309- 3ـ (لاحرج) قابل للتخصيص 4 ـ (لاحرج) قد يزاحم بمبدأ آخر ـ الرأي المنصور : (المبادئ والمقاصد) لاتصلح طريقاً لاستنباط الاحكام ، وان نفعت في بيان فلسفة الاديان وذلك ، لعدم العلم بمزاحم كل منها في عناوين موضوعات الاحكام
الاثنين 23 ذي القعدة 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
22- مبادئ التشريع ومقاصد الشريعة
تتمة مناقشة صاحب الجواهر:
2- (لا حرج) قابل للتخصيص
كما قد يورد على صاحب الجواهر بان دليل (لا حرج) قابل للتخصيص، كسائر الأدلة ولا يصح قوله (ان أدلة العسر والحرج غير قابلة للتخصيص لظهورها ان ليس في الدين ما فيه حرج فليست هي من قبيل الأصل)([1])
إذ يرد عليه:
أ- ان نص الآية ولسانها هو (مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) وليس ما فسرها به وهو (ان ليس في الدين ما فيه حرج) والبون شاسع بين المعنيين فان ظاهر (ليس في الدين ما فيه حرج) ان الكلام عن النتيجة النهائية فهو كقولك (ليس في الدار أحد) الظاهر في انه الخبر الأخير فقد يقال انه آبٍ عن التخصيص أما ظاهر الآية فهو الكلام عن الفعل وعدمه وان الله لم يجعل ما فيه الحرج فهو أسهل لقبول الاستثناء.
ب- بل نقول: كلا التعبيرين مما يقبل الاستثناء عرفاً بان يقال (ما جعل عليكم في الدين من حرج إلا الجهاد مثلاً) أو (ليس في الدين ما فيه حرج إلا الصوم والزكاة والخمس والهجرة والأمر بالمعروف و...).
والحاصل: ان العرف لا يرى تعارضاً أو تناقضاً بين الصدر والذيل أي بين المستثنى منه والمستثنى.
التقييم العام لمبحث (مبادئ التشريع) وانه غير مجدٍ في عملية الاستنباط
وهنا وقبل ان نكمل نقاشنا مع صاحب الجواهر، نرجع إلى مبدأ البحث وكليِّة لنذكر الرأي المنصور والذي سيتضح به وجه ثالث فرابع فخامس فسادس لمناقشة صاحب الجواهر باعتبار ان كلامه واستنباطاته صغرى كبرى مبحثنا فما يقال في مناقشته ينفع لتحقيق الحال في كبرى (مبادئ التشريع ومقاصد الشريعة وانها ليست مما تدخل في عملية استنباط الأحكام الفرعية)([2])، نقول:
ان وجود مبادئ عامة للتشريع وغايات كبرى وقِيَم عليا وإن صح لبداهة ورود (لِيَعْبُدُونِ) و(لِذَلِكَ([3]) خَلَقَهُمْ) و(لا حرج)([4]) و(لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) وغيرها، إلا ان ذلك لا ينفع إلا في مباحث فلسفة الأديان وإثبات عقلانية الشريعة الإسلامية وما أشبه ذلك، وهو هدف هام وأمر ضروري مفيد، لكنه لا ينفع في عملية الاستنباط في الفقه إذ لا تصلح المبادئ للاستدلال بها على ثبوت حكم أو نفيه([5]) فكيف يجعلها صاحب الجواهر سبباً لطرح الظواهر أو النصوص؟([6])
وسنوضح ذلك ضمن إكمال أجوبتنا على كلام الجواهر:
3- لا حرج مبدأ وقد يزاحمه مبدأ آخر
إن (لا حرج) وان فرض كونه مبدءاً من مبادئ التشريع وقيمة عامة يلاحظها الشارع الأقدس لدى التشريع([7]) لكن لا يعلم كونها العلة المنحصرة بل لا يعلم كونها مقتضياً إذ لعلها جزء المقتضي للحكم فقد يوجد مبدأ آخر مزاحم لها ولعله أقوى، فلا يصح الاستدلال بها على تشريع الحكم فعلاً، إذ لا يصح الاستدلال بالأعم على الأخص.
ويتضح ذلك أكثر بملاحظة المسائل التي بناها الجواهر على الحرج – مما سبق –:
أ- اللا حرج في تقليد الأعلم مزاحَم بمصلحة إصابة الواقع فيه.
فمنها: استدلاله بلا حرج على عدم تشريع وجوب تقليد الأعلم([8])
وفيه: انه مزاحم بمبدأ آخر من مبادئ التشريع وهو كون نظر الأعلم أقرب للاصابة([9])، وقد يقال ان هذا أرجح من ذاك إذ يرجُح ان يُتعِب العامي نفسه أياماً أو أسابيع لمعرفة الأعلم، كي يحرز ألوف الأحكام المطابقة للواقع على امتداد عشرات السنين فيصل بذلك إلى المصالح الواقعية ويتجنب من المفاسد الواقعية في الواجبات والمحرمات التي لا شك انها أرجح من مشقة حرج البحث أياماً وأسابيع، سلمنا لكن لا أقل من الاحتمال فلا مجال لاكتشاف ان الشارع حكم بعدم الوجوب لمجرد وجود الحرج إلا بعد إثبات انتفاء وجود مزاحمات أخرى بالمرة، أو اثبات كونها أضعف.
ب- اللاحرج في اشتراط العدالة بالمعنى الأخص مزاحَم بإرادة التشديد
ومنها: استدلاله على عدم شرطية العدالة بالمعنى الأخص، في شاهدي الطلاق والوصايا وغيرها، بلا حرج([10])
وفيه: انه مزاحَم بالمصلحة في التشديد في أمر الطلاق([11]) نظراً لأن من أهم المصالح حفظ العوائل عن التفكك، ومن الواضح ان الأزواج كثيراً ما يغضبون لأدنى سبب وقد يُطلِّق الكثير منهم لذلك، وحينئذٍ فكلما صعّب الشارع في شروط الطلاق، احتمل ان تخمد فورة غضبه أو ان يتدخل المصلحون، فتستمر الحياة الزوجية ولا يضيع الأولاد في نفق الطلاق ومتاهة الانفصال، ويؤكده: ان أصل اشتراط الشاهدين العادلين في الطلاق دون النكاح، هو لمصلحة تصعيب الطلاق وتسهيل النكاح عكس ما صنعه أهل العامة مما يخالف هذه الحكمة العامة!. فتدبر
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) الجواهر ج5 ص102-103
([2]) إلا بوجه سيأتي
([3]) أي الرحمة.
([4]) حسب نظر الجواهر
([5]) بعبارة أخرى: المبادئ والغايات العامة، لا يمكن لنا أن نحولّها إلى صيغ قانونية محددة، أو ان نمصدقها في أحكام لموضوعات معينة بل أمر ذلك بيد الشارع فقط.
([6]) كما صنع وصرح به فيما نقلناه عنه آخر الدرس العاشر في مسألة طهارة الغسالة فراجع.
([7]) كما هو كذلك، ونقاشنا السابق مع الجواهر كان في ان ما يلاحظه الشارع لدى التشريع هل هو الحرج بالمعنى الأعم الذي بنى عليه الجواهر؟ أو بالمعنى الأخص (الضيق الذي لا مخرج منه أو المشقة التي لا تتحمل عادة) فتدبر
([8]) سبق في الدرس التاسع.
([9]) فان من جَمَعَ ملاكات الاعلمية كلها – إذ اختلف في ملاكها على أقوال واحتمالات ذكر السيد الوالد منها ثمانية في الأصول ج2 ص325 -326 – لا ريب انه أقرب للاصابة للواقع، وكذا من توفر فيه بعض ملاكاتها ككونه اعرف بمدارك المسألة وأدلتها وقواعدها، وككونه ذا ذهن عرفي سليم واجود فهماً نظراً لـ(بلسان قومه) وهكذا.
([10]) سبق في الدرس العاشر.
([11]) وكذا الوصايا وغيرها – على درجات فيها -.
الاثنين 23 ذي القعدة 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |