275- الاستدلال على حرمة اللغو بـ( واذا مروا باللغو مروا كراما ) - اشكالان لفقه الصادق مبنائيان هامان والجواب - اشكال للشيخ الطوسي

السبت 18 ربيع الاول 1436هـ

 بسم الله الرحمن الرحيم 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم 

 

حرمة اللهو واللعب واللغو والعبث 

 

(37) 

 

الأدلة على حرمة اللغو 

 

قد يستدل على حرمة اللغو بالآيات والروايات: 

 

اما الآيات فمنها قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً)([1]) 

 

ومنها: ( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً)([2]) 

 

ومنها: ( يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْساً لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ)([3]) 

 

ومنها: ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ)([4]) 

 

ومنها: ( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)([5]) 

 

الإشكالات: 1- لا اطلاق لـ(واذا مروا باللغو) لكون مصبها الاثر 

 

لكن أورد على الاستدلال بالآية الأولى([6]) بوجوه: 

 

الوجه الأول: ما ذكره في فقه الصادق من (فالظاهر ولا أقل من المحتمل عدم إرادة مطلق اللغو منها، حيث انها ليست إلا في مقام بيان ما يترتب على التجنب عن اللغو، فلا يمكن التمسك بإطلاقها)([7]) 

 

الجواب: أ- المرجع في الاطلاق العرف لا مقدمات الحكمة 

 

لكن يرد عليه: 

 

أولاً: مبنىً: بان المرجع في الظهور هو العرف وليس تمامية مقدمات الحكمة وعدمها – ومنها المقدمة الأولى التي مقتضى الإشكال نفيها – وذلك تبعاً لثاني قولي الآخوند إذ ذهب في آخر الكفاية – بحث التعادل والترجيح – إلى ان المطلق إذا عارض العام فقد يقدم عليه لأن المرجع في الظهورات العرف وقد يكون المطلق أظهر من العام، وقد عدل بذلك ظاهراً عما ذكره في بحث المطلق والمقيد من تقدم العام على المطلق إذا تعارضا بالوورد نظراً لكون دلالة العام على العموم بالوضع وكون دلالة المطلق على الشمول ببركة مقدمات الحكمة فمع وجود العام لا تتم مقدمات الحكمة – إذ هو قرينة على الخلاف – فلا مقتضي للاطلاق، وليس انه مطلق انعقد إطلاقه فعارضه عام ليُرى ايهما المقدم. 

 

والظاهر ان العرف يرى الاطلاق في (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) وانه لا وجه للتشكيك في كون المولى في مقام البيان. 

 

ب- (اللغو) محلى بال والأصل فيه الاستغراق 

 

ثانياً: بناءاً: ان ذلك حتى ان تمّ وقلنا به فاننا لا نقول به – تبعاً لجمع من الادباء – في المفرد المحلى بال أي الكلي الطبيعي المحلى به([8]) فان الأصل فيه الاستغراق ثم الجنس وكون العهد الذهني أو الذكري أو الحضوري خلاف الأصل لا يصار إليه إلا بدليل، و(اللغو) كلي طبيعي محلى بأل فهو كـ(الحمد) في الحمد لله رب العالمين. 

 

ومآل هذين الإشكالين إلى عدم توقف انعقاد الإطلاق على إحراز كون المولى في مقام البيان مطلقاً أو في خصوص اسم الجنس المحلى بأل، وان الأصل([9]) هو كونه في مقام البيان. 

 

ج- الاطلاق منعقد حتى لو كان المصب هو الأثر 

 

ثالثاً: سلمنا لكن كون المولى في مقام البيان لا ينحصر في ما لو جَعَل المطلق بنفسه متعلقاً للحكم بل هو أعم من ذلك ومن جَعْلِهِ المطلق في طريق ترتيب آثار أو أثر ما عليه، ألا ترى انه لا فرق عند العرف في إحراز كون المولى في مقام البيان والاطلاق بين قوله (اجتنب الغيبة) وقوله (إذا اجتنبت الغيبة تكاملت) خبراً أو (آجرتك واثبتك كذا أو كذا) وَعْداً وإنشاءاً وفي الأول (الغيبة) هي المصب والمتعلق للحكم وفي الثاني وقعت في طريق الأثر أي في مقام بيان ما يترتب على تجنب الغيبة – على حسب تعبيره دام ظله -. 

 

بل نقول: انه لو امتثل العبد أمره في الصورة الثانية فاجتنب الغيبة في حالة ما فلم يؤجره المولى متعللاً بانه لم يكن في مقام البيان ولا إطلاق أحوالي ليشمل هذه الصورة، عُدّ مغريا بالجهل ظالماً ناكثا للوعد أو محتالاً أو على أقل الفروض مورّيا. 

 

ولاحظ نظائر ذلك فانه لا فرق بين (اكرم الجار) و(إذا اكرمت الجار سأعطيك كذا من المال) في انعقاد الاطلاق الافرادي والاحوالي لكليهما والآية من هذا القبيل إذ لا فرق عرفاً أبداً من حيث ظهور كون المولى في مقام البيان والاطلاق في (اللغو) بين قوله (مرّ باللغو مرور الكرام) وبين (وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) 

 

2- المتيقن من (اللغو) الغناء 

 

الوجه الثاني: ما ذكره أيضاً بقوله (والمتيقن منها إرادة الغناء). 

 

الجواب: 

 

لكن يرد عليه: ان وجود القدر المتيقن لا يخل بالاطلاق أبداً،([10]) وإلا لما انعقد لمطلقٍ اطلاق إذ لا مطلق إلا وله قدر متيقن هو الفرد الأكمل أو الأشد أو الأولى أو الأسبق أو ما أشبه؛ ألا ترى ان قوله أكرم العالم قدره المتيقن (العالم العادل الورع...)؟ وألا ترى ان القدر المتيقن من ( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) بيع النقد بالنقد؟ فهل اخل ذلك بالاطلاق؟ 

 

والحاصل: ان المنصور تبعاً للآخوند ان القدر المتيقن في مقام التخاطب هو المخلّ بالاطلاق لا غير، فان مقام التخاطب قد يصلح قرينة على تحديد مراد المتكلم، لكنه لا يوجد في الآية قدر متيقن في مقام التخاطب بإرادة الغناء فقط كما لا يخفى، واما تفسير الروايات للغو بالغناء والملاهي فهو إضافة إلى انه قرينة منفصلة([11]) وليس من مقام التخاطب فانه تفسير بالمصداق أو لا دليل على الأكثر من ذلك. فتأمل 

 

3- اللغو يعني ما لا فائدة فيه 

 

الوجه الثالث: ما ذكره الشيخ الطوسي في التبيان من (واللغو الفعل الذي لا فائدة فيه، وليس معناه أنه قبيح، لأن فعل الساهي لغو، وهو ليس بحسن ولا قبيح – عند قوم – ولهذا يقال: الكلمة التي لا تفيد لغو).([12]) 

 

أقول سبق ان القصد تارة يكون مقوّماً لصدق العنوان وأخرى لا، وفعل الساهي على نوعين فقد يكون القصد مقوّماً لقبحه وقد لا يكون، فمن الأول: ما لو سهى فأخطأ في أمر علمي أو شبهه([13]) ومن الثاني ما لو سهى فسبّ أولياء الله سباً بذيئاً أو كفر وألحد بالله تعالى فان هذا اللغو قبيح في حد ذاته، وان لم يكن الفاعل قاصداً، والحاصل انه نظير ما ذكروه عن المعصية الفعلية وإن لم تكن معصية فاعلية. 

 

وعلى أي فانه يمكن ان يكمل كلام الشيخ الطوسي بان ما لا فائدة فيه ليس بحرام للارتكاز وللسيرة ولغيرها فلا بد من صرف الآية عن ظاهرها في الاطلاق لو قيل بظهورها فيه وبكون ظاهرها الحرمة. 

 

وسيأتي تحقيق الكلام في معنى اللغو فانتظر، وللحديث صلة بإذن الله تعالى 

 

وصلى الله على محمد واله الطاهرين 

 

 

([1]) الفرقان: 72. 

 

([2]) الواقعة: 25. 

 

([3]) الطور: 23. 

 

([4]) المؤمنون: 1-3. 

 

([5]) القصص: 55. 

 

([6]) ومثلها سائر الآيات 

 

([7]) فقه الصادق ج21 ص347. 

 

([8]) أو فقل اسم الجنس المحلى به. 

 

([9]) أي القاعدة أو الظاهر. 

 

([10]) هذا حتى مع قطع النظر عما سبق من عدم الحاجة إلى مقدمات الحكمة وان المطلق كالعام عرفاً في الدلالة على الشمول بذاته. 

 

([11]) فهو دليل آخر على فرضه. 

 

([12]) التبيان ج7 ص511. 

 

([13]) كما لو أجاب عن المسألة خطأ سهواً في العاديات على الأقل وكما لو قال سهواً موضع الكتاب الكذائي في المكان الكذائي، ولم يكن، فان هذا القول ليس قبيحاً بذاته.