروة الوثقى، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج2 ص85.
[17] الشيخ مرتضى البروجردي، تقريراً لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، المستند في شرح العروة الوثقى، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج2 ص85.
[18] فيشمل حتى عين النجس كالبول إذ استهلاكه عدم له عرفاً.
[19] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر: ج2 ص344.
[20] المبسوط: ج1 ص7 سطر8.
[21] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر: ج2 ص344.
[22] لاحظ الوسائل: ج1 ص158 أبواب الماء المطلق ب 9 ح 1، 2، 5، 6، وكذا في ص 140 ب3 ح8.
[23] الشيخ مرتضى البروجردي، تقريراً لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، المستند في شرح العروة الوثقى، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج2 ص204.
[24] على الأحوط. (الشيرازي).
[25] السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المقدسة: ج1 ص104-105.
[26] الشيخ مرتضى البروجردي، تقريراً لأبحاث السيد أبو القاسم الخوئي، المستند في شرح العروة الوثقى، مؤسسة إحياء آثار الإمام الخوئي ـ قم: ج2 ص320.
[27] الجواهر: ج1 ص357 في حكم ماء الاستنجاء.
[28] السيد محمد الحسيني الشيرازي، موسوعة الفقه / كتاب الطهارة، دار العلوم للطباعة والنشر: ج3 ص113-114.
[29] الكافي: ج3 ص13 باب اختلاط ماء المطر بالبول ح5.
[30] راجع العروة المحشاة ج1 ص478-480 والأقوال في المسألة.
[31]  الأحوط عدم استعمال المزيلة منها في التطهير. (مهدي الشيرازي).
[32] والأحوط عدم استعماله في التطهير . ( الجواهري ) .
* بناء على طهارته، أمّا على العفو كما قوّيناه فلا. (آل ياسين).
* وإن كان الأحوط العدم؛ لاحتمال العفو فيها. (صدر الدين الصدر).
* الأقوى عدم الجواز مطلقا، وأنّها نجسة، ولكن نجاسة غير متعدّية فلا ينجس ملاقيها. (كاشف الغطاء).
* وإن كان الأحوط عدم استعمالها فيه. (الاصطهباناتي).
* لا قوّة فيه بناء على كونها نجسة معفوّة عنها. (أحمد الخونساري).
* مشكل فلا يترك الاحتياط فيه. (الشريعتمداري).
* مرّ الإشكال فيه. (الفاني).
* الأحوط تركه. (المرعشي).
* بل الأقوى عدم جوازه. (تقي القمّي).
* على القول بطهارتها وقد مرّ منعه. (السيستاني).

[33] كما لا يخلو عن قوّة فيما عدا الغسلة المزيلة. (الميلاني).
* وهو الصحيح في الغسلة المتعقّبة بطهارة المحلّ. (الخوئي).
* وقد مرّ في (فصل: الماء المستعمل) التفصيل بين المزيلة وغيرها على الاحتياط. (محمّد الشيرازي).
* وهو الأقوى في الغسلة الّتي تتعقّبها طهارة المحلّ. (حسن القمّي).

[34] وقد مرّ المختار منّا فراجع. (محمّد رضا الگلپايگاني).
[35] بل لزوما كما مرّ. (النائيني، جمال الدين الگلپايگاني).
* وقد مرّ ما هو المختار عندنا. (الإصفهاني).
* بل لزوما. (محمّد تقي الخونساري، الأراكي، الشاهرودي، الروحاني).
* قد تقدّم أنّه الأقوى. (الحكيم).
* قد تقدّم أنّ الأقوى وجوب الاجتناب عنها؛ لعموم أدلّة انفعال الماء القليل. (البجنوردي).
* بل وجوبا. (الفاني).
* بل هو الأقوى، كما تقدّم في فصل: الماء المستعمل. (زين الدين).
* بل لزوما؛ لأنّ غسالة النجس محكومة بالنجاسة. (مفتي الشيعة).
* بل هو الأقوى في بعض أقسامها كما مرّ. (السيستاني).

[36] السيد محمد كاظم الطباطبائي اليزدي، العروة الوثقى والتعليقات عليها، مؤسسة السبطين العالمية ـ قم: ج2 ص324-325.

 

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : السبت 27 جمادى الأولى ١٤٤٦هـ  ||  القرّاء : 214



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net