28- الجواب الثاني عن الاشكال (حدسية توثيق الثقات لمراسيلهم) : ان التوثيق حدس عن حس قريب و مثله حجة ، و البرهان على ذلك
السبت 22 ذي الحجة 1432هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين واللعنة الدائمة على اعدائهم اجمعين ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كان البحث حول قاعدة الالزام وحول الروايات التي يمكن ان يستدل بها عليها، وبدأنا بالروايات العامة، وصدرناها بروايتين مرسلتين – رغم وجود المسانيد في المقام –؛ وذلك لصراحة هاتين الروايتين في المدعى، ولكونهما ظاهرتين في العموم، إلا إن المشكلة – كما بينا – في السند؛ ولذلك بدأنا ببحث سندي مبنائي حول المرسلات.
وكذلك ذكرنا انه يمكن القول بان مراسيل الثقاة والتي اعتمدوا عليها هي حجج ببناء العقلاء على ذلك وقد اوضحنا بعض جوانب هذا البحث فيما مضى.
الاشكال الرئيس: المراسيل حدسية فليست بحجة والجواب الأول
والاشكال الرئيس في المقام هو ان اخبار الثقاة اذا كانت مراسيل فإنها ستكون أخبارات حدسية ,فلا تكون حجة من باب خبر الواحد؛ وذلك ان ادلة حجية خبر الواحد كآية النبأ وغيرها لا تشمل الخبر الحدسي.
وفي مقامنا نقول: ان الشيخ الطوسي عندما نقل روايته المرسلة – وكذا الشيخ الصدوق – وقد اعتمد عليها، اننا لا نعلم ان اعتماد الشيخ الطوسي على هذه الرواية هل كان من باب توثيقه لرجالها ؟ ليكون التوثيق حسيا، او كان من باب اعتماده على قرائن عامة قد إحتفت بالرواية وافادته الاطمئنان بالخبر,مع انه لا اطمئنان له بالمخبر أو المخبرين؟
وعليه: فان اعتماده يحتمل كونه حدسيا واجتهاديا، وهذا ليس بحجة على سائر المجتهدين الآخرين – ولا على العوام بوجه –؛ إذ لا تشمله آية النبأ واشباهها . وقد مرّ الجواب الاول، وان اية النبأ أونظائرها تشمل الأخبارات الحدسيةبالإضافة الى الحسية.
2- حجية الخبر الحدسي عن حس قريب
واما الجواب الثاني – وهو مورد بحثنا الان – فهو:
سلمنا ان مثل اية النبأ لا تشمل الأخبارات الحدسية ولو بالاستناد تعليلها، إلا اننا يمكن ان نلتزم بان الخبر الحدسي عن حس قريب مشمول بمثل اية النبأ، وهذا البحث هو بحث مهم كثير الابتلاء.
توضيحه:
ان الاخبار هي على ثلاث طوائف:
1)الاخبار الحسية المحضة.
2) الاخبار الحدسية المحضة.
3) الاخبار الحدسية عن حس قريب،وهذه الاخبارملحقة بالحسيات في بناء العقلاء, واللطيف في المقام انه بعض الاخبارين قد التزموا بذلك.
تقريب المسألة: كقول اللغوي والرجالي
ولتقريب الطائفة الثالثة من الاخبار, فإننا نذكر فروعا اصولية مشابهة لها:
منها ما التزم به السيد الحكيم قده في مستمسكه عند البحث عن حجية قول اللغوي، من ان قوله وان كان حدسيا إلا انه حجة؛ لانه حدس عن حس قريب ، وقد أجاب السيد الحكيم عن هذا الاشكال المعروف بذلك.
واما الفرع المشابه الثاني فهو: ماذهب اليه بعض الرجاليين من ان حجية قول الرجالي انما هي من باب الحدس القريب للحس ؛ولذا فقوله حجة، واية النبأ شاملة له,فإنهم ذهبوا ان حجية قول الرجالي هي من باب خبر الثقة ولذا فقوله حجة حتى على المجتهد الاخر، وليس قوله من باب نظر اهل الخبرة او من باب الفتوى حتى لا يكون حجة على المجتهد الآخر، فانه لو جاء عادل او ثقة بنبأ حدسي عن حس قريب فليس فيه اصابة للقوم بجهالة؛ ولذا فلا يجوز للمجتهد ان يرده ولا يقبله.
تعديل الرجالي وتوثيقه: حدسيان عن حس
ان المنسوب الى المشهور من الرجاليين ان حجية قول الرجالي هي من باب حجية خبر الواحد ، وهذا لا يكون إلا لو كان المشهور يرى ان التوثيقات والجرح والتعديل هياما حسيات او حدسيات عن حس قريب.
اضافة مهمة:
ونضيف ونقول:
انه لا مناص للمشهور – فيما نتصور -والذين ذهبوا الى حجية قول الرجالي من باب خبر الواحد إلا بان يقولوا ان كلمات الرجاليين هي – في غالبها - حدس عن حس قريب
توضيحه:
ولتوضيح ذلك نقول: ان من اهم مفاتيح الجرح والتعديل هو التعديل والوثاقة وكلاهما حدسي، حتى على مثل قول السيد الخوئي (قدس سره) في العدالة.
وذلك ان في العدالة مسلكين اساسين:
1)العدالة: هي ملكة تعصم الانسان عن ارتكاب الكبائر والاصرار على الصغائر، فهي اذن ملكة، والملكة امر نفساني لا تدرك بإحدى الحواس الخمس الظاهرة ، ولكن الذي يرى منها ظواهرها ومنها نصل إليها؛ولذا فهي حدسية عن حس قريب، فان الشخص من صلاته الظاهرة والمدرَكة بالحس ومن عدم غيبته وغيرها، كذلك نكتشف عدالته، وهذا المبنى في العدالة واضح.
2) العدالة: هي الاستقامة على جادة الشرع، وهذا المبنى الثاني قد التزم به السيد الخوئي واخرون.
وربما يتوهم ان العدالة لو كانت بهذا المعنى, أيالثاني فإنها ستكون حسية؛ حيث لا علاقة لها بالملكة والاستقامة أمر مرئي,فنحن نرى انه صلى وغض الطرف عن الحرام وغيره.
والجواب:
انه حتى لو قلنا ان العدالة هي الاستقامة على جادة الشرع، فان الالتزام بعدالة الراوي – أو الشاهد أو غيرهما – في كل أمر مستجد، لا يكون إلا حدساً عن حس قريب؛ لان المقام في ذلك هو مقام استقراء ناقص لما جرى في الماضي، وهو ليس بحجة على المستجد الحالي أو المستقبلي إلا أن يضاف إليه (الحدس) فيكون حدسياً إذاً.
توضيحه:
وفي خصوص صدق اللهجة، نقول:
ان الراوي الذي نقل الرواية الاولى والثانية والثالثة لو فرض انه احرز حساً انه قد صدق فيها واستقام سابقا ولكنه لا يعلم انه في نقله للرواية الجديدة لم يكذب فيها إلا بالحدس، حيث ان الاستقامة في نقله الاخير ليس بمحرز بالحس، لغرض عدم العلم بها حساً إلا عن طريقه، فلم يبق إلا الحدس من اخباراته السابقة، انه صادق في هذا الخبر.
ان قلت: انه استقراء معلل.
قلنا: ليس كذلك، لعدم القول بالملكة, على هذا الرأي، إضافة الى أن الاستقراء المعلل، يتوقف على الحدس، إذ التعليل حدسي وليس حسياً.
وعليه: ستكون العدالة ثابتة بناء على استقراء ناقص متوقف على الحدس ليشمل المستجد الحاضر او المستقبلي.
ومن هذا ظهر الاشكال في كلام العديد من الرجاليين ممن قال بان (التعديل) أمر حسي.
واما بالنسبة للوثاقة، فان الرجالي عندما يقول: فلان ثقة فالكلام هو الكلام، فانه سابقا قد اخبر باخبار وتثبَّت منها حساً فرضاً ووجدها صحيحة، ولكن من قال ان الخبر الجديد الذي لا اعلم صحته عن حس هو كلام معتبر.
امثلة في المقام:
ولنذكر بعض توثيقات بعض الرجاليين في المقام لزيادة توضيح الراي المنصور، حيث يقول الشيخ النجاشي: ان فلانا ثقة وكان حسن المنزلة عند آل محمد (عليهم السلام)، وهذا منه حدس عن حس قريب، فان المشاهد المرئي مثلاً هو ان الامام (عليه السلام) قد قرب هذا الشخص واحترمه وأدنى مجلسه مثلاً لكن لم كان ذلك؟ هنا موطن الحدس، إذ قد يكون ذلكلعدالته,هذا احتمال,وقد يكون لشجاعته او كرمه وقد يكون تقية منه أو من غيره او غير ذلك من الاحتمالات الاخرى، فلا يثبت باحترامه (المرئي) حسن حاله (الاعتباري) إلا بالحدس، انه لاجلى صلاحه.
وكذلك الشيخ الطوسي في العدة عندما يقول: فلان متهم في حديثه، فان قوله هو حدس عن حس قريب؛ لان التهمة هي امر حدسي وقد تعتمد على قرائن حسية.
والنتيجة:
وقد ظهر لنا حتى الآن أن المنسوب الى المشهور من ان توثيق وتضعيف الرجالي هو من باب النبأ وخبر الواحد فانه لدى التحليل الدقيق ليس إلا حدساً قريباً من الحس مما يثبت ضمناً التزامهم بحجية الخبر الحدسي القريب من الحس. فتأمل
وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
السبت 22 ذي الحجة 1432هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |