243- 4 ـ بناء عدم حمل المطلق على المقيد ، وان (اعلموا) محمولة على مراتب الفضل ، فهنا الصور ثمانية ـ تفصيل الصور الثمانية ـ فهرس عناوين المباحث الماضية والآتية
السبت 3 جمادى الاولى 1434هــ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
ملخص ما تقدم
كان البحث حول ان الأدلة الثلاثة لو لوحظت معا فماذا ستكون النتيجة على مبنى انقلاب النسبة ومبنى عدم انقلاب النسبة، على كلا المبنيين، والأدلة الثلاثة هي حكم العقل بوجوب دفع الضرر المحتمل، الذي لا يندفع الا بالعلم عن اجتهاد، و الدليل الثاني هو قوله تعالى: (اعْلَمُوا)وهو مطابق لحكم العقل، والدليل الثالث هو قوله تعالى: (لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ)والذي هو على مبنى اعم؛ فأن التفقه اعم من ان يكون مورثا للعلم وعدمه.
والحاصل: ان هذه الأدلة الثلاثة لو لاحظناها على مبنى اللحاظ العرضي للأدلة بنظرة شمولية واحدة فما ستكون النتيجة؟، وعلى مبنى اللحاظ الطولي للأدلة ماذا ستكون النتيجة؟، وذكرنا ان الشيخ الأنصاري والأخوند الخراساني والسيد الوالد ذهبوا مبنىً إلى لحاظ الأدلة بعرض واحد وبنظرة شمولية واحدة؛ وأما المرحوم النراقي ولعله هو مبتكر هذه النظرية وتبعه أخرون كالسيد الخوئي من المعاصرين فذهبوا إلى الطولية والتعاقب في اللحاظ ولو في الجملة ، وذلك بان يلاحظ دليلان أولا ثم تلاحظ نتيجة هذيين الدليلين مع الدليل الثالث على تفصيل، فعلى كلا المبنين يجري البحث، ووصل الكلام إلى الصورة الرابعة من الصور التي تضرب بهذين المبنيين، وتضرب أيضاً بالمبنى الأخر وهو هل المطلق بمقدمات الحكمة يدل على الشمول، أم بالظهور؟.
4- ثمانية صور متخالفة على حسب اختلاف المباني
الصورة الرابعة فيها ثمانية صور نتائجها متناقضة على حسب اختلاف المباني فتأملوا جيداً فنقول: الصور الأربعة السابقة والتي جعلناها خمسة لاحقا، هي ان نقول ان اعلموا تحمل على مراتب الفضل على مبنى ان المقيد المثبت الموجب لا يقيد المطلق الموجب المثبت، فإنّ تفقهوا عامة واعلموا خاصة ولا معركة بينهما على هذا المبنى بل بينهما صلح فان اعلموا تفيد وجوب العلم وتفقهوا تفيد وجوب الأعم، وعندما يُضمَّان فإنّ اعلموا تفيد أفضلية العلم على التفقه حسب هذا المبنى، والآن لا بد من ان نلاحظ هذا الاحتمال بالقياس إلى المباني الأربعة فنقول:
الفرض الأول:
لو قلنا بالطولية وقلنا بملاحظة النقليين أولا، أي يجب أن نلاحظ النقليين أولا ثم العقلي أي نلاحظ تفقهوا واعلموا أولا، وكان مفروض كلامنا ان المقيد لا يقيد المطلق بل اعلموا محمولة على مراتب الفضل، فههنا النتيجة الكلية ستختلف في حالتين، ففي حالةٍ تكون النتيجة اللا تقييد وفي حالة أخرى تكون النتيجة التقييد:
الصورة حيث نقول باللا تقييد هي ما لو قلنا ان تفقهوا واردة لإنعقاد ظهورها حسب المبنى الذي ذكر من ان المطلق ظهوره عرفي وليس موقوفا على مقدمات الحكمة فهنا تفقهوا تقدم على حكم العقل لأنها توسع من الدائرة، أي أن الدائرة توسعت عما حكم به العقل وصارت النتيجة ان التفقه بقول مطلق مبرئ للذمة؛ نظرا لورود تفقهوا على حكم العقل.
الصورة الثانية: لو قلنا بالعكس: بان حكم العقل وارد على تفقهوا لأننا في هذا المبنى الثاني نقول ان المطلق شموله بمقدمات الحكمة وحكم العقل هو القدر المتيقن أو هو القرينة على الخلاف فلم ينعقد ليتفقهوا اطلاق، والنتيجة هي ان اعلموا حسب الاحتمال الرابع، وان لم تقيد تفقهوا لأن المقيد المثبت لا يقيد المثبت المطلق، لكن تفقهوا ابتليت بحكم العقل الذي قيدها لوروده عليها وبتعبير موجز، انا اذا لاحظنا النقليين فاذا فرضنا ان تفقهوا سَلِم من اعلموا، لكنه بالمآل لا يسلم من حكم العقل، فليتدبر.
هاتان الصورتان ضمن الفرض الاول وهو ان نقول بملاحظة النقليين أولا ثم العقلي
الفرض الثاني[1]: ان نلاحظ حكم العقل واعلموا ثم نلاحظ تفقهوا، وهنا نلاحظ ان حكم العقل واعلموا متطابقان إذ حكم العقل مفاده ان الضرر لا يندفع الا بالعلم واعلموا منطوقها ذلك، ثم نلاحظ نسبتهما إلى تفقهوا فتجري الصورتان وانه هل تفقهوا بمقدمات الحكمة أضحت مطلقة فهذان الخاصان وردا عليها فصارت تفقهوا ضيقة اي ضيقت بالورود، أم نقول ان تفقهوا بالظهور العرفي مطلقة فهي واردة عليهما، فهنا فرضان متعاكسان.
الفرض الثالث: ان نلاحظ حكم العقل مع تفقهوا أولا ثم ان النتيجة تلاحظ مع اعلموا، وهنا النتيجة ستكون متعاكسة في صورتين:
ففي الصورة الأولى (لا تقييد) وذلك إذا قلنا بانعقاد إطلاق تفقهوا بالظهور العرفي فان تفقهوا إذا انعقد اطلاقها ونسبت لحكم العقل أولاً وردت عليه فوسعت من الدائرة ثم اننا ننسبها ثانيا إلى اعلموا والفرض في الاحتمال الرابع اننا نقول ان المقيد لا يقيد المطلق فتبقى تفقهوا على اطلاقها، اذن: تفقهوا خلصت من مشكلتين الأولى مشكلة حكم العقل إذ انها وسعت دائرته، والثانية: مشكلة النقل وهو اعلموا حيث لم يستطع ان يضيق الدائرة فبقيت تفقهوا مطلقة.
الصورة الثانية ضمن الفرض الثالث من ضمن الاحتمال الرابع: هي (التقييد) وذلك إذا لم نقل بانعقاد اطلاق ليتفقهوا؛ لأنا قلنا انه بمقدمات الحكمة فهنا (حكم العقل) يكون واردا على تفقهوا اي يضيق تفقهوا فبعد ان ضيق تفقهوا ننسبها إلى اعلموا فنجدهما متطابقين فالنتيجة هي (التقييد)، عكس الفرض السابق الذي أنتج اللا تقييد.
اذن الصورة الثانية من الفرض الثالث ان نلاحظ حكم العقل منسوبا إلى تفقهوا أولا ونقول بعدم انعقاد اطلاق تفقهوا؛ لأنه بمقدمات الحكمة فاذن تفقهوا أضحت ضيقة ببركة ورود حكم العقل عليها ثم ننسب هذا المجموع لأعلموا فنجد ان اعلموا مطابق له إذ اعلموا ضيق وتفقهوا المضيقة متطابقان فالنتيجة هي كفاية العلم فقط، هذا هو الفرض الثالث، وبعبارة أخرى: (ان لم نقل بانعقاد اطلاق ليتفقهوا إذ قد ضيقها العقل، فان اعلموا لا تغير من المعادلة شيئاً إذ انها لم ترد على واسع لتضيقه بل طابقت المضيق وهو مجموع تفقهوا وحكم العقل).
الفرض الرابع ضمن الاحتمال الرابع: هو ان نقول:ان هذه الأدلة تلاحظ بعرض واحد كما هو رأي الشيخ والاخوند والوالد وهو الرأي المنصور، فالنتيجة ايضا ستكون صورتين متعاكستين على المبنيين من ان الإطلاق شموله بالظهور ام بمقدمات الحكمة.
وبعبارة مبسطة: ان اعلموا وتفقهوا وحكم العقل تلاحظ بعرض واحد على هذا المبنى، وحينئذٍ فنسأل ما هو مبنانا في الإطلاق؟
فاذا قلنا ان مبنانا في الإطلاق هو الظهور العرفي فاذن تفقهوا ظاهرة ظهورا عرفيا في انه – أي التفقه - مطلقا مبرئ للذمة سواءا أورث العلم ام أورث الظن النوعي المعتبر، وحينئذٍ (تفقهوا) نلاحظها في وقت واحد بالقياس إلى اعلموا والى حكم العقل فلا تتضيق بأي منهما؛ اما عدم تضيقها بحكم العقل فلورودها عليه لأن الفرض ان اطلاقها انعقد بالظهور العرفي فوسعت دائرة حكم العقل؛ واما عدم تضيقها باعلموا فلفرض اننا في الاحتمال الرابع نقول بان المقيد المثبت لا يقيد المطلق المثبت فاذن تفقهوا بقيت على اطلاقها، هذا لو قلنا بالظهور.
اما لو قلنا ان الإطلاق بمقدمات الحكمة فالنتيجة ستكون ان حكم العقل سيقِّيد تفقهوا واما اعلموا فلا توسع دائرة تفقهوا كما هو واضح حتى على الاحتمال الرابع لأن اعلموا لو دخلت على واسع مخلّى بطبعه لحملت على مراتب الفضل لكن الفرض عندما تلاحظ هذه الأدلة في عرض واحد انها لم ترد على واسع مخلّى بل وردت على واسع مبتلى فلا تحمل على مراتب الفضل بل تبقى على ظاهرها من الوجوب، توضيحه بالمثال:لو قال (أكرم العلماء) ثم قال (أكرم العلماء العدول) فعلى الاحتمال الرابع فان العدول محمولة على مراتب الفضل وعلى آكدية الطلب لكن لو ان المولى لم يقل (اكرم العلماء) بل ابتدأ بقوله (أكرم العلماء العدول) فهذا يعني ان اكرام العلماء العدول هو الواجب.
اذن فرق بين الصورتين بين ان يكون عام ثم يرد خاص موجب مطابق له او مقيد مطابق للمطلق فيحمل على مراتب الفضل أو ترد الأدلة جميعاً دفعة واحدة، هذه هي ثمان صور وتوجد تشقيقات اخرى، ونكتفي بهذا المقدار من البحث.
أهمية بحث انقلاب النسبة
ختاماً: ان مبحث انقلاب النسبة لهو من المباحث الدقيقة والمبتلى بها جدا في الروايات، ثم ان من قال بمسلك الشيخ فالأمر نسبيا عنده سهل لأنه يلاحظ الأدلة في عرض واحد ، اما من يقول بانقلاب النسبة كالمولى النراقي فان الأمر عنده صعب لأنه يجب ان يلاحظ الأدلة طوليا ثم عليه ان يلاحظ اي دليل ينسبه إلى الدليل الثاني اولا ثم يقيس المحصلة النهائية للدليل الثالث، ولو كانت أربعة أدلة لكان الأمر أصعب والأمثلة على ذلك متعددة، ومنها بحث العدالة فان السيد العم يذكر أربعين رواية في (بيان الفقه الاجتهاد والتقليد)، وهي التي انتخبها وليس كل الروايات وهي على أكثر من ثلاث طوائف، فتأمل وملاحظتها وملاحظة نسبتها إلى بعضها تحتاج إلى استحضار للروايات جميعا في وقت واحد في الذهن كما تحتاج إلى استحضار للمباني حتى نخرج بنتيجة نهائية، وهذا المقدار من البحث يكفي للإلفات إلى أهمية بحث انقلاب النسبة وملاحظة الأدلة المختلفة.
فهرس المباحث
فائدة: نشير ختاماً إلى فهرس إجمالي لمباحثنا منذ أشهر إلى الآن، والاتجاه العام للبحث في سطور يوضح أيضاً ترابط المباحث السابقة بمبحث الغد.
اتجاه بحثنا العام هو انا بدأنا بذكر الأدلة على وجوب الاجتهاد في أصول الدين واستعرضنا أدلة كثيرة عقلية ونقلية، ورأينا ان بعضها تام مثل حكم العقل وبعض الآيات والروايات وذكرنا في ضمن الأدلة حجج المانعين واجبنا عن بعضها وبقيت حجتان ذكرهما القوانين للمانعين أخرناهما إلى نهاية البحث، فان خلصنا منهما كما سنخلص ان شاء الله فالنتيجة ستكون وجوب الاجتهاد في أصول الدين بل وجوب العلم عن اجتهاد في أصول الدين.
ثم فرعنا على البحث مسألة أخرى وهي التفرقة بين القضية الحقيقية والخارجية وقلنا ان مساق بحثنا كان هو الأدلة على القضية الحقيقية أما القضية الخارجية فلها حكمها وقد تعاكس القضية الحقيقية.
ثم بعد ذلك دخلنا في فرع جديد وهو بحث النسبة بين التفقه والعلم وان التفقه هل هو موضوع مستنبط ام لا؟ ثم هل التفقه الواجب هو خصوص التفقه المورث للعلم؟ واجبنا نعم وانه لا يكفي مطلق التفقه وان لم يورث العلم.
أما بحث غد فسنتحدث عن مسألة جديدة ضمن هذا السياق العام وهي ان العلم في قولنا (التفقه الموصل للعلم) هل تصرف الشرع فيه وكان له فيه مصطلح خاص كما كان للتفقه في الشرع مصطلح خاص، بالأدلة التي ذكرناه، وفي بحث غدٍ سنقول ان للشرع أيضا في العلم مصطلح خاص، وهذه نقطة دقيقة وخلافية مع كثير من الفلاسفة والصوفية وغيرهم، وصفوة القول ان صِرف العلم بنظر الشارع من أي طريقٍ حصَلَ في أصول الدين، لا يكفي بل لابد ان يكون العلم عن طريق خاص، وبعد إتمام هذا البحث وبحث لاحق سوف نذكر إشكالين لصاحب القوانين ارتضى احدهما ورفض الأخر وسنجيب عنهما بإذن الله تعالى.
وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
السبت 3 جمادى الاولى 1434هــ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |