||   بسم الله الرحمن الرحيم | اللهم كُن لوليّك الحُجَّة بن الحَسَن صَلواتُكَ عَليه وَعَلى آبائه في هذه السّاعة وفي كُلّ سَاعَة وَليّاً وَحَافِظا وَقائِداً وَ ناصراً ودَليلاً وَ عَينا حَتّى تُسكِنَه أرضَك طَوعاً وَتُمَتِعَه فيها طَوِيلاً | برحمتك يا أرحم الراحمين   ||   اهلا وسهلا بكم في الموقع   ||  


  





 344- فائدة فقهية صور خلف الوعد وأحكامها

 44- (وكونوا مع الصادقين)7 لماذا لم يذكر اسم الإمام علي عليه السلام في القرآن الكريم؟ -الجواب السابع عشر- إسم الإمام علي عليه السلام مذكور في القرآن الكريم

 275- (هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) 12 دور (الحكمة) وعلم المستقبل في نهضة الامة

 391- فائدة أصولية: ظاهرة نقل الإجماع والشهرة عند بعض الفقهاء

 الخلاصة من كتاب أحكام اللهو واللعب واللغو وحدودها

 بعض العوامل الاقتصادية لإنتاج الثروة ومكافحة الفقر

 183- تجليات النصرة الالهية للزهراء المرضية ( عليها السلام ) ــ ايام الاسبوع حواضن للقِيَم وجسور وروابط بالرسول ( صلى الله عليه وآله ) والزهراء والاوصياء ( عليهم السلام )

 325- فوائد لغوية: الفرق بين الهزل والمزاح

  331- (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) (6) الإحسان شرط قبول الأعمال و خفض العملة ظلم وعدوان

 161- امير المؤمنين على ابن ابي طالب(عليه السلام) امام المتقين (التعرّف والتعريف والتأسي والاقتداء)



 اقتران العلم بالعمل

 متى تصبح الأخلاق سلاحا اجتماعيا للمرأة؟

 الحريات السياسية في النظام الإسلامي

 فنّ التعامل الناجح مع الآخرين



 موسوعة الفقه للامام الشيرازي على موقع مؤسسة التقى الثقافية

 183- مباحث الاصول (مبحث الاطلاق) (1)

 351- الفوائد الاصولية: بحث الترتب (2)

 قسوة القلب

 استراتيجية مكافحة الفقر في منهج الإمام علي (عليه السلام)

 الأجوبة على مسائل من علم الدراية

 النهضة الحسينية رسالة إصلاح متجددة

 236- احياء أمر الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف)

 نقد الهرمينوطيقا ونسبية الحقيقة والمعرفة

 161- مفردات ومصاديق مبادئ الاستنباط (8): علم الاديان الفقهي والاصولي المقارن



  • الأقسام : 85

  • المواضيع : 4431

  • التصفحات : 23592292

  • التاريخ : 19/03/2024 - 06:35

 
 
  • القسم : دروس في التفسير والتدبر ( النجف الاشرف ) .

        • الموضوع : 220- اليقين محور الفضائل وحقائق حول ( الشك) وضوابط الشك المنهجي ومساحات الشك المذمومة .

220- اليقين محور الفضائل وحقائق حول ( الشك) وضوابط الشك المنهجي ومساحات الشك المذمومة
الاربعاء 5 صفر 1437هـ





بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، بارئ الخلائق أجمعين، باعث الأنبياء والمرسلين، ثم الصلاة والسلام على سيدنا وحبيب قلوبنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين الأبرار المنتجبين ، سيما خليفة الله في الأرضيين، واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم إلى يوم الدين، ولا حول ولاقوه إلا بالله العلي العظيم.
(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ)
(3)
- اليقين محور الفضائل -
وحقائق عن (الشك) وضوابط الشك المنهجي ومساحات الشك المذمومة
يقول تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[1]
محور الحديث يدور حول صفتي (اليقين) و(الشك) وموقعهما في الحياة, ومدى قيمة الشك في المعادلة، وقد مضى بعض الحديث عن ذلك في المحاضرة السابقة.
والظاهر من الآية الشريفة ان اليقين قيمة مطلقة، بل يظهر من العديد من الآيات والروايات ان (اليقين) هو أم الفضائل!!
ووجه دلالة هذه الآية الكريمة هو: ان درجة (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا) هي أعلى درجة يمكن ان ينالها مخلوق بشراً كان أم غيره، وهذه الدرجة العليا تفرعت على ( وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[2] بل ظاهر الآية التعليل إذ ( لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) وإن كانت العلة هي في واقعها حكمة – كما سبق-.
اليقين معاذ السلامة وكهفها
وللإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) كلمة مفتاحية حيث يقول: "الْيَقِينُ مَعَاذٌ لِلسَّلَامَةِ"[3]
وهي كلمة مختزلة أشد الاختزال الا انها تحتوي بحراً من المعنى.
و(المعاذ ) يعني: ما يعوذ به الانسان وما يلوذ ويلتجئ ويتكأ عليه، ومنه اخذت العوذة والتميمة، فكأنه قال اليقين ملجأ السلامة أي إليه تلتجئ السلامة.
و(السلامة) مطلقة اطلاقا أزمانياً فتشمل الدنيا والاخرة، كما هي عامة أفرادياً فتكون اجتماعية واقتصادية وسياسية وغير ذلك.
والحاصل: ان الظاهر ان (معاذ) مصدر ميمي فهو بفتح الميم ولا يصح أخذه مفعولَ بابِ الافعال من اعاذ يعيذ فهو معيذ وذاك معاذ بضم الميم إذ لا معنى لكون السلامة معيذة لليقين، والمقصود: ان الانسان الموقن تلازمه السلامة في كل حالاته وتقلباته واطواره في الدنيا والاخرة.
ولنذكر بعض المصاديق الجلية للفضائل التي تتفرع على اليقين الذي اسميناه (أم الفضائل) والذي علل به الله تعالى في الآية اختياره للأنبياء (عليهم السلام) أئمة للناس، كما انها تبرهن في الوقت نفسه ان اليقين معاذ السلامة:
1- فقد ورد في الحديث: "مَنْ أَيْقَنَ بِالْخَلَفِ جَادَ بِالْعَطِيَّة"[4]
لأن الجود بالعطية مرجعه الى اليقين فمن ايقن بالخلف من الله تعالى في الآخرة بل حتى في الدنيا، جاد بماعنده على الفقراء والمساكين والمؤسسات الدينية والبرامج الإنسانية والإسلامية.
ومن يجود بالعطية يضمن الخلف، وهو أعظم من العطية بما لا قياس، فيكون يقينه بالخلف هو سبب عطائه وعطاؤه هو سبب الاعواض الإلهية الكبرى وسلامته في الآخرة بل في الدنيا أيضاً فاليقين هو سبب سلامته فكان اليقين عوذته.
2- وعلى غرار ذلك ما ورد في زيادة ونمو الجاه ففي رواية عن الامام الكاظم (عليه السلام) جاء فيها:
"الشَّفَاعَةُ زَكَاةُ الْجَاه‏"[5]
فأن احد معاني الزكاة هو: النمو ومعناها الاخر الطهارة، فمن تشفع وتوسط في قضاء حوائج اخوانه المؤمنين زكى  أي نمى جاهه وزاد، كما تزكو نفسه وتطهر خلافا لما يعتقده البعض من ان التوسط ينقص القدر وفيه شيء من الذلة أو التذلل.
وما ذلك إلا لان الله تعالى هو الرزاق ذو القوة المتين، فمن بذل ماء وجهه في طريق رضاه زاده جاها الى جاهه ومكانة على مكانته كما طهّره من الذنوب بنفس القدر وطهّر جاهه مما علق به، واليقين بان الشفاعة زكاة الجاه عند الله تعالى وحتى عند الناس أيضاً هو أكبر باعث للمؤمن لكي يجعل الشفاعة لقضاء حوائج الناس، منهجه في الحياة.
3- كما ورد في الحديث إن اصحاب عيسى ع كانوا يمشون الماء ولو أزدادوا يقينا لمشوا على الهواء.
4- كما ورد ان اسم الله الاعظم متضمَّن في (بسم الله الرحمن الرحيم) فمن قال (بسم الله الرحمن الرحيم) جامعاً للشرائط مؤمناً مذعناً موقناً بتأثيرها وليس بنحو الاحتمال أو الظن والتجربة لمشى على الماء بل على الهواء بمشيئة الله جل جلاله.
والحاصل: ان اليقين هو المحور ونحن نواجه في أغلب الأحيان مشكله في اليقين في مختلف مراحل الحياة وفي مواجهة شتى التحديات، ولا بد من حل هذه المشكلة والسعي للوصول إلى مرتبة اليقين لتستقيم لنا حياة الايمان التي لا اروع منها ولا اجمل في العالم كله.
5- وفي الرواية: اذا دعوت فظن حاجتك في الباب
فمن كان مريضا واراد الشفاء والعافية فعليه ان يدعو الله تعالى متيقنا وليس مطمئنا فحسب، وعليه ان يتمثل ويتجسد ان شفاءه يدخل عليه من الباب ويوقن بذلك بمجرد ان ينتهي من دعاءه.
فاليقين هو ام الفضائل وعلينا ان نتحراه ونبحث عن اسبابه ونتائجه وثماره وموانعه وان نجدَّ الخُطى للوصول إليه أو إلى أدنى مراتبه على الأقل.
والحديث حول اليقين طويل الا ان هذا البحث معقود للتحدث عن قسيمه وهو الشك.
الشك: قيمته، شروطه، وساحاته
في الاتجاه الاخر يقع (الشك) وهو منقصة بلا ريب الا ان الكثير من علماء الغرب يعتقد بان الشك هو طريق المعرفة وانه طريق التكامل: فانك اذا اردت ان تصل الى حقيقة ما فعليك ان تشك بها اولا، فمثلا: من اراد الوصول الى الله عليه ان يشك فيه اولا كذلك الشك في قيمة مكارم الاخلاق والفضائل والشك في مختلف القضايا العلمية وفي كافة المحمولات والمواضيع ولكن ومع ذلك قد يصل المرء إلى الحقيقة والواقع وقد لا يصل...
هكذا يعتقد قسم منهم وهذه هي نظريتهم ولعله يمكننا تسمية هذه النظرية بــ(المنهج التشكيكي) والذي يقع في مقابل منهج (اليقين) والذي تدعو اليه الآيات القرآنية والروايات الشريفة عن أهل البيت (عليهم السلام).
قال تعالى: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ)[6]
وقال تعالى: ( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)[7] فلاحظ قوله تعالى ( الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) وقوله ( وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) وقوله ( وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) فالفضيلة، حسب الآية، هي في الإيمان بالغيب وليس في التشكيك به، وفي اليقين بالآخرة وهي التي لا تقع في أي مجال من مجالات التجربة الحسية، كما ان اليقين بآيات الله هو الذي جعله الله تعالى السبب لنيل الأنبياء مرتبة الإمامة العظمى.
والسؤال هو: هل هناك وجه للتوفيق بين المنهجين؟ بل هل نظرية الغرب، على إطلاقها، صحيحة أم لا؟
نقول: الكلام يقع في عدة ابعاد:
1- حقائق عن الشك.
2- الموقف من الشك.
3- شروط الشك المثمر.
4- مساحات الشك ومتعلقاته.
وابعاد اخرى ستاتي ان شاء الله تعالى.
حقائق عن الشك
الشك نقص لا كمال
الحقيقة الأولى: الشك نقص وليس بكمال وذلك لأن الشك يعني الجهل والشاك جاهل.. والجهل والجاهل ناقص بل الشك ذاتيُّهُ النقص.. ولا يمكن للجاهل بما هو جاهل ان يهتدي الى معرفة او الى معلومة ما فان الجهل والشك ليس بذاته طريقاً ولا كاشفاً ومرآة عن الواقع.
نعم قد تكون للشك فائدة إلا ان الفائدة غير الكاشفية والمرآتية كما ان هذه الفائدة تأتي لاحقا وكأستثناء وذلك كما لو كان الانسان جاهلا بزمن موته، فان ذلك من نعم الله علينا وبه يحصل للإنسان العادي الاستقرار والطمأنينة؛ لان الانسان العادي اذا علم بقرب اجله فان نظام حياته سيختل حتى لو علم انه سيموت بعد سنة مثلاً نعم من وصل درجة اليقين وكان واثقاً من إيمانه وعمله الصالح فانه لا يخيفه الموت ولا يخشاه وذلك كالأنبياء والأئمة او حتى الاولياء الواصلين كسلمان وابي ذر وغيرهما.
ولكي يتضح لنا جيداً ان (الشك) ليس طريقاً للمعرفة وان وقع – عَرَضَاً – كمقدمة للوصول إليها ينبغي ان نتأمل في المثال التالي:
لو سُئلت عن مسألة معقدة أو بسيطة وكانت للإجابة خيارات متعددة وكنت واثقاً ان (أ) يشكل الإجابة الخاطئة، لكنك اخطأت فأشرت دون انتباه إلى (أ) ثم تبين لك ان (أ) كانت هي الصحيحة.. فهل هذا يعني ان علينا ان نتخذ (الخطأ) طريقا للمعرفة أو هل يعني ان (الخطأ) منهج علمي للوصول إليها؟
وهل من الصحيح ان نقول للناس: اتركوا الصحيح وتشبثوا بالخطأ ؛ لان الخطأ يصيب (أحيانا)؟!
إن الخطأ وان اصاب أحياناً فانه لا يشكل قاعدة واصلاً يرجع إليه، خاصة وان اصابته احيانا إنما هي لمناسبات وعوامل خارجية قد تجعله منتجا نتيجة اقترانه بها.
والحاصل: ان نظرية ان الشك قد يكون طريقاً لاكتشاف الواقع وللمعرفة، باطلة، بل الطريق غيره وإن قارنه واقترن به.
ان مثلَ الشك هو مثل المرض اذ ان المرض نقص والصحة هي الكمال.. ومع ذلك فانه قد يكون المرض سببا لهداية الانسان المغرور او الضال أو سيء الخلق وذلك لا يغير من حقيقة المرض وماهيته شيئاً ولا يجعله كمالا او طريقا عاما للهداية بل يبقى المرض نقصا الا ان الله تعالى بلطفه ورحمته ـ وهو السبب الواقعي ـ قد يجعل بعض الامور اسبابا ظاهرية لهداية عباده وارشادهم، وما المرض الا من جملة الاسباب الظاهرية لهداية البعض.  
الشك سلاح ذو حدين
ثانيا: لو تنزلنا وقلنا ان للشك قيمة فنقول: الا انه سلاح ذو حدين، فلا ينبغي ان نعطيه دورا وموقعاً اكبر من حجمه واستحقاقاته.
والمثال الآتي يوضح هذه الإجابة أكثر:
فمثلا لو كنا في الصحراء وكانت لدينا بوصلة ولم نعتن بقراءتها وشككنا فيها ولم نمش على ضوئها، مع انها كانت صحيحة دقيقة فاننا يقينا سنضل في الصحراء القاحلة، وبالعكس: لو كانت البوصلة خاطئة واقعاً وكانت تشير للاتجاه المضاد، وشككنا فيها فلم نمش على ضوئها بل سرنا في الاتجاه المعاكس فاننا سنصل إلى بر الأمان.
ومعنى ذلك: ان الشك في الصحيح غلط وقد يجر على المرء الدواهي، والشك في الغلط صحيح[8] فقد يربحه الكثير الكثير فالشك إذن سلاح ذو حدين.
الموقف من الشك
وإذا كان كذلك فانه، وبنحو القضية الخارجية، اذا رأى العالم بالحقيقة ان شخصا مطمئنا بالحق ولو عن غير اجتهاد فانه لا يصح ان يشككه في اعتقاده إذا احتمل ان تشكيكه هذا سيقوده إلى رفض الحقيقة.
فمثلا لو كان الشخص مطمئنا بان (حب الوطن من الايمان) لو من غير دليل، فانه لا يصح ان نشككه في ذلك لان معتقده موافق للحق الواقعي المسلم، اللهم إلا لو احرزنا ان تشكيكنا له لا يؤثر فيه أو انه سيبعثه نحو التحقيق الأكثر فالاطمئنان الأكثر بهذه القاعدة الإنسانية الحقيقية، اما لو علمنا بل لو احتملنا انه سينسلخ بهذا التشكيك من وطنيته ثم لا يعود إليها فانه تشكيكه يُعدُّ جريمة وجناية بحقه وبحق الوطن وبحق الحقيقة.
وبالعكس من ذلك تماماً لو كان مطمئنا بالعكس وكان يعتقد بانه لا حرمة للمجتمع وان القتل وسفك الدماء هو ما ينبغي ان يعم الجميع كما يعتقد ذلك الارهابيون بالفعل إذ تجدهم يقتلون الأبرياء في الاسواق والطرقات والطائرات وفي كل مكان وزمان وفي كل الحالات فينبغي ان يشككوا في ذلك على أقل التقادير إن لم يمكن صرفهم عن اعتقادهم هذا باي وسيلة ممكنة.
والحاصل: انه بنحو القضية الحقيقة فان (اليقين) أي المطابق للواقع[9] هو الكمال وله القيمة كل القيمة، في حين ان الرذيلة كل الرذيلة للجهل والشك بالحقيقة والواقع، اما بنحو القضية الخارجية ولغة الخطاب ففي الأمر تفصيل على حسب الحالات والظروف والشخصيات.
وعليه: فان لغة الخطاب، في القضية الخارجية، لا بد ان تختلف ولا يصح ان نصدر حكماً عاماً بجودة الشك وفائدته ونسوق الجميع بعصا واحدة وسياتي مزيد ايضاح لذلك ان شاء الله تعالى.
شروط الشك
لا شك في ان الشك مما يحصل للبشر كثيرا ما في الكثير من القضايا والحقائق والأمور، الا ان الغرب[10] يشجع عليه اكثر مما يحتمله ومما ينبغي ويحاول تعميمه وادخاله في كل شيء وفي كل الدوائر حتى في  المستقلات العقلائية – ومنها وجود الله تعالى ووحدانيته – وحتى في القيم الأخلاقية العليا والكلام هو انه اذا كان الشك امرا حاصلا بالفعل بشكل قهري أو طوعي، وبشكل تلقائي أو مخطط له فما هي ضوابطه وشروطه لكي يكون منتجا؟
الجواب: هناك مجموعة من الضوابط نذكر منها:
الشك في المحل القابل والموضوع الصالح
1- ان يكون الشك والتشكيك في المحل القابل وفي الموضوع القابل اما التشكيك لا في المحل القابل ولا في الموضوع القابل فهو ظلم وضلال وإضلال وإفساد.
مثال ذلك: شخص يعرف والده وسلسلة نَسَبِهِ الا انه يريد التأكد اكثر فلاباس ان يشك في ذلك اولا ويبدأ البحث والتحقيق من نقطة الصفر، ولكن، وفي المقابل فان تشكيك طفل صغير في الثالثة أو الخامسة من العمر مثلاً بنسبه وانه من ادراك بان هذا والدك وهذه أمك، يُعدّ – عقلائياً – من أنواع الفساد والإضلال وليس امرا عقلائيا.
وكذلك تشكيك المعلم للأطفال في الابتدائية بالقواعد الرياضية أو بمسلمات الجغرافيا مثلاً.
فالمفترض ان يكون الشك في المحل القابل (أي الشخص القابل ). والكلام نفس الكلام في الموضوع القابل أي المسائل التي يصح ان يُشكك فيها، كما سيأتي:
ان يكون لك مرشد ودليل
2- ان يكون لك حين الشك مرشد خبير، والمرشد اما داخلي وهو الفطرة او خارجي وهو الوحي والانبياء والائمة ع والقران الكريم او العلماء بالله تعالى أو حتى العلماء والخبراء في الفيزياء والكيمياء والفلك والرياضيات وغيرها.
اما التشكيك بلا مرشد فانه كثيراً ما يكون طريقاً الى الاضلال والافساد.
وهنا نجد ان الامام المجتبى (عليه السلام) يرشدنا إلى عمق الحقيقة في كلمته القيمة: "وَاعْلَمُوا عِلْماً يَقِيناً أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا التُّقَى حَتَّى تَعْرِفُوا صِفَةَ الْهُدَى"[11] ومعنى ذلك: ان طريق المعرفة هو معرفة الهدى وصفته وعلاماته وليس الشك كما يزعمون.
والتقى: أي ما تتقيه فانه لا يمكن للانسان ان يتقي المزالق والمهاوي والمخاطر حتى يعرف الهدى والحق والطريق الموصلة إلى بر الأمان.
ثم ان الامام (عليه السلام) يشير بعد ذلك إلى التولي والتبري وإلى انكم لن تعرفوا الرسول واهل البيت (عليهم السلام) حتى تعرفوا اعدائهم ومبغضيهم وان اكثر الناس لا يعرفون مايتقونه حتى يعرفوا ما يهتدون به وهو العقل الباطن والانبياء والرسل والأئمة (عليهم السلام)، يقول (عليه السلام): " وَلَنْ تَمَسَّكُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ" أي الذي تركه وراء ظهره "وَلَنْ تَتْلُوا الْكِتَابَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي حَرَّفَهُ فَإِذَا عَرَفْتُمْ ذَلِكَ عَرَفْتُمُ الْبِدَع".
فلا يقولن احد ليس من المهم أبداً معرفة الأشخاص ما دمت اعرف المبادئ والقيم، كلا فان الاشخاص والقادة هم الذين يخدعون الناس من حيث يعلمون ومن حيث لا يعلمون.
ذلك ان السير وراء الاشخاص من القادة والزعماء والكبراء وأتباعهم بشكل أعمى أو بدون تثبت هو امر شائع ومستحكم عند اغلب الناس في مختلف الديانات بل حتى لدى المثقفين والعلماء فضلا عن العوام وسواد الناس ولذا نجد ان أغلب الناس يعرفون رسول الله (صلى الله عليه وآله) أو عيسى المسيح أو الامام الصادق (عليه السلام) ومكانته مثلا ثم يهتدوا بهداه.. وفي الطرف الاخر نجد الكثير من العلماء والعوام الذين يتبعون الطغاة وأئمة السوء وأرباب الديانات الباطلة نتيجة إيمانهم بالشخص القائد نفسه، ومن هنا كان هناك ائمة حق وائمة ضلال على مر التاريخ وسيبقى الامر الى ان تقوم الساعة.
"فَإِذَا عَرَفْتُمْ ذَلِكَ عَرَفْتُمُ الْبِدَعَ وَ التَّكَلُّفَ" أي عرفتم البدع عبر معرفتكم المبتدعين كما عرفتم التكلف في تفسير كتاب الله تعالى عبر معرفة المتكلفين تفسيره بغير علم ولا كتاب مبين "وَرَأَيْتُمُ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ وَالتَّحْرِيفَ وَرَأَيْتُمْ كَيْفَ يَهْوِي مَنْ يَهْوِي وَلَا يُجْهِلَنَّكُمُ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"
وهنا محور الكلام "وَلَا يُجْهِلَنَّكُمُ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُون‏" أي الذين لا يعلمون وهم الجهلة حقيقة لا يأخذوا بأيديكم الى حيث جهلهم وترددهم في غيهم وضلالهم فمن يقول لك: عليك ان تشك في هذه الحقيقة العقلية وفي تلك الحقيقة الإلهية كما هو دأب المنهج التشكيكي، انما يقول ذلك لأنه جاهل لا يعلم ولو كان يعلم الحق لما شكك فيه غيره.
ثم ان الامام (عليه السلام) يعطينا المقياس والمرشد فيقول: "وَالْتَمِسُوا ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِهِ فَإِنَّهُمْ خَاصَّةً نُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِمْ وَأَئِمَّةٌ يُقْتَدَى بِهِمْ، بِهِمْ عَيْشُ الْعِلْمِ" أي ان العلم يعيش ويحيى بهم "وَمَوْتُ الْجَهْلِ" فكأن الجهل مخلوق يموت وينعدم عند وجود الادلاء إلى الله تعالى وإلى كافة الحقائق وهم اهل البيت (عليهم السلام) "وَهُمُ الَّذِينَ أَخْبَرَكُمْ حِلْمُهُمْ عَنْ جَهْلِهِمْ وَحُكْمُ مَنْطِقِهِمْ عَنْ صَمْتِهِمْ وَظَاهِرُهُمْ عَنْ بَاطِنِهِمْ لَا يُخَالِفُونَ الْحَقَّ وَلا يَخْتَلِفُونَ فِيهِ..."
والخلاصة: انه لا بد من وجود المرشد والهادي عند الابتلاء بكل حالة شك أو بكل موجة تشكيكية.
ولنمثل لذلك بمثال من علم الفقه:
ففي الفقه والاصول عندنا مرشدان: العرف في الموضوعات والشرع في الأحكام فان العلماء كثيرا ما يختلفون في الموضوعات الا ان مرشدهم في ذلك ومرجعهم الأخير هو العرف.
فمثلا في بحث التعارض جرى بحث مفصل عن مصب (التعارض) وهل هو الحجية، ام الظهور المستقر, او هو الظهور البدوي؟ وهل المتعارضان هما المتعارضان في مرحلة الحجية؟ أم في مرحلة الظهور؟ ثم: المراد الظهور البدوي كما في موارد الجمع العرفي أم المستقر كما في المتباينين؟
وبعبارة أخرى: ما الذي يفهمه العرف من التعارض؟ وهل دائرته تشمل العام والخاص؟ والمطلق والمقيد؟ والحاكم والمحكوم ام لا؟
ففي كل هذه البحوث وغيرها وهي بحوث دقيقة ومعمقة نرجع في النهاية الى المرشد العام وهو العرف، وكذلك الأمر في بحث الربا في المكيل والموزون أو المعدود وفي مفهوم الغناء ومفهوم البيع.. الخ.
فالمجتهد يشك قبل البحث واستفراغ الوسع ثم يبحث ويحلل، ثم يرجع بعد ذلك كله الى مرجع جعله له الشارع المقدس في الموضوعات وهو العرف.
اما الاحكام فأيضاً كثيراً ما يختلف المجتهدون الا ان مرجعهم في ذلك الى الكتاب والسنة والعقل فانها الحجة النهائية لو ثبتت.
ان يكون الشك منهجياً
3- ان يكون الشك ممنهجا بمعنى ان يكون علميا فاذا كان الشك يسير وفق منهج صحيح فان الفحص والبحث الذي يتلوه[12] قد ينتج ويثمر.
مثال ذلك (التناقض) هل هو محال ام لا؟
ان الجواب واضح لدى العلماء والفضلاء ولكن قد يعتقد بعض من لا خبرة له ان ذلك ليس محالا وقد يستشهد على ذلك بأمثلة واهية وضعيفة، لكن هذا الشك والتشكيك ثم الانكار ليس منهجيا وذلك لسبب هام وهو انه (لم يتصور) الموضوع على حقيقته لان كثيراً من القضايا يكون تصورها مساوقاً لتصديقها.
فهو لم يفهم حقيقة معنى التناقض وانه يشترط ان تتوفر فيه ثمان وحدات كي يكون تناقضاً حقاً، وهي: وحدة الموضوع، ووحدة المحمول، والشرط، والاضافة، والجزء والكل، والقوة والفعل، والزمان، والمكان، واضاف البعض وحدة الرتبة في الحقائق التشكيكية كالنور والعلم، واجاب البعض بانها تعود الى وحدة الموضوع وهو الصحيح، بل الدقة تقودنا إلى انها كلها تعود الى وحدة الموضوع والمحمول.
والجاهل بهذا التصور الدقيق لمعنى التناقض يشك ويشكك طبيعيا إلا ان جهله ليس منهجيا بالمرة.
مثال اخر من علم الكلام: هناك من ينكر علم الرسول الائمة بالغيب ويعتبر ذلك شركا وكفرا.. وما ذلك ان لانهم لايعرفون معنى الشرك اصلا وان الشرك هو الشرك العرضي، اما الطولي فليس شركاً فان من يقول: انني قادر على فعل الطاعة وترك المعصية ولست مجبوراً أو انني قادر على تحريك يدي ورجلي مثلاً فانه لا يقال له: انت مشرك لان الله هو القادر وحده لا شريك له!! وذلك لان قدرته على تحريك يده أو رجله أو أي شيء آخر أو على الصلاة والصوم هي بإذن الله تعالى، وكذلك الأمر في العلم بالغيب أو الشهود فانه بإذن الله تعالى، فليس بشرك، إضافة إلى وضوح اننا نعلم كثيرا من المعلومات ومنها معلومات غيبية[13] كظهور الشمس غدا وبعد غد فهل اصبحنا شركاء لله في هذا العلم؟
ان هذا كلام لا قيمة له الا عند اولئك الذي عاثوا في الارض فسادا وتخبطوا في ظلام الجهل فاخذوا يكفرون كل من يخالفهم وادعوا كفر كل من لا يوافقهم ثم سفكوا دماء الناس بلا جرم أتوه ولا حق ضيّعوه.
وهكذا الكثير ممن ينكر المفاهيم الحقة كالإمامة والعصمة والبداء والرجعة وغير ذلك فان الكثير من المنكرين لا يوجد لديه تصور صحيح عن معاني هذه المفاهيم.
والحاصل: ان الشك ينبغي ان يكون منهجيا ومن أركانه: ان يكون بعد تصور الموضوع بما هو هو وبشكل دقيق وكامل.
مثال آخر: قوانين الإسلام، فان كثيرا من الناس وحتى بعض الدارسين عندما تذكر له قانوناً من قوانين الإسلام فانه لا يصدق به بل قد يعتبره امرا غير مقبول كما حصل ذلك لبعضهم عندما ذكرت له قانون ( الارض لله ولمن عمرها ) وهو قانون وقاعدة متفق عليها بين الفريقين لانها مستمدة من رواية نبوية مجمع عليها، اعترض وقال لا يمكن ذلك بل الأرض هي للدولة!!
وهذا التشكيك ليس منهجيا لسبب آخر وهو انه مادام مسلماً مؤمناً بالقرآن والرسول (صلى الله عليه وآله) والأئمة (عليهم السلام) فانه لا يصح أن يرد أحكامهم لمجرد انه اعتقد بما تربي عليه في المدارس أو الكتب من ان الأرض هي للدولة لا غير! قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[14]
مساحات الشك
وهناك مساحات شك ممنوعة او مذمومة نشير إليها بإيجاز الآن:
منها: مكارم الأخلاق، فان الكثير من الناس قد يشكك في مكارم الاخلاق ويعلل ذلك ببعض الآثار السلبية التي قد تنجم عن (الحلم) مثلاً رغم انه من مكارم الأخلاق وقد وردت فيه آيات وروايات متعددة مدحا وحثا الا ان البعض قد يشكك فيه؛ مدعياً انه قد يترجمه الآخرون على أساس انه ضعف مثلا.
وهكذا (إصلاح ذات البين ) و( التواضع) و( الكرم) و ( الاحسان) وغير ذلك، فانها جميعاً حسنات ومكارم ولا ينبغي ان تثنينا عنها وتشككنا فيها بعض الطوارئ السلبية التي قد تحتوشها لوضوح ان ذلك من باب التزاحم وأنّ فوائدها على الفرد والأسرة والمجتمع أكثر من مضارها، بكثير جداً.
ومن مساحات الشك المذمومة: المستقلات العقلية, وسيأتي بحثها وبحث غيرها من المساحات ان شاء الله تعالى.
ختاماً لنتذكر مرة أخرى قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ) وكلمة الإمام المجتبى (عليه السلام): "الْيَقِينُ مَعَاذٌ لِلسَّلَامَةِ" فاليقين هو الملاذ والملجأ وهو الحماية والوقاية وبه الفلاح والنجاح.
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين
========================

  طباعة  ||  أخبر صديقك  ||  إضافة تعليق  ||  التاريخ : الاربعاء 5 صفر 1437هـ  ||  القرّاء : 14105



 
 

برمجة وإستضافة : الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net