310- بحث تطبيقي : الصور الخمسة المحتملة في ( الافساد في الارض ) من حيث انطباقه على النميمة وكونه مجرى البراءة او الاشتغال
الاحد 23 جمادي الاولى 1436 هــ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين سيما خليفة الله في الأرضين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم
النميمة
(13)
بحث تطبيقي على النميمة: الصور الخمسة
ثم ان تطبيق تلك الأصول على النميمة يقتضي جريان البراءة في أربعة من الصور والحكم بالحرمة في خامستها في الجملة:
أ- الشك في وضع الإفساد لقطع السبيل أو للجامع
الصورة الأولى: لو شك في ان لفظ الإفساد هل وضع لقطع السبيل بخصوصه أو للدعوة للكفر بخصوصه إما بوضع تعييني لغوي أو بوضع تعيّني شارعي، أو انه وضع للجامع بينه وبين مختلف المعاصي الأخرى التي توجب الإضرار بالغير – أشخاصاً أو أشياءً – لغةً ولم يلحقه وضع جديد تعيني أو تعييني، وفرض عدم إحراز أصل لفظي أو أصل مستند إلى بناء العقلاء (وقد سبق بيانهما، إنما الكلام فيما لو لم يثبت أحدهما لدى الفقيه فكان مورد الشك ومحل إجراء الأصل العملي) فالمجرى هو مجرى البراءة وذلك لدوران الأمر بين الأقل والأكثر الاستقلاليين إذ ان الأقل وهو قطع السبيل مقطوع بشمول الآية له فهو حرام قطعاً على كل التقادير اما الأكثر فمشكوك، فلا يشمل النميمة بوجه([1]).
ب- الشك في وضعها بوضعين لهما
الثانية: لو شك في ان لفظه هل وضع بوضعين ليكون مشتركاً لفظياً والمقصود بالوضعين: الوضع للعام وهو للجامع والوضع مرة أخرى ولو بوضع تعيني للخاص وهو قطع السبيل، فالمجرى مجرى البراءة أيضاً.
ولا يتوهم ان المجرى مجرى الاشتغال بدعوى ان الوضعين متباينان؛ إذ سبق في ما أسسناه من الأصول في البحث السابق في الأمر الثالث ان المدار في منجزية العلم الإجمالي وعدمها على التباين المصداقي لا المفهومي، ونضيف: بان تباين الوضعين لا يستلزم تباين الموضوع لهما إذ الموضوع له الثاني قد يكون مبايناً وقد يكون أخص مطلقاً – كما في المقام – والمدار في المنجزية كون متعلَّقي التكليف الحاملين للمصلحة أو المفسدة متباينين أو أعم وأخص مطلقاً أو من وجه، وليس المدار هو نحوُ الوضع وانه حقيقة أو مجاز وانه وضع آخر أو مجرد استعمال؛ فان التكليف ينصب على متعلقه الواقعي الخارجي واللفظ مرآة من غير مدخلية لكونه موضوعاً له للفظ أو مستعملاً فيه حقيقة أو مجازاً، موضوعاً له للّفظ بنحو الاشتراك اللفظي أو المعنوي... الخ
ج- الشك في انه مشير للمعنى العام أو الخاص
الثالثة: لو شك في ان لفظ مشير إلى المعنى العام أو الخاص، فالمجرى البراءة كالصورتين السابقين، وبنفس البيان السابق.
د- لو تردد الأمر بين الثلاثة السابقة
الرابعة: لو تردد الأمر بين الثلاثة السابقة، فالمجرى البراءة لأنه لا يعدوها فان التردد في عالم الإثبات لا يخرج المترَّدد فيه عن حكم الآحاد في عالم الثبوت، وبعبارة أخرى: حيث كانت الصور الثلاثة السابقة كلها مجرى البراءة لم يعقل ان يكون المردد بينها مجرى الاشتغال.
ولا يتوهم ان هذه الصورة هي من مصاديق الصورة الرابعة السابقة([2]) والتي مضى ان المجرى فيها الاشتغال؛ إذ الدوران في تلك الصورة كان بين المشترك اللفظي (وكلا الطرفين متباينان) أو المعنوي بينهما (أي بين الطرفين المتباينين) فلا أقلّ متيقن في المقام بل التردد في نحوِ الوضع فقط، لكنه على كلا التقديرين الأكثرُ هو مدار الحكم، ولا شك وتردد بين الأقل والأكثر.
اما في المقام فالفرض هو ان هنالك أقل متيقن وأكثر مشكوك فيه لكن تردد في عالَم الوضع ان لفظ النميمة وضع 1- للجامع وأريد بنفسه أو أريد الأخص منه 2- أو وضع للجامع مرة وللأخص مرة أخرى 3- أو هو مشير للجامع أو للأخص. فتدبر جيداً.
هـ - الشك في وضعه للإفساد المنتشر أو الأعم
الخامسة: لو شك في ان الإفساد في الأرض وضع للإفساد بالمعنى الأخص وهو الإفساد المنتشر في الأرض الصادق على قطع السبيل أو على الدعوة للكفر أو انه وضع للإفساد بالمعنى الأعم الصادق على مطلق الإفساد كما قيل، ولم يكن أصل لفظي أو عقلائي محرِز كما هو مبنى البحث الآن، فان المجرى وإن كان البراءة عن الأكثر إلا انه ينتج حرمة النميمة في الجملة أي في صورة ما لو أوجبت الإفساد المنتشر في الأرض كما لو نمّ بين عشيرتين أو حزبين أو دولتين بما أوقع بينهما الفتنة والفساد من قتال أو شجار وضرب أو جرح أو شبه ذلك.
وفرق الخامسة عن الأولى ان الأخص في الأولى هو قطع السبيل أو الدعوة للكفر بخصوصهما وهما لا ينطبقان على النميمة بوجه فالمتيقن هو قطع السبيل أو الدعوة للكفر، واما في هذه الصورة فالأخص هو الإفساد المنتشر في الأرض الصادق على النميمة في الجملة.
وعلى أيّ فان النميمة الموجبة للإفساد في الارض تكون مشموله للآية لأنها ونظائرها القدر المتيقن منها فهي من المعلوم شمول الحكم لها لا لأصالة الاشتغال. فتدبر جيداً.
هل (في الأرض) ظرف أو قيد؟
ولا يخفى ان العنوان المأخوذ في الآية الشريفة هو (يفسدون في الأرض) ويفسدون من باب الافعال مع انه مقيد لفظاً بـ(في الأرض) فلو قيل بان (في الأرض) جارٍ مجرى الغالب كما في ((وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ))([3]) وانه ظرف معنىً لا قيدٌ، كان مطلق الإفساد حراماً وإن لم يصدق عليه انه إفساد في الارض أما لو قيل بانه قيد إذ الأصل الاحتراز وكونه جارياً مجرى الغالب خلاف الأصل لا يصار إليه إلا بدليل، فلا يحرم إلا خصوص ما صدق عليه عرفاً وبالحمل الشائع انه إفساد في الأرض.
وعلى الثاني لا يكون المحرم من النميمة إلا ما كان إفساداً في الأرض بقيد صدق كونه إفساداً في الأرض، اما على الأول فيكون المحرم منها مطلق ما كان إفساداً وإن لم يصدق عليه عرفاً فرضاً انه (إفساد في الأرض).
وصلى الله على محمد واله الطاهرين
الاحد 23 جمادي الاولى 1436 هــ
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |