310- 5 ـ (اللاحرج) ومطلق المبادئ ، قد تزاحَم بنفسها 6ـ وقد يتوقف تأثير (المبدأ) في حُسنه أو حسنه الشديد او في الأمر به ، على شرط مفقود ـ مثال : (العبادة) وإشكال دقيق 7ـ سلمنا لكن لاتُعلم مصداقية المصداق والانطباع مثال: العدل في الإرث
الثلاثاء 24 ذي القعدة 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
22- مبادئ التشريع ومقاصد الشريعة
تتمة مناقشة كلام صاحب الجواهر
4- (اللاحرج) قد يُزاحم بحرج آخر حاصل للشخص أو لغيره
ان (لا حرج) وان فرض كونه مبدءاً من مبادئ التشريع لكنه، كسائر المبادئ، لا يمكن استكشاف الحكم الشرعي به والاستدلال به على ان الشارع شرَّع كذا ولم يشرع كذا وذلك، إضافة إلى ما سبق، لأن (اللاحرج) قد يزاحَم – ثبوتا – بلا حرجٍ مقابلٍ حاصلٍ للشخص نفسه أو لغيره
ومن ذلك يتضح وجه من وجوه عدم تمامية ما فرّعه صاحب الجواهر على (لا حرج) فمثلاً:
استدلاله بجواز إعطاء الزكاة لمدعي الفقر بلا بينة أو يمين، بلا حرج([1])، يرد عليه: ان لا حرج مدّعي الفقر – وما أكثر ما يكون كاذبا – مزاحَم بلا حرج الفقير الحقيقي الذي سيضيع حقه لو أعطيت الزكاة لكل من ادعى الفقر دون بينة أو يمين لوضوح كثرة كذب مدعي الفقر حينئذٍ([2])
ومثلاً: استدلاله على عدم وجوب الحج على من لا يجد مالاً للضيافات والمصانعات، بلا حرج، فانه يرد عليه: انه مزاحَم بحرج عدم اعتبارها حجة الإسلام لمن وجد الزاد والراحلة وما يقوِّت به عياله.. الخ ولم يجد مالاً للضيافات، لوضوح ان كثيراً من الناس يقع في الحرج لو لم تعتبر هذه حجة الإسلام له([3]) إذ يجب عليه في السنين اللاحقة أن يحج لو تحققت لديه الاستطاعة، وكثيراً ما يكون الشخص راغباً في الحج بشدة فور حصوله على الأموال – وإن لم تكن كافية للضيافات – ويكون من الصعب عليه الحج في السنين القادمة لسبب أو آخر، فاعتبار الحج غير متعلق بذمته لفقده مال الضيافة – مما يستلزم وجوب الحج عليه في السنين القادمة لو استطاع - هو الحرجي عليه.
ويوضحه ان الكثير من الناس يريد الحج بالقرض، وحيث انه لا تعد حجة الإسلام([4]) يبحث عن مخرج([5]) لتُعدَّ كذلك. فتدبر
ومثلاً: (الرحمة) فانه لا شك انها قيمة ومبدأ من مبادئ التشريع، لكن لا تصح دعوى إسقاط حكم القصاص بذريعة انه خلاف الرحمة، إذ يجاب أ- بمزاحمة الرحمة للقاتل، برحمة المجتمع إذ ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ) ب- بل بمزاحمتها للرحمة عليه هو بنفسه إذ (قتله) يحول دون اجتراحه المزيد من الجرائم فيمنع ابتلاءه بالعذاب الأشدّ، بل قد يكون قتله سبباً لتوبته ودخوله الجنة، مما لو لم يكن الحكم عليه بالقتل ثابتاً، لم يكن يتوب فكان جهنمياً فالرحمة به تقتضي قتله لمن التفت لواقع الأمر.
5- (اللاحرج) وغيره قد يتوقف تأثيره على شرط مفقود
ان (اللاحرج) وأي مبدأ آخر وإن فرض كونه تام الاقتضاء، إلا انه قد يتوقف تأثيره في حسن الفعل أو في حسنه الشديد أو في الأمر به، على شرط مفقود، فلا يصح الاستدلال بصِرف وجوده على صدور الحكم من الشارع على طبقه.
وتوضيحه بمثال برهاني:
ان (العبادة) كالصلاة والصوم والحج اما ان يقال بتوقف حسنها([6]) على وجود الأمر بها أو على قصد امتثاله أو لا؟
فان قيل بالتوقف، كان ذلك التزاماً بان العبادة ليست حسنة في حد ذاتها ولا مبدءاً من مبادئ التشريع ما لم يؤمر بها – أو يُقصد امتثال أمرها – بل كان حسنها متوقفاً على الأمر بها، فكيف تكون من مبادئ التشريع ومناشئ الأمر؟ وكيف يستدل بحسنها الذاتي على أن الشارع قد أمر بها إذن!
هذا إضافة إلى ما في إنكار الحسن والقبح الذاتي للعبادة من الغرابة فانها حاملة للمصلحة بنفسها فتأمل
وإن قيل بعدمه، كان ذلك التزاماً بالتفكيك فلا يتم استدلال الجواهر وغيره بـ(المبدأ) و(الحسن) على صدور الحكم، إذ الحسن والمبدأ موجود لكن الأمر به – أو قصد امتثاله – غير موجود في الجملة كما في كافة العبادات المخترعة كالصلاة بركعات خمسة، وصوم الوصال وغير ذلك([7])، والحاصل:
ان المبدأ والحسن – على هذا الفرض - موجودان ولكن التشريع على طبقه مفقود، بل التشريع على خلافه والتقنين على ضده.
وبعبارة أخرى هذا إذعان بعدم الملازمة. فتأمل([8])
6- عدم معلومية الانطباق ولا مصداقية المصداق
سلمنا([9]) لكن ذلك كله إنما يجدي فيما لو كان موضوع الحكم هو نفس ذلك المبدأ، إذ لو كان غيره مما أدعي انه صغراه وَرَدَ انه لا تُعلم حينئذٍ مصداقية المصداق ولا صحة دعوى الانطباق.
وتوضيحه بالمثال: ان (العدل) لا شك في حسنه الذاتي ووجوبه العقلي والشرعي ولكن ذلك لا يجدي في تشخيص المصداق ودعوى عدم انطباقه على توريث الذكر مثل حظ الانثيين، كما توهم بعض الحداثويين، إذ يرد عليهم انه لا يعلم انطباق العدل على المساواة في الإرث ولا ان الظلم هو في تضعيف إرث الذكر، بل الأمر بالعكس، وذلك لان الحداثوي لاحظ جانب المال وقسمته فتوهم انه ليس بالعدل ولو انه لاحظ جانب المسؤولية وان الذكر عليه يقع واجب إعالة الأنثى – أماً وزوجةً وأختاً – دون اخته (أي الوارثة معه مثلاً فان نفقتها على غيرها: أي زوجها أو أمها أو أبنها مثلاً) لَعَلِمَ ان العدل في هذا التقسيم: إذ أُعطيت الأنثى النصف ولم تكلف بشيء حتى بالإنفاق على نفسها وأُعطي الذكر الضعف وكلِّف بالإنفاق على غيره.. هذا إضافة إلى جهات أخرى في بيان وجه ذلك يطول بذكرها المقام. وللحديث صلة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
([1]) مضى في الدرس الحادي عشر.
([2]) ولا يرد انه مع البيِّنة أيضاً يمكن ان يُدلِّس مدعي الفقر عليها، إذ الفارق كبير بين الصورتين – صورة اشتراط البينة من عدمها -، في كثرة وقوع التدليس والكذب وقلّته، وبينهما تضيع حقوق الكثير من الفقراء حقاً.
([3]) أي لو لم يشرّع وجوب الحج عليه، حينئذٍ، - ولو تخييراً أو اجزاؤه، فتأمل - فلو حج وهو لا يملك مالاً للضيافات، لما عُدّت حجة الإسلام.
([4]) وعدم عدها حجة الإسلام (لو حج بالقرض) وان فرض حرجياً لكن حيث دل الدليل عليه – لعدم صدق كونه مستطيعاً و... – أُلتزم به.
([5]) كالبذل.
([6]) وكونها من مبادئ التشريع والقِيَم.
([7]) فانها عبادة تكويناً وعرفاً إذ هي خضوع وتذلل لله، نعم على الحقيقة الشرعية لا تكون عبادة، لكن الالتزام بالحقيقة الشرعية هو التزام في جوهره بالتفكيك فتدبر.
([8]) جوهر هذا الإشكال ذكره صاحب الفصول – وان بنحوٍ آخر – وأجاب عنه الشيخ الانصاري في مطارح الأنظار بما لا يرد بعضه على تقريرنا للاشكال بهذا الوجه المذكور أعلاه فراجعه وتأمل
([9]) أي سلمنا ان المبدأ – كلا حرج - لم يزاحمه مبدأ آخر ولا نفسه ولم يتوقف على شرطٍ أو فقد مانع كما سيأتي.
الثلاثاء 24 ذي القعدة 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |