307- اجوبة ثلاثة تدل على ان ( يفسدون ) عنوان مستقل ـ وجه كون ( يفسدون ) أ ـ عنواناً مستقلاً ب ـ وجامعاً ج ـ ومشيراً ـ الجواب : عن توهم دلالة الفعل المضارع ( يفسدون ) على التكرر
الاثنين 17 جمادي الاولى 1436هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النميمة
(10)
الإشكال بان (يُفْسِدُونَ) مشير للمعاصي وليس عنواناً مستقلاً
وقد يستشكل على الاستدلال بالآية على حرمة النميمة بان (الإفساد في الأرض) ليس عنوانا مستقلاً للتحريم أي انه ليس بذاته موضوعاً له وليس حراماً نفسياً بل هو عنوان مشير إلى سائر المعاصي، فهو كمقدمة الحرام إلا ان مقدمة الحرام أمر ثبوتي و(الإفساد) عنوان إثباتي أي انه – على هذا الرأي - مشير ومرآة لما هو الحرام لا انه مقدمة له وان أمكن ان يكون مقدمة. قال السيد الوالد ( قدس سره ) في الفقه المحرمات: (الإفساد محرم بالأدلة الأربعة قال سبحانه: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمْ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)([1]) ويؤخذ الموضوع في ذلك من العرف، وهل هو محرم جديد أو الماع إلى سائر المحرمات؟ لا يبعد الثاني)([2])
وعليه: فما ثبت انه معصية شملته (وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ) وما لم يثبت لا يعلم شمول (يفسدون) له ولا يصح التمسك بالعام في الشبهة المصداقية له، فلا تصلح هذه الآية للاستدلال بها على حرمة النميمة إلا إذا ثبتت حرمتها بدليل آخر فلا تكون هذه الآية بنفسها دليلاً على حرمتها إلا على وجه دائر([3]) وعلى نحو التمسك بالعام في الشبهة المصداقية.
الأدلة على أن الإفساد عنوان استقلالي
ولكن الظاهر: ان (الإفساد في الأرض) عنوان استقلالي وليس آلياً فهو بنفسه الموضوع للتحريم، لا انه مشير إلى المحرمات الأخرى كمرآة لها حتى انه لو تجرد عنها لما حرم، ويدل على ذلك الوجوه التالية:
1- القاعدة فيما أخذ موضوعاً للحكم
الأول: ان الأصل – اي القاعدة - في كل عنوانٍ أُخِذ موضوعاً لحكمٍ انه هو الموضوع له، لا غيره وقد أخذ العنوان مرآة له؛([4]) فانه خلاف الأصل وهو المحتاج للدليل.
والمراد بالأصل: اما ظهور اللفظ في ذلك عند عرضه على الافهام العرفية، واما كون بناء العقلاء على ذلك (ان يأخذوا في موضوع أحكامهم العناوين المنطبقة عليها أي ما هو موضوعها حقاً لا العناوين المشيرة للموضوع الواقعي)، لا الأصل العملي لدى الشك الذي تحدد به الوظيفة العملية، وسيأتي.
2- انه من المستقلات العقلية
الثاني: انه يشهد لكون (الإفساد في الأرض) هو الموضوع للحكم بنفسه وبما هو هو وان له الموضوعية، ان حرمته بنفسه هي من المستقلات العقلية، فحرمته كحرمة السرقة أو الغصب بل هو أوضح منها، ولئن شك في كون حرمته من المستقلات العقلية – ولا شك – فانه لا يشك في ان قبحه بنفسه وبما هو هومن المستقلات العقلية، وهذا - وكما هو واضح - شأن الحرام أو القبيح النفسي دون الغيري.
بعبارة أخرى: يجد العقل (الإفساد في الأرض) بنفسه وبدون لحاظ أي شيء آخر يكون هو مرآة له، قبيحاً أو حراماً.
لا يقال: لا إطلاق لحكم العقل بحرمته إذ يشك في حرمة بعض مراتب الإفساد في الأرض أو أنواعها؟
إذ يقال: لو سلّم فانه لا ينفي النفسية إذ يكفي حكم العقل بحرمته في الجملة بنفسه لاستكشاف موضوعيته، كما يكفي حكم العقل بقبحه في ذاته ولو في الجملة.
إضافة إلى انه لو تمّ ذلك لجرى في مطلق المحرمات العقلية كالغصب والسرقة والظلم إذ قد يقال انه لا يعلم حكم العقل بحرمة سرقة حبة رمل من أرض الغير بل وقد يقال انه لا يعلم قبحه أيضاً مع فرض عدم تضرره بوجهٍ – نعم تشمله الإطلاقات النقلية – والشاهد هو ان الشك في بعض الحدود والمصاديق لا ينفي الحرمة النفسية للعنوان ككلي طبيعي وبما هو هو، بل لا يضر خروج بعض الأفراد حتى من مثل القتل عن الحرمة نظراً للمخصّص إثباتاً والمزاحم الأهم ثبوتاً بكونه حراماً ذاتاً ككلي طبيعي. فتدبر.
3- صحة الحمل في صورة الانفكاك
الثالث: صحة الحمل في صورة الانفكاك، فانه يشهد على حرمة الإفساد في الأرض – أو قبحه على الأقل – بذاته أنه لو فرض انفكاكه عن سائر المحرمات، كما لو لم ينطبق على أي عنوان من عناوين المحرمات الأخرى كالغصب والضرب والسرقة والقتل وقطع السبيل، فانه لا شك مع ذلك انه يرى العرف انه حيث انطبق عليه عنوان الإفساد في الأرض حتى مع الانفكاك فانه مشمول للآية الشريفة بجزائها. فتدبر
الإفساد عنوان مستقل وجامع ومشير
ثم ان الظاهر ان (الإفساد) هو مجمع أمور ثلاثة فهو: عنوان مستقل وجامع ومشير من غير تنافٍ بينها:
اما انه عنوان مستقل، فلما سبق
واما انه جامع فلأنه كلي طبيعي ينطبق على أنواع كثيرة من المعاصي يجمعها كونها إفساداً في الأرض، كقطع السبيل وترويج الكفر والبدع والضلالات والاغتصاب وإشاعة الفحشاء والمنكر وقتل الأنفس المحترمة وهتك الأعراض.. إلى غير ذلك ويجمعها الإضرار بالغير مطلقاً أو بدرجة بالغة.
واما انه مشير فلأن الظاهر صدق المفسد في الارض على من يقوم بالمقدمات لتلك المذكورات فمن يقوم بالتخطيط والتوجيه لقطاع الطرق والزمر الإرهابية ودعاة ومبلغي الكفرة والمشركين، وان فرض انه لا يصدق على نفس فعله هذا انه إفساد في الأرض بذاته، فانه يصدق عليه انه إفساد لوقوعه مقدمة له، وبعبارة أخرى: يصدق عليه بالحمل الشائع الصناعي انه ممن يفسدون في الأرض.
والحاصل انه قد يقال: ان الظاهر ان (وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ) أعم من المباشرة والتسبيب وأعم من فعل الإفساد نفسه أو فعل مقدماته، فالإفساد في الأرض موضوع، أو دالٌّ وإن توسعاً وبالقرينة لمناسبات الحكم والموضوع، على الجامع بين الثلاثة. فتأمل([5])
الثمرة في بحث النميمة
وثمرة ذلك في المقام هي ان النميمة مطلقاً مصداق (وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ)فتكون محرمة مطلقاً سواء أدت إلى التفريق بين المتحابين أم لا:
اما على الأول فلكونها مقدمة، وقد سبق ان المفسد في الأرض صادق بالحمل الشائع على من مهّد مقدماته نظير عنوان المؤذي الصادق على المباشر وعلى فاعل المقدمات.
واما على الثاني فلأنه بنفسه نوع إفساد من غير توقف على أدائه لإفسادٍآخر، فهو كالكذب وكالسرقة من حيث حرمتهما النفسية وإن لم تؤد إلى الإفساد أو الإضرار لكون المكذوب عليه عالماً بانه يكذب مثلاً ولكون المسروق منه مستغنياً عما سرق منه بل يمكن ان نفرض كونه منزعجاً منه([6])بحيث ينفعه ما قام به السارق من السرقة إلا انه لا يوجب ذلك جوازها للسارق ما لم يأذن له به المالك. فتأمل
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
الاثنين 17 جمادي الاولى 1436هـ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |