339- ج ـ لو ابتنيت المسألة على قوة الحدس وشم الفقاهة دـ إذا كان الظن الأصولي ضعيفاً معارضاً بظن فقهي أقوى مثال : حجية الشهرة الفتوائية
الأحد 11 صفر الخير 1435هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
مبادئ الاستنباط
الصورة الثالثة: ما توقف من المسائل على قوة الحدس الفقهية
الصورة الثالثة: ما يتوقف من مسائل الفقه على أـ قوة الحدس الفقهية ب ـ على قوة الحدس بالمراد من كلماتهم صلوات الله عليهم مما عبر عنه بشمِّ الفقاهة، وذلك مما لا يحصل إلا بكثرة ممارسة الفقه وكثرة مطالعة كلماتهم ( عليهم السلام ) والرجوع إليها والانس بها لا بمسائل الاصول[1]
ولذا قال في الجواهر[2] (لا يخفى على من أعطاه الله قوة حدس في كلماتهم عليهم السلام..)
وقال (عن جعفر بن محمد عن أبيه عليه السلام أنه قال: ((قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أربعة تميت القلب: أحدها كثرة مناقشة النساء، يعنى محادثتهن)) الى غير ذلك مما لا يخفى على من أعطاه الله تعالى معرفة لسانهم ورمزهم ، ظهور إرادة الكراهة)[3] فان من الواضح عدم ابتناء ذلك – أي المراد بـ : تميت القلب- على مسائل الاصول بل يبتني على فقه معرفة معنى كلما تهم بعد معرفة فقه اللغة
الصورة الرابعة: ما لو كان الدليل الأصولي معتمداً على الاستظهار الظني بدرجاته
الصورة الرابعة: ما لو كان الدليل الأصولي معتمداً على الاستظهارات الظنية النقلية أو الاستدلالات الظنية العقلية مما اعتمد على ما استَظهَرَ الأصوليُّ كونَه برهان السبر والتقسيم أو كونه استقراءً معللاً أو كونه مناطاً منقحاً أو شبه ذلك.
وبعبارة أخرى: إن الأدلة الأصولية، كالأدلة في سائر العلوم غير القطعية كالحساب والهندسة، اما ان تفيد الظن الشخصي أو الظن النوعي، فإن أفادت الأول فلا حجية لها إلا على الانسداد، وإن أفادت الثاني فانها وإن كانت حجة إلا انها على درجات ومراتب فمنها ما يفيد الظن الضعيف ومنها ما يفيد الظن القوي وكل منهما وما بينهما له مراتب، وهذه كلها وإن كان جامعها الحجية إلا ان اختلاف مراتب إفادتها الظن مما يكون سبباً للترجيح أو للسقوط عن الحجية لدى التعارض مع الادلة الفقهية الخاصة
توضيحه: انه لا شك في ان خبر الثقة من حيث احتمال الخطأ أو الكذب على درجات وذلك على حسب درجة وثاقة الراوي والناقل، كما ان خبر الثقة الواحد يفيد ظناً نوعياً أضعف ما يفيده الخبر المستفيض الذي نقله ثقاة متعددون، وكذا الحال في اليد والسوق وغيبة المسلم وشبهها فإن اماريتها أضعف من إمارية البينة ولذا تقدم عليها.
وكذا لو شهد شاهدان فعارضته شهادة أربعة [4]، وكذا الحال الشياع بدرجاته
وكذا الاستصحاب على الامارية فانه محكوم بخبر الثقة وهكذا.
ومنه يظهر تنوع واختلاف حال الأدلة الأصولية، وعليه: فما أفاد منها الظن الضعيف فان الظن المقابل له في المسألة الفقهية الناشئ من الشهرة وغيرها قد يرجح عليه ويقدم حتى لمن بنى أصولياً على ذلك الطرف.
ولعل ذلك من جهات قول بعضهم (كأنّهم قد نسوا في الفقه ما أسسوه في الأصول) لكن الظاهر انهم لم ينسوا إلا انهم رأوا معارضة الظن الفقهي الأقوى للظن الأصولي الأضعف فرجحوه عليه أو توقفوا أو احتاطوا.
ومنشأ ذلك معرفة الخبير الأصولي وغيره بان الذهن كثيراً ما يقصر عن الإحاطة بوجوه قصور الدليل أو الإشكالات التي يمكن ان تورد عليه أو الأدلة الأخرى المناهضة أو الاحتمالات الأخرى أو غير ذلك، وكلما قوي أحد تلك الاحتمالات ضعف الظن الناتج من الدليل إلى ان يبلغ درجة يسقطه عن الحجية.
الاستشهاد ببعض حجج مثبتي ومنكري حجية الشهرة الفتوائية
ولنضرب لذلك مثالاً أصولياً يصلح شاهداً على كلا الرأيين المتقابلين في المسألة وسيتضح به ابتناء دليل كل من المدعي لأحد المبنيين والمنكر له على الدليل الظني المبني على السبر والتقسيم الناقص أو الاستقراء الناقص أو الخطأ في تشخيص حيثيات موضوع الحكم الكلي الأصولي.
من أدلة القائلين بحجيتها ومناقشتها
فقد استدل البعض على حجية الشهرة الفتوائية[5] بان الظن الحاصل من الشهرة الفتوائية أقوى من الظن الحاصل من خبر الثقة وملاكه فما يدل على حجية خبر الثقة يدل بالأولوية على حجية الشهرة الفتوائية.
أقول: ان هذا الدليل مبني على تنقيح المناط المبني على سبرٍ وتقسيمٍ أو استقراءٍ ناقص إذ بتدبر المستدل في وجه حجية خبر الثقة وملاكه وصل إلى انه لا وجه له إلا إفادته الظن فارتأى ان الظن في الشهرة أقوى منه في الخبر فهو حجة بالأولوية، مع انه سبر ناقص واستقراء ناقص ولذا أورد عليه في مصباح الأصول[6] (وفيه ان هذا الوجه مبني على ان يكون ملاك حجية الخبر إفادته الظن، وعليه لزم الالتزام بحجية كل ظن مساو للظن الحاصل من الخبر أو أقوى منه، سواء حصل من الشهرة أو من فتوى جماعة من الفقهاء أو من فتوى فقيه واحد، أو غير ذلك، فاللازم ذكر هذا الدليل في جملة أدلة حجية الظن المطلق لا أدلة الشهرة. ولكن المبنى المذكور غير تام، إذ يحتمل ان يكون ملاك حجية الخبر كونه غالب المطابقة للواقع، باعتبار كونه إخباراً عن حس، واحتمال الخطأ في الحس بعيد جدا، بخلاف الإخبار عن حدس كما في الفتوى، فان احتمال الخطأ في الحدس غير بعيد، ويحتمل أيضاً دخل خصوصية أخرى في ملاك حجية الخبر. ومجرد احتمال ذلك كاف في منع الأولوية المذكورة، لأن الحكم بالأولوية يحتاج إلى القطع بالملاك وكل ما له دخل فيه)
من أدلة نفاة الحجية ومناقشتها
أقول: ولكن هذا الإشكال بدوره يعاني من إشكالات عديدة ويبدو انه قد غفل عنها المستشكل:
ومنها: ان قوله (إذ يحتمل ان يكون ملاك حجية الخبر كونه غالب المطابقة للواقع، باعتبار كونه أخباراً عن حس، واحتمال الخطأ في الحس بعيدا جداً) يرد عليه:
ليس انه احتمال عدم مطابقة الواقع ناشئاً من احتمال الخطأ فقط بل انه ينشأ أيضاً من احتمال الكذب، فقد حدثت الغفلة عن السبب الآخر لعدم المطابقة[7] واحتمال الكذب في الشهرة نادر بل منعدم عكسه في خبر الثقة ، ثم ان احتمال الخطأ والغفلة والكذب في خبر الثقاة كثير جداً، فإن الثقات ليسوا بمعصومين وما أكثر الكذب فيهم وما أكثر الخطأ في نقلهم الحسي ، وقد أثبت العلماء كثرة أخطاء الحواس الخمسة خاصة السامعة خاصة في المطالب الدقيقة وما يرتهن بالاطلاق والعموم ونظائرها كما ان الكذب في الثقات أشهر من نار على منار لمصالح شتى أو لغلبة الهوى أو غير ذلك، نعم لم يبلغ ذلك حد سقوطه عن إفادة الظن النوعي.
ثم ان الغفلة مرة أخرى حدثت عند قوله (بخلاف الأخبار عن حدس كما في الفتوى، فان احتمال الخطأ في الحدس غير بعيد) فان الكلام ليس في حدس الفقيه الواحد وفتواه بل الكلام عن الشهرة الفتوائية واحتمال الخطأ في نظر المشهور ضعيف جداً بل لعله نادر[8] ومما يشهد له ندرة موارد انقلاب الشهرة رغم مرور مئات السنين على الفقه والتراكم المعرفي وتجدد إشكالات وشبهات ومباني وأنظار وأدلة ووجوه واحتمالات ، وان شئت فقل رغم تطور علمي الفقه والأصول كثيراً جداً ومع ذلك فإن من النادر انقلاب الشهرة ولعل مواردها لا تتجاوز العشرات، أي ما ثبت وجود شهرة للقدماء ثم ماثبت وجود شهرة معاكسة للمتأخرين كما في مسألة نزح البئر قبل وبعد زمن العلامة.
نفي احتمال دخل خصوصية تعبدية في حجية الخبر
ومنها: ان قوله (يحتمل أيضاً دخل خصوصية أخرى في ملاك حجية الخبر. ومجرد احتمال ذلك كاف في منع الأولوية المذكورة، لأن الحكم بالأولوية يحتاج إلى القطع بالملاك وكل ما له دخل فيه) يرد عليه أيضاً الغفلة عن مبناه وعن أدلة الأصوليين بمختلف مشاربهم على حجية خبر الواحد ، فان المبنى إن كان هو بناء العقلاء أو سيرتهم كما ذهب إليه[9] فان من الواضح ان بناء العقلاء وسيرتهم كذلك على حجية الخبر ليس لجهة تعبدية بل الجهة هي الطريقية الصِرفة.
وان كان المبنى هو الآيات والروايات كآية النبأ والإنذار والكتمان وغيرهان فان الظاهر انها إمضائية لبناء العقلاء، بل حتى على التأسيسية فان الظاهر من لسانها انها لصرف جهة الطريقية ويشهد لذلك التعليل في آية النبأ ( أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) فان الظاهر الإحالة إلى سبب فطري وجداني أو عقلائي من دائر المستقلات العقلية.
ونضيف: إن ما يتلقاه العرف الملقى إليه الكلام من هذه الآيات والروايات هو فهم الحجية لصِرف الطريقية فتأمل[10] وعليه فلا يوجد احتمال آخر في ملاك حجية الخبر ولو احتمل فهو احتمال عقلي مدفوع بظاهر الكلام وصريح التعليل والإطلاق المقامي وغير ذلك فتدبر جيداً.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
[1] الاما ماكان من مسائلها شد الصلة بالمسألة مما يؤثر في شم الفقاهة. فتأمل
[2] الجواهر ج26 ص72.
[3] الجواهر ج 29 ص99.
[4] على بحث في ذلك
[5] بمعنى شهرة الفتوى بحكم من الأحكام من دون أن يعلم مستندهم.
[6] مصباح الأصول ج2 ص144.
[7] فتمت المقارنة بين الخبر والشهرة الفتوائية بهذا اللحاظ فقط وحكم باقوائية الخطأ في الشهرة عنه في الخبر لذلك
[8] ولاشك انه اضعف بل اضعف جداً من احتمال الخطأ في اخبار الثقاة
[9] المصدر ج2 ص200 قال (فتحصل مما ذكرناه في المقام ان العمدة في حجية الخبر هي السيرة).
[10] اذ قد يقال ان فهم العرف لوجهِ جعلٍ واعتبارٍ، ليس بحجة . فتأمل
الأحد 11 صفر الخير 1435هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |