83- في التوثيق والتضعيف يجب الفحص ـ اضافة الى كتب الرجال و الفهارس في كتب (الفوائد) و ( المشجرات ) و ( الاجازات) و (التواريخ) و... ـ ضرورة استفراغ الوسع في التحقيق السندي ، وعدم التسرع في طرح الروايات وحرمة ذلك
الاثنين 6 جمادى الاولى 1434هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
كان البحث حول رواية ثواب الأعمال للشيخ الصدوق عن الرشوة، ووجه حجيتها سندا، ووصلنا إلى محمد بن احمد بن روح الراوي المهمل في الرواية، وذكرنا وجوها ثلاثة لرفع إهماله، كان ثالثها تاما ظاهرا، وهو كلام الشيخ النجاشي بالتفصيل الذي مضى، وكذلك ذكرنا وجها رابعا وهو تام أيضا.
الوجه الخامس مع فوائد إضافية فيه :
وقد ذكرنا سابقا هذا الوجه ولكن نعيده بذكر بعض الإضافات في المقام فنقول :
إن طريق إخراج المهمل عن إهماله ليس منحصرا بمراجعة الكتب الرجالية فقط كرجال النجاشي و الكشي وابن الغضائري والعلامة والمجلسي والتستري والقهبائي ومن اشبه، بل ان هناك طرقاً عديدة لرفع الإهمال، نعم البعض منها قد سلك من قبل الرجاليين، وأما البعض الآخر فانه مهمل بشكل عام، ولو سلكت هذه الطرق فلعله يمكن إخراج الكثير من الرجال من ساحة الإهمال الى التوثيق او الطعن، وعلى كل تقدير فان هذه الطرق كثيراً ما تكون مفيدة، إما من جهة توثيق الرواية واعتبارها, او من جهة تضعيفها وعدم اعتبارها.
مصادر عديدة لرفع إهمال الراوي :
المصدر الأول والثاني: كتب الرجال والفهارس
ومن هذه الطرق لرفع إهمال الراوي مصدران مهمان وهما :كتب الرجال والفهارس، وهذان المصدران قد سلكا من قبل أهل الجرح والتعديل، فان كتب الرجال هي العمود والمعتمد الأول في ذلك, وكذا الفهارس.
الفرق بين كتب الرجال والفهارس:
أما كتب الرجال فان محور الحديث والبحث فيها هو عن الرجل الراوي، وقد يستطرد الى ذكر كتابه او كتبه - لو وجدت -، وقد يجعل ذلك منهجا كما صنع الشيخ النجاشي، حيث ان الشيخ النجاشي قد جمع في كتابه ورجاله بين حقين، فهو من جهة قد ذكر الرجال وتوثيقاتهم او جرحهم، ومن جهة أخرى فكتابه فهرست بما للكلمة من معنى؛ وذلك انه انطلق في كتابه بذكر الرجال من اجل التوثيق او الطعن وذكر كتابه أو كتبه، بل انه اقتصر في رجاله على ذكر من له كتاب، ولكن حيث ان مصب كتابه هو الرجال والتوثيق او الطعن سمي كتابه برجال النجاشي .
والخلاصة : ان كتب الرجال هي التي تبحث عن حال نفس الراوي بغض النظر عن امتلاكه لكتاب او لا وأما كتب الفهارس كفهرست الشيخ الطوسي، وفهرست الشيخ منتجب الدين، ومعالم العلماء لابن شهر آشوب ورياض العلماء للحاج عبد الله الافندي وغيرها، فان محور تركيزها هو نفس الكتاب، وبمناسبة ذكر الكتاب والحديث عنه وعن قيمته يذكر راوي ذلك الكتاب والمؤلف له فتنقل أحواله،
والحاصل: ان كتب الرجال والفهارس كلاهما مصدران أساسيان يرجع إليهما كثيرا في معرفة الرجال
مصادر أخرى مهملة :
وهناك مصادر اخرى مهملة بالجملة أو في الجملة غير المصدرين السابقين، وهي تصلح لرفع الإهمال عن مجموعة من الرواة لو رفعت يد الإهمال عنها.
المصدر الثالث : كتب التواريخ بشكل عام
المصدر الثالث لرفع الإهمال هو كتب التواريخ بشكل عام، مثل كتاب ناسخ التواريخ وهو كتاب كتبه احد أعلام الطائفة في الهند، ولعله لو طبع لبلغ أكثر من 110 مجلدا، وهو كتاب قيم، ولكنه مع الأسف مهمل من قبلنا ,ولم يطبع بكامله لحد الآن.
وكذلك كتاب الكامل في التاريخ لابن الأثير وتاريخ الطبري وغيرها، فان كثيرا من أسماء الرجال والرواة موجودة فيها، و لربما يفيد الرجوع اليها توثيقا لرجل او طعنا لراو؛ كدليل أو مؤيد فانها تمثل ارضية جيدة لوجود الكثير من القرائن او الشواهد فيها.
عدم المعذورية في ترك المصادر الأخرى:
وهنا نقول : كان العلماء الرجاليون سابقا معذورين عن تتبع أحوال الرواة في كتب التواريخ – وغيرها -، ولكن وبسبب التطور التقني الحاصل في عمليات البحث من خلال الأجهزة الحديثة والحاسوب، فان العذر قد ارتفع، ولو ان محققا استدرك على كتب الرجال لتحققت ثمار مهمة وكبيرة، كما صنع البعض ذلك مثل الشيخ النمازي في مستدركاته، فانه قد وسع دائرة البحث في علم الرجال ورفع الإهمال عن الكثيرين، ولكنا وبرغم ذلك نرى ان الدائرة هي أوسع مما ذكره – مع ما بذله من جهد كبير – وذلك لوجد قرائن أخرى مكتنزة يمكن كشفها في حقل البحث الرجالي من خلال الاستفادة من هذه التقنيات والبحث في المصادر الأخرى.
إذن : المصدر الثالث من مصادر رفع الإهمال هو كتب التاريخ بشكل عام
المصدر الرابع : كتب تواريخ المدن
وأما المصدر الرابع فهو كتب تواريخ المدن وهو من المصادر المهمة أيضا، كتاريخ الكوفة وتاريخ بغداد وتاريخ قم وتاريخ دمشق وتاريخ مكة وتاريخ المدينة، وكتب تواريخ اخرى مؤلفة عن مدن خاصة، فانه وبناسبة الحديث عن تلك المدينة يُتحدث عن أعلامها مما يمكن ان يستفاد منه لرفع إهمال بعض الرواة
المصدر الخامس: كتب تواريخ الاسر العلمية
وأما المصدر الخامس فهو كتب تاريخ الأسر العلمية وهذا المصدر يستعين به علماء الرجال في حقلها كما في كتاب ابي غالب الزراري[1] حيث يتحدث فيه عن أسرة جده الأعلى، وهو زرارة ابن أعين وهو كتاب قيم وكذلك كتاب مقاتل الطالبين لأبي الفرج الأصفهاني وكتب اخرى عديدة.
المصدر السادس : الإجازات
وأما المصدر السادس من المصادر التي يمكن ان يعتمد عليها لرفع إهمال الراوي فهو الإجازات والاستجازات مثل اجازة العلامة الحلي لبني زهرة، وإجازة الشهيد الثاني لتلاميذه، ومثل اجازة صاحب الوسائل وصاحب البحار والسيد هاشم البحراني، وغيرهم، وهذه الاجازات والاستجازات تشكل ثروة من حيث معرفة الرجال وطبقتهم ومن حيث سلسلة – من اخذ عمن اخذ – وذلك قد يشكل قرائن على التضعيف او التوثيق أو رفع الإهمال.
المصدر السابع : المشجرات النسبية
وهذه المشجرات هي مصدر آخر من مصادر رفع الإهمال إذ يمكن الاعتماد عليها وهنالك كتب عديدة حول ذلك
المصدر الثامن: الفوائد الرجالية
وهناك مصادر عديدة أخرى ككتب الفوائد, وهذه أيضا يستفاد منها كثيراً في علم الرجال كما في كتاب الرواشح السماوية للميرداماد، والفوائد الرجالية للسيد بحر العلوم في 4 مجلدات والفوائد الرجالية للوحيد البهبهاني وهذه الثلاثة هي من اهم كتبنا والتي تتحدث عن فوائد رجالية مختلفة ولكنها تضمنت توثيقات او تضعيفات كثيرة ولرجال كثيرين، وكذلك كتاب الذريعة الى تصانيف الشيعة لآقا بزرك الطهراني، وكتاب خاتمة المستدرك في (6) مجلدات وهو كتاب قيم جدا فيه فوائد رجالية مهمة، ويتطرق المحدث النوري فيها الى رجال كثيرين أيضا وكذا فوائد الشيخ علي الخاقاني.
المصدر التاسع: من المصادر المهمة كتب المشيخة, كمشيخة الشيخ الصدوق في الفقيه ومشيخة الطوسي وآخرين .
وعليه: فان الرجوع الى مجموع هذه المصادر المختلفة قد يخرج الراوي عن الإهمال، ولعله يخرجه عن الطعن او الوثاقة مما يمكن ان يكتشف بأدلة او قرائن على ذلك[2], وهناك مصادر أخرى قد نتطرق لها في وقت آخر.
وهذا المقدار من الحديث عن رواينا المهمل نكتفي به في المقام
فائدتنا مهمتان:
ونذكر قبل ان نتم البحث في سلسلة السند، نذكر فائدتين مهمتين، فإننا قد توسعنا في البحث عن الرجل المهمل المذكور[3]
الفائدة الأولى: الطريقية، بالاضافة الى موضوعية البحث
أما الفائدة الأولى التي تتمخض عن توسعة بحثنا المذكور، فهي انه بالإضافة الى موضوعيه البحث[4] فإننا كنا نقصد من ذلك الجنبة الطريقية له أيضا؛ كي لا يتساهل الباحث أو الفقيه في الإسراع بطرح الروايات لمجرد بحثه في بعض الكتب الرجالية بل وحتى لو بحث فيها جميعاً، فانه ان بحث فيها ولم يجد توثيقا لا يجوز أن يطرح الرواية أو ينفي صدورها عن المعصوم (عليه السلام) مادام الباب مفتوحا للبحث والفحص إذ ان الرواية التي كان في سندها راو مهمل يحتمل أنها قد صدرت عن المعصوم (عليه السلام) فتثبت حكما أو أصلاً يمكن ان تفرع عليه الكثير من المسائل، وعليه فلا يجوز قبل تمام الفحص و استفراغ الوسع اطراح أية رواية بل حتى لو لم تكن الرواية منشأ حكم، فانه لا يجوز نفي صدورها قبل استفراغ الوسع، والمطلوب هو الفحص الى حد اليأس، وهذا متوقف على مراجعة ما ذكرناه من مصادر, ولا يصح الاكتفاء بالمصادر التقليدية السابقة كرجال الطوسي وفهرسته ورجال النجاشي والعلامة وغيرها, رغم أهميتها الفائقة.
ثم لا يخفى أن كلامنا في المقام هو لمن لم يكن مسلكه حجية مراسيل الثقة بشكل عام – غير المبتلاة بالمعارض –، وأما من كان مسلكه مسلك حجية مراسيل الثقاة فانه في مندوحة عما ذكرناه، إلا لو احتمل وجود جرح او معارض في هذه المصادر والكتب فيجب عليه الفحص.
والمتحصل : ان الفحص التام لازم على من لا يرى حجية مراسيل الثقاة او يرى ذلك ويحتمل وجود القرينة او الدليل على الخلاف
الفائدة الثانية: عدم التسرع في تضعيف الروايات
وأما الفائدة الثانية فتتضح بذكر أمر مهم وذلك:
ان احد الأعلام في أحد كتبه تطرق لبحث سند روايات بحار الأنوار، وكان مبناه هو ان يعيّن الروايات المعتبرة ويطرح تلك غير المعتبرة, وهو يصرح في مقدمة كتابه – وببيان منا - بان الذي دعاه لذلك هو ان هذه الروايات هي مصدر الاعتقاد، وعليها تبنى العقيدة ورجال الدين وغيرهم عندما يطلعون عليها فإنهم يعتمدون عليها وينقلون عنها كذلك؛ حيث يتلقّونها على انها عن الرسول واله الأطهار (عليهم السلام) حقا، ولعل الرواية لم تثبت عن النبي الأكرم واله الأطهار صلوات الله عليهم، ولذا ومن جهة تسهيل المهمة على الباحثين قام بمطالعة روايات البحار رواية رواية – وهو جهد كبير حقا – واي رواية كانت موثقة يكتب عنها أنها معتبرة او موثقة او حسنة، وما لم تكن كذلك يطرحها وقد يصرح بانها ضعيفة، كما انه كثيراً ما يستشكل على مضامينها.
إذن : هذه فلسفة تأليف هذا الكتاب،
ولكن نقول: ان هذه الفلسفة التي بني عليها الكتاب وان كانت صحيحة، ولكن صاحب الكتاب بنى كل التوثيقات والتضعيفات على مبانيه الرجالية ولكن ما أكثر من يطالع بحار الأنوار وهذا الكتاب وهو لا يقبل – اجتهاداً أو تقليداً – مبانيه بل يرى مبانٍ اخرى غير التي بنى عليها في كتابه, وعلى ضوئها قد تكون الرواية حجة ومعتبرة ,
ومن هنا كان الأجدر به هو ان يذكر مدى الوثاقة على المباني المتعددة وهذا هو الأكثر نفعا ومنهجية وهو الذي يسهل على من يطالع بحار الأنوار – من عالم وخطيب ومؤلف وغيرهم – ولا وقت له لدراسة سند كل رواية، ليعرف حجية الرواية من عدمها على مختلف المباني.
هذا كله إضافة إلى ان الفرض في هذا الكتاب انه كتب لأجل ان تكون له المرجعية في الحجية وتحديد الرواية التي هي عن المعصوم (عليه السلام) بحسب المبنى الرجالي، كي يستند اليها وإلا فتطرح،
ولو كان الهدف ذلك - وهو كذلك - فانه كان ينبغي ان يستقرئ الكاتب من اجل تحقيق هذه الغاية، بقية اسنادات نفس الرواية، لا ان يلاحظ الاسناد الخاص بها في هذا الموضع الخاص عن الكتاب الخاص.
خصوصا ان هذا العلم يصرح بان هذه الرواية التي طرحها لعله لو راجعنا الكتب الأربعة فقد تكون معتبرة بسند آخر[5]، والحاصل: انه يلاحظ خصوص هذا السند الوارد في البحار في هذه الصفحة عن ثواب الأعمال مثلاً ولا يلاحظ ان هذه الرواية لعلها في الكافي[6] او في غيره، مذكورة بسند آخر صحيح، بل ولا يلاحظ ان الرواية موجودة في نفس البحار وفي كتاب اخر وقد تكون بسند صحيح بل ولا يلاحظ ان الرواية لعلها موجودة في باب اخر من البحار – كما يصرح بانه لا يلاحظ كل ذلك -.
والحاصل: ان هذه المنهجية ليست بصحيحة بناءا على ما ذكره من فلسفة وغاية كتابه حيث ان ذلك يؤدي الى نقض غرضه
وزبدة القول في هذه الفائدة : ان توقفنا المطول أحيانا في البحوث الرجالية رغم ان مسلكنا هو حجية مراسيل الثقاة هو ان البحث الخارج ينبغي أن تطرح فيه مختلف المباني ونتائجها فنحن نخاطب أيضاً من لا يرى مبناننا, ويعتقد بالمبنى المقابل، وهنا نقول لكل من يدرس الروايات بضرورة الاحتياط في ردّ الروايات.
والخلاصة : انه لابد من استفراغ الوسع التام حتى يكون الإنسان معذوراً أمام الله تعالى في اطراحه رواية رغم احتمال الثبوت الواقعي لها. وللكلام تتمة
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
[1] - وهو واحد من أهم أعلامنا وقد توفى 368 هـ
[2] - ولم نسلك هذا الطريق في البحث عن محمد بن احمد بن روح ويمكن لآخر ان يكتشف مالم نذكره بسلوكه هذا الطريق، وان كنا قد سلكنا بعض هذه الطرق في بحث سابق في (قاعدة الإلزام).
[3] - وقد فعلنا ذلك في رواية قاعدة الإلزام.
[4] - فانه في بحث قاعدة الالزام يمكن ان تنبتني عليه المئات بل الألوف من المسائل، وكذلك الحال في الرشوة وإنها موضوعة للأعم او الأخص فان العشرات من أمهات المسائل يمكن ان تثبت بذلك.
[5] - فان العلامة المجلسي عادة في بحاره لا ينقل عن الكتب الأربعة لشهرتها وتوفرها وإنما عمل في بحاره على حفظ التراث من الضياع، ولعله نقل عن حوالي 400 كتاب من كتب الخاصة و100 كتاب من كتب المخالفين، ولكن عمدة ما اعتمد عليه هو حوالي 80 كتابا.
الاثنين 6 جمادى الاولى 1434هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |