291- محامل ستة لروايات لعن ( آكل زاده وحده ... ) ـ النتيجة : اللعن ظاهر بل نص في التحريم
الاحد 18 ربيع الثاني 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النَجش
(مدح السلعة أو الزيادة في ثمنها ليزيد غيره)
(15)
محامل روايات لعن (آكل زاده وحده)
1- الملعون من وقع فعله([1]) مقدمة للحرام
سبق ان لِلعّن في رواية ((يَا عَلِيُّ لَعَنَ اللَّهُ ثَلَاثَةً: آكِلَ زَادِهِ وَحْدَهُ، وَرَاكِبَ الْفَلَاةِ وَحْدَهُ، وَالنَّائِمَ فِي بَيْتٍ وَحْدَه))(([2])) محامل ووجوهاً:
الوجه الأول: ان الملعون من الثلاثة هو من وقع فعله([3]) مقدمة للحرام كما لو سبب ذلك له الضرر أو الوقوع في المهالك والمخاطر فيكون فعله حراماً عقلاً أو وشرعاً أيضاً، فيكون اللعن على هذا قد تعلق بالمحرم لا المكروه، وقد تشهد لهذا بعض الروايات الآتية.
على انه وإن كان تخصيصاً ورفعاً لليد عن الظهور في العموم إلا انه قد يكون أولى من رفع اليد عن ظهور اللعن في الحرمة لكثرة التخصيصات في العمومات الموجبة لوهنها، سلمنا لكنهما يتعارضان فلا يصح الاستشهاد بكون هذا اللعن متعلقاً بالمكروه على كثرة أو حتى ورود استعماله فيه لكونه تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية، هذا لو لم يستظهر من الروايات الآتية كون مصب اللعن هو صورة المقدمية وإلا فدليل التخصيص هو ظهور بعض الروايات الآتية فيه. فتأمل
2- الأمور الثلاثة كنايات
الوجه الثاني: الكنائية، وقد مضى
لكن يرد عليه: ان (الزاد) وإن تكررت الكناية به عن المعنويات، لكنه لم ترد التكنية بآكل الزاد وحده عن (المهتدي الذي لا يهدي غيره والذي تخلى عن واجب هداية الضلال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر).. وكذا الحال في دعوى كنائية راكب الفلاة وحده والنائم في البيت وحده.
والحاصل: ان إمكان التكنية بشيء عن شيء غير مصحح للتكنية بها عنها فعلاً دون نصب قرينة واضحة مادام ذلك غير مأنوس للأذهان العرفية.
3- اللعن إرشادي
الوجه الثالث: ان اللعن إرشادي، أي انه إرشاد إلى ما في الأفعال الثلاثة من المضار والأخطار، فهو كالنهي الإرشادي أو الأمر الإرشادي، فكما لا يدل تجرد النهي الإرشادي عن الحرمة أو تجرد الأمر الإرشادي عن الوجوب([4]) على عدم ظهور الأمر المطلق (أو المولوي) على الوجوب أو النهي المطلق (أو المولوي) على الحرمة، كذلك لا يدل تجرد اللعن الإرشادي عن الدلالة على الحرمة على تجرد اللعن المطلق (أو المولوي) عليها. فتدبر جيداً([5]). وفي بعض الروايات الآتية إشارة بل تصريح ببعض مخاطر وأخطار تلك الثلاثة.
4- القضية خارجية
الوجه الرابع: ان القضية خارجية وليست حقيقية، فالثلاثة لم يتعلق بهم اللعن بنحو القضية الحقيقية ليقال بمسلمية كراهة الأفعال الثلاثة دون حرمتها، بل تعلق بهم اللعن بنحو القضية الخارجية، فكان ذلك محرماً في ظروف خاصة([6]) ولعل في بعض الروايات الآتية دلالات أو قرائن على ذلك، وان كان المستظهر خلافه.
5- اللعن لوجود ملاك الحرمة في الثلاثة
الوجه الخامس: ان اللعن لوجود ملاك الحرمة في الثلاثة، وان لم تحرم فعلاً لمقتضيات باب التزاحم ومنها مصلحة التسهيل لوضوح ان تحريم الثلاثة([7]) مستلزم للعسر والحرج بل مستلزم للشديدين منهما في أحيان كثيرة.
والذي يدل على وجود ملاك الحرمة فيها مجموعة من الروايات الآتية الدالة على المبغوضية الذاتية لهذه الأفعال وأن فاعلها شر الناس وشيطان أو شر خلق الله أو غاوي أو ما أشبه.
وعليه: فلو لم يدل دليل على المنع عن تأثير ذلك المقتضي لكان تام الاقتضاء في الحرمة ولحرم، لكنه حيث دل الدليل الخاص – ويكفي الإجماع القطعي على حليتها بعناوينها – على الحلية جازت.
والحاصل: ان اللعن لا يتعلق إلا بالمحرم فعلاً أو ملاكاً، والثلاثة من الأخير. فتأمل
قرائن في الروايات على بعض الوجوه السابقة
واما الروايات:
فمنها: عن ((عَلِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ الْمِنْقَرِيِّ، عَنْ حَمَّادٍ: عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام )، ...وَإِذَا شَكَكْتُمْ فِي الْقَصْدِ فَقِفُوا وَ تَآمَرُوا، وَ إِذَا رَأَيْتُمْ شَخْصاً وَاحِداً فَلَا تَسْأَلُوهُ عَنْ طَرِيقِكُمْ وَ لَا تَسْتَرْشِدُوهُ؛ فَإِنَّ الشَّخْصَ الْوَاحِدَ فِي الْفَلَاةِ مُرِيبٌ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عَيْناً لِلُّصُوصِ، أَوْ يَكُونَ هُوَ الشَّيْطَانَ الَّذِي حَيَّرَكُمْ، وَ احْذَرُوا الشَّخْصَيْنِ أَيْضاً إِلَّا أَنْ تَرَوْا مَا لَاأَرى؛ فَإِنَّ الْعَاقِلَ إِذَا أَبْصَرَ بِعَيْنِهِ شَيْئاً عَرَفَ الْحَقَّ مِنْهُ، وَ الشَّاهِدُ يَرى مَا لَا يَرَى الْغَائِبُ))([8]).
وهذه الرواية تصلح شاهداً على ان القضية خارجية إذ لا إطلاق لكون الواحد في الفلاة مريباً([9]) ولقوله ( عليه السلام ) ((إِلَّا أَنْ تَرَوْا مَا لَا أَرى)) فتأمل
كما تصلح شاهداً على الإرشادية في روايات اللعن، وعلى المقدمية أيضاً. فتأمل
ومنها: رَوَى عَلِيُّ بْنُ أَسْبَاطٍ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَسْلَمَةَ عَنِ السَّرِيِّ بْنِ خَالِد عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) ((أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِشَرِّ النَّاسِ قَالُوا بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَنْ سَافَرَ وَحْدَهُ وَ مَنَعَ رِفْدَهُ وَ ضَرَبَ عَبْدَهُ))([10]).
وهي من الشواهد على تحقق ملاك الحرمة خاصة مع تعبيره ( صلى الله عليه وآله ) بـ(شر الناس) وليس (من شر الناس).
ومنها ماَ رَوَى أَبُو خَدِيجَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) قَالَ ((الْبَائِتُ فِي الْبَيْتِ وَحْدَهُ شَيْطَانٌ وَ الِاثْنَانِ لُمَةٌ وَالثَّلَاثَةُ أُنْس))([11]) وهي دليل على الملاك أيضاً لمكان التعبير بانه شيطان؛ وكيف ينسجم وصفه بالشيطان مع كونه مكروهاً فقط فعلاً وملاكا؟
وكذلك الروايات الآتية فانها جميعاً تدل على قوة الملاك مما قد يستظهر من مجموعها تحقق ملاك الحرمة في الثلاثة، لولا المانع من مصلحةِ تسهيلٍ وغيرها، فهي كغسل الجمعة أو السواك الذي تحقق فيه ملاك الوجوب لولا مصلحة التسهيل.
ونظيرها: عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ أَبِيهِ عَمَّنْ ذَكَرَهُ عَنْ أَبِي الْحَسَنِ مُوسَى ( عليه السلام ) عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ ( عليه السلام ) فِي وَصِيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ( صلى الله عليه وآله ) لِعَلِيٍّ ( عليه السلام ) ((لَا تَخْرُجْ فِي سَفَرٍ وَحْدَكَ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ مِنَ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ يَا عَلِيُّ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَافَرَ وَحْدَهُ فَهُوَ غَاوٍ وَالِاثْنَانِ غَاوِيَانِ وَالثَّلَاثَةُ نَفَرٌ))([12]) والغاوي هو الضال.
وعن الإمام علي ( عليه السلام ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) (( نَهَى أَنْ يُسَافِرَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ وَ قَالَ الْوَاحِدُ شَيْطَانٌ وَ الِاثْنَانِ شَيْطَانَانِ وَ الثَّلَاثَةُ نَفْرٌ))([13]).
وعن مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ سِنَانٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ قَالَ: ((كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) بِمَكَّةَ إِذْ جَاءَهُ رَسُولٌ مِنَ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ مَنْ صَحِبْتَ قَالَ مَا صَحِبْتُ أَحَداً فَقَالَ لَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ ( عليه السلام ) أَمَا لَوْ كُنْتُ تَقَدَّمْتُ إِلَيْكَ لَأَحْسَنْتُ أَدَبَكَ([14]) ثُمَّ قَالَ وَاحِدٌ شَيْطَانٌ وَ اثْنَانِ شَيْطَانَانِ وَ ثَلَاثٌ صَحْبٌ وَ أَرْبَعَةٌ رُفَقَاءُ))([15]).
و((عَنِ ابْنِ الْقَدَّاحِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: نَزَلْتُ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السلام ) فَقَالَ يَا مَيْمُونُ مَنْ يَرْقُدُ مَعَكَ بِاللَّيْلِ أَ مَعَكَ غُلَامٌ قُلْتُ لَا قَالَ فَلَا تَنَمْ وَحْدَكَ فَإِنَّ أَجْرَأَ مَا يَكُونُ الشَّيْطَانُ عَلَى الْإِنْسَانِ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ))([16]).
6- المتعلَّق قرينة على صَرْف اللعن عن ظهوره في الحرمة
الوجه السادس: ثم ان إذا تم أحد الوجوه الخمسة السابقة فهو، وإلا فان الوجه السادس كفيل بحل الإشكال من أصله حتى مع تسليم استعمال اللعن في المكروهات وان الثلاثة منها فنقول:
ان المقام ونظائره يكون من موارد تعارض الظاهر مع النص أو ما هو بمنزلته ولا ريب في تقدم النص بل والأظهر أيضاً على الظاهر كما لا ريب في ان تقدمه عليه لا يخل بظهوره في انعقاد الإرادة الجدية للمولى على الظاهر في غير ما قام نص أو أظهر على الخلاف وذلك كالأمر الظاهر في الوجوب الذي يرفع اليد عنه كلما اصطدم بأظهر دال على انه أريد به الاستحباب أو الإرشاد.
والمقام كذلك، لأن اللعن ظاهر في التحريم لكنه يرفع اليد عنه بقرينة المتعلَّق لأن متعلقه وهو الثلاثة (آكل الزاد منفرداً و...) لا ريب في عدم حرمتها للإجماع وغيره فتكون قطعية عدم حرمة المتعلق كالنص – بل أقوى – الموجب لصرف اللعن المتعلِّق به عن الحرمة إلى الكراهة. فتدبر جيداً
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
([1]) وهو أكل الزاد وحده وركوب الفلاة وحده والنوم في بيت وحده.
([2]) من لا يحضره الفقيه ج4 ص359.
([3]) الأكل، ركوب الفلاة، والنوم وحده.
([4]) على المشهور وقد ناقشناه في كتاب (الأوامر المولوية والإرشادية) فراجع.
([5]) فان الأصل المولوية والإرشادية هي المحتاجة للدليل، ولغير ذلك.
([6]) خاصة مع صدور أغلب هذه الروايات عن الرسول ( صلى الله عليه وآله ) ثم الإمام الكاظم ( عليه السلام ) والرسول كانت ظروفه ظروف حرب وإقامة دولة وكان الجواسيس والعيون والمتآمرون عليه والقاصدون سوءاً به بكثرة كاثرة لذا كان يجب الحذر من أي راكب للفلاة وحدة أو آكل زاده وحده أو نائم في الفلاة وحده.
والإمام الكاظم ( عليه السلام ) كان يخطط كما يظهر من الروايات ومن أمثال قضايا النجاشي (الحاكم على الأهواز) وعلي بن يقطين (الوزير لهارون) لإقامة دولة الحق، لذا كان الحذر عن كل محتمل العينية – أي كونه عيناً وجاسوساً – واجباً، بل وبذلك تفسر روايات التحذير الصادرة حتى عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) والإمام الصادق ( عليه السلام ) او سائر المعصومين عليهم السلام لكون ظروفهم أحياناً بل أحياناً كثيرة كانت تقتضي شدة الحذر لتشديد السلطات عليهم وكثرة العيون والجواسيس عليهم وعلى أصحابهم. فتأمل
([7]) السفر والأكل والمبيت وحده.
([8]) الكافي (ط – الحديث) ج15 ص769.
([9]) بل قد يكون حارساً أو خفيراً أو ضائعاً، ولاختلاف الأزمنة والأمكنة في ذلك (كونه مريباً وعدمه) فتأمل
([10]) من لا يحضره الفقيه ج2 ص277.
([11]) من لا يحضره الفقيه ج2 ص279.
([12]) الكافي (ط – الإسلامية) ج8 ص303.
([13]) دعائم الإسلام ج1 ص348.
([14]) وهذا التعبير لا ينسجم مع كون العمل مكروهاً بل اما مع كونه حراما أو مع توفر ملاك الحرمة فيه.
([15]) الكافي (ط – الإسلامية) ج8 ص302.
([16]) الكافي (ط – الإسلامية) ج6 ص533.
الاحد 18 ربيع الثاني 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |