81- من فقه الحديث: الوجوه المتصورة في قوله عليه السلام (المصلح ليس بكذاب)
3 ذي الحجة 1437هـ
من فقه الحديث: الوجوه المتصورة في قوله عليه السلام (المصلح ليس بكذاب)*
ورد في الكافي الشريف عن علي بن إبراهيم عن أبيه عن عبد الله بن المغيرة عن معاوية عن عمار عن أبي عبد اللهعليه السلام قال: (المصلح ليس بكذاب[1]) [2].
و الوجوه والمحتملات في قوله عليه السلام (المصلح ليس بكذاب) أربعة:
الوجه الأول: هو نفي الحقيقة ادعاءً وتنزيلاً
إن المراد من قوله (عليه السلام): (المصلح ليس بكذاب) هو نفي الحقيقة - أي حقيقة الكذب - ادعاءً وتنزيلاً، نظير قول أمير المؤمنين عليه السلام في نهجه: ( يا أشباه الرجال ولا رجال ) [3] فان نفي الرجولة عنهم هو من باب التنزيل؛ إذ انهم انسلخوا من صفات الرجولة كالشجاعة والبطولة والغيرة والحمية فنزّلهم (عليه السلام) منزلة اللارجال، وهو يقع في مقابل الحقيقة الادعائية[4]؛ إذ هي إثبات وحمل ادعائي، وهذا سلب ونفي ادعائي.
وبهذا الوجه يمكن تفسير (لا ربا بين الوالد والولد) على قرب، كما يمكن تفسير (لا ضرر ولا ضرار في الإسلام) به، على بُعد.
الوجه الثاني: انّ النفي هنا بلحاظ الحكم لا الموضوع
إن النفي إنما هو بلحاظ الحكم لا الموضوع، فيكون معنى (المصلح ليس بكذاب): انّه ليس بكذاب كذباً محرماً، ولكن هذا الوجه هو خلاف الظاهر، وبعيد.
الوجه الثالث: انّ الكذب الشرعي هو المنفي دون اللغوي
ما نقله العلامة المجلسي قدس سره[5] عن بعضٍ، ومفاده – بتصرف -: إن هنالك حقيقة شرعية اصطلاحية للكذب، وانه لدى الشرع غير الكذب العرفي، وان الشارع نقل الكذب إليها، وهي: (ما لا يطابق الواقع ويذم قائله) فان هذا المجموع المركب يسمى كذباً، ولو لم يذم القائل فليس بكذب، واما الكذب العرفي فهو عدم مطابقة ظاهر القول للواقع[6] بدون ذلك القيد, قال العلامة المجلسي قدس سره: (وقيل: انه لا يسمى كذباً اصطلاحاً، وان كان كذباً لغة؛ لان الكذب في الشرع ما لا يطابق الواقع ويذم قائله, وهذا – أي الكاذب في الإصلاح – لا يذم قائله شرعا ) [7] انتهى.
لكن الحقيقة الشرعية بعيدة، ومدخلية الذم في صدق عنوان الكذب ابعد.
الوجه الرابع: انّ عدم الكذب إنما هو على أحد مباني الصدق والكذب
إن قوله عليه السلام: (المصلح ليس بكذاب) مبني على بعض المباني في الصدق والكذب وتعريفهما؛ إذ ان هناك – كما سبق- عدة مبان: منها إن الكاذب هو من لم يطابق ظاهر قوله الواقع، ومنها ما لم يطابق الاعتقاد الواقع، واما المبنى الثالث – وهو ما ذهب إليه الشيخ الأنصاري قدس سره – فان الكذب فيه هو عدم مطابقة المراد (أي بالإرادة الجدية) للواقع (دون الإرادة الاستعمالية )، والمصلح ليس بكذاب مبني على هذا المبنى او سابقه؛ ذلك إن الإرادة الجدية ليس مصبها ما ظهر من كلام المصلح في عملية إصلاحه بين الطرفين، وإنما ذلك كان مقتضى الإرادة الاستعمالية؛ إذ المصلح يعلم – حال الإصلاح - إن ما تكلم به ليس بصحيح فلا يقصده عن جد ,كما انه لا يعتقد بصحة ما يقوله (أي في نقله الكاذب عن احد الطرفين انه مثلاً مدح الطرف الآخر) ,فتأمل.
والمستظهر: إن مراد الإمام عليه السلام هو نفي الحقيقة ادعاءً وتنزيلاً، فيكون الكلام في دائرة الموضوع لا المحمول والحكم، وعلى نحو الادعاء لا النقل والوضع.
--------------------------------------------------------------
* مقتطف من كتاب ( رسالة في الكذب في الاصلاح)، و هو ضمن سلسلة دروس المكاسب المحرمة في مبحث الكذب ، يراجع الدرس رقم: 217
3 ذي الحجة 1437هـ